الوديعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(أمّا الوديعة : فهي استنابة في
الاحتفاظ ) خاصّة، فخرج نحو الوكالة والمضاربة
والإجارة ؛ لأنَّها استنابة فيه مع شيء زائد وهو التصرف، بل هو المقصود بالذات منها دون
الاستنابة ، بعكس الوديعة، لكونها المقصود بالذات فيها دون أمر آخر.
والأصل فيها بعد إجماع الأُمة المحكي في كلام جماعة، كالغنية والمهذب والتذكرة
الكتاب، والسنة المتواترة الخاصيّة والعاميّة، قال الله سبحانه (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها).
وفي النبوي العامي : «أدّ
الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك»
ونحوه الخاصيّة المتواترة التي سيأتي إلى جملة منها
الإشارة .
(وتفتقر إلى
الإيجاب والقبول قولاً كان) كلّ منهما (أو فعلاً) ولا يشترط في القول حيث إنها من العقود الجائرة الصراحة بل يكتفي فيه بنحو من التلويح والإشارة إذا كانت لمعناها مفهمة. ووجه
الاكتفاء بالقبول الفعلي أنه ربما كان أقوى من القولي باعتبار التزامه دخولها حينئذٍ في ضمانه مع التقصير؛ لعموم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».
وقيل : إن كان الإيجاب بلفظ : أودعتك، وشبهه وجب القبول لفظاً، وإن قال : احفظه، ونحوه لم يفتقر إلى اللفظ، حكاه في التذكرة عن بعض العامّة، وقال في المسالك: وهو كلام موجّه.
ووجهه غير واضح، كما صرّح به من متأخّري متأخري الأصحاب جماعة منهم : الأردبيلي في
مجمع الفائدة وتنظّر فيه في الكفاية.
وكيف كان، فلا يجب
المقارنة بين الإيجاب والقبول، بلا خلاف يظهر، وبه صرّح في المفاتيح.
ولا ريب فيه ولا شبهة حيث يكون القبول فعليّاً، ولو كان قوليّاً ففيه نوع مناقشة لولا حكاية عدم الخلاف التي هي حجة عامّة، مؤيّدة بإطلاقات أخبار الوديعة.
ولو طرحه عنده من غير ما يدلّ على
الإيداع من قرينة ولو حالية ولم يحصل القبول فعلاً لم يلزم الحفظ مطلقاً، بلا خلاف يظهر، إلاّ من الكفاية حيث أثبت الوديعة لو حصل ثمّة قبول لفظي، مدّعياً كون مجرّد الطرح دالاّ على الوديعة.
وفيه مناقشة حيث لم تنضمّ إليه قرينة من عرف أو عادة.
وحيث لم تثبت، لو ذهب المستودَع وتركه فلا ضمان عليه؛ للأصل. لكن قيل : يأثم إن كان ذهابه بعد غيبة المالك؛ لوجوب الحفظ من باب
الإعانة على البرّ ومعاونة المحتاج على الكفاية.
وفي كونه فسخاً للوديعة حيث ثبت قول، جزم به في التذكرة.
وهو حسن إن قرنه ما يدلّ عليه، وإلاّ فهو محل مناقشة، سيّما إذا كان القبول فعلاً؛ لأصالة بقاء حكم الوديعة، وعموم الرواية المتقدمة. ولو حصل ذلك بعد غيبة المالك ضمن قولاً واحداً. ولا ريب فيه حيث يكون تفريطاً، ولعلّه مراد الجماعة.
•
اشتراط الاختيار في المودع والمستودع ،ويشترط فيهما
الاختيار ) بلا خلاف ولا إشكال، فلو اكره المودِع في
الإيداع لم يؤثّر؛ لعدم الإذن في
الاستنابة حقيقة.
•
جواز الوديعة من الطرفين ،(وهي جائزة من الطرفين) بلا خلاف، كما في المسالك وغيره.
(ولو كانت) الوديعة (دابّة) أو مملوكاً أو شجراً أو نحو ذلك مما يحتاج بقاؤه إلى إنفاق (وجب) على المستودع (علفها وسقيها) وجميع ما يحتاج إليه حفظها إن لم يتكفّلها المودِع، بلا خلاف؛ لوجوب حفظهاعليه، ولا يتمّ إلاّ بذلك، فيجب عليه.
والمعتبر فيه ما يعتاد لأمثالها، فالنقصان عنه تفريط، فيضمنها حينئذٍ وإن ماتت بغيره.ولا يعود حكم الوديعة لو عاد إلى
الإنفاق إلاّ مع حصول الإيداع بإذن جديد، كما قالوه في كلّ تعدّ أو تفريط.ولا فرق في ذلك بين أن يأمره المالك بالإنفاق، أو يطلق، أو ينهاه؛ لوجوب حفظ المال عن التلف، فيضمن في الصور على قول، ولا في الأخيرة على آخر، لأن حفظ المال بالذات إنما يجب على مالكه لا على غيره، ووجوب حفظ الوديعة على المستودَع إنما هو بالعرض يثبت حيث لا ينهاه المالك ويرتفع مع نهيه.
نعم يجب في الحيوان مطلقاً اتفاقاً؛ لأنه ذو روح. لكن لا يضمن بتركه كغيره من الشجر ونحوه؛ لقدوم المالك بنهيه على سقوطه عنه، كذا قيل.
وهو حسن حيث يثبت حكم الوديعة في هذه الصورة تضمّنها على المالك سفاهة، وإلاّ فهو محل مناقشة، فإن مقتضى القواعد كونها حينئذٍ أمانة شرعية يجب حفظها والمبادرة بردّها إلى متولّيها عن مالكها، ويأتي وجه المناقشة فيما ذكروه من الحكم المزبور فيما يشابه مفروض المسألة، وقد تقدّم إليه بعضه الإشارة، إلاّ أن الظاهر
إرادتهم ثبوت الحكم حيث لا يتضمن إيداع المالك سفاهة، كما يستفاد من قواعدهم الكلية.
واعلم أن كثيراً من الأصحاب
ذكروا أن مستودَع الحيوان إن أمره المالك بالإنفاق أنفق ورجع عليه بما غرم، وإن أطلق توصّل إلى استيذانه، فإن تعذّر رفع أمره إلى الحاكم ليأمره به، أو يستدين عليه، أو يبيع بعضه للنفقة، أو ينصب أميناً، فإن تعذّر أنفق هو وأشهد عليه (ويرجع به على المالك) ولو تعذّر
الإشهاد اقتصر على نية الرجوع، وكذا القول مع نهي المالك له عنه.
ولا إشكال في شيء من ذلك، حتى الرجوع بما أنفق على المالك حيث أثبتوه له؛
لاستلزام عدمه الضرر المنفي، مع أنه محسن وليس عليه سبيل. إلاّ أن في
اشتراط الإشهاد نظراً؛ لعدم الدليل عليه، ويحتمل أن يكون ذكره إرشاداً لا اشتراطاً، فتأمّل جدّاً.
(والوديعة أمانة لا يضمنها المستودَع إلاّ مع التفريط أو العدوان) إجماعاً؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، ففي الصحيح : «صاحب البضاعة والوديعة مؤتمنان».
وفي آخر : رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرق، قال : «هو مؤتمن».
وفي ثالث : عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال : «ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً».
وفي رابع : عن وديعة
الذهب والفضة ؟ فقال : «كلّ ما كان من وديعة لم تكن مضمونة فلا يلزم».
وفي الموثق : رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال الرجل : كانت عندي وديعة، وقال الآخر : إنها كانت قرضاً عليك، فقال : «المال لازم له إلاّ أن يقيم البينة أنها كانت وديعة»
إلى غير ذلك من النصوص.
وعمومها وإن اقتضى نفي الضمان عن المتعدّي والمفرط، إلاّ أنه مع بُعد
انصرافه إليهما مخصّص بالإجماع، والصحيح : رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت، هل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه؟ فوقّع عليه السلام : «هو ضامن لها إن شاء الله».
ثم إن التفريط هو ترك ما يجب فعله، كما إذا أخّر
الإحراز زيادة على المعتاد، أو طرحها فيما ليس بحرز وذهب عنها، أو كان المحل غير صالح للحرز أصلاً، أو ترك نشر الثوب المحتاج إليه، أو لبسه حيث يحتاج إليه، أو ترك سقي الدابة وعلفها ونحوهما مما تحتاج إليه بحسب المعتاد كما مضى، أو يودعها من غير ضرورة ولا
إذن ، أو يسافر بها كذلك مطلقاً ولو كان الطريق أمناً، أو نحو ذلك، وضابطه ما يعدّ تفريطاً في الحفظ.
والتعدّي عكسه، مثل أن يلبس الثوب، أو يركب الدابة، أو يجحد مع مطالبة المالك أو مطلقاً على قول، أو يخالطها بمال آخر مطلقاً ولو من المالك بحيث لا يتميّز، أو يفتح الختم الذي ختمه المالك أو هو بأمره لا مطلقاً، أو ينسخ من الكتاب أو نحو ذلك بدون إذنه، وضابطه ما يعدّ به خائناً. ولا خلاف في الضمان بكلّ ما مرّ، إلاّ أن يكون لشيء منه مدخل في الحفظ، فلا ضمان، لوجوبه.
وقد ادّعى
الإجماع على الضمان بكثير من الأُمور المتقدمة الفاضل في التذكرة وغيره،
إلاّ أن المحكي عن المقنع في
الرهن الذي هو في حكم الوديعة من حيث الأمانة عدم الضمان بترك نشره ولو احتاج إليه.
وعبارته المحكية عن إفادته قاصرة، كالنصوص المستدل له بها على ذلك، منها الصحيح : عن رجل رهن عنده ثياباً تركها مطويّة لم يتعهّدها ولم ينشرها حتى هلكت؟ قال : «هذا نحو واحد يكون حقه عليه».
ونحوه عبارة المقنع، ولا دلالة فيهما على نفي الضمان، بل غايتهما الدلالة على
بقاء الدين، وهو لا يستلزمه إلاّ على تقدير ثبوت التقاصّ قهراً، وهو خلاف
الأصل ، مع أنه لا دليل عليه.
(ولو تصرف) المستودع (فيها باكتساب) بأن دفعها عن عين مبتاعة
للاسترباح (ضمن وكان الربح للمالك) بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور بعض رواتها بوجود ابن محبوب في سنده، وقد حكي إجماع
العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه،
وفيه : إني كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه، ثم إنه جاءني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه، قال : هذا مالك فخذه، وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك، واجعلني في حلّ، فأخذت منه المال وأبيت أن آخذ الربح منه وأوقفته المال الذي كنت استودعه وأتيت حتى أستطلع رأيك فما ترى؟ قال : فقال : «خذ نصف الربح وأعطه النصف وحلّه، إن هذا رجل تائب والله يحبّ التوّابين».
والأمر بإعطاء النصف
للاستحباب ، كما ينادي به التعليل. وإطلاقه كالعبارة يقتضي عدم الفرق في
استحقاق المالك الربح بين أن يأذن للودعي في التجارة بشرط الضمان أم لا، وهو ظاهر المحكي عن الشيخين والديلمي والقاضي والحلبي.
خلافاً للإسكافي
في الأول، فجعله حينئذٍ للودعي، ونفى عنه البأس في المختلف
معلّلاً بأن التضمين يقتضي انقلاب الوديعة قرضاً ومداينة، وله شواهد من المعتبرة المتقدمة في
المضاربة ، ويمكن تنزيل الإطلاقات عليه.
إلاّ أنه لا يخلو عن شائبة ريبة؛
لاختصاص المعتبرة بالمضاربة، وعدم وجود شيء فيها يوجب التعدية، فلا يمكن الخروج عن مقتضى القواعد الدالّة على تبعية الربح للمال حيث يقع
الاكتساب بعين الوديعة وتجعل بعينها أحد عوضي المعاملة. وليس في العبارة وما ضاهاها تقييد الحكم بهذا القيد، إلاّ أن مقتضى قواعدهم التقييد به وبإجازة المالك أيضاً، وإلاّ فالمعاملة باطلة، وبه صرح في التنقيح.
ولكن
الإطلاق محتمل؛ لإطلاق النص المؤيّد بإطلاق النصوص الواردة في
التجارة بمال اليتيم بغير وجه شرعي الحاكمة بأن الربح لليتيم والضمان على المتّجر كما في المسألة، وتنزيلهما ككلمة الأصحاب في المقامين على القيدين سيّما الثاني في مال اليتيم بعيد في الغاية.
فالقول بالإطلاق لا يخلو عن قوّة. ولعلّ الوجه فيه كون
الانتقال من باب التقاص القهري؛ لأن البائع أخذ المال وتصرّف فيه وذهب، ولا يكاد يتيسّر
الاسترداد منه كما هو الغالب، مع أن حبس المال عنه مدة ضرر عليه منفي، ولكن اللازم على هذا التقدير تقييد الحكم بعدم
إمكان استرداد العين كما هو الغالب، ويمكن تنزيل الإطلاقات عليه؛ لذلك.ثم كلّ ذا إذا اشترى بالعين، أو في ذمّة مالكها، أو في الذمّة مطلقاً.
ولو اشترى في ذمّته وعوّضها عمّا تعلّق بها ففي صحة
المعاملة إشكال، ولكن مقتضى القواعد الصحّة، سيّما وأن يكون البائع ممن لا يبالي بأخذ العوض كيف كان من حلال أو حرام.وكيف كان، فما ذكرناه من التوجيه من التقاص القهري والضرر المنفي يقتضي كون المبيع والربح كلّه للمالك حيث لا يمكن استرداد العين من البائع، وما ذكرناه من التحقيق غير مختصّ بالمقام، بل جارٍ حيثما العلّتان فيه تجريان.
(و) حيث صارت الوديعة مضمونة على المستودع بأحد أسباب الضمان من إخراجها من الحرز أو غير ذلك مما مرّ (لا يبرأ) الودعي عن الضمان (بردّها إلى الحرز) حيث كان
الإخراج منه سبباً، وفي حكمه ترك
الخيانة ، والسبب الموجب كائناً ما كان، وإنما ذكر الردّ إلى الحرز مثلاً.
(وكذا لو تلف) الوديعة (في يده بتعدّ أو تفريط فردّ مثلها إلى الحرز) لا يبرأ، بلا خلاف، بل عليه الإجماع عن التذكرة؛
وهو الحجة.مضافاً إلى عموم على اليد، وما قالوه من أنّه صار بمنزلة الغاصب بتعدّيه فيستصحب الضمان إلى أن يحصل من المالك ما يقتضي زواله.
(بل لا يبرأ إلاّ بالتسليم إلى المالك أو من يقوم مقامه) ممن تقدّم فيبرأ حينئذٍ ولو جدّد المالك له
الاستيمان بعد الردّ إجماعاً كما في التذكرة وغيره وقال في المسالك: هذا لا شبهة فيه. وقال في الحدائق: لا خلاف ولا إشكال فيه عندهم.
وفي الحصر
إشعار بعدم زوال الضمان مع عدم الردّ مطلقاً ولو استأمنه المالك ثانياً، أو أسقط عنه الضمان، وهو أحد القولين في المسألة. والأشهر السقوط، ولا يبعد.
(ولا يضمنها لو قهره عليها ظالم) بلا خلاف؛ لأمانته. وينبغي تقييده بما إذا لم يكن سبباً في الأخذ القهري، بأن يسعى بها إليه، أو أظهرها فوصل إليه خبرها مع مظنّته، ومثله ما لو أخبر بمكانها اللّص فسرقها. ولا فرق بين أخذ القاهر لها بيده ولو من يده، وأمره له بدفعها إليه كرهاً، على الأشهر الأقوى؛
لانتفاء التفريط فيهما، فينحصر الرجوع بالغرامة على الظالم.
خلافاً للحلبي والتذكرة
في الثاني، فجوّزا له الرجوع على المستودع وإن استقرّ الضمان على الظالم.وهو شاذّ، والأصل مع نفي السبيل عن المحسن يدفعه.
(لكن إن أمكنه الدفع) عنها بما يوجب سلامتها (وجب) بلا خلاف؛ لوجوب الحفظ عليه، ولا يتم إلاّ به، فيجب ولو مقدمة ما لم يؤدّ إلى تحمل الضرر الكثير، كالجرح وأخذ المال، فيجوز تسليمها حينئذٍ وإن قدر على تحمّله، بلا خلاف، لأنه ضرر منفي.
والمرجع في الكثرة والقلّة إلى حال الودعي، فقد تعدّ الكلمة اليسيرة من الأذى كثيرة في حقّه لكونه جليلاً لا يليق نحو ذلك بحاله، ومنهم من لا يعتدّ بمثله.وأمّا أخذ المال فإن كان من مال المستودع، قيل : لم يجب بذله مطلقاً ولو لم يستوعبها؛ إذ لا ضرر ولا ضرار.
وفيه نظر؛ لوجوب الحفظ، ولا يتم إلاّ به، فيجب، والضرر يندفع بالرجوع بعد نيّته.وإن كان من الوديعة فإن لم يستوعبها وجب دفعه إليه من باب المقدمة مع المكنة. فلو ترك مع القدرة فأخذ الجميع ضمن ما يمكن فيه السلامة لا الجميع؛ لذهاب قدر المدفوع على التقديرين.
ويحتمله؛ التفاتاً إلى
التفريط الموجب له، مع ظهور الفرق في الذهاب بين التقديرين بكونه
بأمر الشارع على الأوّل، وبدونه على الثاني، وهو فرق واضح، وإن هي حينئذٍ إلاّ كما لو فرّط فيها فتلف بغيره، وقالوا فيها بضمانها مع أنها ذاهبة على التقديرين، فتأمّل.وإن لم يمكن الدفع عنها إلاّ بأخذها أجمع فلا تقصير.
(ولو أحلفه) الظالم على (أنها ليست عنده حلف مورّياً) بما يخرجه عن الكذب، بأن يحلف ما استودع من فلان ويخصّه بوقت أو جنس أو مكان أو نحوها مغايراً لما استودعه. وإنما يجب التورية عليه مع علمه بها وتمكنه منها، وإلاّ سقطت؛ لأنه كذب مستثنى للضرورة اتفاقاً فتوى ورواية،
ترجيحاً لأخفّ القبيحين حيث تعارضا إن قلنا بقبحه في نحو المقام أيضاً، وإلاّ ارتفع
الإشكال من أصله؛ لفقد التعارض.
(ويجب) على المستودع (إعادتها إلى المالك) بمعنى رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها (مع المطالبة) بلا خلاف، بل عليه الإجماع؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى الكتاب
والسنة، فمنها زيادة على ما مضى بعض المعتبرة : عن رجل استودع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة، والرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر أن لا يعطيه شيئاً، والمودِع رجل خارجي شيطان، فلم أدع شيئاً؟ فقال : «قل له : يردّه عليه، فإنه ائتمنه عليه بأمانة الله تعالى».
ومقتضى صريحه كغيره وإطلاق العبارة كغيرها من النص والفتوى عدم الفرق في المودِع بين المسلم والكافر.خلافاً للحلبي
في الحربي، حيث أوجب الردّ في وديعته إلى سلطان
الإسلام .وهو شاذّ، وربما انعقد بعده على خلافه الإجماع.
قالوا
: ويجب الردّ فوراً مع الإمكان؛ ولعلّ الوجه فيه مع عدم
اقتضاء الأمر الفورية هو وجوب الاقتصار في وضع اليد على مال الغير على القدر المتحقق معه إذنه، ومطالبة الردّ تقتضي
انقطاعه ، فلا يجوز له التصرف زيادة على ما يتحقق به الردّ، فلا وجه لتأمّل بعض من عاصرناه في الفور.
نعم، له وجه حيث ينضمّ إلى
المطالبة من عرف أو عادة ما يدلّ على التوسعة وبقاء
الإذن إلى حين الردّ متى اتّفق، ولكن الظاهر خروجه عن مفروض الجماعة.وفي جواز التأخير للإشهاد مطلقاً، أو لا كذلك، أو التفصيل بين
الإيداع بالإشهاد فالأوّل وإلاّ فالثاني أقوال ثلاثة. أوّلها لا يخلو عن قوّة؛دفعاً للضرر والتهمة، لكن يجب المبادرة إلى
الإشهاد .
(ولو كانت) الوديعة (غصباً منعه) أو وارثه من أخذها (وتوصّل في وصولها إلى المستحق) لها إن عرف.
(ولو جهله عرّفها كاللقطة حولاً، فإن وجده، وإلاّ تصدّق بها عن المالك إن شاء، ويضمن إن لم يرض) على المشهور؛ للخبر المنجبر ضعفه بعمل الأكثر : عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص مالاً أو متاعاً واللصّ مسلم، هل يردّ عليه؟ قال : «لا يردّه، فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فعل، وإلاّ كان في يده بمنزلة
اللقطة يصيبها فيعرّفها حولاً، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه، وإلاّ تصدّق بها، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم، فإن اختار
الأجر فله، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له».
خلافاً للحلبي والحلّي،
فأوجبا ردّها إلى إمام المسلمين، ومع التعذّر يبقى أمانة ثم يوصي بها إلى عدل إلى حين التمكن من المستحق، قوّاه في المختلف،
معلّلاً بأنه أحوط، والتفاتاً إلى ضعف الخبر. وفي الثاني ما مرّ، وفي الأوّل نظر.
وللمفيد والديلمي،
فأوجبا إخراج الخمس قبل التصدّق ولم يذكرا التعريف.وللفاضل في الإرشاد وتبعه الشهيد الثاني،
فخيّرا بين
الصدقة بها بعد اليأس والتعريف مع الضمان، وإبقائها أمانة.وله لولا ما مرّ من الخبر المنجبر بعمل الأكثر وجه، كما في كلّ مال مجهول المالك، فقد دلّت الأخبار بأن حكمها ذلك، لكنها خالية عن الضمان، بل ظاهرها عدمه.
ثم الضمان على تقديره هل هو بمعنى أنه لو وجد صاحبه يجب ردّه عليه فقط، أو لا، بل ضمان مثل سائر الديون حتى يجب عليه
الإيصاء ، ثم على الورثة كذلك؟ فيه وجهان، والأوّل بالأصل أنسب.ثم إن ظاهر التشبيه باللقطة في الرواية يقتضي جواز التملك بعد التعريف، ولم يذكره أحد في المسألة. وإنما يجب منع الغاصب مع إمكانه، وإلاّ سلّمها إليه، وفي الضمان إشكال، والأقرب العدم.
(ولو كانت) الوديعة المغصوبة (مختلطة بمال المودع ردّها عليه إن لم يتميّز) إجماعاً، كما في الغنية وعن الحلّي،
ونسبه فخر الدين إلى الأصحاب كافّة
ولولاه لكان الحكم على إطلاقه محل ريبة؛ لاستلزام الردّ تسليط الغاصب على مال غيره بغير حق، وهو غير جائز أيضاً.
والأوفق بالقواعد هو ما ذكره في المسالك
من أن الأقوى ردّه على الحاكم مع إمكانه ليقسّمه ويردّ على الغاصب ماله. ومع تعذّره يحتمل قويا جواز تولّي الودعي القسمة ان كان مثليّا وقدر حق الغاصب معلوماً؛ جمعاً بين الحقين. والقسمة هنا إجبارية؛ للضرورة، تنزيلاً للودعي منزلة المالك حيث قد تعلّق بضمانه، وللحسبة.
ولو امتزج على وجه لا يعلم القدر أصلاً ففيه إشكال، وحينئذٍ يتوجّه ما أطلقه الأصحاب إن لم يمكن مدافعة الغاصب على وجه يمكن معه
الاطلاع على الحق.ويحتمل عدم جواز الردّ مطلقاً مع إمكانه إلى أن يعترف الغاصب بقدر معيّن أو يقاسم؛
لاستحالة ترجيح حقّه على حق المغصوب منه مع تعلّق الودعي بالحقين.
•
اختلاف الودعي والمستودع ، هنا يأتي اختلاف الودعي والمستودع في التف والقيمة والرد و...
(ولو مات المودع) سلّمها المستودع إلى وارثه إن اتّحد، أو إلى من يقوم مقامه من وكيل أو ولي.(و) إذا (كان الوارث جماعة دفعها إليهم) إن اتّفقوا في الأهلية، وإلاّ فإلى الأهل وولي الناقص (أو إلى من يرتضونه. ولو دفعها إلى البعض) بغير إذن (ضمن حصص الباقين) لتعدّيه فيها بدفعها إلى غير المالك.
وتجب المبادرة إلى ردّها إليهم علم الوارث بها أم لا، بلا خلاف بيننا إلاّ من التذكرة،
ففرّق بين صورتي الجهل بها فكذلك، والعلم فلا، بل يجوز التأخير إلى المطالبة حينئذٍ. واستوجهه في المسالك،
لكنه قال : إلاّ أنه لم يتحقق به قائل منّا. وهو ظاهر في
الإجماع ، وأظهر منه قوله قبل ذلك : عندنا، بعد الحكم بعدم الفرق، إلاّ أنه قال بعدُ ما يعرب عن خلاف هذا الظاهر.
والأصل في وجوب المبادرة صيرورتها بالموت أمانة شرعية؛
لاختصاص الإذن في التصرف بالمالك وقد انتقل المال منه إلى المالك الثاني وهو الوارث، وهو غير آذن، فالتصرف في ملكه بغير إذنه غير جائز تجب المبادرة إلى ردّه.
رياض المسائل، ج۹، ص۴۰۹-۴۳۹.