استعمال الطيب للمحرم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الطيب من الألفاظ التي يرجع فيها إلى العرف واللغة؛ ومن مصاديقه المسك والعنبر والزعفران و الورس والعود وألحق بالطيب الرياحين والفواكه الطيّبة، يستحب
استعمال الطيب على كلّ حال، كما ورد الحثّ عليه في الصلاة وإن حرم في عدّة موارد، منها : حالة
الإحرام .
من جملة المحرّمات على المحرم
استعمال الطيب، وهذا ممّا لا خلاف في تحريمه في الجملة،
بل ادّعي عليه
الإجماع بين
المسلمين ،
والنصوص على حرمته متواترة،
والحق بالطيب الرياحين والفواكه الطيّبة، فالبحث يقع في موردين: أ- الطيب، ب-النباتات والفواكه الطيبة.
الطيب من الألفاظ التي يرجع فيها إلى العرف واللغة؛ لعدم ثبوت معنى خاص له في
الشريعة ، وهذا
أمر واضح لا إشكال فيه، وإنّما البحث في أنّ المنع هل يعمّ كلّ ما يصدق عليه الطيب لغة وعرفاً، أم يختص ببعض أفراده؟ اختلفت آراء
الفقهاء في ذلك على قولين رئيسين:
وهو الذي ذهب إليه
الشيخ الطوسي في
النهاية من
اختصاص الحرمة بستة أنواع، وهي:
المسك ، و
العنبر ، و
الزعفران و
الورس ، و
العود ، و
الكافور ، وذكر أنّ ما عدا هذا من الطيب والرياحين مكروه، لكنّه لم يذكر في الجمل الورس،
فاختص المنع بالخمسة المذكورة، وأمّا التهذيب فلم يذكر الكافور، وقال في العود: «وقد روي: والعود».
وهو المعروف بين الأكثر،
بل المشهور بينهم،
وهو تعميم
التحريم لمطلق الطيب، وذهب إليه الشيخ في
المبسوط ،
وذكر أنّ أغلظها المسك والعنبر والزعفران والعود.
ومنشأ
الاختلاف في المسألة هو اختلاف الروايات، وهي على طائفتين:
الأخبار الظاهرة في عموم المنع وتحريم مطلق الطيب على المحرم:
منها: صحيحة
معاوية بن عمّار عن
الإمام الصادق عليه السلام ، قال: «لا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك، واتّق الطيب في طعامك، وأمسك على أنفك من الرائحة الطيّبة، ولا تمسك عليه من الريح المنتنة، فإنّه لا ينبغي للمحرم أن يتلذّذ بريح طيّبة».
الأخبار التي تدلّ على اختصاص المنع بامور أربعة أو خمسة:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار الاخرى، وهي كالسابقة إلّا أنّه جاء في آخرها: «واتّق الطيب في زادك، فمن ابتلي بشيءٍ من ذلك فليعد غسله، وليتصدّق بقدر ما صنع، وإنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك، والعنبر، والورس، والزعفران، غير أنّه يكره للمحرم الأدهان الطيّبة إلّا
المضطر إلى الزيت أو شبهه يتداوى به»،
ونحوها عدّ الطيب المحرّم في بعض الأخبار.
نعم، ذكر العود بدل الورس في
معتبرة عبد الغفار على رواية.
وقد ذكرت وجوه متعدّدة للجمع بين الروايات عمدتها ما يلي:
إبقاء العمومات على حالها و
إجراء المحاولة في الأخبار الخاصة، نظراً إلى أنّ
المتفاهم العرفي من الروايات بمناسبة الحكم والموضوع عدم خصوصية للموارد المذكورة من الطيب، بل يعم المنع كلّ ما صدق عليه الطيب، وعلى هذا فيتصرّف في الأخبار الدالّة على تحريم الأنواع الخاصة بالحمل على أنّها لبيان أظهر أنواع الطيب
أو أغلظها، كما مرّ في كلام الشيخ الطوسي.
أنّ الروايات المشتملة على أنواع خاصة من الطيب مقيِّدة للروايات المطلقة أو العامة؛ إذ لسان الروايات الخاصة إمّا لسان الحصر أو لسان
التفسير و
الحكومة .
ولكن حيث إنّ الروايات الدالّة على الحصر مختلفة من حيث
اشتمال بعضها على الورس دون العود، واشتمال بعضها الآخر على العود دون الورس، فيرفع اليد عن
ظهور البعض في الجواز بصراحة الآخر في المنع، والنتيجة هي حرمة الخمسة، كما ذهب إليه بعض المعاصرين.
وأمّا إضافة الكافور فلا وجه له، و
الاستدلال بالأولوية في حق المحرم الحيّ بالنسبة إلى المحرم الميّت لا مجال لها؛ إذ تحريم الكافور في حقّه لا يرتبط بكونه محرماً؛
لبطلان إحرامه بالموت حقيقة، وإنّما يكون ترك حنوطه بالكافور حكماً تعبّدياً لا يجري في المحرم الحي.
وهناك وجوه اخر للجمع بين الروايات مذكورة في الكتب
الفقهية .
ثمّ إنّه ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة جميع الاستعمالات،
ولكن قد يقال: إنّه لا دليل على التحريم في غير الشمّ و
الأكل و
الاطلاء في
البدن والثوب، فإن ثبت إجماع أو حرم لأجل
استلزامه الاستشمام ، وإلّا فلا دليل عليه.
ولكن يمكن أن يستدل للتعميم بأنّ مقتضى
إطلاق النصوص هو المنع عن جميع الاستعمالات أكلًا وشمّاً ووضعاً على الثوب والبدن ولو بقرينة سائر الروايات، مضافاً إلى أنّ حذف المتعلّق في الروايات الخاصة يفيد العموم، فلا يختص التحريم بالشمّ أو الدلك، بل يعمّ جميع أنواع الاستعمالات المعدّة المقصودة لهذه الامور،
بل ورد في النصوص والفتاوى في موارد كثيرة حرمة مسّ الطيب- ولو بباطن
كباطن الجرح- و
الاكتحال و
الاحتقان و
الاستعاط ، بل ادّعي الإجماع عليه.
فعلى ما ذكر، يحرم على المحرم الجلوس في حانوت عطّار أو في بيت يجمّر بحيث تتشبّث به الرائحة لذلك.
نعم، يجوز
اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب أو يجلس عند متطيّب إذا لم يكتسب جسده ولا ثوبه شيئاً من رائحة الطيب؛ وذلك لعدم صدق العناوين الممنوعة كالمسّ والأكل و
الاستعمال .
وهل يجب القبض على أنفه حين الاجتياز أم لا؟ فيه قولان:
عدم وجوب
الإمساك إذا اجتاز؛ نظراً
إلى عدم
اندراج إصابة الرائحة في الطريق في موضع النهي، هذا مضافاً إلى خبر
هشام بن الحكم عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «لا بأس بالريح الطيّبة فيما بين
الصفا والمروة من ريح العطّارين، ولا يمسك على أنفه»،
بدعوى عدم خصوصية للمسعى في ذلك، كما يشعر به قوله عليه السلام: «من ريح العطّارين».
وجوب الإمساك على أنفه؛
للروايات الدالّة على لزوم الإمساك على
الأنف من الرائحة الطيّبة، كصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة؛ ولأنّ تعمّد الاجتياز في الطريق المزبور كتعمّد
المباشرة و
التناول وغيرهما المؤدّي إلى الشمّ، وأمّا رواية هشام فهي مختصّة بحال
السعي والمكان المخصوص للضرورة.
ثمّ إنّ المستفاد من الأخبار أنّه لا يجوز للمحرم استعمال الطيب مطلقاً، بلا فرق في ذلك بين الحدوث والبقاء، وحينئذٍ فإن كان قد تطيّب سابقاً، وكان
أثر الطيب باقياً وجب عليه إزالته، وكذا إذا تطيّب حال الإحرام عصياناً أو سهواً،
كما تدلّ عليه أيضاً جملة من الروايات:
منها: صحيحة
حمّاد بن عثمان قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام : إنّي جعلت ثوبَي إحرامي مع أثواب قد جمّرت فآخذ من ريحها، قال: «فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها».
ومنها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: سألته عن رجل مسّ الطيب ناسياً وهو محرم، قال: «يغسل يده ويلبّي».
ثمّ انّه استثني من حرمة الطيب موارد:
الخلوق أخلاط من الطيب، ومن أجزائها الركنية الزعفران. و
المشهور بين الفقهاء
استثناء خلوق الكعبة من حرمة الطيب، وزاد بعضهم
خلوق القبر أيضاً.
والمستند في ذلك جملة من الروايات الدالّة على عدم البأس بوجود خلوق
الكعبة أو زعفرانها
أو خلوق القبر
في ثوب المحرم، ومورد هذه الروايات وإن كان إصابة الخلوق أو الزعفران بثوب المحرم، إلّا أنّ الظاهر من إطلاق الروايات- بحسب المتفاهم العرفي من حيث
الإذن في تطييب الكعبة به، وعدم
الأمر بإمساك الأنف عنه
- جواز شمّ خلوق الكعبة والقبر، وأنّه لا يجب إمساك الأنف عنه، بل قد يشكل جوازه لمنافاة القبض على الأنف
لاحترام الكعبة.
هذا كلّه فيما إذا علم ماهيّة الخلوق الوارد في الروايات، أمّا إذا شك فيها فهل يجب
الاجتناب حينئذٍ أم لا؟ لا إشكال في عدم وجوب الاجتناب إن قلنا باختصاص الحرمة بالأربعة أو الخمسة من أنواع الطيب إذا وجهل دخول أحدها في الطيب المستعمل في الكعبة، ولو علم دخول أحدها فيه ولم يعلم كونه خلوقاً، فقد يقال بلزوم
الاحتياط والاجتناب.
وأمّا إذا قلنا بوجوب الاجتناب عن مطلق الطيب و
استثناء الخلوق منه، فقد ذهب بعضهم-
كالإمام الخميني - إلى لزوم الاحتياط.
ولكن اورد عليه: بأنّ المقيّد إذا كان مجملًا بحسب المفهوم، وكان دائراً بين المتباينين لا بين
الأقل والأكثر ، فلا مجال للرجوع إلى
أصالة الإطلاق أو
أصالة العموم في شيءٍ منهما، بل تجري
أصالة البراءة بعد تعارض
الأصلين في كلّ منهما مع الآخر.
أمّا الأنواع الاخر من طيب الكعبة غير الخلوق فاختلفت آراء الفقهاء في جواز مسّها وشمّها على قولين: فذهب بعضهم
إلى عدم الجواز
اقتصاراً على المنصوص، بينما ذهب آخرون
إلى الجواز.
واستدلّ لذلك بامور، عمدتها: أنّ الإذن في تطيّب الكعبة بذلك مع عدم الأمر بالاجتناب والإمساك على الأنف والتحفّظ عن إصابة الثياب ظاهر في عدم البأس.
هذا مضافاً إلى الضرورة،
وأنّ المتعارف من الخلوق وإن كان هو نوع خاص من الطيب في عصر صدور الرواية إلّا أنّ الظاهر اختلافه باختلاف الأزمنة والأحوال.
استثنى بعض الفقهاء
- وربّما كان مشهوراً- ما يستشمّ منها في سوق
العطّارين بين الصفا والمروة، فلا يجب على
المحرم أن يمسك على أنفه حال سعيه بين الصفا والمروة، كما لا يجب عليه
الإسراع في المشي.
واستدلّ لذلك- مضافاً إلى الضرورة ودفع الحرج
- بصحيحة هشام المتقدّمة. نعم، لا ريب في أنّها متكفّلة لشمّ الرائحة لا لمسّها.
لا إشكال في أنّه إذا اضطر المحرم إلى استعمال الطيب جاز له ذلك، ولكن يختص الجواز بما يرفع به
الاضطرار ، فعلى هذا إن اضطر إلى
الادّهان - مثلًا- فلا بدّ من
الاحتراز عن الأكل والشمّ، وكذا بالنسبة إلى الاضطرار إلى سائر استعمالات الطيب، وذلك لتقدّر الضرورة بقدرها،
ولذا نرى في جملة من الروايات
الإرجاع في مقام العلاج والمداواة إلى الأدهان غير المشتملة على الريح الطيّبة كالسمن أو الزيت أو
الإهالة .
لا إشكال في أنّ ما يستعمل بشكل مباشر من
النباتات الطيبة في التطيّب ولو للطعام من غير حاجة إلى علاج أو عملية فيه- كالزعفران والورس- هو طيب محرّم،
ولكن البحث والخلاف في التي لم يؤخذ منها الطيب غالباً، ولا يستعمل في الطيب بلا عملية وعلاج، فهنا أقوال، عمدتها ما يلي:
ذهب البعض كالمفيد
إلى حرمة شمّ الرياحين الطيّبة؛ لعموم الروايات الدالّة على وجوب الإمساك من الريح الطيّب، مضافاً إلى بعض الروايات الخاصة كقول الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة
عبد الله بن سنان : «لا تمسّ الريحان وأنت محرم...»،
وفي خبر حريز
نهى عن مسّ الطيب والريحان بلفظ واحد، فلا يمكن حمله
بالإضافة إلى الريحان على الكراهة.
نعم، استثني من ذلك رياحين الحرم،
كالإذخر و
القيصوم و
الخزامى و
الشيح وأشباهه؛
لصحيحة معاوية بن عمّار.
اختار
الشيخ الطوسي وجماعة من الفقهاء
كراهة استعمال الرياحين مطلقاً.
والدليل على ذلك هو أنّه- بناءً على حصر المنع بخمسة أو ستة من أفراد الطيب، وجواز استعمال بقيّة أفراده- لا يحتمل كون شمّ
الرياحين أشد من شمّ عطر
الرازقي مثلًا،
بل بناءً على تحريم مطلق الطيب قد يقال بجواز شمّ الرياحين؛ لعدم صدق عنوان الطيب المحرّم عليه عرفاً.
ويؤكّد ذلك ما ورد من جواز شمّ النباتات
البريّة ، كرواية معاوية بن عمّار الدالّة على جواز شمّ الاذخر والقيصوم والشيح وأشباهه؛ فإنّ قوله: «وأشباهه» يشمل جميع الرياحين الطيّبة.
وعليه فمقتضى الجمع بينها وبين صحيح عبد اللَّه بن سنان هو الحمل على
الكراهة .
التفصيل بين ما ينبت للطيب ويقصد شمّه ويتخذ منه الطيب
كالياسمين والورد والنيلوفر وبين غيره، فيحرم شم الأوّل دون الثاني.
التفصيل بين مسّ الرياحين وشمّها، فيحرم الأوّل مطلقاً؛ لخبري
حريز وعبد اللَّه بن سنان المتقدّمين، ولكن يجوز الشمّ؛ لتجويز
الإمام عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار بجواز شمّ الاذخر والقيصوم والخزامى وأشباهه بناءً على فهم المثالية منها .
المعروف بين الفقهاء
جواز
أكل المحرم الفواكه الطيّبة كالتفاح و
الاترج ، بل عليه
الإجماع، وعلّل في بعض الروايات بأنّ الاترج طعام وليس طيباً.
نعم، اختلفت آراؤهم في أنّه هل يحرم شمّ
الفواكه عند الأكل فيجب إمساك الأنف، أم يجوز ذلك؟
ذهب جملة من الفقهاء إلى وجوب الإمساك وحرمة الشمّ؛
لعموم الروايات الدالّة على لزوم إمساك الأنف من الريح الطيّبة، كما تقدّمت الإشارة إليها، ولبعض الروايات الخاصة، كمرسلة
ابن أبي عمير عن الإمام الصادق عليه السلام، قال في
التفّاح والاترج والنبق وما طاب ريحه: «يمسك على شمّه ويأكله».
ولكن ثمّة من ذهب إلى جواز الشمّ؛
نظراً إلى أنّ
الترخيص في أكل الفواكه ترخيص في الشمّ عرفاً
وإن لم نقل
بانحصار المنع بأنواع خاصة من الطيب.
ثمّ إنّ المشهور
بين الفقهاء
أنّه يحرم على المحرم أيضاً أن يمسك على أنفه من الروائح الكريهة، بل ادّعى
ابن زهرة أنّه لا خلاف فيه.
واستدلّ
لحرمة الإمساك على الأنف عن الرائحة الكريهة بالنصوص:
منها: قول الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار: «لا تمسّ شيئاً من الطيب وأنت محرم، وأمسك على أنفك من الريح الطيّبة، ولا تمسك عليها من الريح المنتنة؛ فإنّه لا ينبغي للمحرم أن يتلذّذ بريح طيّبة، واتّق الطيب في زادك، فمن ابتلي بشيء من ذلك فليعد غسله، وليتصدّق بصدقة بقدر ما صنع، وإنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك، والعنبر والورس، والزعفران».
ومنها: صحيحة
الحلبي و
محمّد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيّبة، ولا يمسك على أنفه من الريح الخبيثة».
ومنها: صحيحة ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام: «المحرم إذا مرّ على جيفة فلا يمسك على أنفه».
فالمستفاد من هذه الروايات حرمة الإمساك على الأنف. ولا بأس بالإسراع في المشي للتخلّص من الروائح الكريهة.
وقد يستشكل في
الاستدلال بالروايات بأنّ المتبادر منها إرادة نفي الوجوب في مقابل ريح الطيب، فلا يدلّ على حرمة الإمساك. ويؤيّد ذلك قوله عليه السلام: «ولا ينبغي أن يتلذّذ»، فإنّه يدلّ على أنّ المقصود- من المنع من الرائحة الطيّبة، وعدم المنع من المنتنة- هو عدم
التلذّذ ، وذلك موجود في قبض الأنف من الرائحة المنتنة وعدمه.
وقد أجاب عنه المحقّق النجفي
بأنّه لا مجال لهذا الاحتمال بعد ما سمعته من نفي الخلاف والشهرة.
وقال
السيد الگلبايگاني في دفع الإشكال: بأنّ قياس المقام وتنظيره بمورد توهّم الوجوب في مقام النهي قياس مع الفارق، فإنّ النهي الوارد في مقام توهّم الوجوب إنّما يصح إذا أمر بوجوب شيءٍ أو أشياء، واحتمل أن يكون شيئاً آخر واجباً أيضاً لتساويهما في الجهة المقتضية للأمر، فإذا ورد نهي في ذلك المورد لا يكون ظاهراً في الحرمة، وهذا لا ينطبق على المقام؛ إذ الأمر بوجوب الإمساك عن الرائحة الطيّبة و
الالتذاذ بها لا يحتمل شموله للرائحة الكريهة؛ لعدم الالتذاذ بها و
النشاط فيها، فإذا ورد فيها ما يدلّ على أنّ المحرم لا يمسك أنفه عن الجيفة فهو ظاهر في الحرمة، ولا مجال للقول بأنّ النهي وارد في مورد توهّم الأمر.
وقد يناقش في الاستدلال بها: بأنّ صدر الصحيحة دالّ على النهي عن مسّ جميع الطيب أكلًا وشمّاً ودلكاً، ولكن حصر الحرام في ذيلها بالأربعة قرينة على أنّ المراد بالنهي بالإضافة إلى غير الأربعة الواردة في الصدر هو الكراهة، والأمر بالتصدّق
باعتبار ما يكره من الطيب عليه، فذكر النهي عن الإمساك على الأنف من الرائحة الكريهة في سياق المكروه، و
إثبات كفّارته عليه لعلّه قرينة على كراهته أيضاً.
ولكن اجيب عنه: بأنّ اشتمال كلّ من الجملتين على حكم خاصّ يمنع عن التصرّف في
الظهور الذي لم ينهض دليل على التصرّف فيه، خصوصاً لو قلنا بمثله في جملة واحدة كما في قوله: «اغسل للجمعة و
الجنابة »، فإنّ قيام الدليل على
الاستحباب الأوّل لا يوجب ثبوت الاستحباب للثاني أيضاً.
هذا لو قلنا بأنّ المحرّم خصوص بعض أنواع الطيب، أمّا لو قلنا بأنّ الحرام مطلق الطيب فالأمر أوضح، فالأمر والنهي في الجملتين باقيان على ظاهرهما من
الوجوب والحرمة.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۵۹۴-۶۰۵.