ذكر الاصوليّون: أنّ الخبرينالمتعارضين إمّا أن يكونا مختلفي الرتبة من حيث الظهور و الدلالة بأن يكون أحدهما أقوى ظهوراً من الآخر ولو لكونه أخصّ منه أو بمثابةالقرينة عليه، فيقدّم ما هو أقوى ظهوراً على الآخر، أو على رتبة واحدة في ذلك فيرجع إلى الطرقالمرجّحة كالأخذ بما وافق كتاب اللَّه وما خالف العامّة وما اشتهر بين الأصحاب وغير ذلك.
فإن اتّحدا في جميع ذلك فقد اختار بعض الاصوليين أنّ الأصل يقتضي التساقط ، وبعض انّه يقتضي التخيير .
إذا اجتمع ضدّانواجبان بنحو تضيق قدرةالمكلف عن امتثالهما معاً فقد ذكر بعض الاصوليين انّه تجري قواعدالتزاحم ، بمعنى أنّه إن كانا في رتبة واحدة من حيث أهمية الملاك جاز فعل أي منهما ويسقط الأمر بالآخر؛ لتقيّد الأمر في كلٍّ منهما واقعاً بعدم امتثال الآخر. وإن لم يكونا في رتبة واحدة من حيث الأهميّة بأن كان أحدهما أهمّ ملاكاً من الآخر كان الأمر به مطلقاً، بخلاف الآخر فانّه يكون مشروطاً و معلّقاً على عدم امتثال الأمر الأوّل.
المشهور بين قدامى الاصوليين أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ أو الخاصّ ؛ لأنّ الأمر بالشيء يدلّ على وجوب إيجاده خارجاً، وإيجاده في الخارج موقوف على عدم المانع منه؛ لأنّ من مقدمات وجود الشيء ارتفاع المانع، فيجب هو أيضاً، ولازم وجوبه المنع من ايجاد نقيضه أي المانع فيكون منهيّاً عنه.
لكن جملة من المحققين في علم الاصول أنكروا كون الضدّ مانعاً؛ لأنّ المانع يكون أقدم رتبة من الممنوع ، لأنّه نقيض عدمه، وعدم المانع شرط وجود الممنوع كما تقدّم، والشرط متقدّم على المشروط رتبة، مع أنّ الضدان متّحدان رتبة، ولا تقدّم لأحدهما على الآخر، ومن هنا أنكروا اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه، وتفصيله يطلب من علم الاصول مبحث الضد.
لكن بعض من جاء بعده من الاصوليين ناقش في الترتّب بين المرتبتين الأوليين وجعلهما في مرتبة واحدة، ومعه فيجوز الامتثال الاجمالي حتى مع التمكّن من الامتثال التفصيلي .
اتّفق الاصوليّون على أنّ الأصلين المتعارضين إمّا أن يكونا في رتبتين مختلفتين فيقدم ما هو أعلى رتبة من الآخر، أو أن يكونا في رتبة واحدة فيتساقطان ويرجع إلى الاصول التي وراءهما.
ذكر الفقهاء للأولياء مراتب خمس، هي:
اولاها: الأبوان و الأولاد وأولادهم. ثانيتها: الأجداد و الاخوة وأولادهم. ثالثتها: الأعمام و الأخوال وأولادهم. رابعتها: الولاء- ولاء العتق . خامستها: الإمام ، فإنّه ولي من لا ولي له.
وهذا الترتيب استفاد منه الفقهاء في أبواب فقهية كثيرة منها:
۱- الميراث : فإنّهم ذكروا هذه المراتب فيه، وجعلوا الورثة من المرتبة السابقة يحجبون ذوي المرتبة اللاحقة من الإرث.
۳- أحكام الميّت : ذكر الفقهاء أنّ أولى الناس بالميّت في أحكامه أولاهم بميراثه. وفرّعوا عليه أحقّية الولي الأعلى مرتبة من غيره بأحكام احتضاره و تغسيله و تجهيزه و الصلاة عليه و دفنه وغيرها.
۴- وجوب النفقة له أو عليه حيث يشترط في وجوبها مراعاة الأعلى رتبة، فلا تجب على الأدنى مع وجوده و مُكنته كما لا تجب له مع وجود من هو أعلى منه رتبة وعدم سعتها لهما معاً.
هذا مع اختلاف الأولياء في الرتبة. وأمّا مع اتّحادهم فيها فإن لم يكن في بعضهم خصوصية مأخوذة في الحكم ترجّحه على غيره أو تمنع من ثبوت الحكم لغيره كالمماثلة في تغسيل الميّت وكونه أقرأ أو أعدل أو أورع في الصلاة عليه، فالقاعدة جريان القرعة عند التشاحّ إن لم يمكن التقسيم بينهم.
لكن ظاهر جملة من الفقهاء أنّ المدار في الترتيب على الايذاء وعدمه، فمع تساوي فردين من مرتبتين من المراتب التي ذكرها المشهور في الايذاء كالإعراض والأمر يثبت جوازالتخيير بينهما، كما انّه لو فرض وجود أفراد متعدّدة في مرتبة واحدة بعضها أقلّ من بعض في الإيذاء لم يجز الانتقال إلى الأكثر إيذاءً قبل امتحان الأوّل.