شروط صيغة الإيلاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اتّضح من خلال تعريف
الإيلاء شرعاً أنّ صيغته لابدّ وأن تكون
بالحلف على ترك وطء الزوجة قبلًا مطلقاً أو مدّة أكثر من المدّة المسموح بها شرعاً في ترك وطء الزوجة، والتي هي أربعة أشهر وبقصد
الإضرار ، فإذا اختلّ أحد هذه الشروط لم يقع إيلاءً بل يمين مع توفّر شروط اليمين.أمّا الحلف فقد صرّح بعض الفقهاء بأنّه لابدّ وأن يكون بأسماء اللَّه تعالى الخاصة به، أو الغالبة فيه،
بل قد ادّعي عدم وجدان
الخلاف فيه.
ودليله الروايات الواردة في لزوم كون الحلف باللَّه تعالى وقد مرّت، مضافاً إلى أنّ
الأصل عدم تحقّق الإيلاء مع الحلف بالمشكوك المحتمل.نعم، قد يقال بكفاية كلّ ما يدلّ على ذاته تعالى ويشار إليه به من الموصولات وأسماء
الإشارة أيضاً كقول الحالف:والذي بعث
محمّداً ، أو والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ونحوها ممّا يصدق معه أنّه حلف باللَّه تعالى، وحيث إنّ البحث- موضوعاً وحكماً ودليلًا- من أبحاث اليمين وصغرياته، وأنّ ما ورد من الرواية في أبواب الإيلاء في اشتراط الحلف ليس ذلك لخصوصيّة في الإيلاء قطعاً، نترك- تبعاً للفقهاء
- تفصيل الكلام فيه إلى مصطلح (حلف، يمين).
وأمّا الألفاظ الدالّة على ترك
الوطء في القبل، فبعضها صريح لغة وعرفاً، كقول المؤلي: واللَّه، لا أدخلت فرجي في فرجك أو واللَّه، لا أنيكك،
فيقع بها الإيلاء قطعاً خارجاً، وفيما بينه وبين اللَّه، بحيث لو ادّعى عدم
إرادة الإيلاء لم يسمع منه في مقام الدعوى والخصومة.وجعل
الشيخ الطوسي منه أيضاً قوله:واللَّه، لا جامعتك، ولا وطأتك، ولا أصبتك
ونحوها؛ فإنّها وإن كانت بحسب اللغة تحتمل أمرين، إلّاأنّه ثبت بعرف العادة أنّها عبارة عن
الجماع عند
الإطلاق .ولكن جعلها المحقّق والعلّامة الحلّيان من المحتمل وحكما بصحّة الإيلاء بها مع
القصد لا مطلقاً.
ولكن أورد عليه
المحقّق النجفي بأنّها من الألفاظ الصريحة عرفاً؛
ولذا اكتفى بالأوّل منها في صحيح
أبي بصير عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: سألته عن الإيلاء ما هو؟ فقال: «هو أن يقول الرجل لامرأته: واللَّه، لا اجامعك...»،
وظاهر
الشهيد الثاني أيضاً
إجراء حكم الصريح عليه.
وبعضها غير صريح كما لو قال: واللَّه، لا جمع رأسي ورأسك شيء، أو لا ساقفتُك، أو لا جمع رأسي ورأسك مخدّة، أو لأطيلنّ غيبتي عنك، وأمثالها ممّا هي كناية عن عدم الوطء، فذهب الشيخ في الخلاف
وابن إدريس في
السرائر والعلّامة في
الإرشاد إلى عدم وقوع الإيلاء بها.
وذهب الشيخ الطوسي في المبسوط إلى وقوعه مع القصد قائلًا: «فكلّ هذه كناية، فإن كانت له نيّة فهو على ما نوى، وإن لم يكن له نيّة سقط قوله، ولم يتعلّق به حكم».
واستحسنه بعضهم،
بل قال العلّامة الحلّي: «قولان، أقربهما الوقوع»،
وقال المحقّق النجفي: «وهو الأقوى».
واستدلّ الشيخ في الخلاف على العدم بأنّ ثبوت الإيلاء بهذه الكنايات يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه، مضافاً إلى أنّ الأصل براءة الذمّة.
واجيب عنه بوجود الدليل، وهو- مضافاً إلى إطلاق أدلّة الإيلاء- خصوص رواية
بريد بن معاوية ، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول في الإيلاء: «إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته، ولا يمسّها، ولا يجمع رأسه ورأسها، فهو في سعة ما لم تمضِ الأربعة أشهر...».
ورواية
أبي الصباح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «... الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته: واللَّه، لأغيضنّك ولأسوأنّك»،
وهي كنايات.وكذا رواية الحلبي؛
ولأنّ الإيلاء قسم من اليمين المعلوم
انعقاده بمثل ذلك.
وأمّا المدّة فلابدّ أيضاً أن تكون الصيغة مشتملة على ألفاظ تدلّ عليها دلالة تامّة، صريحاً أو ظهوراً، وذلك إمّا بتقييدها بقيد
الدوام ، أو بالمدّة الزائدة على أربعة أشهر، أو بفعلٍ يكون وقوعه كذلك قطعاً أو غالباً، وإمّا بإطلاقها وخلوّها عن القيد الزماني بأن يقول: واللَّه، لا اجامعنّك- بناءً على أنّ الإطلاق يحمل على الدوام في المقام وأشباهه من
النكاح والوقف والتوكيل وغيرها- أو لأنّ ذلك هو مقتضى ورود النفي على الطبيعة حيث إنّ
الماهية لا تنتفي إلّابأن لا توجد أبداً كما صرّح به في كشف اللثام،
بل حكي عن
ابن عبّاس أنّه قال: «فإن أطلق فقد أبّد، وإن قال على التأبيد فقد أكّد».
وقد مرّت عبارات غير واحد من الفقهاء في بحث المدّة.
رغم إجماع الفقهاء في العقود والإيقاعات-
كالبيع والنكاح والطلاق- على لزوم تجرّد الصيغة عن التعليق لكنّهم اختلفوا هنا، فذهب عدّة منهم إلى
الاشتراط بمعنى عدم وقوعه مع التعليق؛
وفيه: «على رأي». جرياً على القاعدة المسلّمة عندهم في
العقود والإيقاعات، وعدّة إلى عدم الاشتراط؛
وفيه: «قولان، أقواهما العدم (عدم الاشتراط)».
وفيه: «أنّ الأقوى.جوازه (جواز التعليق)». جرياً لحكم اليمين عليه حيث يتحقّق اليمين منجّزاً ومعلّقاً على الشرط ونحوه.واستدلّ لاشتراط
التنجيز وعدم جواز التعليق
بالإجماع والأخبار، قال الشيخ الطوسي: «الإيلاء لا يقع بشرط... دليلنا:إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً الأصل براءة الذمّة، وثبوت الإيلاء بشرطٍ يحتاج إلى دلالة شرعيّة، ولا دليل في الشرع».
ولعلّ مراده- على ما في
كشف اللثام والجواهر - من الأخبار النصوص المتضمّنة لتفسير الإيلاء على نحو التنجيز، وليس فيها أثر من التعليق بشرط أو صفة، ومن الإجماع أنّه إنّما وقع مطلقاً ولا دليل على وقوعه مشروطاً.وفي
الغنية ادّعاء الإجماع على اشتراط التجريد من الشرط.
واستدلّ لجواز التعليق بعموم الكتاب السالم عن المعارض، وهو كافٍ في قطع الأصل الذي ادّعوه.
قال المحقّق النجفي في توضيح ذلك:«لما عرفت من عدم تسبيبٍ للشارع في الإيلاء، زائد على تسبيب اليمين المعلوم قبوله للشرط، وحينئذٍ فكلّ ما جاز في مطلق اليمين يجوز فيه، بل هو ليس إلّا فرداً مخصوصاً من اليمين، والنصوص
المزبورة إنّما سيقت لبيان صيغته بالنسبة إلى المحلوف به والمحلوف عليه، لا غير ذلك ممّا يشمل المفروض، والإجماع المزبور بالمعنى الذي ذكرناه يرجع إلى
الاحتياط الذي لا يعارض الإطلاق.وأمّا إجماع
ابن زهرة المعتضد بظاهر السرائر، فلم نتحقّقه، بل لعلّ المحقَّق خلافه، وكأنّه نشأ من توهّم كون الإيلاء كغيره من أفراد
الإيقاع المعلوم عدم جواز تعليقه بالإجماع وغيره ممّا عرفته سابقاً...ولكن قد عرفت أنّه ليس الإيلاء إلّااليمين الذي دلّ الدليل على جواز تعليقه، وليس له إنشائيّة زائدة على إنشائيّته، ولا تسبيب زائد على تسبيبه. نعم، لهذا الفرد الخاص من اليمين- وهو المتعلّق بترك جماع الزوجة الدائمة أزيد من المدّة- أحكامٌ شرعيّة، بها استحقّ اسم الإيلاء...».
الظاهر أنّه لا خلاف بين الفقهاء في عدم
اعتبار العربيّة في صيغة الإيلاء- خلافاً لغيره من العقود والإيقاعات التي وقع فيها الخلاف، بل حكموا بلزوم العربية في بعضها كالنكاح والطلاق مع
الإمكان - ويقتضيه إطلاق كلماتهم في صيغة الإيلاء بالنسبة لهذا القيد، ولم ينقل عن أحد الخلاف فيه، بل صرّح عدّة بعدم اشتراطها.قال المحقّق الحلّي: «ولا ينعقد الإيلاء إلّا بأسماء اللَّه تعالى مع التلفّظ، ويقع بكلّ لسان».
ومثله عبارة القواعد.
وقال الشهيد الثاني: «بل يعتبر التلفّظ به بأيّ لغة اتّفق؛ لاشتراك اللغات في
إفادة المعنى المقصود».
وفي
الروضة : «لصدقه عرفاً».
وقال المحقّق النجفي: «إنّ الإيلائيّة ليست شيئاً زائداً على اليمين الذي يقع بكلّ لسان».
الموسوعة الفقهية، ص۳۳۳-۳۳۸.