الاستبانة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي
الوضوح و طريق وجداني من طرق
الإثبات الأحكام.
الاستبانة- لغة-
الظهور والوضوح ، من استبان الشيء ظهر ووضح، واستبنت الشيء إذا تأمّلته حتى يتبيّن لك، واستبان الشيء استوضحه وعرفه.
ولا يتعدّى
استعمال الفقهاء المعنى اللغوي .
من معاني
التبيّن الظهور، يقال: تبيّن الشيء: ظهر، وتبيّنته أنا، وقالوا: بان الشيء واستبان وتبيّن وأبان وبيّن، بمعنى واحد، وكذا من معانيه
التثبّت في
الأمر والتأنّي فيه.
ويستعمل في الفقه بنفس المعنيين المذكورين كقولهم: إذا تناول
الصائم المفطر ثمّ تبيّن
طلوع الفجر ، وقولهم: إذا شهد عنده شاهدان ثمّ تبيّن فسقهما ونحو ذلك، إلّا أنّ الأوّل أكثر استعمالًا من الثاني، وعلى كلّ حال هو بالمعنى الأوّل نفس الاستبانة ويشترك معهما البيان يقال: بان الشيء بياناً: اتّضح، فهو بيّن، بل هما منه، بل وكذا بالمعنى الثاني إذ المراد
التربّث حتى يستبين الأمر ويتّضح بل قد يراد منه طلب الاستبانة
والاستيضاح .
وهي لغة الدلالة
والحجة الواضحة ، عقلية كانت أو محسوسة.
وفي
الاصطلاح :
الشهادة ،
والفرق بينها وبين الاستبانة هو أنّ الاستبانة اتّضاح الأمر
وجداناً مهما كان منشأ ذلك، بينما البيّنة ما به يبيّن ويثبت الشيء ظاهراً وتعبّداً وإن خالف
الواقع .
الاستبانة طريق وجداني من طرق إثبات
الأحكام والموضوعات الخارجية ،
كالنجاسة والطهارة والعدالة والفسق وغير ذلك، وهذا واضح؛ لحجّية
العلم الوجداني ، وصرّحت به
رواية مسعدة بن صدقة عن
أبي عبد الله عليه السلام: «... والأشياء كلّها على هذا ( الحلّ) حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة».
فبالاستبانة يحصل العلم الوجداني الذي لا كلام في ثبوت الموضوعات به، كما لا كلام في ثبوتها بالبيّنة التي هي
حجّة شرعيّة . وإنّما
الكلام لدى الفقهاء في ثبوتها بغيرهما،
كالظنّ ،
وخبر العدل ، وغير ذلك.ثمّ هم يصرّحون في هذا السياق بأنّ المراد بالاستبانة العلم الوجداني في مقابل البيّنة التي هي حجّة شرعية.
قال
الإمام الخميني : «المراد بالاستبانة
المقابلة للبيّنة إن كان خصوص العلم الوجداني، فاختصاصهما بالذكر لكونهما أوضح مصاديق ما يثبت به الموضوع...
وإن كان المراد بها مطلق
الأمارات والاصول المحرزة فاختصاص البينة بالذكر لكونها أوضح مصاديق ما جعله
الشارع حجّة ».
وقال
السيد الخوئي في سياقٍ ما معلّقاً على رواية مسعدة المذكورة: «إنّ المراد بالبينة هي مطلق الحجة الشرعيّة في قبال الاستبانة التي هي بمعنى الوضوح بالعلم الوجداني».
ونحو ذلك في موضع آخر.
مشهور الفقهاء
على انفعال
الماء القليل بالنجاسة، من غير فرق بين قليلها وكثيرها، حتى غير الظاهر البيّن القابل للرؤية منها، فضلًا عن تغيّر الأوصاف وعدمه. لكن ذهب
الشيخ إلى العفو عمّا يكون مثل رءوس
الإبر التي لا تحسّ ولا تدرك.قال في
المبسوط : «وذلك (الماء القليل) ينجس بكلّ نجاسة تحصل فيها، قليلة كانت النجاسة أو كثيرة، تغيّرت أوصافها أو لم تتغيّر، إلّا ما لا يمكن
التحرّز منه- مثل رءوس الإبر من
الدم وغيره- فإنّه معفوّ عنه؛ لأنّه لا يمكن التحرّز منه».
ويظهر من بعضهم الميل إليه؛
ولعلّ
مستنده صحيحة علي بن جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل
رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطراً صغاراً فأصاب
إناءه هل يصلح له
الوضوء منه؟
فقال: «إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئاً بيّناً فلا تتوضّأ منه».
قال الشيخ في
الاستبصار بعد ذكر هذه الرواية: «فالوجه في هذا
الخبر أن نحمله على أنّه إذا كان ذلك الدم مثل رأس الإبرة التي لا تحسّ ولا تدرك فإنّ مثل ذلك معفوّ عنه».
إلّا أنّ المشهور- كما عرفت- القول بنجاسة الماء بذلك؛ لأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فينجس.
وأمّا الرواية فليست
صريحة ؛ إذ يمكن حملها على
الشكّ في
إصابة الماء مع
اليقين بإصابة الإناء، كما هو ظاهر الرواية، فيكون
التعبير بالاستبانة وعدمها بمعنى تحقق وصول الدم إلى الماء وعدمه.
ومن
الإيرادات على الشيخ أنّ مورد الرواية دم
الأنف فالتعميم إلى غيره لا يخلو عن إشكال، وأشكل منه
إلحاقه في المبسوط كلّ ما لا يستبين من النجاسة.
المراد من استبانة
الحمل ظهوره، وقد يترتّب على ذلك
حكم تكليفي أو
وضعي ، وموارد التعرض لذلك في الفقه كالتالي:
اختلفت الروايات ظاهراً، وتبعاً لذلك اختلفت الأقوال في
اجتماع الحيض مع الحمل بين نافٍ، ومثبت، ومفصّل.
ومن الأقوال التفصيل بين استبانة الحمل وعدمها، فلا تحيض في الأوّل وتحيض في الثاني. ذهب إليه الشيخ
والحلّي ،
ومال إليه
المحقق في
المعتبر ،
وقوّاه صاحب
المدارك .
ثمّ إنّ الذي يظهر من الشيخ في
الاستبصار أنّ استبانة الحمل تحصل بتأخّر الحيض عن العادة عشرين يوماً،
إلّا أنّ المصرّح به في بعض الروايات أنّه يستبين في ثلاثة أشهر.
من ذلك رواية
محمّد بن حكيم عن
العبد الصالح عليه السلام، حيث جاء فيها:
«... رفع
الطمث ضربان: إمّا فساد من
حيضة ، فقد حلّ لها
الأزواج وليس بحامل، وإمّا حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر؛ لأنّ اللَّه عزّ وجلّ قد جعله وقتاً يستبين فيه الحمل».
وكذا الروايات الدالّة على أنّ الحيض حبسه اللَّه سبحانه غذاءً للولد.
فإنّه يتحقّق فيما إذا استبان
الولد وتحرّك في
بطن امّه على نحو يكون قابلًا
من شروط صحة
الطلاق أن تكون
الزوجة مستبرأة من
المواقعة بما جعله الشارع طريقاً إلى ذلك من الحيضة أو المدّة بالنسبة للغائب عنها زوجها والمسترابة. فلو طلّقها في طهر واقعها فيه لم يقع الطلاق، لكن يستثنى من ذلك
اليائسة ، ومن لم تبلغ المحيض، والحامل. وفي طلاق الحامل وقع الكلام في أنّه هل يشترط في صحة طلاقها حينئذٍ استبانة الحمل، أم يكفي مصادفة الواقع؟
أم يقال بالحرمة التكليفيّة مع عدم الاستبانة دون الوضعيّة، بمعنى أنّه يحرم عليه
إيقاع الطلاق قبل الاستبانة لكن لو فعل فبان حصول الحمل صحّ.
ثمّ إنّ الاستبانة بمعنى ظهور الحال
وانكشاف الواقع وردت في
الفقه في موارد اخرى، كما في مسألة ما لو زوّج شخصان أو أكثر
امرأة كلّ واحد منهم برجل
وجهل السابق أو علم ونسي، فهل يتوقّف
النكاح حتى يستبين الأمر، أم يصار إلى
القرعة أم يؤمر كلّ منهما بالطلاق، أم يفسخ
الحاكم النكاح دفعاً للضرر عن المرأة.
وكذا مسألة المشهور بالفسق إذا تاب هل تقبل شهادته، أم لا تقبل حتى يستبان استمراره على
الصلاح .
ومسألة جواز وعدم جواز هجاء المبدعين في
الدين بما ليس فيهم وبهتهم، فإنّه قد يصح ذلك، كما إذا اقتضت المصلحة لاستبانة شئونهم لضعفاء
المؤمنين حتى لا يغترّوا بآرائهم الخبيثة وأغراضهم المرجفة.
وغير ذلك ممّا يعبّر عنه بتعبيرات اخرى، كالمعرفة، والتبيّن،
والاتّضاح ، وما إلى ذلك.
الموسوعة الفقهية ج۱۰، ص۳۴۲-۳۴۶.