تحديد ليلة القدر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أيُّ لَيلَةٍ هِيَ؟ أمّا ما جاء بشأن تحديدها من روايات عن طريق
أهل البيت (علیهمالسّلام) فيكمن تقسيمه إلى خمس مجاميع، هي: المجموعة الاُولى: الروايات الّتي تدلّ على أنَّ
ليلة القدر في العشر الأُخَر من
شهر رمضان، المجموعة الثانية: الروايات الّتي تدلّ على تحرّيها في إحدى الليالي الثلاث: التاسعة عشرة، الحادية والعشرين، والثالثة والعشرين، المجموعة الثالثة: الروايات الّتي تدلّ على أنّها في إحدى ليلتين: الليلة الحادية والعشرين، أو الثّالثة والعشرين، المجموعة الرابعة:
الروايات الّتي تدلّ على أنَّ الليلة الثالثة والعشرين، هي ليلة القدر على التحديد، المجموعة الخامسة: الروايات الّتي تدلّ على أنَّ الليالي الثلاث: التّاسعة عشرة، والحادية والعشرين والثّالثة والعشرين، لكلّ واحدة منها دورها الّذي تنهض به في تحديد مقادير
الإنسان وتقرير مصيره واُموره، ولكن الدور الأساسي والأخير منوط بليلة الثّالثة والعشرين.
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): تَحَرَّوا لَيلَةَ القَدرِ فِي العَشرِ الأَواخِرِ مِن رَمَضانَ
.
ثواب الأعمال: عَن
حُمرانَ أنَّهُ سَأَلَ أبا جَعفَرٍ (علیهالسّلام) عَن قَولِ اللّه ِ عز و جل: «إِنَّـآ أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـرَكَةٍ». قالَ: «نَعَم، هِيَ لَيلَةُ القَدرِ، وهِيَ مِن كُلِّ سَنَةٍ في شَهرِ رَمَضانَ فِي العَشرِ الأَواخِرِ»
.
الإمام الباقر (علیهالسّلام): إنَّ عَلِيّاً كانَ يَتَحَرَّى لَيلَةَ القَدرِ، لَيلَةَ تِسعَ عَشرَةَ، وإحدى وعِشرينَ، وثَلاثٍ وعِشرينَ
.
تهذيب الأحكام عن
زرارة عن الإمام الباقر (عليهالسّلام) سَأَلتُهُ عَن لَيلَةِ القَدرِ. قالَ: «هِيَ لَيلَةُ إحدى وعِشرينَ، أو ثَلاثٍ وعِشرينَ». قُلتُ: ألَيسَ إنَّما هِيَ لَيلَةٌ؟ قالَ: «بَلى»، قُلتُ: فَأَخبِرني بِها. فَقالَ: «وما عَلَيكَ أن تَفعَلَ خَيرا في لَيلَتَينِ؟»
.
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ
.
المصنّف عن
أبي النضر: إنَّ عَبدَاللّه ِ بنِ اُ نَيسٍ الجُهَنِيَّ قالَ: يا رَسولَ اللّه ِ، إنّي رَجُلٌ شاسِعُ الدَّارِ (شاسع الدار: أي بعيدها
) فَأمُرني بِلَيلَةٍ أنزِلُ فيها. فَقالَ النَّبِيُّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «اِنزِل لَيلَةَ ثَلاثٍ وعِشرينَ»
.
السنن الكبرى عن
عبد اللّه بن اُنيس: كُنّا بِالبادِيَةِ فَقُلنا: إن قَدِمنا بِأَهلينا شَقَّ عَلَينا، وإن خَلَّفناهُم أصابَتهُم ضَيقَةٌ. فَبَعَثوني ـ وكُنتُ أصغَرَهُم ـ إلى رَسولِ اللّه ِ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، فَذَكَرتُ لَهُ قَولَهُم، فَأَمَرَنا بِلَيلَةِ ثَلاثٍ وعِشرينَ
.
الإمام الباقر (علیهالسّلام): إنَّ الجُهَنِيَّ أتى إلى رَسولِ اللّه ِ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فَقالَ لَهُ: يا رَسولَ اللّه ِ، إنَّ لي إبِلاً وغَنَما وغِلمَةً، فَاُحِبُّ أن تَأمُرَني لَيلَةً أدخُلُ فيها فَأَشهَدُ
الصَّلاةَ ـ وذلِكَ في شَهرِ رَمَضانَ ـ فَدَعاهُ رَسولُ اللّه ِ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فَسارَّهُ في اُذُنِهِ. ـ قالَ: ـ فَكانَ الجُهَنِيُّ إذا كانَت لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ دَخَلَ بِإِبِلِهِ وغَنَمِهِ وأهلِهِ ووُلدِهِ وغِلمَتِهِ، فَكانَ تِلكَ اللَّيلَةُ لَيلَةَ ثَلاثٍ وعِشرينَ بِالمَدينَةِ، فَإِذا أصبَحَ خَرَجَ بِأَهلِهِ وغَنَمِهِ وإ بِلِهِ إلى مَكانِهِ
.
الإمام الصادق (علیهالسّلام): لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ اللَّيلَةُ الَّتي يُفرَقُ فيها كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ، وفيها يُكتَبُ وَفدُ الحاجِّ وما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ
.
عنه (علیهالسّلام): إنَّ لَيلَةَ الثّالِثِ وَالعِشرينَ مِن
شَهرِ رَمَضانَ هِيَ لَيلَةُ الجُهَنِيِّ، فيها يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ، وفيها تَثبُتُ البَلايا وَالمَنايا، وَالآجالُ وَالأَرزاقُ وَالقَضايا، وجَميعُ ما يُحدِثُ اللّه ُ عز و جل فيها إلى مِثلِها مِنَ الحَولِ. فَطوبى لِعَبدٍ أحياها راكِعا وساجِدا، ومَثَّلَ خَطاياهُ بَينَ عَينَيهِ ويَبكي عَلَيها، فَإِذا فَعَلَ ذلِكَ رَجَوتُ ألاّ يَخيبَ إن شاءَ اللّه ُ
.
الإمام الصادق (علیهالسّلام):
التَّقديرُ في لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ،
والإبرامُ في لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ،
وَالإِمضاءُ في لَيلَةِ ثَلاثٍ وعِشرينَ
.
الإقبال عن
عبد اللّه بن سنان: سَألتُهُ عَنِ النِّصفِ مِن
شَعبانَ. فَقالَ: «ما عِندي فيهِ شَيءٌ، ولكِن إذا كانَت لَيلَةُ تِسعَ عَشرَةَ مِن شَهرِ رَمَضانَ، قُسِّمَ فيهَا الأَرزاقُ، وكُتِبَ فيهَا الآجالُ، وخَرَجَ فيها صِكاكُ الحاجِّ، وَاطَّلَعَ اللّه ُ إلى عِبادِهِ فَغَفَرَ اللّه ُ لَهُم إلاّ شارِبَ مُسكِرٍ، فَإِذا كانَت لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ فيها يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ، ثُمَّ يَنتَهي ذلِكَ ويَقضي». قالَ: قُلتُ إلى مَن؟ قالَ: «إلى صاحِبِكُم، ولَولا ذلِكَ لَم يَعلَم»
.
الكافي عن
إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه (عليهالسّلام) سَمِعتُهُ يَقولُ، وناسٌ يَسأَلونَهُ يَقولونَ: الأَرزاقُ تُقسَمُ لَيلَةَ النِّصفِ مِن شَعبانَ؟ قالَ: فَقالَ: «لا، وَاللّه ِ ما ذاكَ إلاّ في لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ مِن شَهرِ رَمَضانَ، وإحدى وعِشرينَ، وثَلاثٍ وعِشرينَ؛ فَإِنَّ في لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ يَلتَقِي الجَمعانِ، وفي لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ «يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»
، وفي لَيلَةِ ثَلاثٍ وعِشرينَ يُمضى ما أرادَ اللّه ُ عز و جل مِن ذلِكَ، وهِيَ
لَيلَةُ القَدرِ الَّتي قَالَ اللّه ُ عز و جل: «خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ»
». قالَ: قُلتُ: ما مَعنى قَولِهِ: يَلتَقِي الجَمعانِ؟ قالَ: «يَجمَعُ اللّه ُ فيها ما أرادَ مِن تَقديمِهِ وتَأخيرِهِ، وإرادَتِهِ وقَضائِهِ». قالَ: قُلتُ: فَما مَعنى يُمضيهِ في ثَلاثٍ وعِشرينَ؟ قالَ: «إنَّهُ يَفرُقُهُ في لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ،ويَكونُ لَهُ فيهِ
البَداءُ،فَإِذا كانَت لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ أمضاهُ،فَيَكونُ مِنَ المَحتومِ الَّذي لا يَبدو لَهُ فيهِ تَبارَكَ وتَعالى»
.
شرح نهج البلاغة عن
ابن عرادة: قيلَ (
لِأَميرِ المُؤمِنينَ (علیهالسّلام)): أخبِرنا عَن لَيلَةِ القَدرِ؟ قالَ: «ما أخلو مِن أن أكونَ أعلَمُها فَأَستُرَ عِلمَها، ولَستُ أشُكُّ أنَّ اللّه َ إنَّما يَستُرُها عَنكُم نَظَرا لَكُم؛ لِأَ نَّهُ لَو أعلَمَكُموها عَمِلتُم فيها وتَرَكتُم غَيرَها، وَأرجُو أن لا تُخطِئَكُم إن شاءَ اللّه ُ»
.
أ ـ قِراءَةُ
سورَةِ الدُّخانِ كُلَّ لَيلَةٍ مِن رَمَضانَ مِئَةَ مَرَّةٍ:
الإمام الصادق (علیهالسّلام): قالَ رَجُلٌ لِأبي جَعفَرٍ (علیهالسّلام):... يَابنَ رَسُولِ اللّه ِ، كَيفَ أعرِفُ أنَّ لَيلَةَ القَدرِ تَكُونُ في كُلِّ سَنَةٍ؟ قالَ: «إذا أتى شَهرُ رَمَضانَ فَاقرَأ سُورَةَ الدُّخانِ في كُلِّ لَيلَةٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، فإذا أتَت لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ، فَإنَّكَ ناظِرٌ إلى تَصديقِ الَّذي سَألتَ عَنهُ»
.
ب ـ قِراءَةُ
سورَةِ القَدرِ كُلَّ لَيلَةٍ مِن رَمَضانَ ألفَ مَرَّةٍ:
الإمام الصادق (علیهالسّلام): إذا أتى شَهرُ رَمَضانَ فَاقرَأ كُلَّ لَيلَةٍ «إِنَّـآ أَنزَلْنَـهُ» ألفَ مَرَّةٍ، فإذا أتَت لَيلَةُ ثَلاثٍ وَعِشرينَ، فَاشدُد قَلبَكَ، وَافتَح أُذُنَيكَ بِسِماعِ العَجائِبِ مِمّا تَرى
.
الكافي عن
محمّد بن مسلم عن أحدهما (علیهماالسّلام)، سَألتُهُ عَن عَلامَةِ لَيلَةِ القَدرِ. فَقالَ: «عَلامَتُها أن تَطيبَ ريحُها، وإن كانَت في بَردٍ دَفِئَت، وإن كانَت في حَرٍّ بَرَدَت فَطابَت»
.
الإمام الباقر (علیهالسّلام): إنَّ النَّبِيَّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) لَمَّا انصَرَفَ مِن عَرَفاتٍ وسارَ إلى مِنى، دَخَلَ
المَسجِدَ فَاجتَمَعَ إلَيهِ النّاسُ يَسأَلونَهُ عَن لَيلَةِ القَدرِ، فَقامَ خَطيبا، فَقالَ ـ بَعدَ الثَّناءِ عَلَى اللّه ِ عز و جل ـ: «أمّا بَعدُ، فَإِنَّكُم سَأَلتُموني عَن لَيلَةِ القَدرِ ولَم أطوِها عَنكُم لِأَنّي لَم أكُن بِها عالِما، اِعلَموا أيُّهَا النّاسُ أنَّهُ مَن وَرَدَ عَلَيهِ شَهرُ رَمَضانَ وهُوَ صَحيحٌ سَوِيٌّ فَصامَ نَهارَهُ، وقامَ وِردا (الوِرْد: الجزء
) مِن لَيلِهِ، وواظَبَ عَلى صَلاتِهِ وهَجَّرَ (أي ذهب إليها أول وقتها أو في شدة الحرّ
؛ التهجير: التبكير إلى كلّ شيء والمبادرة إليه، والتهجير: السير في الهاجرة؛ وهي اشتداد الحرّ نصف النهار
) إِلى جُمُعَتِهِ، وغَدا إلى عيدِهِ؛ فَقَد أدرَكَ لَيلَةَ القَدرِ، وفازَ بِجائِزَةِ
الرَّبِّ عز و جل»
.
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): مَن صَلّى مِن أوَّلِ
شَهرِ رَمَضانَ إلى آخِرِهِ في جَماعَةٍ، فَقَد أخَذَ بِحَظٍّ مِن لَيلَةِ القَدرِ
.
عنه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): مَن صَلَّى
المَغرِبَ وَالعِشاءَ في جَماعَةٍ، حَتّى يَنقَضِيَ شَهرُ رَمَضانَ، فَقَد أصابَ مِن لَيلَةِ القَدرِ بِحَظٍّ وافِرٍ
.
الإقبال: في كِتابِ
عَليِّ بنِ إسماعيلَ المِيثَميِّ: في كِتابٍ أصلُهُ عَن
عَليِّ بنِ الحُسَينِ (علیهماالسّلام): كانَ إذا دَخَلَ شَهرُ رَمَضانَ تَصَّدَّقَ في كُلِّ يَومٍ بِدِرهَمٍ، فَيَقُولُ: «لَعَلِّي اُصيبُ لَيلَةَ القَدرِ»
.
قال
السيّد ابن طاووس (قدسسره) في ذيل
الحديث: «اعلم أنَّ مولانا زين العابدين (علیهالسّلام) كان أعرف أهل زمانه بليلة القدر، وهو
صاحب الأمر في ذلك العصر والمخصوص بالاطّلاع على ذلك
السرّ. ولعلّ المراد بصدقته كلّ يوم من الشهر ليقتدي به من لم يعلم ليلة القدر في فعل الصدقات والقربات كلّ يوم من شهر رمضان، ليظفر بليلة القدر ويصادفها
بالصدقة وفعل
الإحسان. أقول: ولعلّ مراد مولانا عليّ بن الحسين (علیهماالسّلام) إظهار أن يتصدّق كلّ يوم بدرهم، ليستر عن الأعداء نفسه، بأنّه ما يعرف ليلة القدر، لئلاّ يطلبوا منه تعريفهم بها، فقد كان في وقت
تقية من ولاية
بني اُميّة. أقول: ولعلّ مراده (علیهالسّلام) أن يخذل أعداءه أن يعلموا على ما ظهر من شيعته، من أنّ ليلة القدر في إحدى ثلاث ليال: تسع عشرة منه، أو إحدى وعشرين، أو ثلاث و عشرين، عقوبة للأعداء لعداوتهم».
على ضوء ما يسجّله
القرآن من جهةٍ بقوله: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ»
، وما ينصّ عليه من جهة اُخرى بقوله: «إِنَّـآ أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ»
فإنَّ مقتضى الجمع بين الآيتين، هو أنَّ ليلة القدر في شهر رمضان حتما، ولكن مع ذلك هناك اختلافات فاحشة في روايات
أهل السنّة لتحديد اللّيلة الّتي هي ليلة القدر من بين ليالي شهر رمضان، على النحو الّذي لا يمكن الجمع بينها
أمّا ما جاء بشأن تحديدها من روايات عن طريق
أهل البيت (علیهمالسّلام) (يلاحظ: وجود التوافق بين بعض روايات أهل السنّة وروايات أهل البيت (علیهمالسّلام).)
، فيكمن تقسيمه إلى خمس مجاميع، هي: المجموعة الاُولى: الروايات الّتي تدلّ على أنَّ ليلة القدر في العشر الأُخَر من شهر رمضان
. المجموعة الثانية: الروايات الّتي تدلّ على تحرّيها في إحدى الليالي الثلاث: التاسعة عشرة، الحادية والعشرين، والثالثة والعشرين
. المجموعة الثالثة:
الروايات الّتي تدلّ على أنّها في إحدى ليلتين: الليلة الحادية والعشرين، أو الثّالثة والعشرين
. المجموعة الرابعة: الروايات الّتي تدلّ على أنَّ الليلة الثالثة والعشرين، هي ليلة القدر على التحديد
. المجموعة الخامسة: الروايات الّتي تدلّ على أنَّ الليالي الثلاث: التّاسعة عشرة، والحادية والعشرين والثّالثة والعشرين، لكلّ واحدة منها دورها الّذي تنهض به في تحديد مقادير
الإنسان وتقرير مصيره واُموره، ولكن الدور الأساسي والأخير منوط بليلة الثّالثة والعشرين
. إنَّ التأمّل مليّا في هذه المجموعات الخمس الّتي أشرنا إليها، يدلّل ليس على غياب التعارض فيما بينها وحسب، بل يشير أيضا إلى تعاضدها وأنَّ بعضها يؤيّد بعضا، وتوضيح: أنَّ ليلة القدر من منظور أحاديث أهل البيت (علیهمالسّلام) ـ ومعها قدر لا يُستهان به من أحاديث أهل السنّة ـ هي: الليلة الثّالثة والعشرون من شهر رمضان. وقد قال شيخ المحدّثين
ابن بابويه (ت ۲۸۱ ق): «اتّفق مشايخنا (رضياللهعنهم) (في ليلة القدر) على أنّها الليلة الثالثة والعشرون من شهر رمضان»
. أمّا حثّ روايات المجموعة الاُولى والثانية والثالثة وتركيزها على
إحياء العشر الأُخَر من شهر رمضان، والمثابرة فيها على الأعمال الصالحة لدرك فضيلة ليلة القدر، وكذلك ما أوصت به من إحياء الليالى التاسعة عشرة والحادية والعشرين والثالثة والعشرين أو الليلتين الحادية والعشرين والثّالثة والعشرين كما في بعضها الآخر؛ فإنَّ ذلك كلّه يعود إلى الأمرين التاليين: أوّلاً: أن يحقّق المسلمون منافع أكبر من إحياء ليالي شهر رمضان ويكون لهم أوفر نصيب من هباتها وعطاياها، ولذا جاء في نص روائي عن سرّ ستر ليلة القدر وتغييبها بين اللّيالي: «أنَّ اللّه َ إنَّما يَستُرُها عَنكم نَظَرا لَكم»
. وثانيا: أنَّ ليلة القدر وإن كانت هي الليلة الثّالثة والعشرين، إلاّ أنَّ ذلك لا يعني غياب دور اللّيلتين التّاسعة عشرة والحادية والعشرين تماما، بحيث ليس لهما مطلقا أي دور تؤدّيانه على صعيد تحديد مقادير الإنسان وتقرير مصيره.
•
اختلاف الآفاق في ليلة القدر، تبرز واحدة من المسائل المهمّة على صعيد البحث في
ليلة القدر، بطبيعة هذه اللّيلة، وفيما إذا كانت واحدة في المناطق المختلفة أم متفاوتة ؟ لقد قاد البحث في هذه المسألة إلى تبلور عدد من النظريات، نشير لها كما يلي:
۱. النظرية المنسوبة إلى مشهور
فقهاء الإمامية، فيما يذهب إليه هؤلاء من عدم تساوي بداية
الشهور القمرية في جميع البلدان، بل يعدّ اتحاد الاُفق (إلاّ في الحالات الّتي يثبت فيها
الهلال بالرؤية القطعية.) بينها شرطا في ثبوت الهلال.
۲. ما ذهب إليه عدد من المحققين من أنَّ بداية الشهور القمرية هي واحدة في جميع المناطق،وعندئذٍ إذا ثبت
شهر رمضان في منطقة فسيثبت في بقية المناطق أيضا.
۳.تفيد النظرية الثالثة إلى أنَّ ليلة القدر عبارة عن دورة كاملة للَّيل في كلّ الكرة الأرضية، وحينئذٍ ليس هناك فرق بين تساوي بداية الشهور القمرية في جميع الأقاليم والمناطق وبين اختلافها فيها.
لكن يالها من سعادة غامرة ينعم بها اُولئك النفر ممّن لا يحتاج إلى مثل هذا الكلام في تحديد ليلة القدر ومعرفتها، فاُولئك يشاهدون حقائق هذه اللَّيلة
ونزول الملائكة والروح ببصيرة القلوب، وهم من ثَمَّ ينغمرون بجلال هذه اللَّيلة وينعمون ببركاتها وهباتها على أفضل ما يُرجى، على أنَّ هذه النعمة الّتي يحظى بها هؤلاء لا تقف عند حدود ليلة القدر، بل تتخطّى ذلك إلى تحديد أوّل الشهر أيضا من دون حاجة إلى
الاستهلال وإلى شهادة الشهود وإلى استعمال الأجهزة العلمية.
مراقبات شهر رمضان، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ص۲۱۵-۲۲۱. مراقبات شهر رمضان، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ص۲۲۸-۲۳۰.