الاعتراف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الإقرار بالذنب و
الذل ونقيض
الإنكار .
الاعتراف لغة:
الإقرار ، وأصله:
إظهار معرفة
الذنب ، وذلك ضدّ
الجحود ،
قال اللَّه تعالى: «فَاعْتَرَفُوا
بِذَنْبِهِمْ »،
وقال سبحانه: «فَاعْتَرَفْنا
بِذُنُوبِنَا ».
وقال
الخليل : «والاعتراف: الإقرار بالذنب».
ولا يخرج استعمال
الفقهاء للاعتراف عن معناه اللغوي.
وهو في
اللغة الاعتراف و
التسليم ، وفي
الاصطلاح إخبار الشخص بحقّ ثابت عليه للغير.
وقد يفرّق بينهما بأنّ الإقرار هو
التكلّم بالحقّ
اللازم على
النفس مع توطين النفس على
الانقياد و
الإذعان . ويشهد له قوله تعالى: «ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ».
أمّا الاعتراف فهو التكلّم بذلك وإن لم يكن معه
توطين . أو أنّ الاعتراف هو ما كان
باللسان، والإقرار قد يكون به، وبغيره، بل
بالقرائن، كما في حقّ
الأخرس . وينطبق على الوجهين تسمية
الشهادة بالتوحيد إقراراً، لا اعترافاً.
وأهل اللغة لم يفرّقوا بينهما.
استعمل الفقهاء لفظ الاعتراف في كثير من أبواب
الفقه بمعنى الإقرار الذي هو إخبار الشخص بثبوت حقّ للغير على نفسه؛ وذلك لأنّ الإقرار هو الاعتراف بالحقّ، بل في كثير من
المسائل الفقهية يرد لفظا: اعتراف وإقرار في
المسألة الواحدة.
والاعتراف بمعنى الإقرار
حجّة، وحجّيته ثابتة بالكتاب
والسنّة و
الإجماع .
و
التفصيل موكول إلى محلّه.
وعليه، سوف نأخذ
بالحسبان هنا ما يتّصل بالاعتراف من غير جهة الإقرار بما له من معنى فقهي مركوز في مجال
الحقوق .
وعليه يختلف حكم الاعتراف
تكليفاً بحسب
الوضع المعترَف به، ويمكن
الإشارة إليه ضمن الموارد التالية:
يجب على
العباد الاعتراف بفرائض اللَّه وسنن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وبما جاء به
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمن تركها
جاحداً عالماً بأنّ
إنكاره هذا يستلزم
تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو كافر، وإلّا فلا ملازمة بين الإنكار وبين
الكفر ، ومن هنا لا يحكم بكفر المخالفين في
الظاهر مع إنكارهم
الولاية .
وقد دلّت الآيات وروايات الفريقين على
اعتبار الأمور المذكورة في
الإسلام ، وحقن
الدماء ، وحفظ الأموال.
ففي موثّقة
سماعة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام :
«الإسلام
شهادة أن لا إله إلا اللَّه و
التصديق برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، به حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس».
وفي رواية
داود بن كثير الرقي عنه عليه السلام أيضاً: «أنّ اللَّه عزّوجلّ فرض
فرائض موجبات على العباد، فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً...».
(انظر: إسلام)
يجب على صاحب
الفراش الاعتراف بالولد كلّما أمكن
إلحاق الولد به عند
اجتماع الشرائط، بأن لا تلد لأقلّ من ستّة أشهر حيث إنّها أقلّ مدّة
الحمل، ولا يكون أزيد من سنة حيث إنّ
الأقصى سنة، مع تحقق
الدخول بغيبوبة الحشفة قبلًا أو دبراً لا بمجرد
الخلوة ، وعليه لا يجوز له إنكار الولد وإن خالفه في
الحلية و
الصفة أو وقع على الفراش
التهمة ، وذلك فيما بينه وبين اللَّه حيث أوجب عليه ذلك،
وإن احتمل
احتمالًا قريباً أنّه ليس منه أو ظنّ خلاف ذلك؛ لأنّ
الولد منسوب للفراش كائناً ما كان، وليس
للعاهر والزاني إلّا
الحجر .
ويدلّ على ذلك النصوص التي منها قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر».
يستحب الاعتراف في موردين:
يستحبّ الاعتراف للَّهتعالى بالتقصير في
الطاعة و
العبادة في جميع الحالات،
فإنّ الناس مهما فعلوا يظلّون مقصّرين إلّامن عصمه اللَّه.
وقد حثّت الروايات على
استحباب الاعتراف للّه بالتقصير في العبادة، بأن يعدّ
العبد نفسه مقصّراً في طاعة اللَّه.
ففي رواية
سعد بن أبي خلف عن
أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قال لبعض ولده:
«يا بني عليك بالجدّ لا تخرجنّ نفسك عن حدّ
التقصير في عبادة اللَّه عزّوجلّ وطاعته، فإنّ اللَّه لا يعبد حقّ عبادته».
أيعدّ نفسك مقصراً في طاعة اللَّه وإن بذلت
الجهد فيها، فإنّ اللَّه لا يمكن أن يعبد حق عبادته، كما قال سيد
البشر : «ما عبدناك حق عبادتك».
وفي رواية
علي بن مهزيار عن
الفضل ابن يونس عن أبي الحسن عليه السلام قال: «أكثر من أن تقول: اللهمّ لا تجعلني من
المعارين ،
ولا تخرجني من التقصير»، قلت: أمّا المعارون فقد عرفت أنّ الرجل يعار الدين ثم يخرج منه فما معنى لا تخرجني من التقصير؟ فقال: «كلّ عمل تريد به اللَّه عزّوجلّ فكن فيه مقصراً عند نفسك، فإنّ
الناس كلهم في أعمالهم فيما بينهم وبين اللَّه مقصّرون إلّامن عصمه اللَّه عزّوجلّ»».
أيمن
الأنبياء و
الأوصياء عليهم السلام فإنّهم لا يقصّرون في شرائط
الطاعة بحسب
الإمكان وإن كانوا أيضاً يعدون أنفسهم مقصرين، إظهاراً للعجز و
النقصان ، ولما يرون أعمالهم قاصرة في جنب ما أنعم الله عليهم من
الفضل و
الإحسان ، وقيل: إلّامن عصمه الله من التقصير بالاعتراف بالتقصير.
ذكر الفقهاء من
الآداب المستحبة بعد
الفراغ من صلاة
الاستسقاء الإكثار من
الاستغفار والتضرّع إلى اللَّه تعالى، والاعتراف بالذنب، وطلب
المغفرة ، و
الرحمة ، و
الصدقة ؛
لأنّ المعاصي سبب
انقطاع الغيث، و
الاستغفار والاعتراف يمحو المعاصي المانعة من الغيث، فيأتي اللَّه تعالى به.
الاعتراف أمام الغير من الناس تارةً يكون بقصد
الاستحلال من هذا الغير المعترف أمامه، كما في
الغيبة ، فيكون راجحاً.
أمّا الاعتراف من دون ذلك فهو مرجوح؛ ولهذا ذكر أنّه لا يحسن بالعاصي الاعتراف بذنبه أمام الآخرين في حقوق اللَّه تعالى؛ لأنّ
الشريعة حثّت على
استتار العاصي وعدم فضح نفسه، ورغّبته في عدم الاعتراف بالذنب في غير حقوق الناس.
ومن هنا قال الفقهاء: إنّ
الأرجح أن يتوب
الإنسان بينه وبين نفسه على أن يذهب إلى
الحاكم ويعترف أمامه بالمعصية، بل قالوا: إنّه لا يجب على
المرتد إظهار ارتداده عند الحاكم؛ لوجوب حفظ النفس، بل له ردّ الشاهدين وإنكار شهادتهما، أو الفرار قبل
إقامة الدعوى عند الحاكم، ولأنّه إظهار للمعصية و
إفضاح لنفسه، وهو حرام.
واستدلّوا على ذلك بالأخبار المستفيضة:
منها: قصة رجل كان قد أقرّ عند النبي أربع مرات وفرّ من
الحفيرة عندما أحسّ ألم
الحجارة لكن الناس أدركوه وقتلوه، حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «هلّا تركتموه»، ثمّ قال: «لو استتر ثمّ تاب كان خيراً له».
ومنها: ما ورد عن
الإمام علي عليه السلام في قضية مشابهة أنّه قال: «ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه
الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس
الملأ ، أفلا تاب في بيته؟! فواللَّه لتوبته فيما بينه وبين اللَّه أفضل من إقامتي عليه الحد».
ومنها: رواية
الأصبغ بن نباتة في رجل أتى
أمير المؤمنين عليه السلام وقال: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني فأعرض عنه بوجهه ثمّ قال له: «اجلس»، فقال: «أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيّئة أن يستر على نفسه كما ستر اللَّه عليه»، فقام الرجل فقال: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني، فقال: «وما دعاك إلى ما قلت؟» قال: طلب
الطهارة ، قال: «وأيّ طهارة أفضل من
التوبة ».
فهذه الروايات وأشباهها تدلّ على أفضلية التوبة سرّاً من الاعتراف بالمعصية و
التمكين للحدّ، وترغب في
الستر وعدم إظهار
المعصية .
نعم، لو ثبت
الارتداد عند الحاكم فلا حرمة، بل لا يبعد أن يقال بوجوب
تعريض نفسه للقتل؛ لوجوب تنفيذ حكم الحاكم الشرعي وحرمة
الفرار عنه؛ لأنّ ردّ حكمه بالفعل أو القول ردّ
للأئمة عليهم السلام وهو ردّ للَّهتعالى.
هذا بالنسبة إلى الاعتراف بالذنب عند غيره من
المخلوقين . وأمّا بالنسبة إلى الاعتراف به فيما بينه وبين اللَّه تعالى، فهو من
الأعمال الحسنة، ولعلّه من أفضل القربات.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۳۸۳-۳۸۷.