عقد النكاح والشهادة عليه للمحرم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يحرم على
المحرم عقد النكاح ، و
الشهادة عليه، و
إقامة الشهادة عليه، و
الخطبة .
لا خلاف بين
الفقهاء في حرمة
تزويج المحرم لنفسه أو لغيره، سواء كان ذلك الغير محرماً أم محلّاً، بل عليه
الإجماع بقسميه،
كما لا خلاف أيضاً في أنّ العقد يفسد في جميع هذه الصور.
والدليل في المسألة مجموعة من النصوص أظهرها
صحيحة
عبد الله بن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : قال: «ليس للمحرم أن يتزوّج ولا يزوّج، وإن تزوّج أو زوّج محلّاً فتزويجه
باطل ».
إنّ هذه الصحيحة على طبق ما نقل في الوسائل من العطف بالواو في قوله: «وإن تزوج، يحتمل أن تكون
تأكيداً لما قبله، فتكون الرواية صدراً وذيلًا دالّة على
الحكم الوضعي ، أي الفساد، فلا دلالة في الصحيحة على
تحريم التزويج.
وقد يرد عليه: بأنّ قوله عليه السلام: «فإن تزوج» تعليل للنهي عن النكاح في الصدر، فيدلّ على أنّ علّة النهي عنه بطلانه من المحرم في حالة
الإحرام . ومن هنا قد يقال: إنّه ليس في شيء من هذه الروايات ما يصلح أن يكون دليلًا على حرمته تكليفاً.
إلّا أنّه خلاف الظاهر الأولي للنهي وخلاف مناسبات الحكم والموضوع المتناسبة مع الإحرام خصوصاً بلحاظ النهي من أن يزوّج محلّاً.
ثمّ إنّه لا فرق في حرمة التزويج لنفسه بين
المباشرة و
التوكيل ،
بل إذا وكّل حال الحلّ محلّاً لم يجز للوكيل العقد له حال الإحرام،
كما يدلّ عليه خبر سماعة عن
الصادق عليه السلام : «لا ينبغي للرجل الحلال أن يُزوّج محرماً وهو يعلم أنّه لا يحلّ له...»،
فإن عقد له حينئذٍ بطل من غير خلاف يعرف،
ولا إشكال بعد ما ثبت من النص و
الفتوى أنّ المحرم لا يتزوّج ولا ينكح، الصادق على الفرض؛
إذ فعل الوكيل فعل نفس الموكّل، فكأنّ الموكّل بنفسه تزوّج في حال الإحرام.
ولكن تأمّل بعضهم في المسألة.
أمّا إذا وكّل حال الإحرام محلّاً على العقد له فيصحّ عقد
الوكيل بعد إحلاله
بلا إشكال ولا خلاف؛ لإطلاق أدلّة الوكالة وعمومها السالمين عن
المعارض ؛
إذ الممنوع التزويج حال الإحرام لا التوكيل في حاله.
ولو عقد للمحرم
فضولي فلا تجوز للمحرم
إجازة عقده حال الإحرام، فلو أجازه بطل العقد؛ لأنّ التزويج يستند إليه بالإجازة حال الإحرام، أمّا لو أجاز بعده فلا مانع من صحّة التزويج، أمّا على النقل فالحكم واضح؛ لأنّ
الزوجية تحصل بعد الإحرام، ومجرّد
الإنشاء الصادر من الفضولي حال إحرام المعقود له غير ضائر؛ لعدم صدق التزويج عليه، وكذا على الكشف- على ما ذكره بعض المحقّقين
خلافاً لما ذكره
المحقّق النجفي .
- وذلك لأنّ التقدّم للمتعلّق وإلّا فنفس الزوجية حاصلة حال الإجازة، وبعد الخروج من الإحرام فإنّه من الآن يتزوّج، وإن كانت الزوجية تحصل من السابق.
ولو انعكس
الأمر بأن عقد له الفضولي حال
إحلال المعقود له، ولكنّه أجازه بعد الدخول في الإحرام فإنّ الإجازة لا تؤثّر كما صرّح به بعض الفقهاء.
قال : «لا تؤثّر إجازته في حال الإحرام
للعقد الفضولي الواقع حال الحلّ في وجه من وجهي الكشف، بل يحتمل مطلقاً بناءً على أنّه نوع تعلّق في النكاح ممنوع منه... ويحتمل الجواز؛ لأنّه ليس تزويجاً حال الإحرام بناءً على الكشف، والأحوط الأوّل، وإن كان الثاني لا يخلو من قوة».
وقال : «لا يجوز للمحرم أن يتزوّج... وكذا لو كان بإجازة عقد الفضولي الواقع حال الإحرام أو قبله مع كونها حاله، بناءً على النقل، بل على الكشف الحكمي، بل
الأحوط مطلقاً».
وكذا ذكر : أنّه يفسد على كلّ
تقدير ، أمّا على النقل فواضح، وأمّا على الكشف فكذلك؛ لأنّ الحكم بالتزويج وحصول الزوجية يتحقّق من زمان الإجازة الواقعة حال الإحرام وإن كان المتعلّق سابقاً.
هذا كلّه في العقد للمحرم، أمّا توكيل المحرم للعقد لغير المحرم فهل يصحّ أم لا؟
قال :
الأقرب جواز توكيل الجد المحرم محلّاً في تزويج المولّى عليه.
ومقتضاه صحّة العقد، وإن أوقعه
الوكيل في حال إحرام الولي، ولعلّه لأنّ الوكيل والمولّى عليه محلّان، والوكيل هنا نائب عن المولّى عليه حقيقةً لا عن الجد، والتوكيل ليس من التزويج المحرّم بالنصّ والإجماع.
واورد عليه: بأنّ الوكيل
نائب الموكّل، ولا نيابة فيما ليس له فعله من التزويج المنهي عنه،
ولعلّه من هنا كان خيرة الخلاف عدم الجواز و
بطلان النكاح مدّعياً عليه الإجماع.
ويمكن المناقشة في ذلك بأنّ البطلان من جهة
التحريم التكليفي على المحرم لا ينافي ولايته على المولّى عليه. نعم قد يستفاد
الإطلاق من قوله: «ولا يزوّج» للتوكيل؛ لأنّ
التصرّف الوضعي ينتسب إلى الموكل حقيقة، فإذا وقع في حال الإحرام صدق عليه أنّه زوّج وهو محرم
حقيقة .
المشهور بين الفقهاء
حرمة
الحضور على المحرم في مجلس العقد للشهادة على عقد النكاح، بل ادّعي عدم
الخلاف فيه،
بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب،
بل في الخلاف و
الغنية الإجماع عليه.
وخلوّ بعض الكتب عن ذلك لا يقتضي الخلاف فيه.
واستدلّ لذلك بخبرين مرسلين ادّعي
انجبارهما بما مرّ
:
أحدهما: قول
الإمام الصادق عليه السلام في مرسل ابن فضال: «المحرم لا ينكح ولا يخطب ولا يشهد النكاح، وإن نكح فنكاحه باطل».
ثانيهما: مرسل
ابن أبي شجرة عن الإمام الصادق عليه السلام: في المحرم يشهد على نكاح محلّين، قال: «لا يشهد»، ثمّ قال: «يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محلّ».
والمراد منه على الظاهر:
الإنكار و
التنبيه على أنّه إذا لم يجز للمحرم أن يشير بصيد فكذلك لا تجوز الشهادة، كما أنّه يستفاد منه عدم جواز الشهادة على غير المحلّين
بالأولوية .
ولكن لمّا كانت الروايتان مرسلتين لا يمكن
الاستناد إليهما على رأي بعض الفقهاء كان المنع عن حضور المحرم مجلس العقد وتحمّله له مبنيّاً على
الاحتياط .
ثمّ بناءً على التحريم، هل يجب عليه الخروج من مجلس العقد إذا حضره اتفاقاً أم لا؟
الظاهر من إطلاق بعض الكلمات،
بل صريح اخرى
تعميم المنع لما لو كان حضوره اتفاقياً، والدليل عليه: أنّ الممنوع في الروايات هو الشهادة على النكاح، والشهادة هي مطلق الحضور.
ولكن لمّا كانت عمدة الدليل عند بعض الفقهاء هو الإجماع، لذا قال باختصاص الحكم بالحضور لأجل الشهادة؛ لأنّه المتيقّن من معقد الإجماع.
قال : «ينبغي قصر الحكم على حضور العقد لأجل الشهادة، فلو اتفق حضوره لا لأجل الشهادة لم يكن محرّماً».
واستجوده البحراني،
واختاره النراقي،
وقال
المحقّق السبزواري : هو غير بعيد.
ذهب جملة من الفقهاء-
كالشيخ الطوسي والحلّي والمحقّق في
الشرائع والعلّامة في التذكرة والشهيدين و
المحقّق الثاني - إلى حرمة
أداء الشهادة على عقد النكاح.
بل قيل: إنّه المشهور،
بل قد ينسب
الاتفاق إلى ظاهر الفقهاء.
واستدلّ له بأنّ
الإقامة داخلة في الشهادة المنهي عنها في الخبرين السابقين والفتاوى.
وهذا
الاستدلال يتوقف على قبول الروايتين سنداً أو تحقّق الإجماع التعبّدي في المسألة.
ثمّ إنّ ظاهر بعض الكلمات
وصريح اخرى
تعميم التحريم لما إذا تحمّل الشهادة محلّاً، أو كان بين محلّين،
أو بين محلّ ومحرم،
بل قيل: إنّه المشهور
أو الأشهر،
وذلك لإطلاق الدليل، و
انتفاء المخصّص وإن تأكّد المنع إذا تحمّلها محرماً؛ لخروجه عن
العدالة حينئذٍ،
أو إذا أقام الشهادة على العقد بين محرمين.
واحتمل
العلّامة الحلّي في التذكرة
اختصاص التحريم بالعقد الذي أوقعه المحرم،
فيجوز أداء الشهادة إذا كان العقد بين محلّين، وكذا نقل عنه في الدرس: أنّ المقصود من كلام الأصحاب تحريم إقامة الشهادة على عقد وقع بين محرم ومحلّ، أو بين محرمين.
واختاره بعض آخر.
وقد استثني أيضاً ما إذا خاف الزنى المحرّم بترك الشهادة فقال بعضهم: إنّه «يُعلِم الحاكم بأنّ عنده شهادة فليوقف الحكم إلى إحلاله، ويفهمه ما يقتضي
إيقاف الحكم»،
لكن اورد عليه بأنّه لا دليل على وجوب التنبيه المزبور، ولا على وجوب إقامتها بعد فرض إطلاق دليل المنع.
ولو لم يندفع إلّا بالشهادة وجب إقامتها قطعاً.
وذهب بعض الفقهاء
إلى عدم تحريم إقامة الشهادة مطلقاً، بل استظهر ذلك من النافع،
واستشكل العلّامة الحلّي في
القواعد في التحريم.
والدليل على عدم التحريم أنّ المراد من الشهود في المرسلتين المتقدّمتين الحضور في مجلس العقد، لا أداء الشهادة. هذا مضافاً إلى أنّه قد يكون واجباً لدفع ظلم أو
إحقاق حقّ أو غير ذلك، فيدخل في عموم أدلّة النهي عن
الكتمان .
ظاهر جملة من الفقهاء أنّه لا يجوز للمحرم أن يخطب
امرأة للعقد.
قال
أبو علي الإسكافي : «ليس للمحرم أن يتزوّج، ولا يزوّج محلّاً، ولا يشهد نكاح محلّين، ولا يخطب».
والمستند في ذلك مرسل ابن فضّال المتقدّم.
وذهب جملة من الفقهاء إلى الجواز؛ لعدم
اعتبار المرسل المذكور. ثمّ إنّه يجوز للمحرم
مفارقة النساء بجميع أنواع الفرقة كالطلاق و
الظهار و
اللعان والفسخ
بلا خلاف فيه،
بل عليه الإجماع؛
إذ الممنوع هو التزويج لا
الطلاق ، كما يدلّ عليه
ما رواه
أبو بصير في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام: قال: «المحرم يطلّق، ولا يتزوّج»،
وأيضاً خبر حمّاد عنه عليه السلام: سألته عن المحرم يطلّق، قال: «نعم».
كما لا خلاف بين الفقهاء
في جواز
مراجعة المحرم امرأته سواء طلّقها في حال الحلال أو في حال الإحرام،
بل ظاهر العلّامة الحلّي أنّه إجماعي،
وفي مفاتيح الشرائع أنّه قول واحد،
وذلك لأنّ المحرّم هو التزويج في حال الإحرام وهذا لا يصدق على الرجوع إلى الزوجية السابقة،
فيبقى على
الأصل و
العموم الذي منه قوله تعالى: «وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ».
ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان سبب الرجوع هو رجوع الزوجة إلى ما بذلت في
الطلاق الخلعي أو كان الرجوع ثابتاً في نفسه،
بل قد يقال: إنّ المطلّقة الرجعية زوجة حقيقة، ولا تحصل
البينونة إلّا بعد انقضاء العدّة، وإنشاء الطلاق يؤثّر في البينونة بعد
انقضاء العدّة.
وأمّا
التحليل وقبوله فهل يمنع المحرم من تحليل أمته أو قبول التحلّل أم لا؟ في المسألة قولان:
الأوّل: عدم جواز التحليل له وقبوله، كما هو مختار
كاشف الغطاء ،
وقال
المحقّق النائيني : إنّه أحوط.
واستدلّ له
باحتمال دخوله في النكاح المنهي عنه في نحو مرسل
ابن فضّال السابق.
الثاني: جواز التحليل وقبوله، قال المحقّق النجفي: «نعم، الظاهر عدم
إلحاق التحليل بالنكاح في الحكم المزبور على
إشكال ».
وكذا قال
السيد الخوئي : «
الأظهر جواز تحليل أمته، وكذا قبوله التحليل».
وتبعه على ذلك بعض المعاصرين.
واستدلّ له بأنّ الممنوع في لسان الروايات هو التزويج، وهذا العنوان غير صادق على التحليل وقبوله.
نعم، لا يجوز للمحرم
الاستمتاع بالأمة حال الإحرام كما هو واضح.
كما أنّه لا خلاف بين الفقهاء
في جواز شراء
الإماء حال الإحرام وإن بقصد
التسرّي ؛ لعدم صدق التزويج والنكاح عليه.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۵۴۴-۵۵۲.