أحكام الوصية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وفيه مسائل : إذا أوصى بوصيّة ثمّ عقّبها بمضادّة لها، طرق
إثبات الوصية بالمال، لو أشهد
الموصي عبدين له على أن حمل المملوكة منه، عدم قبول شهادة
الوصي فيما هو وصيّ فيه، إذا أوصى بعتق عبده وليس له سواه مال، إذا أعتق ثلث عبده عند
الوفاة ، لو أوصى بعتق مماليكه ولا مال له سواهم، لو أوصى بعتق رقبة أجزأ الذكر والاُنثى، لو أوصى بعتق رقبة بثمن معين، تصرّفات المريض، لو أقرّ الموصي بدين للأجنبي،
أرش الجراح ودية النفس كسائر أموال الميّت.
( الأُولى : إذا أوصى بوصية ثم عقّبها بمضادّة لها ) بأن أوصى بعين مخصوصة لزيد ثم بها لعمرو ، أو بمائة درهم مطلقاً لزيد ثم قال : المائة التي أوصيت بها لزيد قد أوصيت بها لعمرو ( عمل بالأخيرة ) لاقتضاء ذلك الرجوع في
الوصية .
( ولو لم تضادّها ) بأن أوصى لزيد بمائد ثم أوصى لعمرو بمائة ، أو أوصى لزيد بدار ثم أوصى لعمرو بدار ، ونحو ذلك ( عمل بالجميع ) إن وفى به الثلث. ( فإن قصر الثلث عنه بدئ بالأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث ) لما مرّ سابقاً.
ولا خلاف في شيء من ذلك أيضاً ، وبالإجماع صرّح في
التنقيح في الجميع،
وفي
السرائر في الأخير.
•
إثبات الوصية بالمال، لا خلاف ولا اشكال في ثبوت الوصية بشهادة العدلين من المسلمين، وتثبت بشهادة
المرأة على بعض الوجوه، وشهادة عدول
أهل الذمة .
( الثالثة : لو أشهد )
الموصي ( عبدين له على أن حمل المملوكة ) له ( منه ، ثم ورثهما غير الحمل فأُعتقا فشهدا للحمل بالبنوّة ) للموصي ( صح ) شهادتهما ( وحكم له ) برقّيتهما مطلقاً ، ولو لم يوص بأن يشهدا. بلا خلاف مع
الإيصاء ، بل في المسالك
أن عليه أصحابنا؛ وهو الحجة، مضافاً إلى الصحيح : في رجل مات وترك جارية ومملوكين فورثهما أخ له فأعتق العبدين وولدت
الجارية غلاماً، فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية، وأن الحبل منه، قال : «تجوز شهادتهما، ويردّان عبدين كما كانا»
ونحوه الموثق الآتي.
وكذلك مع عدم الإيصاء، على الأشهر الأقوى، بناءً على قبول شهادة العبد إذا كان عادلاً مطلقاً. خلافاً للمحكي عن الطوسي،
فخصّ الحكم بصورة الإيصاء. ولا وجه له أصلاً، سيّما مع
إطلاق الخبرين، بل وعمومهما الشامل لها ولغيرها، مع أنه على تقدير اختصاصهما بها يحسن ذلك إن قلنا بردّ شهادة العبد مطلقاً، ولكنّه ضعيف جدّاً، كما عرفت، وستقف عليه في بحث الشهادات إن شاء الله تعالى. ومقتضى الصحيح كما ترى عودهما رقّاً. وهو الموافق للأصل جدّاً؛ لاستلزام قبول شهادتهما تبيّن وقوع العتق من غير مالكهما.
(و) لكن (يكره له تملّكهما) ويستحب له أن يعتقهما؛ لأنهما كانا سبباً في حرّيته بعد الرقّية فلا يكون سبباً في رقّيتهما بعد الحرية.
وللموثق : عن رجل كان في سفر ومعه جارية له وغلامان مملوكان، فقال لهما : أنتما حرّان لوجه الله تعالى واشهدا أن ما في بطن جاريتي هذه منّي، فولدت غلاماً فلمّا قدموا على الورثة أنكروا ذلك واسترقّوهم، ثم إن الغلامين عتقا بعد ذلك فشهدا بعد ما أُعتقا أن مولاهما الأوّل أشهدهما على أن ما في بطن جاريته منه، قال : «تجوز شهادتهما للغلام، ولا يسترقّهما الغلام الذي شهدا له، لأنهما أثبتا نسبه».
وحكي
هنا قول بتحريم استرقاقهما؛ أخذاً بظاهر النهي في هذه الرواية. وهو كما ترى؛ لعدم مقاومتهما للصحيح الصريح المعتضد بالأصل وفتوى الأكثر، مع
إشعار التعليل فيها بالكراهة جدّاً.
•
شهادة الوصي، المنع من قبول شهادة الوصي فيما هو وصيّ فيه هو المشهور بين الاصحاب، كما لو شهد
الوصي بمال لليتيم في حجره لم يقبل.
(الخامسة : إذا أوصى بعتق عبده أو أعتقه عند الوفاة وليس له سواه انعتق ثلثه) وسعى في باقي قيمته للورثة، بلا خلاف فيه في صورة الوصية، ويبني في المنجّز على الخلاف الآتي في احتسابه من الثلث أو
الأصل .
(ولو أعتق ثلثه عند الوفاة وله مال) غيره (أُعتق الباقي من ثلثه) أي ثلث المال، سرايةً عليه إن وفى به، وإن لم يف به أو لم يكن له مال سعى فيه للورثة. ولا خلاف في شيء من ذلك أجده إلاّ في إعتاق الباقي من الثلث خاصَّة، فإنه يبنى على مذهب أكثر من تأخّر : من
إخراج المنجّز من الثلث دون الأصل، ويأتي على غيره
انعتاق الباقي منه دون خصوص الثلث كما هو واضح.
(ولو أعتق مماليكه عند الوفاة، أو أوصى بعتقهم ولا مال له سواهم) ولم يُجز الورثة (أُعتق ثلثهم بالقرعة) بتعديلهم أثلاثاً بالقسمة وعتق ما أخرجته القرعة، بلا خلاف أجده، وفي الصحيح : «كان
علي عليه السلام يسهم بينهم».
وفي الخبر : «إن أبي ترك ستّين مملوكاً وأعتق ثلثهم، فأقرعت بينهم وأخرجت عشرين فأعتقتهم».
ولو استلزم ذلك عتق جزء من أحدهم سعى في باقيه. وإنما لا يعتق ثلث كلّ واحد مع أن كل واحد منهم بمنزلة الموصى له وقد تقرّر أن الوصايا إذا وقعت دفعة قسط عليها الثلث بالنسبة لما ورد من فعل
النبي صلي الله عليه و آله وسلم ذلك؛
ولاستلزام عتق الكلّ
الإضرار بالورثة. وأمّا العتق من الثلث دون الأصل في المنجّز فمبني على ما عرفت من مذهب أكثر من تأخّر.
(ولو رتّبهم) في
الإعتاق أو الوصية به (أُعتق الأوّل فالأوّل حتى يستوفي الثلث وبطل الزائد) بلا خلاف؛ للأصل المتقدم، وخصوص النص : في رجل أوصى عند موته : أعتق فلاناً وفلاناً وفلاناً وفلاناً وفلاناً، فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال : «ينظر إلى الذين سمّاهم وبدأ بعتقهم فيقوّمون، وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شيء، ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس، فإن عجز الثلث كان في الذي سمّي أخيراً، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك».
•
الوصية بعتق رقبة، إذا أوصى بعتق رقبة أجزأ الذكر والأُنثى، والصغير والكبير ولو قال : مؤمنة، لزم ،فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب ولو ظنّها مؤمنة فأعتقها ثم بانت بخلافه أجزأت. إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معيّن فإن لم يوجد توقّع وإن وجد بأقلّ أعتقها ودفع إليها الفاضل.
•
تصرفات المريض، عطايا المريض المنجزة كالعتق و
الهبة مع
الإقباض و
الإبراء والمحاباة في البيع إذا وقعت في مرض الموت، ولعلمائنا فيه قولان : أشبههما أنها من الثلث.
•
إقرار الموصي، أمّا الإقرار للأجنبي بدين فإن كان متّهماً على الورثة فهو من الثلث، وإلاّ فمن الأصل
و
الإقرار للوارث بذلك من الثلث على التقديرين
ومنهم من سوّى بين القسمين.
(التاسعة :
أرش الجراح ودية النفس تتعلّق بهما الديون والوصايا) فتخرجان منهما (كسائر أموال الميت) على الأظهر الأشهر، بل نفى عنه الخلاف في
شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي والكفاية،
وعن
المحقق الثاني وفي السرائر والمهذب
الإجماع عليه، لكن في دية الخطأ خاصة؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة، ففي الصحيح : رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فقتل خطأً يعني الموصي، فقال : «تجاز لهذه الوصية من ميراثه وديته».
وفيه : «قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لرجل وصية مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر، ثم قتل بعد ذلك الموصي فَوُدِي، فقضى في وصيته أنها تنفذ من ماله وديته كما أوصى».
وفيه : عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالاً فأخذ أهله الدية من قاتله، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال : «نعم» قال : قلت : وهو لم يترك شيئاً؟ قال : قال : «إنما أخذوا
الدية فعليهم أن يقضوا الدين عنه».
ونحوه الخبر القريب من الصحيح،
بانجبار راويه وهو عبد الحميد بن سعيد برواية
صفوان بن يحيى عنه.
وإطلاق هذين الأخيرين بل عمومهما الناشئ من ترك
الاستفصال يقتضي عدم الفرق بين ديتي العمد والخطأ، وهو ظاهر
إطلاق العبارة ونحوها من عبائر الجماعة، وبه صرّح آخرون،
ومنهم الماتن هنا في كتاب
الإرث ،
ونسبه في المسالك
إلى المشهور، وهو المنصور؛ لما مرّ.
مضافاً إلى النص الصريح المروي في الفقيه في كتاب الفرائض في أواخر باب القود ومبلغ الدية، وفيه : فإن هو قتل عمداً وصالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى مَن الدين، على أوليائه من الدية أو على المسلمين؟ فقال : «بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه فإنه أحقّ بديته من غيره».
وفي الخبر : «إذا قبلت دية العمد فصارت مالاً فهي ميراث كسائر الأموال».
خلافاً للحلّي، فخصّ الحكم بدية الخطأ؛ معلّلاً بأن العمد إنما يوجب
القصاص ، وهو حق للوارث، فإذا رضي بالدية كانت عوضاً عنه، فكانت أبعد عن
استحقاق الميت من دية الخطأ.
ومال إليه في الكفاية حيث استشكل في الحكم في دية العمد؛ معتذراً بما مرّ، وكون الصحيحين الأوّلين غير شاملين لها، لاختصاص أوّلهما بدية الخطأ، وكون الثاني قضية في واقعة فلا تعم.
وهو حسن لولا ما قدّمناه من الصحيح والقريب منه سنداً المطلقين، بل العامّين، وخصوص النص الصريح المنجبر ضعفه بالشهرة الظاهرة والمحكية، بل
اتفاق الطائفة، كما اعترف هو وغيره بها، معتضدة بنصوص أُخر :
منها : عن رجل قتل وعليه دين وليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين؟ فقال : «إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء».
ونحوه آخر، إلاّ أنه قال فيه : «فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فهو جائز، وإن أرادوا القود ليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء، وإلاّ فلا».
نعم، ربما يعضد ما ذكره من
الاختصاص بدية الخطأ مفهوم القوي بالسكوني المجمع على تصحيح رواياته كما حكي
: «من أوصى بثلثه ثم قتل خطأً فإن ثلث ديته داخل في وصيته»
فيقيد به إطلاق الصحيحين. ويذبّ عن النص الصريح بضعفه بمحمد بن أسلم الجبلي و
علي بن أبي حمزة البطائني .
لكن هذا إنما يتمّ لو لم تكن الشهرة الجابرة لسند الرواية الصريحة، والموجبة لعدم مقاومة القوية لتلك النصوص المطلقة، وهي كما عرفت متحقّقة ومحكية، معتضدة بنفي الخلاف عن إطلاق الحكم في كلام جماعة، فلا ريب ولا شبهة فيما ذكره الجماعة وكون رأي الحلّي ضعيفاً غايته، ولذا لم يشر إليه أحد في الكتب الاستدلالية. وأضعف منه القول المحكي عن نادر مجهول بعدم الحكم في دية الخطأ أيضاً معلّلاً بتأخّر استحقاقها عن الحياة التي شرط الملك، والدين كان متعلّقاً بالذمة حال الحياة وبالمال بعد الوفاة، والميت لا يملك بعدها شيئاً.
وإن هو إلاّ
اجتهاد صرف في مقابلة النصوص المستفيضة المعتضدة بالإجماعات المحكية.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۷۳- ۳۹۹.