الماء المستعمل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو الماء الذي يستعمل في رفع الحدث و الخبث.
(وما يرفع به الحدث الأصغر طاهر ومطهّر) مطلقاً من الحدث والخبث، فضلةً وغسالةً، بإجماعنا، والأصول، والعمومات، مع خصوص بعض المعتبرة.
ففي الخبر : «أمّا الماء الذي يتوضأ به الرجل فيغسل به وجهه ويده في شيء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به».
وفي آخر : «كان
النبي صلي الله عليه و آله وسلم إذا توضّأ اخذ ما يسقط من وضوئه فيتوضّؤون به».
ويستفاد من الأول من جهة العموم نفي الكراهة مطلقاً، فما نقل عن المفيد ـ من القول باستحباب
التنزه عنه
ـ لا وجه له.
(وما يرفع به
الحدث الأكبر ) مع خلوه عن النجاسة (طاهر) إجماعاً؛ لأكثر ما تقدم، والأخبار به مستفيضة، منها الصحيح : «عن الجنب يغتسل فينتضح من
الأرض في الإناء، فقال : لا بأس، هذا ممّا قال اللّه تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)».
ومطهّر عن الخبث أيضاً بلا خلاف، كما عن
السرائر والمعتبر والتذكرة والمختلف و
نهاية الإحكام؛
لنصّهم على حصر الخلاف فيما سيأتي، بل وعن
المنتهى وولده
الإجماع عليه.
وتوهّم وجود الخلاف هنا أيضا عن
الذكرى مدفوع بعدم التصريح بكون المانع هنا منّا، فلعلّه من العامة، ولا بعد فيه، كما اتفق له في بحث وجوب الوضوء لغيره، حيث نسب القول بالوجوب النفسي إلى القيل،
مع عدم وجود القائل به منّا، وتصريحه في قواعده بكونه من
العامة العمياء.
وكيف كان فلا شبهة فيه لما تقدّم، وفقد ما يدل على المنع، و
اختصاص ما دلّ على المنع من رفع الحدث به ـ على تقدير تسليمه ـ بمورده مع عدم دليل على التعدّي.
(وفي جواز رفع الحدث به ثانياً قولان) مختار الصدوقين والشيخين
(و) هو (المروي) في بعض المعتبرة (المنع) منه. ففي الصحيح : عن ماء الحمّام، فقال : «ادخله بإزار، ولا تغتسل من ماء آخر، إلّا أن يكون فيه جنب أو يكثر فيه أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا».
وفي القاصر سنداً بأحمد بن هلال، فقد روي فيه : ذموم ونسب إليه الغلو.
: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من
الجنابة لا يتوضّأ (منه) وأشباهه».
وفي مثله (لجهالة رواية، وهو
حمزة بن أحمد .
) : عن الحمّام فقال : «ادخله بمئزر، وغضّ بصرك، ولا تغتسل من
البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و
ولد الزنا والناصب لنا
أهل البيت وهو شرّهم».
والأوّل مع عدم صراحته في
الأمر بالتنزه لكون
الاستثناء عن النهي عن
الاغتسال بماء آخر في صورتي المستثنى أعم من الأمر بالاغتسال به فيهما، للاكتفاء في رفع النهي
بالإباحة . ظاهر في مساواتهما في الحكم بالتنزه عن المستعمل فيهما، ولا قائل بذلك، ولعل في ذلك
إشعاراً بالكراهة.
والأخيران مع قصورهما سنداً؛ ولا جابر لهما في المقام وإن نقل في الخلاف
اشتهار القول بالمنع،
لعدم معارضة الشهرة المنقولة للشهرة المتأخرة المتحققة. غير صريحي الدلالة، لاحتمال كون النهي عن ذلك لغلبة
احتمال وجود النجاسة في المغتسل من الجنابة، ولا بعد فيه. والشاهد عليه أنه تضمنت الأخبار المشتملة على بيان كيفية
غسل الجنابة الأمر بغسل الفرج، ففي الصحيح : عن غسل الجنابة، فقال : «تبدأ فتغسل كفيك ثمَّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك» الحديث.
والمعتبرة في معناه مستفيضة.
وهو احتمال راجح، فيندفع به
الاستدلال . ومع جميع ذلك فهي معارضة باستصحاب بقاء المطهرية، والعمومات الآمرة باستعمال الماء والناهية عن التيمم مع التمكن منه، ومحض
الاستعمال لا يخرجه عن
الإطلاق . فاندفع بذلك
الاحتياط المستدل به هنا على المنع على تقدير وجوبه في العبادات، وإلّا فهو ساقط من أصله.
فإذاً القول بالجواز أظهر، كما هو بين المتأخرين أشهر. ويدل عليه أيضا الصحيح : الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره أغتسل من مائه؟ قال : «نعم لا بأس أن يغتسل ( منه ) الجنب».
وترك الاستفصال عن
انفصال الماء المسؤول عنه عن المادة وعدمه وعن كونه فضالة أو غسالة دالّ على العموم.
وفي آخر : «فإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه، فإنّ ذلك يجزيه».
واعترف الشيخ بدلالته على الجواز إلّا أنه حمله على الضرورة، وقوفاً على ظاهره.
وأصرح منه الصحيح الآخر : عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه من بئر، فيستنجي فيه
الإنسان من بوله، أو يغتسل فيه الجنب، ما حدّه الذي لا يجوز؟ فكتب : «لا تتوضأ من مثل هذا إلّا من ضرورة إليه».
وترك
الاستفصال عن الكثرة وعدمها دليل العموم. وظنّي أن التجويز في حال الضرورة هنا أمارة الكراهة في غيرها، ولا ريب أن الترك مهما أمكن أحوط.
وينبغي القطع بعدم المنع فيما ينتضح من
الغسالة في الأثناء فيه، كما يفهم من بعض المانعين للصحيح : الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في
الإناء ، فقال : «لا بأس، ما جعل عليكم في الدين من حرج».
وكذلك الفضالة؛ للصحيح في اغتسال النبي صلي الله عليه وآله وسلم مع عائشة في إناء
. فتأمل.
وكذلك الكثير للصحيح المتقدم في الغدير المجتمع فيه ماء السماء. والصحيح الآخر : عن الحياض التي ما بين
مكة إلى
المدينة ، تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منه الحمير ويغتسل فيها الجنب، يتوضأ منها؟ فقال : «وكم قدر الماء؟» قلت : إلى نصف الساق، وإلى الركبة، وأقلّ. قال : «توضأ منه».
وربما يستفاد من جمع عدم الخلاف فيه،
وربما أوهم بعض العبارات ثبوت الكراهة فيه.
وما تقدّم من الأخبار موردها الجنب، فإلحاق الغير به يحتاج إلى دليل. والإجماع غير معلوم لاختصاص بعض العبارات به، كالأخبار. وتنزيله على التمثيل يتوقف على الدليل. ومعه في أمثال الزمان لا يحصل العلم به ولم يتصدّ أحد لنقله ليجب
اتباعه . إلّا أنّه في الجملة مع ذلك غير بعيد بشهادة
الاستقراء ، حيث إنّ المستفاد منه
اشتراك الحائض ومن في حكمها معه في كثير من الأحكام. ولكن يبقى الكلام في غيرهما، كالمستحاضة الكثيرة مثلاً، ولعلّ فتوى أكثر الأصحاب كافية في ثبوت الكراهة. واللّه أعلم. وممّا ذكر يظهر عدم الكراهة في المستعمل في الأغسال المندوبة، ولعلّه لا خلاف فيه، كما صرّح به جماعة،
وأفتى به بعض المانعين.
رياض المسائل، ج۱، ص۶۲- ۶۴.