حكم نسيان الطواف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
( ولو كان ) ترك
الطواف ( ناسياً أتى به ) مع القدرة ، وقضاه متى ذكره ، ولا يبطل النسك ولو كان طواف
الركن وذكره بعد المناسك و
انقضاء الوقت ، بلا خلاف في كل من الحكم بالصحة ، ووجوب القضاء عليه بنفسه مع
إمكان المباشرة.
(ولو نسي طواف
الزيارة ) أي طواف الحج (حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به، ومع التعذّر يستنيب فيه) كما مرّ،
وإنما أعاد هنا لبيان حكم الكفارة المشار إليه بقوله :
(وفي) وجوب (
الكفارة تردّد) و
اختلاف بين الأصحاب :
فبين موجبٍ لها، كالشيخ في النهاية والمبسوط،
وعن المهذّب والجامع؛
للصحاح :
منها : ـ زيادةً على ما مرّ في أوّل بحث وجوب
الاستنابة مع التعذر ـ عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن يزور البيت، قال : «يهريق دماً».
ومنها : عن متمتع وقع على أهله ولم يزر، قال : «ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون ثلم حجّه إن كان عالماً، وإن كان جاهلاً فلا بأس عليه».
ومانعٍ عن وجوبها، كالحلّي في
السرائر ،
وجماعة وعزي إلى الأكثر
ومنهم : الفاضل في
التذكرة والمختلف والمنتهى والشهيدان وغيرهم،
واختاره في الشرائع
وهنا أيضاً لقوله :
(أشبهه أنه لا يجب إلاّ مع
المواقعة بعد الذكر) ولعلّه الأقوى؛ للأصل، ورفع النسيان، مع عدم صراحة تلك الصحاح، واحتمالها الحمل على المواقعة بعد الذكر، أو
الاستحباب ، جمعاً بينها وبين ما دلّ على عدم الكفارة على المحرم الواطئ ناسياً أو جاهلاً من النص والفتوى : ففي الصحيح المروي في العلل : في المحرم يأتي أهله ناسياً، قال : «لا شيء عليه، إنما هو بمنزلة من أكل في
شهر رمضان وهو ناسٍ».
والمرسل المروي في الفقيه : «ان جامعت وأنت محرم» إلى أن قال : «وإن كنت ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شيء عليك».
والأخبار بنفيها عن الجاهل مستفيضة، بل متواترة،
فإن عمّمنا الجهل للنسيان شملت المسألة. والجمع بين الأخبار بتقييد هذه على ما عدا المسألة كما اتّفق لجماعة
لا وجه له بعد رجحان أخبارنا بالأُصول والشهرة، مع أن من تلك الصحاح ما يعمّ طواف العمرة ولم يذكره أكثر الجماعة، بل اقتصروا على
طواف الزيارة كما في العبارة، نعم عن الجامع
الإطلاق .
والصحيحة الأخيرة قد جعلها للمختار بعض الأصحاب حجة، بتعميم البأس المنفي للكفارة، لا خصوص الثلم و
الإثم والمؤاخذة، وجَعْلِه العلم المشترط شرطاً لجميع ما تقدّمه، ومنه إيجاب الكفارة.
ولكنّه بعيد في الغاية؛ لظهور كون العلم قيداً لثلم الحج خاصة، والبأس المنفي هو الإثم و
الثلم لا الكفارة، كما صرّح به جماعة. نعم لا بأس بما ذكره، دفعاً للصراحة التي هي المناط في تخصيص الأدلّة. هذا، ولا ريب أن
الإيجاب أحوط وإن كان العدم أظهر.
(ولو نسي
طواف النساء ) إلى أن رجع إلى أهله (استناب) مطلقاً ولو مع القدرة على المباشرة كما في ظاهر إطلاق العبارة، بل صريح سياقها، وعليه الأكثر، وجعله في
الدروس أشهر،
بل لا خلاف فيه بين القدماء والمتأخرين يظهر، إلاّ عن الشيخ في التهذيب والفاضل في المنتهى،
فاشترطا فيه التعذر، وقد رجع الأوّل عنه في النهاية،
وقال الثاني في أكثر كتبه بما في العبارة كالتحرير و
الإرشاد والتلخيص والتذكرة.
للصحاح المروي أحدها في
مستطرفات السرائر : عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال : «يرسل فيطاف عنه».
وزيد في اثنين منها : «فإن مات قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه».
وإطلاقها بل عمومها بترك
الاستفصال يعمّ محل النزاع.
وقريب منها الصحيح : رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال : «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت» وقال : «يأمر من يقضي عنه إن لم يحج، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره».
والتقريب أن الظاهر أن المراد بقوله : «يأمر من يقضي عنه إن لم يحج» والله يعلم أنه يستنيب إن لم يرد العود بنفسه، وهو أعم من صوره التعذّر وغيره، بل لعلّه ظاهر في الثاني، وإلا لقيل : يأمر من يقضي عنه إن لم يقدر على الحج، وحينئذٍ فيكون هذا قرينة على أن المراد بقوله في صدره : «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت» لا تحلّ له حتى يحصل زيارة بنفسه أو بغيره.
وأظهر منه في ذلك ما سيأتي من رواية صحيحة، بل لعلّها فيه صريحة كما ستعرفه. ومنه يظهر الجواب عن الصحيح المستدل به للقول الثاني المتضمّن لقوله عليه السلام: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره»
بحمله على ما ذكرنا.
ولا ينافيه ما في ذيله من قوله عليه السلام: «فأمّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه» الحديث؛ إذ غايته نفي الصلاحيّة الذي هو أعم من
الكراهة والحرمة، فلعلّ المراد به الكراهة إن لم نقل بظهوره فيها، كما عليه المتأخّرون كافة، تبعاً لما صرّح به الشيخ في مواضع عديدة، ومنها ما في
الاستبصار في بحث
صلاة الفريضة في جوف
الكعبة حيث صرّح ثمة بأنّ لا يصلح صريح في الكراهة،
ونحن نقول بها في المسألة، وعلى هذا فتكون هذه الصحيحة دليلاً آخر على الإطلاق، لا على خلافه حجّة وإن توهّمه جماعة.
وأما الصحيح المتضمن لنحو ما مرّ في صدر الصحيح الأخير وقول الراوي بعده : قلت : فإن لم يقدر، قال : «يأمر من يطوف عنه»
فليس فيه دلالة على التقييد؛ إذ الشرط إنما هو في كلام الراوي، فلا يفيد التقييد، وإنما يستفاد من قوله عليه السلام: «حتى يطوف بالبيت» الظاهر في وجوب طوافه عليه ومباشرته له بنفسه. لكن قد عرفت بما مرّ أن المراد منه المعنى الأعم الشامل له ولنائبه.
وعلى هذا فلم يبق حجّة على القول الثاني عدا أصالتي بقاء حرمة النساء وعدمِ
الانتقال إلى الغير، وهما مخصَّصان بما مرّ. فإذاً القول الأوّل أظهر، سيّما مع كونه أشهر وأوفق بما دلّ على نفي العسر والحرج. ولكن الثاني أحوط، بل لا يترك؛ لإمكان المناقشة في إطلاق الصحاح بقوة
احتمال ورودها مورد الغالب، وهو صورة التعذّر أو التعسّر في العود؛ وعدم صراحة قوله عليه السلام في الحديث الذي - يقر بها
- : «يأمر من يقضي عنه إن لم يحج» فيما مرّ، بل هو مطلق أيضاً، يحتمل الحمل على الغالب من صورة التعذّر، فلعلّه الباعث على عدم
إرادة الحج.
وعلى هذا فيبقى الأوامر بطوافه بنفسه المستفادة من قوله : «لا حتى يطوف بالبيت» وغيره باقية على ظاهرها من لزوم المباشرة، خرج منه صورة التعذّر خاصة اتّفاقاً فتوًى وروايةً وبقي الباقي، وحينئذٍ فلا مخصّص يطمئن إليه للأصلين المتقدم إليهما
الإشارة .
وبالجملة : فالمسألة محلّ إشكال وريبة؛ لإمكان الجمع بين الروايات بما يوافق كلا القولين، مع عدم وضوح دليل صالح للترجيح في البين سوى الشهرة للأوّل، لكنّها معارضة بالأُصول للثاني، فالمصير إلى
الاحتياط أجود وإن كان في تعيّنه نظر، لقوّة الشهرة على الأُصول، سيّما مثل هذه الشهرة القريبة من الإجماع، المعتضدة بلفظ «لا يصلح» الظاهر في الكراهة إن لم نقل بصراحته فيها. مضافاً إلى ظهور بعض الصحاح في أنّ المراد بالأوامر المستفادة من قوله : «لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت» وغيره ما قدّمن، من تحصيل الطواف ولو بالاستنابة، لا المباشرة خاصة.
ففيه : قلت : رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال : «يأمر من يقضي عنه إن لم يحج، فإنه لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت».
فإنّ تعليل
الأمر بالاستنابة بهذه العلّة أوضح قرينة على أن المراد بها ما عرفته، لا طوافه بنفسه خاصة، وإلاّ لما ارتبط العلّة بمعلولها وما كان بينهما مناسبة. وحينئذٍ فترتفع الأوامر بالمباشرة، ولا موجب لاعتبارها بالكليّة، وحينئذٍ فتنعكس الأُصول في المسألة. وعلى القولين يشترط عدم العود بنفسه في الاستنابة؛ لما عرفته من الأخبار الصحيحة.
(ولو مات) ولم يطف ولو استنابة (قضاه) عنه (الوليّ) أو غيره؛ لما عرفته من الروايات المتقدّمة.
رياض المسائل، ج۷، ص۸۸- ۹۵.