خصائص ليلة القدر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
خَصائِصُ
لَيلَةِ القَدرِ: أ- فيها تَقديرُ كُلِّ شَيءٍ يَكونُ فِي السَّنَةِ، ب- هِيَ أوَّلُ السَّنَةِ وآخِرُها، ج- اِختِصاصُها
بِوُلاةِ الأَمرِ، د- خير من ألف شهر، ه-
نُزولُ المَلائِكَةِ فيها إلى
صاحِبِ الأَمرِ، و- سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ.
«تَنَزَّلُ الْمَلَئِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ»
.
«فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»
.
الإمام الباقر (علیهالسّلام) ـ في قَولِ اللّه ِ تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلَ: تَنَزَّلُ فيهَا المَلائِكَةُ وَالكَتَبَةُ إلَى السَّماءِ
الدُّنيا، فَيَكتُبونَ ما يَكونُ فِي السَّنَةِ مِن اُمورِ ما يُصيبُ العِبادَ، وَالأَمرُ عِندَهُ مَوقوفٌ، لَهُ فيهِ
المَشِيَّةُ، فَيُقَدِّمُ ما يَشاءُ، ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ، ويَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ، وعِندَهُ
اُمُّ الكِتابِ.
الإمام الصادق (علیهالسّلام) ـ مِن وَصِيَّتِهِ لِوُلدِهِ عِندَ دُخولِ
شَهرِ رَمَضانِ:فَاجهَدوا أنفُسَكُم فَإِنَّ فيهِ تُقسَمُ الأَرزاقُ، وتُكتَبُ الآجالُ، وفيهِ يُكتَبُ وَفدُ اللّه ِ الَّذينَ يَفِدونَ إلَيهِ، وفيهِ لَيلَةٌ العَمَلُ فيها خَيرٌ مِنَ العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ
.
عنه (علیهالسّلام): اللَّيلَةُ الَّتي يُفرَقُ فيها كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ، يُنزَلُ فيها ما يَكونُ في السَّنَةِ إلى مِثلِها من
خَيرٍ أو
شَرٍّ، أو
رِزقٍ أو
أمرٍ، أو
مَوتٍ أو
حَياةٍ، ويُكتَبُ فيها وَفدُ
مَكَّةَ؛ فَمَن كانَ في تِلكَ السَّنَةِ مَكتوبا، لَم يَستَطِع أن يَحبِسَ وإن كانَ فَقيرا مَريضا، ومَن لَم يَكُن فيها مَكتوبا، لَم يَستَطِع أن يَحُجَّ وإن كانَ غَنِيّا صَحيحا
.
جاء التأكيد في عدد كبير من الروايات أنَّ أول خصائص هذه اللّيلة، هو تقدير اُمور الناس وتدبير أحوالهم وأوضاعهم خلال السَّنة، وهي اللّيلة الّتي ينزل فيها ما يحدث ويفرق فيها كلّ أمر إلى مثلها، وربما لهذه الجهة بالذات نزل
القرآن الكريم في هذه اللّيلة؛ هذا الكتاب الّذي يعدّ بدوره برنامج
حياة الإنسان. انطلاقا من هذا المعنى، بمقدور
الإنسان أن يغيّر مصيره ومسار حياته في ليلة القدر عبر استثمار البرنامج الّذي رسمه له القرآن، ويستحوذ لسنته المقبلة على أفضل المقدّرات، ويحقّق لنفسه أغنى المكاسب وأكثرها عطاءً ونفعا، على أنَّ هاهنا ملاحظتين حريّتين بالانتباه، هما: الملاحظة الاُولى: إنَّ تقدير مصير الإنسان في ليلة القدر يأتي في سياق مقدّراته في العلم الأزلي للّه سبحانه، بعبارة أُخرى، تفيد روايات
أهل البيت (علیهمالسّلام)، أنَّ ما هو مقدَّر للناس في
علم الحق سبحانه خلال السَّنة، يبرز بصيغة برنامج مكتوب تكتبه
الملائكة ويسلّم إلى
إمام العصر بواسطتهم؛ وذلك تبعا لما يقوم به الإنسان في ليلة القدر. الملاحظة الثانية: يفيد عدد من الروايات بأنَّ تقدير مصير الإنسان خلال ليلة القدر وتدبير ما سيكون عليه أمره خلال سنة كاملة، لا يعني استسلامه للمصير، بحيث لن يكون بمقدوره أن يغيّر شيئا من اُموره ومستقبله، بل بمقدوره أن يغيّر من مقدّراته القطعيّة في ليلة القدر عبر لجوئه إلى الدعاء وتوسّله بالأعمال الصالحة، ولذلك كلّه جاء عن الإمام الباقر (علیهالسّلام)، قوله: «فَما قُدِّرَ في تِلكَ اللَّيلَةِ وقُضِيَ فَهُوَ مِنَ المَحتُومِ ولِلّهِ عز و جل فيهِ المَشِيَّةُ»
. عندما نأخذ بنظر الاعتبار هذه
الرواية وما يقع على شاكلتها
، ونضيف إلى ذلك الأدلّة القطعية الّتي تفيد
إجابة الدعاء طوال السنة خاصّةً في
عرفات، وفي المشاهد المشرّفة، فلا يمكن عندئذٍ قبول ظاهر بعض الروايات الّتي تنصّ على أنَّ مقدّرات ليلة القدر لا ينالها التحوّل والتغيير
.
الإمام الصادق (علیهالسّلام): لَيلَةُ القَدرِ هِيَ أوَّلُ السَّنَةِ، وهِيَ آخِرُها
.
عنه (علیهالسّلام): رَأسُ السَّنَةِ لَيلَةُ القَدرِ، يُكتَبُ فيها ما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ
.
أوضحنا في مدخل الكتاب أنَّ بداية السَّنة تختلف تبعا لتعدد الاعتبارات، ومن ثَمَّ فإنَّ الروايات الّتي تنصّ على أنَّ ليلة القدر هي أوّل السَّنة ورأسها، إنّما جاءت باعتبار سنة تقدير اُمور الناس وتدبير شؤونهم وما يحصل لهم وما يكون، وهي بهذه المثابة أو الاعتبار آخر السَّنة أيضا، أي آخر السَّنة المقدَّرة الّتي مضت، وأوّل السَّنة المقدّرة الجديدة.
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): آمِنوا بِلَيلَةِ القَدرِ؛ إنَّها تَكونُ
لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ولِوُلدِهِ الأَحَدَ عَشَرَ مِن بَعدي
.
الإمام الجواد (علیهالسّلام): إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ (علیهالسّلام) قالَ
لاِبنِ عَبّاسٍ: «إنَّ لَيلَةَ القَدرِ في كُلِّ سَنَةٍ، وإنَّهُ يَنزِلُ في تِلكَ اللَّيلَةِ أمرُ السَّنَةِ، ولِذلِكَ الأَمرِ وُلاةٌ بَعدَ رَسولِ اللّه ِ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)». فَقالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مَن هُم؟ قالَ (علیهالسّلام): «أنَا وأحَدَ عَشَرَ مِن صُلبي أئِمَّةٌ مُحَدَّثونَ»
.
الإمام عليّ (علیهالسّلام): قالَ لي رَسولُ اللّه ِ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «يا عَلِيُّ، أتَدري ما مَعنى لَيلَةِ القَدرِ؟» فَقُلتُ: لا، يا رَسولَ اللّه ِ. فَقالَ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «إنَّ اللّه َ تَبارَكَ وتَعالى قَدَّرَ فيها ما هُوَ كائِنٌ إلى
يَومِ القِيامَةِ، فَكانَ فيما قَدَّرَ عز و جل
وِلايَتُكَ ووِلايَةُ الأَئِمَّةِ مِن وُلدِكَ إلى يَومِ القِيامَةِ»
.
الخصيصة الثالثة الّتي تحفّ ليلة القدر، أنَّ اللّه سبحانه يُطلع في هذه الليلة أكمل الناس وأفضل بني آدم وأسماهم على صورة تقديره وحكمه ومسار تدبيره للعباد. فنجد في تفسير القميِّ في ذيل الآية الكريمة: «تَنَزَّلُ الْمَلَئِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا» ما نصّه: «تَنَزَّلُ المَلائِكةُ وروحُ القُدُسِ عَلى إمامِ الزَّمانِ، ويَدفَعونَ إلَيهِ ما قَد كَتَبوهُ مِن هذِهِ الاُمورِ»
. هذه العملية وإن كانت لا تنسب إلى
المعصوم صراحةً، إلاّ أنّها تعدّ حصيلة لمدلولات ما جاء من روايات في هذا الباب، وعندئذٍ يمكن القول: إنَّ من خصائص ليلة القدر اختصاصها
بالإمام المهدي (عجلاللّهتعالىفرجه)، ممّا يعني أنَّ
التوسل به (علیهالسّلام) في هذه الليلة خاصّة له دوره النافذ في تيسير اُمور الإنسان وفتح الآفاق أمامه، لما يؤدّي إلى تغيير مصيره باتجاه تحقيق المزيد من المكاسب لسنته الجديدة.
يسجّل القرآن الكريم صراحةً: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» الأمر الّذي يدلّل على الطابع الاستثنائي المتميّز لهذه البرهة الزمنية وما تنطوي عليه من فرادة في بركاتها، على النحو الّذي يعادل العمل الصالح فيها؛ العملَ الصالح خلال عمر طويل ينوف على الثمانين عاما ! تجاوبا مع هذا المعنى، جاء في تفسير الآية ما نصّه: «العَمَلُ الصّالِحُ فيها مِنَ
الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وأنواعِ الخَيرِ، خَيرٌ مِنَ العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ لَيسَ فيها لَيلَةُ القَدرِ»
. وهذا الثراء العريض في بركات هذه اللّيلة وغناها، هو الّذي يفسّر في الحقيقة حثّ النَّبي والأئمّة وتحريضهم المسلمين على أن ينتفعوا من ليلة القدر لحظة فلحظة، حتّى نهى النَّبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) من النوم في اللّيلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان
، وهو الّذي يفسّر أيضا حرص بضعته البتول
السيّدة فاطمة الزهراء (عليهاالسّلام) على ألاّ ينام أحد من أهل بيتها في هذه اللّيلة
. أجل، إنَّ من يعيش نعمة
الإيمان بالقرآن، ويدرك أنَّ العملَ في ليلة واحدة يعادل في بركاته لحياته الخالدة وعطاءاته لتلك الحياة الأبدية، العملَ خلال عمر طويل، لا يسعه التفريط بهذه الفرصة الثمينة الغالية والهبة الّتي لا تضاهى.
الإمام الباقر (علیهالسّلام): لاتَخفى عَلَينا لَيلَةُ القَدرِ، إنَّ المَلائِكَةَ يَطوفونَ بِنا فيها
.
تفسير القمّي: قيلَ لِأَبي جَعفَرٍ (علیهالسّلام): تَعرِفونَ لَيلَةَ القَدرِ؟ فَقالَ: «وكَيفَ لانَعرِفُ لَيلَةَ القَدرِ وَالمَلائِكَةُ يَطوفونَ بِنا فيها»
.
رجال الكشّي عن
إسماعيل بن أبي حمزة: رَكِبَ أبو جَعفَرٍ (علیهالسّلام) يَوماً إلى حائِطٍ لَهُ مِن حيطانِ
المَدينَةِ، فَرَكِبتُ مَعَهُ إلى ذلِكَ الحائِطِ ومَعَنا سُلَيمانُ بنُ خالِدٍ. فَقالَ لَهُ
سُلَيمانُ بنُ خالِدٍ: جُعِلتُ فِداكَ ! يَعلَمُ
الإِمامُ ما في يَومِهِ؟ فقالَ: «يا سُلَيمانُ، وَالَّذي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ وَاصطَفاهُ بِالرِّسالَةِ، إنَّهُ لَيَعلَمُ ما في يَومِهِ، وفي شَهرِهِ، وفي سَنَتِهِ». ثُمَّ قالَ: «يا سُلَيمانُ، أما عَلِمتَ أنَّ رُوحاً تَنزِلُ عَلَيهِ في لَيلَةِ القَدرِ فَيَعلَمُ ما في تِلكَ السَّنَةِ إلى مِثلِها مِن قابِلٍ، وعَلِمَ ما يَحدُثُ فَي اللَّيلِ وَالنَّهارِ»
.
بصائر الدرجات عن
هشام: قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّه (علیهالسّلام): قَولَ اللّه َ تَعالى في كِتابِهِ: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»
؛ قالَ: «تِلكَ لَيلَةُ القَدرِ يُكتَبُ فيها وَفدُ الحاجِّ، وما يَكونُ فيها مِن
طاعَةٍ أو
مَعصِيَةٍ، أو مَوتٍ أو حَياةٍ، ويُحدِثُ اللّه ُ في اللَّيلِ وَالنَّهارِ ما يَشاءُ، ثُمَّ يُلقيهِ إلى صاحِبِ الأَرضِ». قالَ
الحارِثُ بنُ المُغيرَةِ البَصرِيُّ، قُلتُ: ومَن صاحِبُ الأَرضِ؟ قالَ: «صاحِبُكُم»
.
تفسير القمّي: قَولُهُ تَعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلَئِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا» قالَ: «تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ
وروحُ القُدُسِ عَلى
إمامِ الزَّمانِ، ويَدفَعونَ إلَيهِ ما قَد كَتَبوهُ مِن هذِهِ الاُمورِ»
.
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): إنَّ
الشَّيطانَ لا يَخرُجُ في هذِهِ اللَّيلَةِ حَتّى يُضِيءُ فَجرُها وَلا يَستَطِيعُ فيها عَلى أحَدٍ بِخَبَلٍ أو داءٍ، أو ضَربٍ مِن ضُروبِ الفَسادِ، ولا يُنفَذُ فيهِ
سِحرُ ساحِرٍ»
.
الإمام زين العابدين (علیهالسّلام) ـ مِن دُعائِهِ عِندَ دُخولِ شَهرِ رَمَضانِ ـ:ثُمَّ فَضَّلَ لَيلَةً واحِدَةً من لَياليهِ عَلى لَيالي ألفِ شَهرٍ، وسَمّاها
لَيلَةَ القَدرِ، تَنَزَّلُ المَلائِكةُ وَالرّوحُ فيها بِإِذنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أمرٍ، سَلامٌ دائِمُ
البَرَكَةِ إلى طُلوعِ الفَجرِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ بِما أحكَمَ مِن
قَضائِهِ.
مراقبات شهر رمضان، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ص۲۱۱-۲۱۴. مراقبات شهر رمضان، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ص۲۲۴-۲۲۷.