البضع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الفرج والعقد والمهر...ويأتي بمعان مختلفة لغة و اصطلاحا.
البُضع- لغة-: يطلق على عدّة معانٍ، كالفرج
والجماع وعقد النكاح والطلاق ومهر المرأة،
وجمعه: أبضاع، مثل: قفل وأقفال.
والمباضعة:
المجامعة ، يقال: باضع الرجل امرأته، إذا جامعها.
ويسمّى طلب البضع
بالاستبضاع ، والمراد منه ما كان من أنواع
النكاح في
الجاهلية ؛ قال
ابن الأثير : «...والاستبضاع: نوع من نكاح الجاهلية، وهو استفعال من البُضع: الجماع، وذلك أن تطلب المرأة جماع الرجل لتنال منه
الولد فقط...».
وأمّا في
الاصطلاح فقد استعمله الفقهاء في أكثر
معانيه اللغوية المتقدّمة بالإضافة إلى العِرض.
ونحن نبحث هنا ما يتّصل بغير معنى الفرج المادّي.
وهو لغة اسم لجمع سوءات الرجال والنساء، وكذلك الحيوانات.
والفَرْج من الإنسان يطلق على القبل والدبر؛ لأنّ كلّ واحدٍ منفرج، أي منفتح، وأكثر استعماله عرفاً في القبل.
ويطلق الفَرْج أيضاً على الخلل بين الشيئين.
وبهذا تكون النسبة بين البُضع باستعمالاته والفرج باستعمالاته هي
العموم والخصوص من وجه .
وهي فرج الرجل والمرأة،
قال سبحانه وتعالى: «بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا».
قال ابن الأثير: «
السوأة في الأصل الفرج، ثمّ نقل إلى كلّ ما يُستحيا منه إذا ظهر من قولٍ أو فعل».
وعليه، فالنسبة هي العموم والخصوص.
وهو نقيض
الدبر ، وجمعه:أقبال، وقبل المرأة فرجها،
وهو العورة الأمامية.
وعليه فيكون أخصّ من البُضع.
وهو نقيض القبل، ودبر كلّ شيء عقيبه ومؤخّره، والجمع:أدبار.
وعليه فيكون أخصّ من البُضع.
وقع البحث في البضع وما يتعلّق به من أحكام في أبواب مختلفة من
الفقه كالطهارة والصلاة والنكاح وغيرها، نتعرّض لأهمّها فيما يلي على نحو
الإجمال :
المستفاد من كلمات الفقهاء أنّ المقصود من ملكية الزوج لبضع الزوجة هو حقّ
الاستمتاع به.
قال
الشيخ الطوسي : «إذا تزوّج الرجل امرأة بمهرٍ معلوم، ملكت المهر عليه بالعقد، وملك هو البضع في الوقت الذي ملكت عليه المهر؛ لأنّه عقد
معاوضة ، فملك كلّ واحد منهما على صاحبه في الوقت الذي ملك صاحبه عليه، وإن خالعها بعد هذا بعوضٍ وبذلته له ملك
العوض الذي عقد الخلع به، وزال ملكه عن بضعها في الوقت الذي ملك العوض عليها، ولا يقال: زال بضعها إليها فملكته؛ لأنّها لا تملك بضعها، فإنّ البضع عبارة عن الاستمتاع...».
ومن المعلوم في
الشريعة الإسلامية أنّ للزوج الحقّ في الاستمتاع بزوجته فيما لم يخرج بدليل
كالمقاربة حال
الحيض ، وأنّ عليها
الاستجابة له متى ما أراد على تفاصيل تذكر في محلّها.
يستباح بضع المرأة بالعقد- دائماً كان أو مؤقّتاً- وملك اليمين وما يتبعه من التحليل؛ لقوله سبحانه وتعالى: «إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ».
فإنّ
النكاح المؤقت داخل في عنوان الأزواج؛ لأنّه عقد زوجيّة أيضاً كما دلّت عليه الأدلّة الاخرى.كما أنّ التحليل يعدّ من آثار ملك اليمين وشؤونه فتندرج العناوين الأربعة ضمن
الآية الكريمة .
ولا يستباح البضع بعارية
الأمة ولا
إجارتها ، ولا بيع البضع نفسه؛ لأنّ منفعة البضع غير سائر المنافع؛ لما مرّ من الآية الحاصرة لوجوه استباحة البضع في عقد النكاح وملك الأمة نفسها، فيبقى الباقي خارجاً عن
الحكم إلّاالتحليل بالدليل الخاص، مضافاً إلى أنّ
البيع يتعلّق بالأعيان والبضع منفعة.
وقد اتّضح بذلك أيضاً أنّ البضع لا يمكن
استباحته بالعقد والملك معاً في زمانٍ واحدٍ ومورد واحد؛ لمكان المقابلة الواقعة في الآية بين النكاح
والملك .ولذلك لا يصحّ
للمولى العقد على أمته لنفسه، ولو فعل ذلك كان فاسداً، كما أنّه لو ملك زوجته بطل عقد النكاح.
لا يستباح بُضع الأمة المشتركة بين المالكين بأن يعقد أحدهما عليه بالنسبة للنصف غير المملوك؛ بدليل الآية المشار إليها، بضميمة أنّ البضع شيء واحد غير قابل
للتبعيض ، بأن يستبيح الرجل نصفه بالملك ونصفه بالعقد عليها.وهذا معنى قولهم: البضع غير قابل للتبعيض.
وهو تارة في
الحرّة واخرى في الأمة. كما أنّ الماليّة تارة تلاحظ بالنسبة للمرأة نفسها، واخرى بالنسبة للزوج والمولى.فهل تعدّ منفعة البضع مالًا للحرة نفسها إذا كانت خليّة، ولزوجها إذا كانت مزوّجة، وكذا مالًا للمولى في الأمة بحيث تجري فيه قاعدة
الضمان بالتفويت
والحيلولة ، وتشمله قاعدة محجورية
الصبي ونحوه في أمواله، فلا يجوز له النكاح أيضاً من باب أنّه تصرّف في المال، أم لا؟
لا شكّ في ماليّة غير البضع من منافع
العبد والأمة للمولى؛ لأنّها ملك للمولى بذاتها وما يتبعها من المنافع، ولا يجوز للعبد والأمة ولا لغيرهما تفويت منافعهما
بالاستيفاء وغيره، كما صرّحوا به في مبحث ضمان منافع
العبد بالاستيفاء وغيره، سواء كان كسوباً أم لا.
وأمّا البضع فهو وإن كان ملكاً للمولى بتبع ذات الأمة، بل مالًا يجوز
المعاوضة عليه أحياناً كما في
التحليل والإباحة بعوضٍ لو قيل بأنّها معاوضة على البُضع، لا مصالحة على نفس التحليل، إلّاأنّه قد يقال إنّه غير موجب للضمان مع
التفويت أو الحيلولة بين الأمة ومولاها بحيث تفوت عليه منفعة البضع
والاستمتاع .
قال
العلّامة الحلّي : «منفعة البضع لا تضمن بالفوات تحت اليد، بل
بالإتلاف ، فلو غصب
جارية غيره وبقيت في يده مدّة لم يطأها لم يلزمه اجرة عن البضع، ولا مهر، ولا
عقر ، بل أجرة الخدمة الفائتة خاصة وإن لم يستخدمها.والفرق بين منفعة البضع وسائر المنافع أنّ اليد لا تثبت على منفعة البضع، ألا ترى أنّ السيّد يزوّج الأمة المغصوبة ولا يؤجرها، كما لا يبيعها؛ لأنّ يد الغاصب حائلة بين
المستأجر والمشتري وبين الجارية».
وأمّا الحرّة فلعلّ عدم ضمان البضع فيها أوضح؛ لما ثبت عندهم من عدم ضمان مطلق منافع الحرّ، وعدم ماليتها، فعدم الضمان في البضع أولى.
قال
الفاضل الأصفهاني : «لأنّ البضع منفعة، ومنافع الحرّ لا تضمن».
وقال
السيّد الخوئي : «وعلى الجملة، أنّ البضع وسائر الاستمتاعات لا ماليّة لها في حكم
الشارع ، ومن هنا لو حبس أحد زوجة غيره وفوّت عليه جميع الاستمتاعات لم يُضمن بشيء، وليس ذلك إلّا لأجل أنّ البُضع وسائر الاستمتاعات لا تقابل بالمال.
نعم، قد ثبت مهر المثل في موارد
الوطء بالشبهة تعبّداً؛ لاحترام الأعراض... وبذلك تظهر الحال في العقد المنقطع أيضاً؛ فإنّ الأجرة فيه أيضاً بإزاء نفس الزوجيّة دون البُضع، وتبعّض الأجرة مع عدم
التمكين في بعض المدّة إنّما هو من جهة النصّ الخاص، وأمّا في موت المرأة أثناء المدّة فالتبعّض على القاعدة».
وبذلك ظهر الحال فيما يظهر من بعض المتقدّمين والمتأخّرين من الحكم بضمان منفعة البضع بالتفويت- وإن لم نقل بضمان سائر منافع الحرّ-
استشهاداً ببعض الأحكام التي قد يظهر منها مالية البضع وضمانه.
وقد مرّت إشارة السيّد الخوئي إلى بعضها والجواب عنها.ثمّ من الفروع التي يتوقّف حكمها على هذا البحث ما ذكره بعضهم من أنّه لو تزوّج رجلٌ رضيعةً فأرضعتها من يَفسُد نكاح
الرضيعة بإرضاعها- كامّ الرجل أو
جدّته أو
اخته - فقيل بضمان المرضعة نصف المهر الذي ثبت على الزوج إذا أرضعتها مختارة وقصدت الفسخ، وفيه تردّد، مستنده
الشكّ في ضمان منفعة البضع.
ومنها: ما يظهر من بعضهم من القدح في استدلال المستدلّين ببطلان نكاح السفيهة نفسها بأنّها محجورة، ولا يصحّ تصرّفاتها في ما يتعلّق بها من أموال.ووجه قدحهم في الحكم
إنكارهم لماليّة البضع، وأنّه لا وجه للحكم ببطلان نكاح السفيهة لذلك، إذاً لابدّ إمّا من الحكم بصحّة نكاحها، أو
الاستدلال بوجه آخر من خبر أو
إجماع .
المستدلين بالنصّ.
المراد من تفويض البضع هو عدم ذكر المهر في عقد النكاح، ويقال للمرأة التي لم يذكر في عقدها مهر بأنّها مفوضة البضع.
فلو تزوج شخص امرأةً ولم يذكر المهر في العقد، صحّ العقد بلا خلاف،
بل الإجماع بقسميه عليه.
ويدل عليه قوله تعالى: «لَاجُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ»،
والنصوص المستفيضة،
منها:خبر
الحلبي ، قال: سألته عن الرجل تزوّج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهراً ثمّ طلّقها، فقال عليه السلام: «لها مهر مثل مهور نسائها ويمتّعها».
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۳۵۷-۳۶۲.