• خواندن
  • نمایش تاریخچه
  • ویرایش
 

تاريخ الاجتهاد

احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF



يمتاز فقه أهل البيت عليهم السلام بأنّه يعتبر البيان الشرعي المتمثّل في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة وهما المصدر الأساس في‌ استنباط الأحكام الشرعية، وأنّ عملية الاجتهاد الفقهي تقع في طول صدور هذه النصوص والبيانات الشرعية وبعدها.




تطوّر مراحل الفقه الاجتهادي‌
[۱] مقدمة موسوعة الفقه الاسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت ج ۱.
[۲] مقدمة المعالم الجديدة في الاصول للشهيد الصدر.
[۳] تاريخ التشريع الاسلامي (عبد الهادي الفضلي).
:
وقد امتدّ عصر صدور النص والبيان الشرعي في فقه أهل البيت عليهم السلام إلى بدايات القرن الرابع الهجري، أي منذ بعثة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومروراً بعصر الأئمة الأطهار عليهم السلام وحتى بداية الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر عجّل الله تعالى فرجه ، حيث توفّرت خلال هذه الفترة كمّية كبيرة ووافية من النصوص الشرعية تمكّن الفقهاء من تخريج حكم كلّ الأبواب والمسائل الفقهية على أساس فقه النص والبيان الشرعي. وكان أكثر اهتمام الأئمّة عليهم السلام خصوصاً في عصر الامام الباقر عليه السلام ومن بعده منصبّاً على تربية الفقهاء والرواة ليحفظوا الدين ويحملوا أعباء الرسالة ويكونوا امناء عليها.
وبعد أن تكاملت الأحاديث الشريفة والنصوص البيّنة للشريعة، وتخرّج الكثيرون من الفقهاء والعلماء الكبار على أيدي الأئمّة عليهم السلام، وتضافر الناس وأقبلوا على مذهب أهل البيت عليهم السلام وانتشر التشيّع في كل أنحاء البلاد الاسلامية، عمد الأئمّة المتأخّرون عليهم السلام إلى التمهيد لاستقلالية الفقه والفقهاء والتمهيد لاعتماد الشيعة على أنفسهم بالتدريج، وذلك بأمرهم الناس بالرجوع إلى الفقهاء ورواة أحاديثهم، وأطلق على هؤلاء فيما بعد نواب الامام، وعبّر عن وظيفتهم الشرعية بالنيابة العامة وعن رجوع الناس اليهم بالتقليد.
وبدأ هذا التمهيد قبل عصر الغيبة ثمّ عمّم هذا الاسلوب في عصر الغيبة الصغرى ، ثمّ انحصر فهم معالم الدين والأحكام الشرعية في الرجوع إلى الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى، وكان مبدأ هذا العصر في عام ۳۲۹ ه وإلى يومنا هذا، ويستمر حتى يفرّج اللَّه تعالى على العالم بظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه .



وقد مرّ الفقه الاجتهادي وعلى أيدي فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام بمراحل عديدة منذ أن انطلق وتطوّر وحتى تكامل ونضج، ويمكن بيان هذه المراحل ضمن الأدوار التالية:

۲.۱ - دور التأسيس‌


(أوائل القرن الرابع- منتصف القرن‌ الخامس الهجري) ومن أهم فقهاء هذا الدور: محمّد بن يعقوب الكليني (ت/ ۳۲۹ ه)، والصدوقان (/ علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت/ ۳۲۹ ه) و ابنه محمّد بن علي بن بابويه (ت/ ۳۸۱ ه))، و جعفر بن محمّد بن قولويه (ت/ ۳۶۸ ه) و محمّد بن أحمد الكاتب ( ابن الجنيد الاسكافي ) (ت/ ۳۸۱ ه)، و محمّد بن محمّد بن النعمان ( المفيد ) (ت/ ۴۱۳)، و الشريف المرتضى (ت/ ۴۳۶ ه) و أبو الصلاح الحلبي (ت/ ۴۴۶ ه) و حمزة بن عبد العزيز الديلمي ( سلّار ) (ت/ ۴۶۳ ه).

۲.۱.۱ - امتياز هذا الدور


وامتاز هذا الدور بأنّ عملية الاجتهاد فيه كانت بدائية تمثّلت في توزيع متون الروايات على الأبواب الفقهية، و استظهار النتائج منها بنفس ألفاظ النصوص ومتونها، وعلاج حالات التعارض بينهما بجمع عرفي أو ترجيح، أو حمل على التقية وغيرها. وامتاز أيضاً بتدوين أهم موسوعتين حديثتين فقهيّتين هما ( الكافي ) و( من لا يحضره الفقيه ). وكذلك امتاز أيضاً بعرض الفتاوى بألفاظ النصوص والروايات موزّعة على المسائل والأبواب الفقهية، كما في كتاب الشرائع لعلي بن الحسين بن بابويه، و الهداية و المقنع لابنه الشيخ الصدوق .
وقد تطوّر الفقه في هذا الدور واتسعت تفريعاته على أساس ما كان يستجد من القضايا وما كان يحصل من الابتلاءات ، وعلى ما تعرضه المذاهب الاخرى ومدوّناتها الفقهية من فروض وتقسيمات. وهذا أدّى بالتالي إلى استقلال المنهج الفقهي في العرض والتدوين عن الفقه المأثور . وحصل في هذا الدور أيضاً تطوّر آخر، حيث بدأ في تدوين اصول الفقه وفصل قواعدها (الأدبية أو العقلية أو الشرعية) عن الفروع الفقهية، حيث دوّن فيها كتابين اصوليين مهمّين: التذكرة بأصول الفقه للشيخ المفيد، و الذريعة إلى أصول الشريعة للسيد المرتضى.

۲.۱.۲ - خصائص هذا الدور


كما يختص هذا الدور بالابتداء في‌ تدوين البحث الفقهي المقارن مع المذاهب الاخرى، كما في كتاب الأعلام للشيخ المفيد، و الانتصار و الناصريات للسيد المرتضى، والتصدي للردّ على الشبهات الفقهية التي كان يثيرها فقهاء العامة، كما في المسائل الصاغانية للشيخ المفيد، والانتصار للسيد المرتضى.
وينتهي هذا الدور بسطوع نجم الشيخ الطوسي (ت/ ۴۶۰ ه)في الميدان الفقهي والاصولي، وتميّزه عن غيره في فقاهته ونتاجه العلمي الغزير، وبذلك يبدأ به دور جديد من أدوار الاجتهاد.

۲.۲ - دور الانطلاق


‌ (منتصف القرن الخامس- منتصف‌ القرن السابع) يبدأ هذا الدور بالعقود الأخيرة من حياة الشيخ الطوسي قدس سره (ت/ ۴۶۰ ه) ويستمر إلى ظهور المحقق الحلّي (ت/ ۶۷۶ ه) ومن أهم فقهاء هذا الدور الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي ، و محمّد بن علي بن أبي حمزة العلوي (ت/ ۵۷۰ ه) و القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (ت/ ۴۸۱ ه)، و حمزة بن علي بن زهرة الحسيني (ت/ ۵۸۵ ه)، و قطب الدين الراوندي (ت/ ۵۷۳ ه)، و الشيخ محمّد بن ادريس الحلّي (ت/ ۵۹۸ ه).

۲.۱.۲ - خصائص هذا الدور


ومن أهم خصائص هذا الدور انطلاق الفقه الاجتهادي وتبلوره على يد الشيخ الطوسي قدس سره في شكله المنهجي الصحيح، حيث قام بتقنين عملية الاستنباط في إطار الأدلّة الشرعية وتبيين مناهجه في كتابه الاصولي عدّة الأصول . وقد جُعلت مصادر الاستنباط وأدلّة الفقه في كتب الاصول في هذا الدور أربعة: الكتاب، والسنّة، و الإجماع ، والعقل. واريد بالاجماع ما يكون بضمنه قول المعصوم أو يستكشف منه قوله، فيكون كاشفاً عن السنّة، والعقل حكمه البديهي اليقيني لا الظنون والأقيسة و الاستحسانات .
وكذلك تمّ تهذيب الاستدلال الفقهي عن بعض المناهج الغريبة التي كانت متداولة في المذاهب الاخرى، وتهذيبه من الاعتماد على بعض البحوث العقلية الكلامية التي كانت رائجة يومذاك، واعتماد المنهج الفقهي الأصيل، أي استخراج الأحكام الشرعية من الأدلّة الشرعية المتمثّلة في الكتاب والسنّة الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام.

۲.۱.۱ - امتياز هذا الدور


كما امتاز هذا الدور أيضاً بتأليف الشيخ الطوسي قدس سره مجموعتين حديثيتين عظيمتين هما (التهذيب) وهو شرح استدلالي بالروايات لكتاب المقنعة للشيخ المفيد، و الاستبصار وقد ألّفه لعلاج التعارض و الاختلاف بين الأخبار في الفروع الفقهية، وبذلك يكون الشيخ الطوسي قدس سره قد وفّر كل أدوات الممارسة الفقهية الاجتهادية نظرياً وتطبيقياً. وقد تمّ تطبيق المنهج الجديد في الفقه بصورة موسعة ومتطورة وفي جميع أبوابه، وقد تمثّل ذلك في كتاب المبسوط بشكل واضح، وبذلك استطاع الشيخ الطوسي قدس سره أن يثبت قدرة الفقه الإمامي ومصادره على علاج التفريعات والمسائل الفقهية مهما تنوعت وتفرعت.
ومن جانب آخر امتاز هذا الدور بتكامل وتطوّر الفقه المقارن والذي تمثّل في كتاب الخلاف للشيخ الطوسي قدس سره، ومن خلال مراجعة هذا الكتاب يظهر حجم التطور في هذا الجانب إذا ما قيس إلى كتاب الانتصار للسيد المرتضى. وامتاز هذا الدور أيضاً بالاهتمام بالدراسات القرآنية، لا سيما فقه القرآن الكريم الذي تجسّد في تفسير التبيان للشيخ الطوسي قدس سره و فقه القرآن للراوندي، وهي نقلة نوعية إذا ما قيست إلى سائر النشاطات الفقهية القرآنية السابقة عليه.
وينتهي هذا الدور بسطوع نجم المحقق الحلّي في منتصف القرن السابع في الميدان الفقهي والعلمي.

۲.۳ - دور الاستقلال والتكامل


‌ (منتصف القرن السابع- نهاية القرن العاشر ه) ويبدأ هذا الدور من ظهور المحقق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن (ت/ ۶۷۶ ه) ويستمر حتى زمن الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (ت/ ۹۶۶ ه)، ومن أهم فقهائه غير من ذكرنا، العلّامة الحلّي الحسن بن يوسف ابن المطهّر (ت/ ۷۲۶ ه) وابنه فخر المحقّقين محمّد بن الحسن (ت/ ه)، و الشهيد الأوّل محمّد بن مكي العاملي (ت/ ۷۸۶ ه)، و الفاضل المقداد جمال الدين السيوري (ت/ ۸۲۶ ه)، و المحقق ابن فهد الحلّي (ت/ ۸۴۱ ه)، و المحقق الكركي علي بن الحسين العاملي (ت/ ۹۴۰ ه) وغيرهم (رضوان اللَّه تعالى عليهم).

۲.۱.۱ - امتياز هذا الدور


ويتميّز هذا الدور بظاهرة استقلالية الفقه الإمامي عن مجاراة المذاهب الاخرى في المادة والمنهج، واعتماد التراث الشيعي خاصة، عدا كتب الفقه المقارن. ودوّنت فيه مؤلّفات في علم الاصول من قبيل معارج الأصول للمحقق الحلّي، و نهاية الوصول إلى علم الأصول للعلّامة الحلّي، تتميز بالأصالة والعمق واعتماد الاصول والقواعد المستمدة من نصوص أهل البيت. كما توصل الفكر الفقهي في هذا الدور في علم الدراية إلى نظريات جديدة قسم على أساسها الحديث تقسيماً رباعياً (الصحيح، الحسن، الموثق، الضعيف)، كما دوّنت مجاميع رجالية جديدة أكثر دقة ممّا سبقها كرجال العلّامة، ورجال ابن داود (ت/ ۷۴۷ ه).
وقد رتبت مسائل الفقه في هذا الدور على أساس تقسيم وحصر عقلي جديد- وضعه المحقق الحلّي في كتابه شرائع الإسلام - إلى الأقسام الأربعة: العبادات، العقود، الايقاعات، الأحكام. وفيه أيضاً بدأ تدوين فقه القواعد ( القواعد الفقهية ) و إفرادها عن المسائل والتفريعات، حيث ألّف الشهيد الأوّل كتاب (القواعد والفوائد) وألّف بعده الفاضل المقداد السيوري (نضد القواعد الفقهية)، والشهيد الثاني (فوائد القواعد).
كما امتاز هذا الدور بالتوسع والدقة في تطبيق القواعد الاصولية أو الفقهية على المسائل والفروع الفقهية وخصوصاً في فقه المعاملات، وهذا ما يمكن ملاحظته بمقارنة الكتب الفقهية الاستدلالية للعلّامة وابنه والشهيدين والمحقق الكركي وغيرهم من أعلام هذا الدور مع كتب المفيد والمرتضى والشيخ الطوسي.

۲.۱.۲ - خصائص هذا الدور


واستمر في هذا الدور منهج الدراسات الفقهية المقارنة وبنحو أوسع وأكثر اتقاناً حيث صنّف العلّامة في مجال المقارنة بين المذاهب الفقهية المتعددة كتاب تذكرة الفقهاء وكتاب منتهى المطلب ، وصنّف في مجال المقارنة بين فقهائنا خاصة كتاب مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . كما اتّجه فقهاؤنا في هذا الدور نحو تدوين وتقنين فقه الدولة والحكم الاسلامي طبقاً لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، والتصدي لتجسيد دور النيابة العامة عن الامام المنتظر عجّل اللَّه له الفرج في عصر الغيبة من خلال تنظيم جهات المرجعية الدينية، أو من خلال الإشراف على الحكومة وأجهزتها كما وقع للمحقق الكركي أيّام الدولة الصفوية.

۲.۴ - دور التطرف


(من أواخر القرن العاشر- أواخر القرن الثاني عشر) ويبدأ هذا الدور بعصر المحقق الأردبيلي قدس سره(ت/ ۹۹۳ ه) ويستمر حتى انتهاء المد الأخباري، وضموره في أواخر القرن الثاني عشر.

۲.۴.۱ - وجه تسمية هذا الدور


وسمّي هذا الدور بدور التطرف؛ لظهور اتجاهين فقهيين متعاكسين فيه، أحدهما ردّ فعل للآخر، فمن جهة ظهر الاتجاه العقلي المتشدّد تجاه الأخذ بالأحاديث، وفي قباله ظهر الاتجاه الأخباري المتشدّد تجاه الأخذ بحكم العقل وظهورات آيات الأحكام. وقد كان رائد الاتجاه الأوّل هو المحقق الأردبيلي وبعض تلامذته كالسيد محمّد بن علي العاملي صاحب مدارك الأحكام (ت/ ۱۰۰۹ ه)، و الشيخ حسن بن زين الدين صاحب معالم الدين (ت/ ۱۰۱۱)، وقد تميّز هذا الاتجاه بما يلي:

۲.۴.۲ - الاتجاه العقلي


الاهتمام بعلم اصول الفقه، و استخدام الصناعة العقلية والفلسفية في إثبات بعض مسائله. تضييق دائرة حجّية أخبار الآحاد. التشكيك في قيمة كثير من اجماعات القدماء وآرائهم المشهورة أو المسلّمة، ونقدها عقلياً وصناعياً. الاعتماد على القواعد العقلية والفلسفية في الاستدلال الفقهي. التوسع في الاعتماد على العمومات والمطلقات الواردة في آيات الأحكام أو السنّة القطعية، و تخريج الفتاوى على أساسها، وطرح ما يخصصها أو يقيدها من‌ الروايات نتيجة التشدّد في طريقة التوثيق الرجالي لأسانيدها.

۲.۴.۳ - الاتجاه الأخباري


أمّا الاتجاه الآخر المعاكس للأوّل (الاتجاه الأخباري) فقد مثّله جمع من العلماء منهم: الأمين الاسترآبادي (ت/ ۱۰۳۳ ه) وكان يمثّل قمة التطرف في هذا الاتجاه، و المحدّث الفيض الكاشاني (ت/ ۱۰۹۱ ه)، و المحدّث الحرّ العاملي (ت/ ۱۱۰۴ ه) و العلّامة المجلسي (ت/ ۱۱۱۱ ه).

۲.۴.۴ - مميزات الاتجاه الأخباري


وأهم مميزات الاتجاه الأخباري ما يلي:
عدم اعتماد الأدلّة العقلية والفلسفية في مجال الاستنباط والاجتهاد الفقهي، واعتبارها كاجتهاد الرأي باطلة في فقه أهل البيت. التوسع في الأخذ بالأخبار المأثورة في اصولنا ومجاميعنا الحديثية واعتبارها جميعاً قطعية أو معتبرة، فلا حاجة للبحوث الرجالية ولا الاصولية في حجّية الأخبار. ونتيجة لهذا الاهتمام قام بعضهم بجمع الروايات المنقولة في كتب المتقدّمين ضمن مجاميع حديثية ضخمة هي: الوافي للفيض الكاشاني، و وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة للحرّ العاملي، و بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار للعلّامة المجلسي. إنكار حجّية الاجماع، واعتباره من مصادر التشريع في فقه العامة. إنكار حجّية الظواهر القرآنية فيما يرجع إلى آيات الأحكام من دون ورود حديث يفسّرها.
إلغاء الاجتهاد والتقليد ووجوب الرجوع ابتداءً إلى أحاديث المعصومين، وهذا، ذهب إليه المتطرفون منهم ورجع عنه علماؤهم المحقّقون كالمحدّث البحراني صاحب الحدائق الناضرة (ت/ ۱۱۸۶ ه) و الشيخ حسين آل عصفور(ت/ ۱۲۱۶ ه). وحالة التطرف- بكلا اتجاهيه- لم تشكّل سوى فترة قصيرة من عمر مدرسة الفقه الإمامي، وكانت حالة استثنائية طارئة سرعان ما انقشعت غيومها وجهالاتها، فاضمحل واندرس كلا الاتجاهين المتطرفين ورجع الفقه الاجتهادي الإمامي إلى طريقته الأصيلة ومنهجه القويم.

۲.۵ - دور التصحيح والاعتدال


‌ (أواخر القرن الثاني عشر- النصف الأوّل من القرن الثالث عشر) ويبدأ هذا الدور بالتصدّي للاتجاه الأخباري المتطرف من قبل جمع من الفقهاء، كالسيد حسين بن جمال الدين الخوانساري الكبير (ت/ ۱۰۹۸ ه)، و الشيخ محمّد بن الحسن الشيرواني (ت/ ۱۰۹۸ ه)، وولده جمال الدين (ت/ ۱۱۲۵ ه)، وتلميذ ولده صدر الدين الرضوي القمي (ت/ ۱۱۶۰ ه)، وهؤلاء مهّدوا لظهور المدرسة الاصولية المعمّقة على يد الفقيه الكبير السيد محمّد باقر الوحيد البهبهاني (ت/ ۱۲۰۵ ه) والتي استطاعت أن تقضي على الاتجاه الأخباري، وأن تعيد الاجتهاد الفقهي الإمامي إلى حركته الاصولية السويّة.
فمن جهة استطاع الوحيد البهبهاني أن يدافع بقوة عن آراء المشهور من فقهائنا المتقدّمين في قبال النقد الشديد الذي وجّهه المحقق الأردبيلي نحو جملة من فتاويهم، وأوضح بطلان جملة منه وعدم صحّته علمياً. كما عالج مشكلة توثيق الأسانيد والرواة في كتابه الرجالي منهج المقال. ومن جهة اخرى- وهي الأهم في عصره- أنّه صمّم وبكلّ عزم على مواجهة الاتجاه الأخباري وما أثاره من جدل بوجه اصول الفقه الإمامي. وقد اتضحت على يديه الفروق بين اصول الفقه عند الشيعة واصول الفقه عند العامة، والحاجة الماسة إلى علم اصول الفقه وأنّه بدونه لا يمكن استنباط الحكم الشرعي. وقد كان لاجتماع الوحيد البهبهاني مع المحدّث البحراني (الأخباري) في مدينة كربلاء وحوزتها العلمية أثر كبير في تحقّق هذه الصحوة وسرعتها من خلال مناقشات هذين العلمين بشكل علمي منفتح ومتواصل، كما كان لتقواهما الأثر الكبير في انفتاح طلابهما على الحقائق العلمية، وأدّى بالتالي إلى أن يميل المحدّث البحراني نحو الاعتدال فيقبل الاجتهاد الفقهي، ويقبل الاجماع في حالة كونه كاشفاً عن السنّة- وهو المقصود منه في فقهنا- ويتراجع عن جملة ممّا كان تطرّف فيه الرعيل الأوّل من الأخباريين.
وتخرّج من مدرسة الوحيد البهبهاني طبقات من كبار الفقهاء والمحقّقين أمثال السيد محمّد مهدي بحر العلوم (ت/ ۱۲۱۲ ه)، و الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت/ ۱۲۲۸ ه)، و السيد علي صاحب الرياض(ت/ ۱۲۳۱ ه)، و الميرزا القمي (ت/ ۱۲۲۸ ه)، و السيد محمّد المجاهد (ت/ ۱۲۴۲ ه) و المحقق محمّد مهدي النراقي (ت/ ۱۲۰۹ ه) وولده أحمد (ت/ ۱۲۴۴ ه)، كما أنّه تخرّج على يد هؤلاء فقهاء عظام أمثال الشيخ محمّد حسن بن عبد الرحيم الطهراني صاحب الفصول الغروية (ت/ ۱۲۵۰ ه)، و الشيخ محمّد تقي الاصفهاني صاحب كتاب هداية المسترشدين في شرح معالم الدين (ت/ ۱۲۴۸ ه)، و الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام (ت/ ۱۲۶۶ ه).

۲.۶ - دور التكامل والنضج


‌ (منتصف القرن الثالث عشر- إلى يومنا هذا) ويعتبر هذا الدور هو امتداد للدور المتقدّم و استمرار لنفس المنهج الذي أرست وثبّتت مبانيه مدرسة الوحيد البهبهاني وتلامذته الأعلام. وقد بلغ هذا المنهج عبر جيلين من فقهاء هذه المدرسة- وعلى يد أحد الأفذاذ منهم، وهو الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره (ت/ ۱۲۸۱ ه)- القمّة في النضج والعمق والشمول بحيث يمكن اعتباره عصراً جديداً في تاريخ الفقه واصوله، كما يتضح ذلك من المقارنة بين كتاب المكاسب في‌ فقه المعاملات وكتاب فرائد الأصول للشيخ الأنصاري مع مصنّفات من نفس الموضوع لفقهاء هذه المدرسة قبله، فالفارق بينها يعدّ فارقاً كبيراً في المضمون والمنهجية وصناعة الاستدلال.
وقد تخرّج على الشيخ الأنصاري فقهاء كبار أمثال: المحقق الشيرازي الكبير (ت/ ۱۳۱۲ ه)، و الشيخ حبيب اللَّه الرشتي (ت/ ۱۳۱۲ ه) و الشيخ ملّا علي الكني (ت/ ۱۳۰۶ ه) و الشيخ محمّد حسن الآشتياني (ت/ ۱۳۱۹ ه). كما تخرّج على يد هؤلاء أجيال من الفقهاء والمجتهدين أمثال: المحقق الخراساني صاحب كفاية الأصول (ت/ ۱۳۱۹ ه)، و المحقق الهمداني (ت/ ۱۳۲۲ ه)، و السيد الفشاركي (ت/ ۱۳۱۴ ه)، و الميرزا محمّد تقي الشيرازي (ت/ ۱۳۳۸ ه)، ثمّ تلتهم طبقات من كبار الفقهاء وإلى يومنا هذا.

۲.۱.۱ - امتياز هذا الدور


وأهم مميزات دور النضج ما يلي:
تطوّر علم اصول الفقه تطوراً جوهرياً عمّا كانت عليه بحوثه قبل ذلك. تطوّر صناعة الاستدلال الفقهي من حيث المضمون ومنهج الفقاهة والاستدلال. تميّز منهج الاستدلال الفقهي المعاصر بتقنين عملية الاستدلال بالأدلة اللبّية المتمثّلة في الاجماعات والشهرات والسيرة العقلائية أو المتشرعية، فهي وإن لم تكن حجّة شرعية بعناوينها الذاتية ولكنّها يمكن أن تكشف في بعض الأحيان عمّا هو دليل شرعي على الحكم، أو تؤثّر سلباً أو ايجاباً على دليلية دليل شرعي فيكون مؤثّراً في النتيجة الفقهية المستنبطة. تطوّر بحوث علم الرجال، وظهور نظريات جديدة فيه للتوثيق أو التأكد من وثاقة الراوي وبالتالي صحّة أسانيد الروايات.
انفتح الفقه الاستدلالي على الأفكار والنظريات الحديثة في الفقه الوضعي وغيره، فاستجدّت موضوعات فقهية مستحدثة عالجها الفقه الإمامي معالجة استدلالية وعلمية. اهتمام الفقهاء بشئون الامّة وحاجات الناس الدينية والفقهية وتطبيق الشريعة فيها، فتمّ ربط الامّة بالشريعة عن طريق التقليد و إرجاع الناس إلى الفقهاء والمراجع، وتمّ تنظيم جهاز المرجعية الدينية وتقويته وتشييد الحوزات العلمية وتربية العلماء والمبلّغين.
تصدّى الفقهاء في هذا العصر لمواجهة الحضارة الغربية ومعطياتها، والتي نخرت‌ العالم الإسلامي وأضحت تسيطر على بلاد المسلمين وثرواتهم وتفسد حكوماتهم، وكان لا بد للفكر الديني والفقهي من هذه المواجهة و الانفتاح على قضايا ومشاكل جديدة فكرية وقانونية وسياسية بدأت تدخل بلاد الإسلام فيعطي فيها موقفاً شرعياً واضحاً وعلاجاً علمياً مقنعاً.



 
۱. مقدمة موسوعة الفقه الاسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت ج ۱.
۲. مقدمة المعالم الجديدة في الاصول للشهيد الصدر.
۳. تاريخ التشريع الاسلامي (عبد الهادي الفضلي).




الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۲۲۷-۲۳۸.    



جعبه ابزار