الإفطار (مسوغات الإفطار)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من وجب عليه
الصوم لا يسوغ له
الإفطار إلّا في موارد- على نحو
الرخصة أو على نحو
العزيمة - فلنذكرها.
يجب على
المسافر الإفطار ولا يصحّ منه
الصوم ولا يجوز له سواء كان في شهر
رمضان أو في غيره وكان الصوم
واجباً ، إلّا إذا كان قد قصد إقامة عشرة أيّام بشروطها، إلّا ما استثني كصوم ثلاثة أيّام بدل
الهدي في
الحجّ .
وقد استدلّ عليه
بالنصوص المستفيضة
التي يمكن دعوى
تواترها :
منها: قول
أبي الحسن عليه السلام في
خبر صفوان بن يحيى : «ليس من
البرّ الصوم في
السفر ».
ومنها: قول
الإمام الصادق عليه السلام في خبر
الساباطي : «إذا سافر فليفطر؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر،
فريضة كان أو غيره، والصوم في السفر
معصية ».
ومنها: ما رواه
سماعة ، قال: سألته عن الصيام في السفر؟ فقال: «لا صيام في السفر، قد صام اناس على عهد
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فسمّاهم العصاة، فلا صيام في السفر إلّا الثلاثة الأيّام التي قال اللَّه عزّوجلّ في الحجّ».
إذا عرض للإنسان
مرض وكان الصوم يزيد في مرضه زيادة بيّنة أو يوجب بطء برئه أو حدوث مرض آخر أو حصول
مشقّة لا تتحمّل عادة ونحو ذلك وجب عليه الإفطار.
وقد استدلّ عليه بالروايات:
منها: رواية سماعة، قال: سألته ما حدّ المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر «فَمَن كَانَ مِنْكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ»
؟ قال: «هو مؤتمن عليه، مفوّض إليه، فإن وجد
ضعفاً فليفطر، وإن وجد
قوّة فليصمه كان المرض ما كان».
ومنها: رواية
ابن اذينة ، قال: كتبت إلى
أبي عبد اللَّه عليه السلام، أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه؟ والمرض الذي يدع صاحبه
الصلاة من قيام؟ قال: ««بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ»
»، وقال: «ذلك إليه هو أعلم بنفسه».
ثمّ إنّه هل يعتبر حصول
الظنّ بالضرر في المرض الموجب للإفطار أو أنّه يكفي مجرّد
الاحتمال ولو لم يصل إلى مرتبة الظنّ؟
نسب إلى الأكثر القول بكفاية مجرّد احتمال الضرر بالصوم نظراً إلى تعليق
الحكم بالإفطار على
الخوف في كلامهم، بل قيل: لعلّه المراد من الظنّ في بعض العبارات،
كما في عبارة
المحقّق الحلّي حيث قال: «المريض مع ظنّ الضرر بالصوم يلزمه الإفطار سواء ظنّ ذلك
لأمارة أو
لتجربة أو لقول عارف... ولو صام لم يجز؛ لأنّه أتى بما لم يؤمر به بل بما نهي عنه فلا يكون
مجزياً لما وجب عليه».
إذا حصل للمرأة
الحيض أو
النفاس وجب الإفطار، حتى إذا حصل ذلك قبل
الغروب - ولو بلحظة- أو انقطع بعد
الفجر ولا يصحّ منها الصوم بحال.
واستدلّ عليه
بالروايات :
منها: ما رواه
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن امرأة أصبحت صائمة، فلمّا ارتفع النهار أو كان العشي حاضت، أتفطر؟ قال: «نعم، وإن كان وقت المغرب فلتفطر»، قال: وسألته عن امرأة رأت
الطهر في أوّل النهار من شهر رمضان فتغتسل ولم تطعم، فما تصنع في ذلك اليوم؟ قال: «تفطر ذلك اليوم، فإنّما فطرها من الدم».
وغيرها من الروايات الدالّة على أنّها إذا طمثت في حال الصوم ولو قرب الغروب أو عقيب الفجر وجب عليها الإفطار».
ويدلّ على
بطلان صوم النفساء ووجوب إفطارها- أيضاً- بعض الروايات، كخبر
عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة تلد بعد العصر، أتتمّ ذلك اليوم أم تفطر؟ قال: «تفطر وتقضي ذلك اليوم».
ثمّ إنّ الفقهاء ذكروا أنّ ذات العادة تترك الصوم برؤية الدم في أيّامها
إجماعاً .
قال المحقّق الحلّي: «وتترك ذات العادة الصلاة والصوم
برؤية الدم في أيّامها، وهو مذهب أهل العلم؛ لأنّ المعتاد كالمتيقّن...».
وأمّا
المضطربة والمبتدأة فهل تترك
الصوم بمجرّد الرؤية؟ فيه قولان:
الأوّل:
الترك ، وهو مختار
الشيخ الطوسي حيث قال: «أوّل ما ترى المرأة الدم ينبغي أن تمتنع من الصوم والصلاة».
الثاني: عدم الترك، وهو مختار
السيد المرتضى حيث قال: «
والجارية التي يبتدئ بها الحيض ولا عادة لها لا تترك الصلاة حتى تستمرّ لها ثلاثة أيّام».
وقد اختاره المحقّق الحلّي؛ نظراً إلى أنّ مقتضى الدليل لزوم
العبادة حتى يتيقّن المسقط، ولا يقين قبل
استمراره ثلاثة.
يسقط وجوب الصوم عن الشيخ الكبير
والعجوزة الكبيرة إذا عجزا عن الصيام مطلقاً، سواء عجزا عنه بالكلّية أو كانا يطيقانه بمشقّة شديدة؛
نظراً إلى عموم دليل نفي
الحرج (وهو قوله تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْحَرَجٍ».)،
والروايات المستفيضة، كخبر
محمد بن مسلم ، قال: سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول: «الشيخ الكبير والذي به
العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر
رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم
بمدّ من
طعام ، ولا
قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما».
ونحوه غيره.
وهناك كلام في وجوب
الفدية عليهما وعدمه تفصيله في محلّه.
من به
داء العطاش (العطاش- بالضمّ-: داء يصيب الإنسان يشرب الماءفلا يروى.)
يفطر في شهر رمضان، سواء كان بحيث لا يقدر على
الصبر ، أو كان فيه مشقّة،
وقد ادّعي عليه
الإجماع .
وأمّا لو غلبه العطش لا
لمرض ، فإن كان بحيث ينفي القدرة على الصيام أو يوجب
خوف الهلاك يفطر ويقضي؛
لرواية
المفضل بن عمر ، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ لنا فتيات وشبّاناً لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش، قال: «فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم وما يحذرون».
وفي موثّقة
الساباطي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه، قال: «يشرب بقدر ما يمسك رمقه، ولا يشرب حتى يروى».
ولو انتفى الوصفان لا يجوز الإفطار ولو تضمّن المشقّة الشديدة؛ لأنّ بناء الصوم على تحمّل
الجوع والعطش.
عدم الصوم
عزيمة أو
رخصة :
ثمّ إنّه بعد الفراغ عن سقوط وجوب الصوم عن هؤلاء الأشخاص يقع الكلام في أنّ هذا السقوط هل هو بنحو العزيمة بمعنى وجوب الإفطار على هؤلاء وعدم صحّة الصوم منهم، أو أنّه بنحو الترخيص بمعنى
جواز الإفطار، فيصحّ منهم الصوم لو تكلّفوا وصاموا؟
الذي يظهر من
المحدث البحراني الثاني، فإنّه قال- في مقام
الاستدلال بقوله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ»
على وجوب
الفدية على هؤلاء إن تمكّنوا من
الصيام مع
المشقة -: «فالآية دلّت على أنّ الذين يطيقون الصوم كالشيخ
والشيخة وذي العطاش- يعني من يكون الصوم على قدر
طاقتهم ويكونون معه على مشقّة
وعسر - لم يكلّفهم اللَّه تعالى حتماً، بل خيّرهم بينه وبين الفدية توسعة لهم، ثمّ جعل الصوم خيراً لهم من الفدية في
الأجر والثواب إذا اختاروه كما قال في
مجمع البيان قوله: «وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُمْ»،
يعني من
الإفطار والفدية».
ونوقش فيه بأنّ
الآية - مضافاً إلى ما ورد في تفسيرها بمن مرض في شهر رمضان فأفطر، ثمّ صحّ فلم يقض ما فاته حتى جاء رمضان، فعليه أن يقضي ويتصدّق لكلّ يوم بمدّ من طعام- يمكن حملها على استقلال قوله: «وَأَن تَصُومُوا» عن الأوّل، أو أنّ المراد كونه خيراً في نفسه.
ونوقش فيه- أيضاً- بأنّ قوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ• أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنْكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»
تضمّن تقسيم
المكلّفين إلى أقسام ثلاثة:
فمنهم من يتعيّن عليه الصيام
أداءً ، وهم الأفراد العاديّون من الحاضرين الأصحّاء حيث إنّ التعبير ب (كُتب) أو (فليصمه) - في ذيل الآية اللاحقة- ظاهر في
الوجوب التعييني .
ومنهم من يتعيّن عليه
القضاء ، وهو
المريض والمسافر .
ومنهم من لا يجب عليه الصوم رأساً لا أداءً ولا قضاءً، بل يتعيّن في حقّه
الفداء وهم الذين يقعون من أجل الصوم في
الإطاقة ، أي في
كلفة ومشقّة كالشيخ والشيخة.
ثمّ أشار بقوله تعالى: «وَمَن تَطَوَّعَ» إلى أنّ ما ذكر من الأقسام الثلاثة إنّما هو حكم الصوم الواجب، وأمّا
التطوّع فهو خير للمتطوّع، ثمّ أكّد سبحانه ما بيّنه من الصوم في القسمين الأوّلين بقوله تعالى: «وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم»، أي أنّ نفعه عائد إليكم لا إليه سبحانه الذي هو غنيّ على الإطلاق.
وبناءً على هذا فحمل هذه الجملة: «وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم» على التخيير بين الصوم والفداء خلاف الظاهر، فإنّ في
العدول من الخطاب في قوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ» إلى الغيبة في قوله سبحانه: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» دلالة واضحة على أنّ المراد من المعدول إليه طائفة اخرى غير المخاطبين بالصيام، المنقسمين إلى صحيح حاضر ومريض أو مسافر، وأنّ الصوم وظيفة لغير هؤلاء، وعليه فالعود ثانياً إلى الخطاب في قوله تعالى: «وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم» كاشف عن رجوع هذه الفقرة إلى من خوطب به أوّلًا، وكونه من متمّمات الخطاب السابق، وكأنّه أشار بذلك إلى أنّ التكليف بالصيام- أداءً أو قضاءً- يعود نفعه وفائدته إليكم لا إليه سبحانه، فيكون تأكيداً للخطاب السابق ومن ملحقاته، ولا علاقة ولا ارتباط لها بالجملة الغيابيّة المتخلّلة ما بين الخطابين لتدلّ على الترخيص وجواز الصيام، فضلًا عن أفضليّته.
فالتكليف بالفداء في قوله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» ظاهر في الوجوب التعييني، فلا يصحّ الصوم من هؤلاء بتاتاً، كما أنّ الروايات الواردة في المقام ظاهرة في أنّ
الصدقة واجب تعييني لا
تخييري ،
كصحيحتي
محمد بن مسلم وعبد اللَّه بن سنان ،
ورواية عبد الملك ابن عتبة الهاشمي .
وصرّح
المحقق النجفي بأنّ سقوط الصوم عن هؤلاء يكون بنحو العزيمة؛ لأنّ نفي
الحرج ونحوه ممّا يقضي برفع
التكليف ، مضافاً إلى لفظ الوضع ونحوه في
خبر الكرخي ،
سيّما مع عدم ظهور خلاف فيه من أحد من
الفقهاء .
ثمّ إنّه لو تمكّن هؤلاء من القضاء فهل يجب ذلك أو لا؟ تفصيله في محلّه.
الحامل المقرب التي يضرّها أو حملها الصوم تفطر، وكذا
المرضعة القليلة
اللبن إن أضرّ بها أو بولدها الصوم.
قال
العلّامة الحلّي : «الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء بلا خلاف بين علماء
الإسلام ... ولو خافتا على الولد من الصوم أفطرتا
إجماعاً ؛ لأنّه
ضرر على ذي نفس آدمي محترم فأشبه الصائم نفسه».
واستدلّ على ذلك- مضافاً إلى دعوى نفي الخلاف، بل الإجماع وعموم أدلّة نفي الحرج والضرار
- بصحيحة محمّد ابن مسلم، قال: سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول: «الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان؛ لأنّهما لا يطيقان الصوم».
وقد صرّح بعض الفقهاء بأنّ
إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الامّ وغيرها، ولا بين المتبرّعة
والمستأجرة إذا لم يقم غيرها مقامها، أمّا لو قام غيرها مقامها بحيث لا يحصل على الطفل ضرر فالأجود عدم
جواز الإفطار؛
لانتفاء الضرورة المسوّغة له.
وأمّا
وجوب القضاء عليهما فتفصيله موكول إلى محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۳۲۲-۳۲۹.