الاستعانة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي طلب
العون والفقهاء يتوسعها في الموارد المختلفة.
الاستعانة: هي طلب
الإعانة ، يقال:استعنتُ بفلان فأعانني وعاونني.
بالرغم من عدم اختلاف معنى الاستعانة لدى
الفقهاء عن
معناها اللغوي إلّاأنّهم قد يتوسّعون في المراد منها بعض الموارد لتشمل
المعاونة غير
المسبوقة بطلب، فتعمّ حينئذٍ قبول الإعانة أو حصول العمل بواسطة انضمام إعانة الغير.
وهي
المساعدة على الشيء، وكلّ من قدّم الإعانة فهو عون،
فالإعانة أعمّ من الاستعانة؛ لأنّها قد لا تكون بطلب المعونة من الغير.
وهي طلب
الغوث الذي هو بمعنى النصرة والإعانة، لكنّها تكون
بالصياح والنداء ، وفي رفع الشدائد خاصّة.
وهي بمعنى
النيابة عن الغير في
القيام بعمل ما على وجه
الاستقلال أو
المشاركة .
وهي تفويض
الأمر إلى الغير
والاكتفاء به.
الاستخدام في اللغة اتّخاذ
الخادم أو طلب الخدمة من الغير، يقال: استخدمت فلاناً أي سألته أن يخدمني،
وعليه فإن كانت الخدمة في مقدّمات العمل فهي استعانة، وإن كانت في نفس العمل فهي
تولية .
يختلف حكم الاستعانة باختلاف الموارد، وكذا باختلاف المراد؛ إذ قد يراد منها الاستعانة باللَّه تعالى بمعنى طلب العون منه في امور
الدين والدنيا ، وقد يراد منها الاستعانة بغير اللَّه تعالى:
ينبغي
للإنسان أن يستعين باللَّه تعالى في جميع أموره؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا سألت فاسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعن باللَّه»،
فإنّ فيه
إرشاداً إلى التعلّق باللَّه في السؤال والاستعانة بحسب
الحقيقة فإنّ
الأسباب العادية سببيتها محدودة والأمور بيد اللَّه تعالى،
وفي قوله تعالى: «وإِيَّاكَ نَستَعِين»
تلقين
للمؤمن أن يظهر حاجته
وافتقاره إلى إعانة اللَّه تعالى في
عباداته وسائر أعماله.
لا بأس باستعانة الإنسان في
مقاصده بغير اللَّه تعالى من
المخلوقات أو الأفعال؛
فإنّ
الضرورة قاضية بجوازها،
والسيرة القطعيّة قائمة على العمل بها.
ولا منافاة بين الاستعانة به تعالى والاستعانة بغيره؛ لرجوع ذلك إلى الاستعانة به تعالى؛ إذ لا معين في الحقيقة إلّا اللَّه سبحانه.
هذا حكم الاستعانة في نفسها، ولكن قد يتغيّر حكمها بسبب طروّ عناوين أو ترتّب آثار اخرى عليها فتكون متعلّقاً لأحد الأحكام الخمسة، كما يتّضح ذلك من الموارد التالية:
صرّح جملة من الفقهاء بجواز الاستعانة بالمشركين في
قتال طائفة اخرى من
المشركين وأهل الحرب مع قلّة عدد
المسلمين وكون المعين مأمون
الضرر حسن
الرأي ووجود قوّة تمكن من
الدفاع لو صار أهل الشرك مع أهل الحرب لقتال المسلمين.
وكذا
للإمام أن يستعين
بأهل الذمّة في قتال أهل الحرب
والبغاة مع الضرورة
والأمن وحسن رأي المعين إن كان في الإمام قوّة تمكّنه من الدفاع لو عدل أهل الذمّة واجتمعوا مع أهل الحرب لقتال المؤمنين،
وخالف
الشيخ فمنع منه.
كما أنّ له الاستعانة بهم في حرب
الكفّار مع قلّة المسلمين وأمن ضررهم.
وفي حرب البغاة يجوز للإمام أن يستعين بطائفة من أهل البغي على طائفة اخرى إن كانت الاولى أقرب إلى الحقّ من الثانية.
تجوز الاستعانة
بالحاكم الظالم إذا توقّف
استنقاذ الحقّ أو
استيفاؤه عليها،
هذا أحد القولين في المسألة، والقول الآخر حرمة الاستعانة به والترافع إليه.
يستعين
الملتقط بالحاكم في
نفقة اللقيط، فإن تعذر فبالمسلمين، وإن تعذر أنفق عليه ورجع عليه بما أنفق بعد يساره إن كان قد نوى
الرجوع .
يحرم الرجوع إلى
الكاهن والعمل بقوله وترتيب الأثر عليه.
وكذا تحرم الاستعانة
بالسحر في الجملة؛
للإجماع،
بل
حرمته من
الضروريّات ،
خصوصاً مع ترتّب عنوان محرّم عليه.
وأمّا
الشعوذة فقد ألحقها بعض الفقهاء بالسحر،
وأنكر بعض
المحقّقين الدليل على حرمتها، فلا تكون محرّمة في نفسها إلّا إذا استلزمت أو اقترنت بمحرّم آخر.
وأمّا
التنجيم فالظاهر من كلمات الفقهاء أنّه من المحرّمات،
وقيّد بعض المحقّقين الحرمة بصورة اعتقاد الاستقلال في التأثير ونحوه.
تحرم الاستعانة
بالجنّ وتسخيره عند بعض الفقهاء،
وأنكر بعض المحقّقين ذلك
إلّافيما إذا ترتّب عليه عنوان محرّم من إيذاء إنسان ونحوه، أو كانت بعض مقدّماته محرّمة.
۱- الاستعانة في الطهارة:
المعروف
كراهة الاستعانة بالغير في
الوضوء اختياراً في المقدّمات القريبة،
كصبّ الماء في يد المتوضّئ؛
للنهي عنه
الظاهر في الكراهة أو
المحمول عليها.
ففي
رواية الحسن بن علي الوشاء قال:دخلت
على الرضا عليه السلام وبين يديه
ابريق يريد أن يتهيّأ منه
للصلاة فدنوت منه لأصبّ عليه فأبى ذلك وقال: «مه يا حسن» فقلت له: لم تنهاني أن أصبّ على يدك، تكره أن اوجر؟ قال: «تؤجر أنت واوزر أنا» فقلت له: فكيف ذلك؟ فقال:«أما سمعت اللَّه يقول: «فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً»
وها أنا ذا أتوضّأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد».
وأمّا الاستعانة به في المقدّمات البعيدة-
كإحضار الماء أو تسخينه ونحوهما- فلا بأس به.
وأطلق بعض الفقهاء كراهة الاستعانة من دون تفصيل بين
المقدّمات القريبة والبعيدة .
ونفى بعضهم الكراهة مطلقاً بدعوى عدم
الدليل عليها، بل الدليل قائم على
العدم .
وتوقف آخر.
ولو صبّ الغير الماء على
أعضائه وكان المتوضّئ هو
المباشر فقد ذكر بعض الفقهاء أنّه لا يخلو عن إشكال؛ لاحتمال فوات المباشرة المعتبرة، واستظهر صحّة الوضوء؛ لأنّ المراد من المباشرة الواجبة هي ما يصحّ معها نسبة الفعل
الواجب إلى المكلّف مستقلّاً وهي متحقّقة، وصبّ الماء لا ينافيه،
واحتاط بعضهم بتركها حتى في مثل
الفرض المذكور.
هذا كلّه مع
القدرة على الوضوء بلا استعانة. وأمّا مع الضرورة
والعجز عن الوضوء بدونها فإنّها تجوز بل تجب مع التمكّن منها، فلا ينتقل إلى
التيمّم .
وكذا
الكلام في
الغسل والتيمم.
۲-الاستعانة في الصلاة:
المعروف بين الفقهاء عدم جواز الاستعانة في القيام أو النهوض في الصلاة اختياراً،
وخالف في ذلك جماعة فاختاروا الكراهة.
وتجب الاستعانة عند العجز
اتّفاقاً .
۳-الاستعانة في الحجّ:
أمّا الاستعانة في أعمال
الحجّ فإن كانت في مقدّمات العمل ولوازمه فلا إشكال فيها، وإن كانت في نفس العمل وكان
مضطرّاً إليها عاجزاً عن العمل بدونها فتجوز أيضاً، بل تجب، كما إذا توقّف
طوافه بنفسه على أن يحمله آخر فيطوف به.
وإن لم يكن مضطرّاً إليها فلا يجوز أن يحمله آخر فيطوف به مع قدرته عليه بنفسه إذا كان ذلك مانعاً عن صدق
انتساب العمل إليه
وباختياره .
نعم، يجوز له الاستعانة بالمركب بنحو يكون هو
السائق له فيكون طوافاً وسعياً منه.
الموسوعة الفقهية ج۱۲، ص۴۷-۵۲.