.
وذهب آخرون إلى عدم وجوب اختيار الأورع ـ سواء كان أحدهما أعلم والآخر أورع أو كانا متساويين في العلم وكان أحدهما أورع ، وسواء علمنا بالمخالفة بينهما أو لم نعلم ـ لأنّ مناط حكم العقل في باب رجوع الجاهل إلى العالم ليس إلاّ لأقربيّته إلى الواقع ، وفي هذه الجهة لا يكون لجهة الورع و العدالة دخل ألبتّة
ولذلك ذكر بعض الفقهاء أنّه لو صلّى الفريضة في جماعة فلا بأس بإعادتها فيما لو كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة ، بأن يكون الإمام أعلم أو أورع .
وأمّا لو كانت الجماعة الثانية مساوية للاُولى في الفضل فيشكل القول باستحباب إعادتها ؛ للعمومات الواردة ، ولحصول فضيلة الجماعة
ذكر الفقهاء أنّه إذا تعدّد القضاة وتفاوتوا في الفضل فلا إشكال في جواز ـ بل رجحان ـ تقديم الأفضل وإن كان المفضول أورع وأعدل ؛ لأنّ ما عند الأفضل من الورع و العدالة يكفي في منعه من التهجّم على المحارم ويبقى فضله خالياً عن المعارض .
هذا مع التفاوت في العلم ، وأمّا مع التساوي فيه فذكروا أنّه يقدّم الأورع نظراً إلى ثبوت الرجحان المقتضي لقبح تقديم المرجوح .
ويتحصّل من ذلك أنّه يقدّم أعلم الورعين وأورع العالمين .
لكنّهم اختلفوا في أنّه هل هذا على نحو اللزوم و التعيّن بحيث لا يجوز العدول إلى المفضول أم لا ؟
ذهب الفقهاء و الاُصوليّون إلى أنّ في تعارض الخبرين إذا لم يمكن الجمع بينهما يصار إلى وجوه الترجيح .
وعدّ بعضهم منها ، كون الراوي أفقه وأصدق وأورع ، كما ورد الترجيح بذلك في ظاهر مقبولة عمر بن حنظلة اختياره لتلك الرواية من جهة أنّ فقهه وورعه يكشف عن اطّلاعه على قدح في الرواية الاُخرى ولو كانت مشهورة ، مثل أن تكون صدرت تقيّة أو تأويلاً لم يطّلع عليه غيره
.
بينما ذهب آخرون إلى أنّ الأورعية والأفقهيّة لا توجب ترجيحاً في الراوي ؛ لأنّ المقبولة الواردة في ذلك إنّما اشتملت على مرجّحات الحكم دون مرجّحات الخبر ، ومن المعلوم أنّهما في الحكم ممّا يوجبان الأقربيّة إلى الواقع وإن فرض أنّهما في الخبر ممّا لا يوجبان الأقربية.