أحكام الظهار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وههنا مسائل سبع : الاولى،
الكفارة تجب بالعود وهو إرادة
الوطء، والاقرب أنه لا استقرار لوجوبها؛ الثانية، لو طلقها وراجع في
العدة لم تحل حتى يكفر، ولو خرجت فاستأنف
النكاح، فيه روايتان، أشهرهما: أنه لا كفارة؛ الثالثة، لو ظاهر من أربع بلفظ واحد لزمه أربع كفارات، وفي رواية كفارة واحدة وكذا البحث لو كرر ظهار الواحدة؛ الرابعة، يحرم الوطء قبل التكفير، فلو وطئ عامدا لزمه كفارتان، ولو كرر لزمه بكل وطئ كفارة؛ الخامسة، إذا أطلق
الظهار حرمت مجامعتها حتى يكفر، ولو علقه بشرط لم تحرم حتى يحصل الشرط، وقال بعض الاصحاب: أو يواقع وهو بعيد، ويقرب إذا كان الوطأ هو الشرط؛ السادسة، إذا عجز عن الكفارة قيل يحرم وطؤها حتى يكفر، وقيل تجزى
بالاستغفار وهو أشبه، السابعة، مدة التربص ثلاثة أشهر من حين المرافعة، وعند انقضائها يضيق عليه حتى يفئ أو يطلق.
الكفّارة تجب بالعود لا بمجرّد الظهار،
بالكتاب،
والسنّة، وإجماع العلماء، كما حكاه بعض أصحابنا
.
وهو إرادة
الوطء على الأظهر الأشهر؛ للآية
، فإنّ الظاهر في معنى العود فيها إرادة استباحة الوطء الذي حرّمه الظهار، كما صرّح به
المرتضى وجماعة، حكاه عنهم بعض الأجلّة
.
وللصحيحين، في أحدهما: عن
الظهار، متى يقع على صاحبه فيه الكفّارة؟ فقال: «إذا أراد أن يواقع امرأته» قلت: فإن طلّقها قبل أن يواقعها، أعليه كفّارة؟ قال: «لا، سقطت
الكفّارة»
. وفي الثاني: عن الرجل يظاهر من امرأته، ثم يريد أن يتمّ على طلاقها، قال: «ليس عليه كفّارة» قلت: فإن أراد أن يمسّها؟ قال: «لا يمسّها حتى يكفّر» قلت: فإن فعل عليه شيء؟ قال: «أي والله إنّه لآثم ظالم» قلت: عليه كفّارة غير الاولى؟ قال: «نعم، يعتق أيضاً رقبة»
.
خلافاً
للإسكافي فيما إذا قام على إمساكها بعد الظهار بالعقد الأوّل زماناً وإن قلّ، فأوجب به الكفّارة وإن لم يرد الوطء، قال: لأنّ العود إنّما هو المخالفة، وهي متحقّقة بذلك
. وأُجيب بأنّ بقاءها في عصمته لا ينافي تحريمها عليه، وإنّما ينافيه إرادة الاستمتاع أو نفسه، والثاني غير مراد بإجماعنا، ولقوله تعالى «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا»
فيتعيّن الأول
، هذا.
وفي
الحسن وغيره تفسير العود بغير ما عليه الأصحاب من إرادة الوطء، كما عليه المشهور، أو المخالفة، كما عليه الإسكافي، وهو أنّ قوله تعالى «ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا» «يعني به ما قال الرجل الأوّل لامرأته: أنتِ عليَّ كظهر أُمّي، فمن قالها بعد ما عفا الله تعالى وغفر للرجل الأوّل فإنّ عليه «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»
الآية»
.
إلاّ أنّه يستفاد من بعض الروايات ما قدّمناه، كالمرسل: في رجل ظاهر، قال: «سقطت عنه الكفّارة إذا طلّق قبل أن يعاود المجامعة»
الخبر، فتأمّل.
وكيف كان لا مخالفة فيه للمشهور من حيث الثمرة الثابتة بالصحيحين.
ويستفاد من صريحهما مضافاً إلى
الأصل ما هو الأشهر الأقرب: أنّه لا استقرار لوجوبها بمجرّد
الإرادة بحيث تلزمه مع انتفائها، بل وجوبها شرطي بمعنى تحريم الوطء حتى يكفّر.
خلافاً
للتحرير، فقال بالاستقرار؛ لترتّبه في الآية على العود بمجرّده، بناءً على التفسير المشهور
. وأُجيب بأنّ المفهوم منه إنّما هو توقّف التماسّ عليها، مع أنّها مقيّدة بقبليّة التماسّ التي هي من الأُمور المتضايفة التي لا تتحقّق إلاّ بالمتضايفين
.
ثمّ في إضافة الإرادة في العبارة إلى الوطء خاصّة إشارة بل دلالة على عدم ترتّب الكفّارة بإرادة مقدّماته من اللمس والقبلة، وهو أصحّ القولين وأشهرهما في المسألة، بل عن
الحلّي نفي الخلاف عنه، بناءً على الأصل، وتفسير المسيس هنا بل مطلقاً بالوطء خاصّة في المعتبرة، منها الخبران المفسِّران للعود بما قدّمناه، فإنّ فيهما: «فإنّ عليه «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» يعني: مجامعتها»
.
ومنها
الصحيح الأوّل من الصحيحين المشترط في وجوب الكفّارة إرادة المواقعة، التي هي
الجماع بالضرورة، الدالّ بمفهومه على عدم الكفّارة عند عدمها، هذا.
مع استفاضة المعتبرة بترتّب الكفّارة على المواقعة الظاهرة في الحصر، ولا يبعد كونها متواترة، هذا، مع أنّ
المتبادر منه عرفاً وعادةً ذلك البتّة.
ومنه يظهر ضعف القول بترتّب الكفّارة على مطلق المسيس، ولو كان نحو قبلة، كما عن
المبسوط والخلاف، وحجّته من عموم المسيس لغةً لذلك.
وأمّا الاستناد له إلى تنزيلها منزلة المحرّمة مؤبّداً فهو مصادرة، مع استلزامه حرمة النظر بلذّة، وليس في الآية دلالة عليها بوجه، مع عدم مصير المخالف إليه أيضاً.
واعلم أنّه إنّما يحرم الوطء عليه بالظهار، ولا عليها، إلاّ إذا تضمّن
الإعانة على الإثم، فيحرم لذلك لا للظهار، فلو تشبّهت عليه على وجه لا تحرم عليه، أو استدخلته وهو نائم مثلاً لم يحرم عليها؛ لثبوت الحلّ لها قبله، والأصل بقاؤه.
لو طلّقها وراجع في
العدّة لم تحلّ مجامعتها حتى يكفّر إجماعاً، حكاه جماعة
؛
لإطلاق الآية
، وصريح بعض المعتبرة الآتية، وما ينافيه بإطلاقه ممّا يأتي محمول على الصورة الثانية بما مرّ والمعتبرة المفصِّلة.
وأمّا لو طلّقها
بائناً أو
رجعيّاً وقد خرجت من العدّة فاستأنف
النكاح فإنّه فيه روايتان، أشهرهما وأظهرهما أنّه لا كفّارة عليه.
ففي الصحيح: عن رجل ظاهر من امرأته، ثم طلّقها قبل أن يواقعها، فبانت منه، أعليه كفارة؟ قال: «لا»
. وفيه كالخبر، بل الحسن: عن رجل ظاهر من امرأته، ثم طلّقها تطليقة؟ فقال: «إذا هو طلّقها تطلقة فقد بطل الظهار، وهدم الطلاق الظهار» قيل له: فله أن يراجعها؟ قال: «نعم، هي امرأته، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسّا» قلت: فإن تركها حتى يخلو أجلها وتملك نفسها، ثم تزوّجها بعد ذلك هل يلزمه الظهار من قبل أن يمسّها؟ قال: «لا، قد بانت منه، وملكت نفسها»
.
وعليهما يحمل إطلاق الصحيحين في المظاهر إذا طلّق سقطت عنه الكفّارة. والرواية الأُخرى الحسنة: عن رجل ظاهر من امرأته، ثم طلّقها بعد ذلك بشهر أو شهرين، فتزوّجت، ثم طلّقها الذي تزوّجها، فراجعها الأوّل، هل عليه الكفّارة للظهار الأوّل؟ قال: «نعم» الخبر
. وقد عمل به الديلمي والحلبي
، وفيه قصور سنداً وعدداً عن المقاومة لما مرّ جدّاً، ومع ذلك محتمل
للتقية، وبها أجاب عنه
الشيخ، قائلاً: إنّه مذهب جماعة من
العامّة.
والأجود حمله على
الاستحباب، كما ذكره جماعة
، أو على صورة إرادته الفرار بالطلاق من الكفّارة؛ للخبر: «إن كان إنّما طلّقها لإسقاط الكفّارة عنه ثم راجعها فالكفّارة لازمة له أبداً إذا عاود المجامعة، وإن كان طلّقها وهو لا ينوي شيئاً من ذلك فلا بأس، ولا كفّارة عليه»
.
إلاّ أنّه مع قصور سنده بالإرسال، وضعفه عن المقاومة لما مرّ شاذّ، لا يلتفت إليه، ومع ذلك فإطلاق نفي الكفّارة فيه بعد الرجوع مع عدم قصد الفرار مخالف للإجماع بالضرورة، إلاّ أنّه يمكن تقييده بصورة تحقّق البينونة.
لو ظاهر من أربع نسوة بلفظ واحد وكلمة واحدة، فقال: أنتنّ عليّ كظهر أُمّي لزمه أربع كفّارات على الأظهر الأشهر بين
الطائفة؛ لإطلاق الآية
والسنّة، وخصوص المعتبرة، أصرحها الصحيح: في رجل كان له عشر جوارٍ فظاهر منهنّ كلّهنّ جميعاً بكلام واحدة، فقال: «عليه عشر كفّارات»
.
وفي رواية موثّقة
أنّ عليه كفّارة واحدة عمل بها الإسكافي
، ولقصورها سنداً وعدداً عن المقاومة لما مرّ جدّاً حملها الشيخ على الوحدة الجنسيّة
، ولا بأس به وإن بعد؛ جمعاً بين الأدلّة.
وكذا البحث لو كرّر ظهار المرأة الواحدة يلزمه بكلّ مرّة كفّارة على حدةٍ؛ لبعض ما مرّ، وللمستفيضة، منها الصحاح، في أحدها: عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرّات أو أكثر؟ قال: «قال
عليّ (علیهالسّلام): عليه مكان كلّ مرّة كفّارة»
ونحوه الباقي
.
وإطلاقها كالعبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين تراخي أحدهما عن الآخر أو تواليهما، بقصد التأكيد أم لا، تعدّد المشبّه بها
كالأُمّ والأُخت أم لا، تخلّل التكفير بينهما أم لا، اختلف المجلس أم تعدّد، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة.
خلافاً للطوسي في المتواليين مع قصد التأكيد، فواحدة مطلقاً
. وللإسكافي فيما إذا اتّحد المشبّه بها مع عدم تخلّل التكفير مطلقاً
. ولغيرهما فيما إذا اتّحد المجلس، فكذلك مطلقاً
.
ولم أقف لهم على
حجّة سوى عدم الخلاف الذي ادّعاه الأوّل، والصحيح الذي احتجّ به للثالث: في رجل ظاهر عن امرأته أربع مرّات في مجلس واحد، قال: «عليه كفّارة واحدة»
.
وهو كالأوّل قاصر عن المكافأة لما مرّ، فليطرحا، أو يؤوّلا إلى ما يؤولا به إلى الأوّل، هذا. وفي الأوّل وهن؛ لمصير الأكثر إلى خلافه، وفي
سند الثاني ركاكة واشتراك عند جماعة
، وقد حمله الشيخ
على ما حمل عليه
الرواية السابقة من إرادة الوحدة الجنسية، لا الشخصيّة.
يحرم الوطء قبل التكفير اتفاقاً، فتوًى ونصّاً، كتاباً وسنّةً. فلو وطئ عامداً لزمه كفّارتان إحداهما للظهار، والأُخرى للمواقعة، بلا خلاف بين الطائفة، إلاّ من الإسكافي
، فلا تجب بالمرّة الأُولى أصلاً، وأمّا الثانية فكذلك إلاّ مع القدرة على
العتق والصيام، وأمّا
الإطعام فلا تجب في الثانية أيضاً. ولم نقف له على شاهد.
نعم في الصحيح وغيره: قلت: إن واقع قبل أن يكفّر؟ قال: «يستغفر الله تعالى ويمسك حتى يكفّر»
. وهما مع قصور سند الثاني ليسا نصّين في المطلوب، بل ولا ظاهرين، وعلى تقدير الظهور فليس فيهما التفصيل المذكور، فإذاً هما شاذّان.
ومع ذلك معارضان بالمعتبرة المستفيضة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، منها الصحيحان، في أحدهما: «لا يمسّها حتى يكفّر» قلت: فإن فعل فعليه شيء؟ قال: «إي والله، إنّه لآثم ظالم» قلت: عليه كفّارة غير الاولى؟ قال: «نعم، يعتق أيضاً رقبة»
. وفي الثاني: «إذا واقع المرّة الثانية قبل أن يكفّر فعليه كفّارة أُخرى، ليس في هذا اختلاف»
. ونحوهما الثالث
، وهو وإن قصر سنده بجهالة
الراوي، إلاّ أنّ فيه المجمع على تصحيح رواياته، مع انجباره بالشهرة، ومفهوم الصحيح: «ليس له أن يواقعها حتى يكفّر، فإن جهل وفعل فإنّما عليه كفّارة واحدة»
.
وصريحه كجماعة
وظاهر العبارة اغتفار التعدّد في الجاهل، ويدلُّ عليه
الأصل أيضاً، مع انتفاء المانع؛ لاختصاص المعتبرة المتقدّمة بحكم السياق في بعض والتبادر في آخر بالعامد. ومنه يظهر وجه انسحاب الحكم في الناسي، وإن اختصّ الصحيح بالجاهل؛ مضافاً إلى الاعتبار،
والإجماع المركّب، مع احتمال التعدّي منه إليه بالفحوى، فتأمّل جدّاً، هذا.
وفي تفريع الماتن تعدد الكفّارة على
الحرمة مناقشة؛ لعدم التلازم بينها وبين الكفّارة، فالأجود إبدال الفاء بالواو.
ولو كرّر الوطء لزمه لكلّ وطء كفّارة مطلقاً، كفّر عن الأوّل أم لا، على الأشهر الأقوى؛ لإطلاق ما مضى.
خلافاً
لابن حمزة في الثاني، فاكتفى فيه بالواحدة
.
والنص حجّة عليه.
إذا أطلق الظهار حرمت مجامعتها حتى، يكفّر إجماعاً؛ لما مضى.
ولو علّقه بشرط من غير وجه
يمين لم تحرم حتى يحصل الشرط فتحرم حينئذٍ إن قلنا به، وتجب الكفّارة لو أراد الوطء ثانياً، وفاقاً للأكثر؛ للأصل، وصريح ما دلّ على تحقق التحريم به، وهو الصحيح: «الظهار ضربان: أحدهما الكفّارة فيه قبل
المواقعة، والآخر بعدها، فالذي يكفّر قبل المواقعة هو الذي يقول: أنتِ عليَّ كظهر أمّي، ولا يقول: إن فعلت بك كذا وكذا، والذي يكفّر بعد المواقعة هو الذي يقول: أنتِ عليّ كظهر أُمّي إن قربتك»
.
وقال بعض الأصحاب وهو الشيخ في
النهاية: والضرب الثاني لا تجب فيه الكفّارة إلاّ بعد أن يفعل ما شرط أنّه لا يفعل أو يواقعها، وهو بعيد إذ لا وجه له، مع مخالفته ما مرّ؛ لعدم ترتّب الظهار عليه.
ويقرب إذا كان
الوطء هو الشرط كما في الصحيح المتقدّم، ولكن حمل عبارته عليه تحكّم. ثم إن كان هو الوطء تحقّق بالنزع، فتحرم المعاودة قبلها، ولا تجب قبله، وإن طالت مدّته، على أصحّ القولين؛ حملاً على المتعارف.
خلافاً للشيخ
، فأوجبها بأوّل آن من صدق الوطء، بناءً على أنّ الاستمرار وطء ثانٍ. ويضعّف بما مرّ.
إذا عجز عن الكفّارة وخصالها الثلاث وأبدالها إن قلنا بها سوى
الاستغفار قيل: وهو مذهب الأكثر، وقد صرّح به جماعة
يحرم وطؤها حتى يكفّر أخذاً بظاهر الكتاب والسنّة، والتفاتاً إلى صريح الصحيح: «كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من عتق، أو صوم، أو
صدقة، في يمين، أو
نذر، أو
قتل، أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة، فإنّ الاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار، فإنّه إذا لم يجد ما يكفّر به حرمت عليه أن يجامعها، وفرّق بينهما، إلاّ أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها»
.
وقيل: كما عن الحلّي
يجتزئ بالاستغفار، وهو أشبه وتبعهما
الفاضل في
المختلف، تمسكاً
بأصالة البراءة، وأنّ إيجاب الكفّارة مع العجز عنها تكليف بغير مقدور، فيكون مدفوعاً.
والموثّق، بل الصحيح: «إنّ الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربه، ولينوِ أن لا يعود قبل أن يواقع، ثم ليواقع، وقد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر به يوماً من الأيّام فليكفّر»
.
وفي الجميع نظر؛ لانقطاع الأوّل بأدلّة الظهار المثبتة لما يضادّه، فالأصل يقتضي بقاءه.
واندفاع الثاني بعدم التكليف بالكفّارة نفسها ابتداءً، بل هو بعد إرادة الوقاع، ومع عدمها لا تكليف بها أصلاً، كما مضى.
اللهم إلاّ أن يقال: بتعلّق
التكليف بها إذا أتى زمان يجب على المظاهر فيه المواقعة، والأمر بها يستلزم الأمر بالكفّارة ولو من باب المتقدّمة، فلو لم يجتزأ بالاستغفار مكانها لزم ما تقدّم من الملازمة، وهو التكليف بغير المقدور البتّة.
لكن فيه: منع التكليف بالمواقعة في هذه الصورة، من حيث كونها بفقد
الكفّارة غير مقدورة، وعلى تقدير التنزّل عن ظهور المنع نقول: لا أقلّ من احتماله.
وعدم القدرة على الكفّارة كما يمكن صيرورته قرينةً للاجتزاء بالاستغفار، كذا يمكن خروجه شاهداً على عدم التكليف بذي المقدّمة، وحينئذٍ ترجيح الأوّل على الثاني موقوف على دلالة هي في المقام مفقودة، هذا.
مع عدم جريان ذلك في التي لم يجب على المظاهر وطؤها، كالأمة، والمتمتع بها، على القول بوقوع مظاهرتهما، كما هو مذهب الخصم، والأشهر الأقوى كما مضى، والدليل أخصّ من المدّعى.
وأمّا الخبر فـ مع قصور سنده؛ لعدم معلوميّة صحته معارض بالصحيح المتقدّم، وهو أقوى منه بمراتب؛ لظهور صحته، نظراً إلى ثبوت عدم اشتراك رواية بين
الثقة ومن ينظر في وثاقته، مع اعتضاده بظاهر ما مرّ من الكتاب والسنّة،
وفتوى الأكثر التي هي أقوى المرجّحات، كما مرّ غير مرّة وتقرّر، فإذاً هو أظهر ومع ذلك فهو
أحوط.
إن لم يرد الوقاع وصبرت المظاهرة عليه فلم ترافعه إلى الحاكم فلا اعتراض لأحدٍ في ذلك؛ لأنّ الحقّ لها، فجاز إسقاطها له جزماً، مضافاً إلى الأصل. وكذا لو لم تكن ذات حقٍ، كالموطوءة بالملك والمتمتّع بها، وإن طالبتاه جدّاً. وأمّا إذا كانت ذات حقّ ولم تصبر، فرافعته إلى الحاكم، خيّره بين العود والتكفير وبين
الطلاق، فإنّ أبى عنهما كان مدّة التربّص التي ينظر فيها لينظر في أمره ثلاثة أشهر من حين المرافعة، وعند انقضائها مع عدم اختياره أحد الأمرين يحبس و يضيّق عليه في المطعم والمشرب، بأن يمنع عمّا زاد على سدّ الرمق حتى يفيء أو يطلّق ويختار أحد الأمرين، ولا يجبر على أحدهما، بل يخيّر بينهما.
ولا خلاف في شيء من ذلك، بل ظاهر جماعة
الإجماع عليه، وهو
الحجّة فيه، دون الموثق: عن رجل ظاهر عن امرأته؟ قال: «إن أتاها فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، وإلاّ ترك ثلاثة أشهر، فإن فاء، وإلاّ أُوقف حتى يُسأل: ألك حاجة في امرأتك أو تطلّقها؟ فإن فاء فليس عليه شيء، وهي امرأته، وإن طلّقها واحدة فهو أملك برجعتها»
.
لقصوره عن إفادة المدّعى بتمامه؛ مضافاً إلى قصور سنده، فلا يصلح حجّةً للكلّ، مع تضمّنه بكثير ممّا لم يقل به أحد، وتطرّق الإشكال إلى العمل بإطلاقه، من حيث شموله لغير ذات حقّ، ولصاحبته مع عدم فوت شيء من حقوقها، كما إذا رافعته عقيب الظهار بلا فصل بحيث لا يفوت لها الواجب من
الوطء بعد المدّة المضروبة، فإنّ سائر الحقوق غير منافٍ للظهار.
لكنّه كما مرّ مدفوع
بالوفاق، وعكوف الكلّ على العمل عليه، ولعلّ مستندهم في الحبس والتضييق عليه في المطعم والمشرب الخبران المتضمّنان لذلك في المُؤلي، مع عدم تعقّل الفرق بينه وبين المظاهر، مضافاً إلى
شهادة الاعتبار، فتأمّل جدّاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۳۸۹-۴۰۲.