الإبراء أركانه
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولتفصيل أكثر انظر
الإبراء (توضيح).
ويبحث تارة عن حكمه التكليفي واخرى عن حكمه الوضعي.
وهي أربعة أركان: الإنشاء،
والمبرئ ،
والمبرَأ ، والمبرَأ منه (محلّ الإبراء).
وفي كلٍّ منها بحوث.
وفيها بحثان:
وتحصل بكلِّ لفظ دالٍّ على المعنى المقصود بالصراحة أو بالظهور، فلا يوجد لفظ خاصّ للإبراء، ولذا صرّح الفقهاء بوقوعه بلفظ
الإبراء والتصدّق والعفو والهبة والتمليك والتحليل والترك
والصلح : ۲۷۱،
بل احتمل
الشهيد الثاني الاكتفاء في
إسقاط الحقّ بمجرد الرضا وإن ناقشه بعد ذلك.
قال
المحدّث البحراني : «وظاهر الأصحاب انّه لا ينحصر في لفظ بل كل ما أدّى هذا المعنى من لفظ
الإبراء أو
العفو أو
الهبة أو
الإسقاط أو نحو ذلك فانّه يحصل به البراءة وفراغ الذمّة. وقد اطلق عليه لفظ العفو في قوله عزّ وجل: «إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ».
ويمكن أن يضاف إلى ذلك إنشاء الإبراء بالفعل كإشارة الأخرس أو تحريك الرأس في قبال السؤال عن الإبراء، فانّه أيضاً كافٍ في مقام الانشاء وإبراز المعنى.
يذكر الفقهاء عادة في صيغ العقود والإيقاعات شروطاً بعضها عامٌّ لجميع العقود والإيقاعات وبعضها خاصّ، نذكر ما يتعلّق منها بالإبراء على سبيل الإجمال تاركين التفصيل فيها إلى محلّه. والشروط المعتبرة في الإبراء ما يلي:
فلا عبرة باللفظ أو الفعل الخالي منه أو إذا قصد منه معنى آخر غير الإبراء، ولو أبرأه من الدين بظنّ أنّه مائة فبان ألفاً لم يبرأ بالنسبة إلى ما زاد على المائة.
قصد إنشاء الإبراء لا الإخبار أو
الاستفهام أو الهزل مثلًا.
فلو أبرأ أحد الشخصين أو أحد الدينين بنحو الترديد لم يصح؛ لعدم تعلّق الانشاء بواحد منهما لكي يسقط وعدم معقولية إسقاط الجامع بما هو جامع كما في باب الأمر والتكليف بالجامع. نعم لو كان قصده معيّناً واقعاً ولكنه لم يبيّن أكثر من عنوان أحد الشخصين أو الدينين صح الإبراء وطولب بالبيان. بل يمكن القول بصحة إبراء أحد الدينين بلا تعيين إذا كانا متماثلين كما إذا استقرض منه درهماً مرتين فيكون في قوّة إسقاط درهم من الدرهمين.
هذا، وقد ذكر
الشهيد الأوّل في
القواعد : «لو كان له على جماعة دين فقال: أبرأت أحدكم فعلى (القول بأن الإبراء) تمليك لا يصح قطعاً. وعلى
بأنّه إسقاط يمكن الصحة ويطالب بالبيان».
بأن يكون قصده إيجاد مضمون الإبراء على وجه الجزم والقطع لا معلّقاً على حصول أمر آخر، سواء كان ذلك الأمر معلوم الحصول له ولمّا يحصل بعد كغروب الشمس أو مجهول الحصول له حال العقد ككون اليوم يوم جمعة أو بعده كولادة ولد سويّ له.
نعم، لو أنشأه معلّقاً على أمر معلوم الحصول حال إيقاع الإبراء كإيقاعه معلّقاً على كون اليوم يوم الجمعة مع علمه بأنّه كذلك لم يضر التعليق المذكور.
وللفقهاء تصريحات في هذا الصدد، قال
العلّامة الحلّي في
الطلاق : «لو قالت إن طلّقتني فأنت بريء من الصداق لم يصحّ الإبراء، لوقوعه مشروطاً».
وقال أيضاً: «والإبراء
كالضمان في انتفاء التعليق فيه».
وقال في القرض: «ولو قال المقرض: إذا مِتُّ... كان إبراءً باطلًا لتعليقه على الشرط».
قال
المحقق الكركي في شرح عبارة العلّامة الأخيرة: «(إن) حرف وضع للشرط، فاذا قال: إن متُّ كان مقتضياً للشك في كونه إبراءً؛ لأنّ مقتضى تعليق الموت بكلمة (إن) الشكّ في حصوله، ومتى كان المعلّق عليه مشكوكاً فيه فالمعلّق بطريق أولى.
ولا يضرّ كون الموت بحسب الواقع مقطوعاً به؛ لأنّ الاعتبار في الجزم وعدمه بالصيغة الواقعة إبراء، فمتى لم تكن واقعة على وجه الجزم لم تكن صحيحة».
نعم، استثني من ذلك التعليق على ما يتوقّف عليه مفهوم المعاملة كتعليق الإبراء على ثبوت الدين أو الحق في مورد الدين والحق غير المجزوم بهما، فإنّه لا مانع منه لكون مفهوم الإبراء معلّقاً عليه في الواقع قال
الشيخ الأنصاري : «إنّ الممنوع منه هو التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الإنشاء عليه. وأمّا ما نحن فيه وشبهه مثل طلاق مشكوك الزوجية وإعتاق مشكوك الرقية منجّزاً أو الإبراء عما احتمل الاشتغال به فقد تقدّم في شرائط الصيغة أنّه لا مانع منه؛ لأنّ مفهوم العقد معلّق عليها في الواقع من دون تعليق المتكلّم».
ومعناه إنشاء الإبراء على وجه الجزم مع اشتراط شرط في ضمنه، بنحو يكون إبراءً وشرطاً، لا إبراءً معلّقاً على شرط، من قبيل أن يُبرئه ويشترط عليه القيام له بعمل معيّن. والعقود عموماً يجري فيها الاشتراط ويصحّ جعل الشرط فيها ضمن مواصفات معيّنة، وتترتب عليه أحكام وآثار فقهية.
أمّا الإيقاعات فتوجد حول قابليتها عموماً للاشتراط بعض المناقشات الفقهية والإبراء بوصفه إيقاعاً على الأصحّ- كما تقدّم- خاضع لتلك المناقشات، ومن هنا نجد أنّ بعض الفقهاء أفتى ببطلان الشرط فيما لو أبرأ
الزوج - في النكاح المنقطع- المدّة لزوجته بشرط أن لا تتزوج فلاناً فقال: إنّ الإبراء صحيح والشرط باطل.
لكن البعض الآخر أفتى بصحّته ووجوب الوفاء به.
وهي تعني إنشاء الإبراء حالياً على أن يحصل المنشأ- بالفتح- الذي هو فراغ ذمّة المدين- في زمن لاحق، فيكون الإبراء في الواقع إبراءً بالاضافة إلى الزمن اللاحق لا
مطلقاً وفي جميع الأزمنة. والزمن اللاحق الذي يضاف
الإبراء إليه قد يكون معلوماً ومحدّداً من قبيل أن يُنشئ الدائن إبراء مدينه حالياً على أن تبرأ ذمّة المدين بعد شهرٍ أو سنةٍ مثلًا، وقد لا يكون كذلك من قبيل اضافة الإبراء إلى ما بعد موت الدائن مثلًا.
أمّا الاضافة إلى غير الموت فلم نجد لها ذكراً في كلمات الفقهاء. لكن الاضافة إلى ما بعد الموت قد ذكرها بعضهم
كالعلّامة الحلّي والشهيد الأوّل ،
والمحقّق النجفي واعتبروها من مصاديق التعليق الموجب لبطلان الإبراء نظراً إلى اشتراط التنجيز فيه، كما تقدّم.
قال العلّامة الحلّي: «لو قال المقرِض: إذا مِتُّ فأنت في حلّ كان وصيّة، ولو قال: إن متُّ... كان إبراءً باطلًا لتعليقه على الشرط».
ووافقه ولده فخر المحققين.
وقال الشهيد الأوّل: «ولو قال: إذا متُّ فأنت في حلٍّ أو بريء كان وصيةً، ولو علّق ب «إن» قيل: يبطل، والفرق تحقق مدلول «إذا» بخلاف «إن»، والأقرب العمل بقصده، فإنّ المدلول محتمل في العبارتين».
وقال
المحقّق الكركي : «والفرق بينهما أنّ «إذا» ظرف في الأصل وإن عرض لها معنى الشرط، فكأنّه قال: وقت موتي أنت في حلّ، وذلك مجزوم غير مشكوك فيه فلا تعليق فيه فيصحّ. و «إن» حرف وضع للشرط، فاذا قال: «إن متّ» كان مقتضياً للشك في كونه إبراءً؛ لأنّ مقتضى تعليق الموت بكلمة «إن» الشك في حصوله، ومتى كان المعلّق عليه مشكوكاً فيه فالمعلَّق بطريق أولى، ولا يضرّ كون الموت بحسب الواقع مقطوعاً به؛ لأنّ الاعتبار في الجزم وعدمه بالصيغة الواقعة إبراءً، فمتى لم تكن واقعةً على وجه الجزم لم تكن صحيحةً».
وقال المحقّق النجفي في مناقشته للفرق المذكور: «إنّ المتّجه البطلان مع قصد الإبراء دون الوصيّة ولو بلفظ «إذا»؛ للتعليق الممنوع».
وإذا كانت اضافة الإبراء إلى ما بعد الموت نوعاً من التعليق الموجب لبطلانه كما لاحظنا في عباراتهم، فاضافته إلى غير الموت أيضاً كذلك تعليق موجب للبطلان، ولعلّ هذا هو السبب في عدم ذكرهم لها.
نعم، يمكن تصوير الإبراء المضاف بنحو لا يرجع إلى التعليق بل يكون تنجيزياً فيما إذا تعلق بحق ثابت في المستقبل كما إذا أبرأ زوجته المنقطعة عن نصف المدة المتبقية أو أبرأ المدين في المؤجل نصف مدة الأجل، ومقتضى القاعدة صحة مثل هذا الإبراء.
الإبراء الموقَّت: ومعناه إنشاء الإبراء بصورة مؤقتة إلى زمن معيّن، بحيث يكون المقصود تحقّق المنشأ- بالفتح- من حين الانشاء، لكن لا إلى الأبد وبصورة نهائية، بل إلى وقت خاصّ كأن يقول له: أبرأتك لمدة شهر مثلًا.
وقد يستفاد من بعض كلماتهم أنّه صحيح. قال
الفاضل المقداد في تفسير قوله تعالى: «وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ»
«فهم بعضهم من هذا أنّ المندوب أفضل من الواجب؛ لأنّ الانظار واجب والإبراء ندب، وقد جعله خيراً، فيكون أفضل، وهو غلط، فإنّ الإبراء جامع للنظرة والصّدقة، فالخيرية باعتبارهما معاً».
وقال
الفاضل الهندي في العفو عن
القصاص - الذي قد يقال: إنّه كالعفو عن الدية المعبَّر عنه في القرآن الكريم بالتصدّق في قوله تعالى: «وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا...».
والمفسَّر بالإبراء- ما نصّه: «ولو أضاف العفو إلى وقت- مثل:
عفوت عنك شهراً أو سنةً- صحّ».
وقد يستفاد من كلمات البعض الآخر عدم صحة التوقيت في الإبراء؛ لمنافاته لمفهوم الإبراء. قال مقرّر بحث
السيد الخوئي : «فمعنى الإبراء إفراغ الذمّة إلى الأبد، والتوقيت إمهال لا إبراء».
وعلى هذا الضوء فمستند عدم صحة التوقيت في الإبراء منافاته لحقيقة الإبراء التي تعني
الإسقاط وإفراغ الذمة؛ إذ لا معنى للإسقاط والإفراغ موقتاً. نعم بالإمكان تأجيل استيفاء الحق أو الدين إلى مدّة معيّنة وإمهال المدين ومن عليه الحق، ولكنه حينئذٍ ليس إبراءً، بل هو وعد بالتأخير.
ومن نتائج ذلك أنّه إذا كان إبراءً موقتاً وصحّحناه، فلا يحق له المطالبة والاستيفاء قبل مضيّ المدّة المعيّنة، إذ الإبراء لازم لا رجوع فيه، بينما إذا كان إمهالًا ووعداً بالتأخير جاز له الاستيفاء قبل المضيّ؛ إذ الامهال غير لازم، والظاهر أنّ المقصود بالصحة في كلام الفاضل الهندي المتقدّم آنفاً صحّته إمهالًا لا صحّته إبراءً، لتصريحه بعد ذلك بجواز استيفاء الحق قبل مضيّ المدة المعيّنة لعدم لزوم التوقيت المذكور وإنّما هو وعد بالتأخير.
لم نعثر على تصريح للفقهاء باشتراط قصد القربة في الإبراء، سوى ما ذكره الفاضل المقداد في تفسير قوله تعالى: «وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ...» قائلًا: «إنّ الإبراء صدقة، فيستلزم قصد القربة».
بل إنّ
الشهيد الثاني صرّح بعدم اشتراطه فيه.
وكذلك
المحقّق النجفي .
نعم، إذا تقرّب به إلى اللَّه تعالى- كما إذا أبرأ ذمّة المدين قربةً إليه تعالى- كان صدقةً أيضاً وترتّبت عليه أحكامهما. فبين الإبراء والصدقة عموم من وجه- كما تقدم- إذ قد لا يكون الإبراء متقرَّباً به إلى اللَّه تعالى فلا يكون صدقةً. كما أنّ الصدقة قد تكون بدفع العين الخارجية فلا يكون إبراءً؛ لاختصاص الإبراء بالذمم وعدم جريان في الأعيان الخارجية.
وهو ذو الحق أو وليّه الذي يبرئ ذمّة من عليه الحق.
ولتفصيل اكثر انظر
المبرئ.
ويشترط فيه استقرار الحق عليه؛ بأن تكون ذمّته مشغولة بدين أو حق ليكون لإبرائه محلّ، فإبراء من ليس عليه دين أو حقّ لا يصحّ، ويكون لغواً.
ولتفصيل اكثر انظر
المبرَأ.
وهو ما يُراد إسقاطه عن الذمّة، وفيه شروط:
فيصحّ الإبراء فيما يقبل اشتغال الذمّة به بلا فرق بين كونه مالًا أو حقّاً، أي كلّ ما يكون حقاً على الشخص لا حقّاً عينياً متعلّقاً بشيءٍ في الخارج.
فلا يصحّ الإبراء فيما لا تشتغل به الذمم، كالأعيان والمنافع الخارجية والحقوق المتعلّقة بالأعيان أو العقود كحق الخيار
والشفعة ، بمعنى أنّه لا يصحّ بعنوان الإبراء، وهذا لا يمنع صحّة إسقاطها، فهذا الشرط مأخوذ في معنى
الإبراء وحقيقته، كما تقدم.
وعلى هذا دارت تصريحات الفقهاء وكلماتهم:
قال
المحقق الحلّي في
الإجارة : «إذا أسقط الاجرة بعد تحقّقها في الذمة صحّ، ولو أسقط المنفعة المعيّنة لم تسقط؛ لأنّ الإبراء لا يتناول إلّا ما هو في الذمة».
وقال العلّامة الحلّي: «ويصحّ إسقاط الاجرة المعيّنة بعد تحققها في الذمّة، والمنفعة الثابتة في الذمّة دون المنفعة المعيّنة».
وعلّق عليها
المحقّق الكركي حيث قال: «المراد بإسقاطها الإبراء منها، وإنّما يصحّ الإبراء من الشيء إذا كان في الذمّة، أمّا إذا كان عيناً موجودة أو منفعة متعلّقة بعين مخصوصة فإنّ الإبراء منها لا يعقل، ولو أبرأه من وجوب تسليمها لم يجب عليه التسليم في الحال لكن لا يخرج عن ملكه بذلك».
وقال
المحقق النجفي : «إنّ محل الإبراء الحقوق التي في الذمم».
وفي موضع آخر قال: «إذا أسقط الاجرة بعد تحقّقها في الذمة وإن لم يستحقّ تسلّمها صحّ بلا خلاف ولا إشكال بعد معلومية مشروعية الإبراء بلفظه أو ما دلّ عليه من
الإسقاط ونحوه، نعم لو أسقط المنفعة في العين المعيّنة لم تسقط بلا خلاف أيضاً ولا إشكال؛ لأنّ الإبراء لا يتناول إلّا ما هو في الذمم من اجرة أو عمل فيها أو منفعة كلّية وشبه ذلك ممّا هي محلّه».
وقال
الفاضل الاصفهاني في إبراء المرأة مهرها: «ولو كان المهر عيناً لم يزل الملك عنها بلفظ العفو والإبراء ونحوهما... إذ لا إبراء من العين».
وقال في إبراء العبد الجاني: «ولو أبرأ المجني عليه العبد الجاني لم يصحّ وفاقاً للمبسوط والشرائع على إشكال...
والأقرب أنّه إن استحق تملك الرقبة خاصة فلا معنى لإبرائه، إذ لا معنى للإبراء عن النفس».
وقال الشهيد الثاني في المسألة المتقدّمة: «لو كانت الجناية موجبة للقصاص فالعفو عن كل واحد من
العبد والمولى صحيح، وفي الإبراء إشكال من حيث إنّ القصاص لا يتعلق بذمته».
وقد يستظهر أنّ المراد بالذمّة هنا ما عليه بعض فقهائنا من أنّها وعاء الأموال الرمزية، ولذا استثني ما عداها من الأعيان والحقوق حتى الشخصية، فإنّها بناءً على هذا الاصطلاح لا تدخل في الذمّة.
لكن أكثر الفقهاء
أطلق الإبراء في موارد لا تدخل في الذمّة بهذا المعنى الضيّق المنحصر في الأموال الذمية بل استعمله في مطلق الحقوق الشخصية، بل بعضهم استعمل الإبراء في مورد حق الشفعة والقصاص وخيار الفسخ والقذف بل والغيبة أيضاً.
قال
الشيخ الطوسي : «لو اشترى شقصاً في شركته ولم يعلم، فقال له: قد أبرأتك عمّا استحقّه عليك من حق الشفعة فهل يسقط حقّه أم لا على ما مضى؟ قال قوم: إنّه لا يسقط، وهو الأقوى، وقال بعضهم: يسقط».
وقال في الزوجة: «إنّها تملك الإبراء من العنّة».
وقال الشهيد الأوّل: «ولو قال لمن اغتابه قد اغتبتك، ولم يبيِّن الغيبة فأبرأه يمكن القول بالصحة؛ لأنّه هنا إسقاط محض».
وقال
المحقّق الأردبيلي : «وأمّا نحو
القذف والغيبة فإن بلغه قبل التوبة فيجب
الاستخلاص بطلب
الإبراء على أيّ وجه أمكن...».
وقال
الفاضل الاصفهاني في إبراء العبد الجاني: «وإن استحق القصاص تخيّر بينه وبين الاسترقاق كلًاّ أو بعضاً، فاذا أبرأه صحّ وانصرف إلى القصاص، فإنّه الذي يصحّ إبراؤه عنه وبقي له الاسترقاق».
وقال
السيد اليزدي : «يمين المنكر عند عدم البيّنة حقٌّ للمدعى عليه لا أن يكون حكماً شرعياً، وحينئذٍ فله إبراؤه منه».
إلى غير ذلك من الموارد التي سيمرّ عليك بعض منها في البحوث القادمة، وهذا توسّع في استعمال لفظ الإبراء.
وربما بحثه الفقهاء تحت عنوان عدم صحة إبراء ما لم يجب.
وقد اختلف الفقهاء فيه على اتجاهين:
اتجاه ذهب إلى الاشتراط المذكور، وهم جماعة كثيرة منهم
الشيخ الطوسي والعلّامة الحلّي وولده
فخر المحققين والمحقق الكركي والفاضل الهندي والمحقّق النجفي وآخرون، بل ادعى فخر المحققين اتفاق الفقهاء عليه.
وأرسل بعضهم الاستناد إليه في كثير من التطبيقات إرسال المسلّمات دون أن يأتي عليه بدليل.
وفي مقابل الاتجاه الأوّل أنكر بعض المتأخرين وكثير من المعاصرين الشرط المذكور أو شكّك فيه منهم
المقدّس الأردبيلي والشيخ الأنصاري والسيد الخوئي .
وإليك بعض كلمات الفقهاء:
قال الشيخ الطوسي في
المبسوط : «يجب على الجاني
دية ما بعد الاصبع، وهو أربع أصابع أربعون من
الابل ، ويكون الكف تبعاً للأصابع وسواء قال: عفوت عن عقلها وقودها وما يحدث فيها، أو لم يقل: وما يحدث منها؛ لأنّ الحادث هاهنا وجوب دية ما بعد الأصابع، فهو عفو وإبراء عمّا لم يجب فلا يصح العفو عنه» وقال فخر المحقّقين معلّقاً على قول والده العلّامة في العفو عن الجناية وعن شرائها: لو قال: عفوت عنها وعن شرائها صحّ العفو عنها، وفي صحته في السراية إشكال، وقيل: يصحّ عنها وعمّا يحدث عنها من الثلث-: «الأصح عندي انّه لا يصح؛ لأنّ الإبراء ازالة ما يثبت في الذمة، فلا يصح قبل الثبوت في الذمّة، ومن ثمّ اتفق الفقهاء على بطلان الإبراء عمّا ليس بثابت في الذمّة» وقال الأردبيلي: «استثنى في القواعد التلف بفعل الطبيب والكحّال إذا أخذ البراءة من البالغ العاقل وولي الطفل
والمجنون ؛ لما روي عن
علي عليه السلام من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من صاحبه، وإلّا فهو له ضامن...
الاستثناء غير بعيد، وإن لم تكن الرواية معلومة السند، بل وجودها في اصولنا، فتكون عامية؛ لأنّها مؤيدة للأصل والنص
والاجماع غير ظاهر في صورة البراءة... وأنّ الحق قد يكون متعلقاً بغير الذي أبرأ الذمة، لكن غير بعيد تجويزه هنا؛ للضرورة، وللرواية وعدم القطع على عدم حصول البراءة عمّا لم يجب...» وقال المحقّق النجفي: «الإسقاط كالإبراء إنّما يجدي في الحق الثابت في الذمّة مثلًا» وقال كذلك: «وكذا لو أبرأه من الضمان، ولكن فيه إشكال بعدم دليل صالح لقطع أصالة الضمان؛ ضرورة عدم ثبوت مال في الذمّة يكون مورداً للإبراء، فإنّ المراد...» وقال
الشيخ الأنصاري : «أمّا إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن، فالظاهر أيضاً جوازه، ولا يقدح عدم تحقق شرطه بناءً على كون ظهور الغبن شرطاً لحدوث الخيار؛ إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار وهو الغبن الواقعي وإن لم يعلم به، وهذا كافٍ في جواز إسقاط المسبب قبل حصول شرطه كإبراء المالك الودعي المفرط عن الضمان، وكبراءة البائع من العيوب الراجعة إلى إسقاط الحقّ المسبب عن وجودها قبل العلم بها، ولا يقدح في المقام أيضاً كونه إسقاطاً لما لم يتحقق؛ إذ لا مانع من ذلك إلّا التعليق... وهو غير قادح هنا...» وقال السيّد الخوئي: «ولكنه لا دليل على عدم جواز إسقاط ما لم يجب؛ فانّه بلا دليل... وبالجملة فلا دليل على بطلان إسقاط ما لم يجب بوجه».
وربما تمسك أصحاب الاتجاه الأوّل في بعض التطبيقات ببعض الأدلّة كعدم الدليل على صحة الإبراء المذكور والأصل بقاء اشتغال الذمّة بعد وقوعه، أو إنّ القول بصحته يقتضي تقدم المسبب على سببه، وهو مستحيل.
وأمّا أصحاب الاتجاه الثاني فحجتهم فيه المطلقات الدالّة على صحة الإبراء وعدم الدليل على المنع منه، مضافاً إلى بعض الأدلّة الخاصّة الواردة في المقام كما ورد عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، وإلّا فهو له ضامن».
وقد يقال: بأنّ مهم المدرك على المشروعية والصحة إنّما هو سيرة العقلاء وبناؤهم؛ إذ لا توجد عمومات لفظية واضحة الدلالة والروايات الخاصّة لا يمكن استفادة
الاطلاق منها، وعندئذٍ يقال بأنّ المرتكز عند العقلاء في
الإبراء إنّما هو إسقاط حقّ ثابت بالفعل، وأمّا ما لا ثبوت له بالفعل فلا معنى لدى العقلاء لاسقاطه إلّا بنحو
الإسقاط المشروط والمعلّق على حصول الحقّ وثبوته، والذي هو أيضاً خلاف شرطية التنجيز في العقود والإيقاعات، فالاسقاط والإبراء لما لم يثبت بعد وإن كان متصوراً ومعقولًا ثبوتاً إلّا أنّه غير عقلائي
إثباتاً .
قال السيّد
الإمام الخميني في الإبراء عن الدين قبل الاستدانة: «إنّه غير جائز لا لامتناعه عقلًا، بل لعدم عقلائيته والأسباب العقلائية تابعة لاعتبار العقلاء».
وأمّا الرواية الواردة عن
علي عليه السلام فهي في موردٍ خاصّ، فلا يمكن تصحيح إبراء ما لم يجب مطلقاً استناداً إليها. ومن هنا فقد يُخرّج مورد الرواية وبعض التطبيقات الاخرى باقتضاء الضرورة لها،
أو المناقشة فيها صغروياً بالقول بأنّ ثبوت سبب الحق ثبوت له بوجه،
أو بأنّ مورد الرواية ليس من الإبراء وإن عبّر به بل هو بحسب الحقيقة من الاذن في إتلاف العضو مجّاناً وبلا ضمان، حيث إنّ الولي مالك بالملكية الواقعية أو الاعتبارية لنفسه أو لدابّته، فله الإذن في علاجه الموجب للتلف احتمالًا كما لو أذن له بأكل ماله.
وهذا ما سيأتي مزيد بحث فيه.
والظاهر من تتبع استناد الفقهاء إلى قاعدة بطلان ما لم يجب في التطبيقات الكثيرة في أبواب الفقه المختلفة توجب القطع بأنّهم أخذوها مأخذ الامور الارتكازية الواضحة لكل متأمّل، وأنّ الإبراء عمّا لم يجب لا يعدو أن يكون إبراءً مشروطاً أو شرطاً ابتدائياً ووعداً محضاً لا يجب الوفاء به كما أشار إليه
المحقّق النجفي .
وربما فرّع على القاعدة المذكورة عدم صحة
الإبراء عمّا يتوقف ثبوته على طريق ظاهري معيّن كحكم الحاكم في الدعاوى، قال
الشيخ الطوسي : «فإن ادّعى جناية عمد وأقام شاهداً وامرأتين، ثمّ قال:
عفوت عن هذه الجناية لم يصحّ؛ لأنّه عفا عمّا لم يثبت».
وخالفه في ذلك جملة ممن جاءوا بعده:
قال المحقق الحلّي: «وفيه اشكال؛ إذ العفو لا يتوقف على ثبوت الحق عند الحاكم».
وقال الشهيد الثاني: «... ولا يخفى ضعفه؛ لأنّ العفو عن الحق يوجب سقوطه فيما بينه وبين اللَّه تعالى وإن لم يثبت الحق عند الحاكم كما لو عفا مدّعي القتل عمداً من غير أن يقيم البيّنة... لوجود المقتضي لصحته، وهو الصيغة الدالّة عليه وانتفاء المانع؛ إذ ليس (المانع) إلّا عدم ثبوته عند الحاكم. وهو غير صالح للمانعية؛ لأنّ فائدة العفو إسقاط الحق بحيث تبقى ذمّة المعفوّ عنه خالية من الحق، ولا مدخل للحاكم في ذلك. وكذا القول في غير القصاص من الحقوق، والإبراء منها في معنى
العفو عنها».
وقال
المحقق النجفي : «وفيه إشكال ظاهر؛ إذ العفو لا يتوقف على ثبوت الحق عند الحاكم؛ لإطلاق دليله المقتضي للسقوط بصدور صيغته من صاحب الحق وإن لم يثبته عند الحاكم، بل وإن لم يعلم به على إشكال فيه يظهر من بعض النصوص... والإبراء من الدية بحكم العفو، كما أنّ غير القصاص من الحقوق التي تسقط بالاسقاط مثله في ذلك».
ذكر الفقهاء هذا الشرط في جملة من تطبيقاتهم:
منها: إبراء الراهن الجاني على العبد المرهون من الأرش إذا جنى عليه جناية توجب الأرش، باعتبار تعلّق حق المرتهن به، وكذا إبراء المرتهن له باعتبار أنّه ملك الراهن.
ومنها: إبراء المجنيّ عليه المفلّس الجاني عن حقّه في الجناية لتعلّق حق الغرماء به.
ومنها: إبراء الجاني على العبد الموقوف على جماعة باعتبار مشاركة البطون اللاحقة في حقها في الجناية.
ومنها: إبراء المولى
زوج الأمة المزوّجة من
النفقة ؛ فإنّ لها حقّ التوثق منها.
ومنها: قبض المفلّس أقل من حقّه الذي على الغير؛ فإنّ حق الغرماء متعلّق به.
ومنها: إبراء الموصى له العبد المكاتب عن مال الكتابة؛ فإنّه لا يصح في وجه، لتعلّق حقّ الورثة بالرقبة.
والوجه في اشتراط هذا الشرط في أمثال هذه التطبيقات واضح، حيث إنّ تعلّق حقّ الغير الثابت مانعيّته عن صحة التصرف بمقتضى دليله يكون مانعاً لا محالة عن نفوذ الإبراء.
نقل
العلّامة الحلّي في المختلف عن
ابن الجنيد اشتراط أن يكون المبرأ منه معلوماً، فلا يصحّ الإبراء عن المجهول عنده، ويظهر من بعض كتب الشيخ الطوسي اختياره.
قال العلّامة الحلّي في حكاية قول ابن الجنيد: «قال ابن الجنيد: فإن لم يكن (المهر) معيّناً أو ما لا يجوز أن يكون صداقاً لم تصحّ الهبة ولا البراءة».
وقال
الشيخ الطوسي في
الخلاف : «إذا وجب لها مهر المثل فأبرأته عنه، فإن كانت عالمة بمقداره صحّ
الإبراء ، وإن لم تكن عالمة به لم يصح، وكذلك
ضمان المجهول لا يصحّ...».
لكن الشيخ الطوسي عكس في
المبسوط فاختار صحّة الإبراء من المجهول، حيث قال في إبراء الزوجة زوجها عن مهر المثل إذا لم تعرف قدره:
«وإن أبرأته عن مهر المثل الواجب بالعقد، نظرت، فإن كانت تعرف قدره ومبلغه فالبراءة صحيحة؛ لأنّها براءة عن أمر واجب معلوم، وإن كانت جاهلة بقدر مهر المثل فالبراءة باطلة. وهكذا إذا كان له على رجل مال مجهول فضمنه عنه ضامن كان الضمان باطلًا، فضمان المجهول باطل والبراءة عن المجهول باطلة، فلا يصح ضمان المجهول، ولا الإبراء عنه، وقال قوم يصحّان معاً، وهو الذي يقوى في نفسي».
وقال في إبراء من كان له مائة درهم عند رجل وهو لا يعلم بها: «لم يصح عند من لا يجيز الإبراء عن المجهول... وعلى ما اخترناه يصحّ».
وقال في موضع آخر منه: «
إسقاط الحق يصحّ في المجهول والمعلوم».
واختاره سائر من جاء بعده وإليك بعض كلماتهم:
قال المحقق الحلّي: «لو تزوجها على مال مشار إليه غير معلوم الوزن فتلف قبل قبضه فأبرأته منه صحّ. وكذا لو تزوجها بمهر فاسد واستقر لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صحّ ولو لم تعلم كميته؛ لأنّه إسقاط للحق، فلم يقدح فيه الجهالة»، وقال العلّامة الحلّي: «وتصح البراءة من المجهول إذا لم يكن طريق إلى معرفته»، وقال المحقق الكركي في شرح قول العلّامة: وتصح البراءة من المجهول-: «لأنّ البراءة إسقاط، فلا تنافيها الجهالة، خلافاً
للشافعي »، وقال الشهيد الثاني: «المشهور بين أصحابنا جواز الإبراء من المجهول؛ لأنّه إسقاط ما في الذمّة لا معاوضة، فلا يعتبر فيه ما يعتبر فيها من المعاينة، ومثله هبة المجهول...»، وقال أيضاً: «لو تزوجها على مهر غير معلوم القدر مع كونه مشاهداً ليصح جعله مهراً فتلف قبل قبضه فلا وسيلة إلى التخلص منه إلّا
بالصلح أو الإبراء منه إن اختارته، فعلى المختار من جواز الإبراء من المجهول يصحّ هنا...»، وقال الفاضل الهندي: «لو كان المهر مشاهداً غير معلوم الوزن أو غيره مما يعتبر به من العدد والكيل والذرع فتلف قبل قبضه فأبرأته، أو تزوجها بمهر فاسد فأبرأته من مهر المثل أو بعضه صحّ وإن لم يعلما الكمية»، وقال السبزواري: «المشهور بين أصحابنا جواز الإبراء من المجهول؛ لأنّه إسقاط حقّ لا معاوضة... لو تزوجها على مهر غير معلوم مع كونه مشاهداً فتلف قبل القبض فالطريق إلى التخلص منه الصلح أو الإبراء منه على القول بجواز الإبراء من المجهول... ولو تزوجها بمهر فاسد ودخل بها فاستقر لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صحّ...»، وقال
المحقّق النجفي : «لو تزوجها على مال مشار إليه غير معلوم الوزن أو غيره ممّا يعتبر فيه العدّ والكيل والذرع فتلف قبل قبضه فأبرأته منه صحّ؛ لعموم أدلّة الإبراء... ولو لم تعلم كميته؛ لأنّه إسقاط للحق، فلم يقدح فيه الجهالة التي لا دليل يعارض العمومات».
واستدلّ للقول بالاشتراط بأنّ صحّة إبراء المجهول يحتاج إلى الدليل، والأصل بقاء الحقّ في الذمّة، وإسقاطه يحتاج إلى دليل.
لكن عمومات مثل
أدلّة السلطنة وروايات صحّة الإبراء من الدَّين المتقدّمة بعد فرض عدم وجود مقيّد ومخصّص لها؛ لأنّ ما دلّ على قدح الجهالة إنّما هو الغرر ونحوه، وذلك على تقدير ثبوته فمخصوص بالبيع أو المعاوضات، ولا يجري في الإبراء والإسقاط، كما هو واضح. وكذلك فحوى أدلّة الصلح على المجهول، مضافاً إلى الارتكاز الذهني للعقلاء مع عدم ردع الشارع ومنعه عنه تصلح أن تكون دليلًا على جواز الإبراء فيه، ومع قيام الدليل على ذلك لا يبقى مجال لجريان الأصل المذكور.
ومن هنا قال
العلّامة الحلّي في الاستدلال للصحّة: «والوجه عندي جواز الإبراء والضمان معاً؛ لأنّ الإبراء إسقاط للحق، فلا تؤثر فيه الجهالة؛
للإجماع على صحّة الصلح على المجهول، فإذا صحّ وهو يتضمن الإبراء بعوض كانت صحته مع عدم العوض أولى...».
لكن بعض القائلين بجواز الإبراء من المجهول استثنى ما إذا كان الحق معلوماً للمدين، وخشي من عدم الإبراء لو أظهره للدائن فانّه لا يصح.
إلّا أنّ الوجه في ذلك ليس قدح الجهالة في صحّة الإبراء، بل من جهة أنّه في هذه الحالة لا يُحرز رضى الدائن بالإبراء إذا علم مقداره وكثرته، وهذا واضح.
قال العلّامة الحلّي: «ولو علمه المديون وخشي من عدم الإبراء لو أظهره لم يصح الإبراء».
وقال المحقق الكركي في التعليق على هذه العبارة: «لعدم العلم بالقصد إلى إسقاط ما في الذمّة، والأصل البقاء».
وقال أيضاً- في التعليق على قول العلّامة-: ويصح الإبراء من المجهول: «لأنّه مبني على
الغبن ؛ إذ هو إسقاط للحق، نعم لا بدّ من قصده إلى الإبراء من المجموع قليلًا كان أو كثيراً، فلو ظن قلّته فبان كثيراً لم يقع، وعلى هذا لو عرف من عليه الحق قدره عرّفه صاحبه، فإن لم يفعل وأبرأه منه كائناً ما كان فانّه يبرأ، وإلّا ففيه تردّد».
وقال أيضاً في موضع آخر: «لو قال زيد لعمرو: لك في ذمتي شيء أبرئني منه فأبرأه، ثمّ قال زيد: هو خمسون درهماً مثلًا، فقال عمرو: لو كنت أعلم انّه هذا المقدار ما أبرأتك، هل يبطل الإبراء فيجب عليه الدفع أم لا؟ وكذا القول في الصلح والهبة؟ الجواب: لا يصح شيء من ذلك والحال ما ذكر».
وقال
المحقّق السبزواري : «المشهور بين أصحابنا جواز الإبراء من المجهول...
لكن بشرط كون الحقّ مجهولًا للمستحق ولمن عليه، فلو كان من عليه الحق عالماً بقدره والمستحق غير عالم بحيث لو علم منه ما يعلمه المديون لما أبرأه لم يصحّ».
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۳۳۳-۳۵۳.