أولوية الأرحام في الصدقات والهبات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من
اهتمام الشريعة بالأرحام والتأكيد على صلتهم و
إكرامهم جاءت الكثير من الأحكام منها تقديمهم في العطايا والهبات والصدقات المالية، وإليك ذكرها على سبيل
الإجمال :
يستحبّ
إعطاء الزكاة للأرحام وتقديمهم على غيرهم، بمعنى أنّ الدفع إليهم أفضل مع حاجتهم وفقرهم وعدم كونهم ممّن تجب نفقته على الدافع،
بلا فرق في ذلك بين الوارث منهم-
كالأخ والعمّ مع فقد الولد- وغيره.
ويدلّ على ذلك عموم ما دلّ على
صلة الأرحام ، كقوله تعالى: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ».
وقوله عليه السلام: «لا صدقة وذو رحم محتاج»،
وخصوص بعض الروايات، كموثّق
إسحاق ابن عمّار عن
أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قلت له: لي قرابة انفق على بعضهم وافضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة أ فاعطيهم منها؟ قال: «مستحقّون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم أعطهم...».
يستحبّ تقديم
الأرحام على غيرهم في
زكاة الفطرة كغيرها من الصدقة مع وجود الصفات المقتضية
للاستحقاق ؛
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح.
وقوله عليه السلام: «لا صدقة وذو رحم محتاج».
يستحبّ تقديم الأرحام على غيرهم في إعطاء الصدقات نصّ على ذلك بعض الفقهاء،
بل صرّح بعضهم بكراهة خلافه،
كما وردت في ذلك عدّة روايات:
ما رواه
الجمهور عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي القرابة اثنتان: صدقة وصلة».
ومنها: ما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشر، وصلة
الإخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربعة وعشرين».
ما رواه
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «سئل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيّ الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم
الكاشح ».
ومنها: ما أرسله
الشيخ الصدوق قال: قال عليه السلام: «لا صدقة وذو رحم محتاج».
ومنها: ما رواه
عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سئل عن الصدقة على مَن يسأل على الأبواب أو يمسك ذلك عنهم ويعطيه ذوي قرابته؟ قال: «لا، بل يبعث بها إلى من بينه وبينه قرابة، فهذا أعظم
للأجر ».
هذا، وقد عقد صاحب الوسائل باباً تحت عنوان: «تأكّد
استحباب الصدقة على ذي الرحم والقرابة ولو كاشحاً».
بل صرّح صاحب العروة بتأكّد استحبابها على ذي الرحم الكاشح؛ لما في الخبر عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أيّ الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح».
والكاشح الذي يضمر لك العداوة في باطنه، ويطوي عليها كشحه، والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف؛ كأنّه يوليك كشحه ويعرض عنك بوجهه، أو يضمر لك العداوة في كشحه الذي فيه كبده، وهو بيت العداوة والبغضاء.
وإنّما كانت الصدقة عليه أفضل لما فيها من مخالفة الهوى زيادة على ما في غيرها من الصدقات.
وربّما كان ذلك لأجل جلب ودّه وتطييب نفسه واستمالته إلى قرابته. هذا في الرحم
المسلم . أمّا الكافر فالمشهور عدم جواز التصدّق على
المحارب مطلقاً كما تقدم، إنّما الكلام في الكافر الذمّي فقد وقع الخلاف بين الفقهاء في التصدّق عليه، فذهب بعضهم إلى الجواز مطلقاً رحماً كان أم غير رحم،
وقيّده آخرون بما إذا كان رحماً
فلا يجوز التصدّق على الذمي غير الرحم. والمستخلص من ذلك جواز التصدّق على الذمّي إذا كان رحماً؛ لما فيه من صلة الرحم المندوب إليها، إنّما الخلاف في غيره. والتفصيل في مصطلح (صدقة).
تستحبّ
الهبة للأرحام
وإن لم يكونوا فقراء، وتتأكّد في الوالد والولد الذين هم أولى من غيرهم من الأرحام؛ لأنّها من
صلة الرحم المندوب إليها كتاباً وسنّة، ولقوله تعالى: «وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى».
هذا، وقد عرفت في حكم صلة الأرحام تحت عنوان ما تتحقّق به الصلة ذهاب بعض الفقهاء إلى وجوب العطيّة للأرحام لو توقّفت صلة الرحم عليها، كما لو كان فقيراً والآخر غنيّ لا يتضرّر بإعطاء المقدار الذي يسدّ حاجته، ومناقشة بعض الفقهاء في ذلك، ويأتي مزيد تفصيل ذلك في مصطلح (هبة).
المشهور بين الفقهاء أنّ الهبة للأرحام بعد القبض لازمة لا يجوز الرجوع فيها،
وذهب بعضهم كالسيد المرتضى والشيخ في أحد قوليه و
ابن الجنيد - على ما حكي عنه- إلى القول بالجواز.
هذا في غير
الأبوين والأولاد. أمّا فيهما فقد ادّعي
الإجماع على اللزوم وعدم جواز الرجوع
وإن نقلوا بعض الخلاف هنا أيضاً، فإنّ
السيد المرتضى جعلها جائزة مطلقاً فيهما وفي غيرهما من الأرحام فضلًا عن غيرهم،
والشيخ في
المبسوط و
النهاية فصّل في الأولاد بين الصغار فلا يجوز الرجوع والكبار فيجوز
وتفصيل ذلك في محلّه.
۱- الظاهر استحباب الوقف على الأرحام؛ لأنّه من الصدقة والصلة المندوب إليهما كما عرفت، وإن لم يصرّح الفقهاء بذلك هنا. نعم، يستفاد ذلك من كلماتهم في الوقف على الكافر الذمّي، فإنّ لهم في الوقف عليه أقوالًا ثلاثة: المنع مطلقاً والجواز مطلقاً والتفصيل بين الرحم وغيره، مستدلّين على الأخير بالحثّ على صلة الرحم و
الأمر بها.
ولا يجوز الوقف على الحربي ولو كان رحماً على المشهور،
وذهب بعضهم إلى الجواز.
۲- إذا وقف على أقاربه أو أرحامه كان الملاك صدق القرابة والرحميّة عرفاً، فيشترك
الذكور و
الإناث والأقرب والأبعد ويستوون في القسمة؛ لشمول
اسم القرابة و
انتفاء المقتضي للتفضيل.
نعم، لو شرط الترتيب في الأقارب بين الأقرب والأبعد أو بين الطبقة الاولى والثانية مثلًا أو تفضيل الأقرب على الأبعد أو
اختصاص الأقرب دون الأبعد أو العكس وجب
اتّباع الشرط؛ لأنّه شرط لا ينافي مقتضى الوقف فيجب الوفاء به؛
ضرورة
اقتضاء الإطلاق ذلك كاقتضاء قاعدة (المؤمنون) و (الوقوف على ما اشترطه).
لا إشكال ولا خلاف بين فقهائنا نصّاً وفتوى في جواز الوصيّة للأرحام،
بل استحبابها،
بلا فرق بين ما إذا كان الرحم وارثاً أو غير وارث؛ لقوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ».
فإنّها نصّ في استحباب الوصيّة لكلّ قريب وارثاً كان أو غيره.
مضافاً إلى ما فيها من صلة الرحم، بل الجمع بين الصدقة والصلة.
وقد زعم بعض علماء السنّة عدم جواز الوصية للوارث واختصاصها بغيره. وهو تحكّم في القرآن
باطل . هذا، وقد خصّ بعض قدماء فقهائنا الحكم بالاستحباب بمن لا يرث من القرابة بعد حكمهم بجوازها لمطلق الوارث.
وجاء في خبر السكوني عن
جعفر بن محمّد عن
أبيه عليهما السلام: «من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصيته».
وذلك لا ينافي الاستحباب مطلقاً؛ لما عرفت من
إطلاق الآية وما دلّ على استحباب صلة الرحم. ويمكن حمل ذلك على تأكّد الاستحباب في غير الوارث؛
لأنّه ممنوع من
الإرث ، ولعلّ في الخبر
إشارة إلى ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۴۴۲-۴۴۷.