دية اللسان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في استئصال اللسان الصحيح،
الدية الكاملة، وإن قطع بعضه اعتبر
بحروف المعجم وهي ثمانية وعشرون حرفا، وفي
الرواية: تسعة وعشرون حرفا، وهي مطروحة؛ وفي لسان
الأخرس ثلث ديته؛ وفي بعضه بحساب ديته، ولو ادعى ذهاب نطقه، ففي رواية: يضرب لسانه بالإبرة فإن خرج الدم أسود صدق.
وفي استئصال اللسان الصحيح
الدية كاملةً إجماعاً؛ لما مرّ من النصوص في أنّ ما في
الإنسان منه واحد فيه الدية.
مضافاً إلى خصوص المعتبرة، وفيها
الموثق وغيره
: «في اللّسان إذا استؤصل الدية كاملة».
وكذا في إذهاب
النطق جملة ولو بقي اللسان بحاله، بلا خلاف فيه وفي أنّه إذا ذهب بعضه قسّمت الدية على الحروف وأُعطي بقدر الفائتة، لا إشكال فيه؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة: في رجل ضرب رجلاً في رأسه فثقل لسانه، أنّه «يعرض عليه
حروف المعجم كلّها، ثم يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها»
.
ولو قطع بعضه أي بعض اللسان اعتبر بحروف المعجم أيضاً دون مساحته عند أكثر
الأصحاب على الظاهر، المصرَّح به في كلام جماعة
، وحجتهم غير واضحة؛ لاختصاص المستفيضة المتقدمة بالجناية على المنفعة دون الجارحة التي هي مفروض المسألة.
نعم في الموثق: رجل طرف لغلام طرفة فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض ولم يفصح ببعض، قال: «يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية، وما لم يفصح به أُلزم الدية» قال: قلت: فكيف هو؟ قال: «على حساب
الجمل: ألف ديتها واحد، والباء ديتها اثنان، والجيم ثلاثة، والدال أربعة، والهاء خمسة، والواو ستة، والزاي سبعة، والحاء ثمانية، والطاء تسعة، والياء عشرة، والكاف عشرون، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والنون خمسون، والسين ستّون، والعين سبعون، والفاء ثمانون، والصاد تسعون، والقاف مائة، والراء مائتان، والشين ثلاثمائة، والتاء أربعمائة، وكل حرف يزيد بعد هذا من: أ، بـ، ت، ث، زدت له مائة درهم»
.
وهو ظاهر فيما ذكروه؛ لقوله: فقطع بعض لسانه، وبه صرّح بعض الأصحاب، بل قال: إنّه
نصّ فيه.
ومنه يظهر ما في اعتراض
المولى الأردبيلي على الأصحاب بعدم الدليل، قال: فإنّ الدليل على ما سمعت وأشار به إلى الأخبار المتقدمة إنّما دلّ على كون المدار على المنفعة فيما إذا ذهبت المنفعة فقط ولم يذهب من الجرم شيء؛ إذ ما كان في الدليل ما يشمل على قطع بعض اللسان مع كون المدار على نقصان الحروف، وأنّه قد يسقط من اللسان ولا يحصل قصور في صدور الحروف، فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة فيما إذا كان فيها فقط، وعلى المساحة والمقدار على تقدير النقص فيه فقط
، إلى آخر ما ذكره.
ولعلّه غفل عن دلالة هذه الموثقة، أو حمل قطع بعض اللسان في قوله: فقطع، على قطع بعض النطق والكلام؛ لإطلاق اللسان عليه كثيراً، وهو وإن كان مجازاً إلاّ أنّ القرينة قائمة عليه فيها، وهي عطف «قطع» على طرف، والطرف في الأصل الضرب على طرف العين، ثم نقل إلى الضرب على الرأس، كما في
النهاية الأثيرية، وظاهر أنّ الضرب على الرأس لا يوجب قطع اللسان الحقيقي، بل المجازي، وعلى هذا يكون سبيل هذه
الرواية سبيل المستفيضة في اختصاصها بجناية المنفعة، لا الجارحة.
مضافاً إلى منافاة ما فيها من بسط الدية بحسب حروف الجمل لما عليه الأصحاب كافّة فيما أجده، وبه صرّح بعض الأجلّة
من بسطها على حروف المعجم بالسوية، كما هو ظاهر المستفيضة، بل صريح بعضها، وهو قوية
السكوني: «اتي
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) برجل ضرب فذهب بعض كلامه وبقي بعض كلامه، فجعل ديته على حروف المعجم كلّها، ثم قال: تكلّم بالمعجم، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك، والمعجم ثمانية وعشرون حرفاً، فجعل ثمانية وعشرين جزءاً، فما نقص من ذلك فبحساب ذلك
.
فالأصحّ ما ذكره من عدم دليل بذلك من نصّ ولا رواية.
والذي يقتضيه النظر ويعضده الأُصول وجوب دية للذّاهب من جرم اللّسان بالمساحة، وأُخرى للذّاهب من الحروف بالنسبة، ويحتمله ما عن
الحلبي والإصباح وفي
الغنية: من أنّه إذا قطع بعض اللسان ففيه بحساب الواجب في جميعه ويقاس بالميل، وإذا ذهب بعض اللسان يعنون الكلام اعتبر بحروف المعجم.
لكن يحتمل إرادتهم بذلك الاعتبار بالمساحة إن لم يذهب من الكلام شيء، أو ذهب منه أقلّ من مساحة اللسان بالنسبة إلى الدية، كأن ذهب منه ربعه ومن اللسان نصفه، فيؤخذ من الدية بنسبته دون الكلام.
والاحتمال الأوّل أوفق بالأُصول، لكن القائل به من الأصحاب غير معلوم؛ لإطباقهم ظاهراً على تداخل الديتين مطلقا، حتى لو تفاوت نسبة كل منهما إلى الدية الكاملة، بأن كان إحداهما بالربع والأُخرى بالنصف، أو بالعكس.
لكن اختلفوا في أخذ الزيادة عن القدر المتداخل فيه مطلقاً، كما عليه
المبسوط نافياً الخلاف عنه، وحكى في
المختلف عن الحلبي أيضاً
، أو إذا كانت الزيادة للمنفعة خاصّة، ولو انعكس فلا زيادة، كما عليه الأكثر على الظاهر، المصرّح به في كلام جمع
، بناءً منهم على أنّه لا اعتبار بقدر المقطوع هنا، ودليلهم غير واضح عدا ما قيل
: من
إطلاق ما مرّ من المستفيضة. وفيه ما عرفته.
فإذاً الأجود القول الأوّل؛ أخذاً بالأصل الدالّ على لزوم
ديتي الجارحة والمنفعة وأبعاضهما بالنسبة، خرج منهما القدر المتداخل فيه بشبهة
الإجماع، والأولوية المستفادة من ثبوت التداخل باستئصال الجارحة اتفاقاً، فتوًى ورواية، ففي البعض أولى، فتأمّل جدّاً، ويبقى الزائد عنه مندرجاً تحته؛ مضافاً إلى التأيّد بنقل عدم الخلاف المتقدم.
وقد اختار هذا القول من محقّقي المتأخّرين جماعة، ومنهم
الفاضل في المختلف
والتحرير والقواعد،
وشيخنا في
المسالك والروضة، وغيرهم
.
وهي أي الحروف ثمانية وعشرون حرفاً في المشهور بين
الفقهاء، وبه نصّت القوية المتقدمة، ونحوه رواية أُخرى صحيحة
وثالثة عن مولانا
الرضا (علیهالسّلام) مروية
، وقصور
السند فيها وفي الاولى مجبور بالشهرة بين الفقهاء.
ولكن في رواية أُخرى صحيحة
أنّها تسعة وعشرون حرفاً، وهي مع أنّها معارضة بمثلها لراويها أيضاً، وزيادةً عليه عرفتها مطرحة لم أجد بها عاملاً عدا
يحيى بن سعيد فيما يحكى عنه
، وهو شاذّ، بل على خلافه في ظاهر العبارة هنا وفي
الشرائع وغيره
الإجماع من العلماء، بل من اللغة والعرف أيضاً كما في المسالك وغيره
، لكن قيل: إنّه المشهور عند أهل العربية
، وعن
الكشّاف في تفسير أوّل
سورة البقرة أنّ حروف المعجم تسعة وعشرون واسمها ثمانية وعشرون
.
وكيف كان فالمذهب هو الأوّل؛ لما مرّ، مع ضعف المعارض، وعدم تعرضه لبيان الزائد ما هو؟ وإن قيل: الظاهر أنّه فرّق بين الهمزة والألف
.
وفي استئصال لسان
الأخرس ثلث الدية بلا خلاف أجده، بل عليه في ظاهر المبسوط
والسرائر وصريح
الخلاف والغنية
إجماع
الإمامية، وفيه
الحجة.
مضافاً إلى
الصحيح: «في لسان الأخرس وعين
الأعمى ثلث الدية»
.
ولا فرق بين كون الخرس خلقيّاً أو عرضيا؛ لإطلاق
النص والفتوى، ولكن مرّ في بعض الصحاح
ما يفيد تقييده بالثاني، ولزوم تمام الدية في الأوّل، ولم أَرَ به عاملاً، فيكون على الظاهر شاذّاً.
وفي قطع بعضه بحساب ديته بمساحته، كما سبق في نظائره.
ولو ادّعى المجني عليه ذهاب نطقه بالجناية ففي رواية: «يضرب لسانه بالإبرة، فإن خرج الدم أحمر فقد كذب، وإن خرج أسود فقد صدق»
) وقد عمل بها الحلبي
وابنا زهرة وحمزة والشيخ في الخلاف
مدّعياً عليه
الوفاق.
فإن تمّ إجماعاً أو شهرة جابرة، وإلاّ فالسند ضعيف بجماعة، ولذا أعرض عنها المتأخّرون، وقالوا بالتصديق
بالقسامة خمسين يميناً بالإشارة أو ستّة على الخلاف المتقدم إليه الإشارة؛ لتعذّر إقامة
البيّنة على ذلك، وحصول
الظن المستند إلى
الأمارة بصدقه وهي الجناية، فيكون لوثاً تثبت به القسامة؛ لما تقدم في بحثها من الأدلّة، وحكي القول بهذا أيضاً عن النهاية
.
وظاهر
الماتن التوقّف في الحكم، مع أنّه في الشرائع
حكم بالقسامة، ولعلّه نشأ من ضعفها كما عرفته، ومن قوّة احتمال انجبارها بفتوى هؤلاء القدماء، وسيّما ابن زهرة الذي لا يعمل بالآحاد المجرّدة عن القرائن القطعية، مع احتمال عبارته دعوى الإجماع عليه كالشيخ، ومع ذلك الرواية مروية في الكتب الثلاثة، مع قوة احتمال فتوى
الصدوق والكليني بها، ولا سيّما الأوّل، فتأمّل جدّاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۴۴۸-۴۵۶.