قبول الشهادة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
التبرّع بالأداء أي أداء
الشهادة قبل الاستنطاق وطلب الحاكم إيّاه من
الشاهد يمنع القبول منه مطلقاً، سواء كان قبل دعوى المدّعى أم بعدها، لتطرّق
التهمة بذلك، فيدخل في عموم الأدلّة الدالة على كونها مانعة عن قبول الشهادة. وتقبل
شهادة الأصمّ فيما لا يفتقر
العلم به إلى السماع؛ وتقبل
شهادة الأعمى فيما لا يفتقر
العلم به إلى الرؤية وتحصل بالسماع وحده، وقبول شهادته فيما يفتقر إلى الرؤية أيضاً إذا حصل له العلم بالمشهود به، وكان مثبتاً له إلى حين الأداء.
اعلم أنّ الأصل في الشهادة رجلان بحكم
الاستقراء والأصل في الجملة، وظاهر الآيات المأمور فيها باستشهاد رجلين وذوي عدل؛ فإنّ الاقتصار عليهما في الذكر في معرض الإرشاد يدلّ على الاقتصار في الحكم. ولا تقبل
شهادة النساء في
الهلال والطلاق بلا خلاف إذا كنّ عن الرجال منفردات، وكذا إذا انضمّوا إليهنّ، ثم إنّ مقتضى بعض الصحيحة جملةً بعد حمل مطلقها على مقيدها قبول شهادتهن مع الرجال في
النكاح؛ وفي قبول شهادة النساء في حصول
الرضاع المحرّم تردّد، فبين مانع عنه، وبين من جعل أشبهه القبول؛ لا تقبل شهادة النساء مطلقاً حتى مع الرجال في
الحدود وحقوق الله سبحانه ولو كانت مالية
كالخمس والزكاة والنذر والكفارة، بلا خلاف أجده إلاّ في
الزنا، فيثبت بشهادتهن في الجملة.
التبرّع بالأداء أي أداء الشهادة قبل الاستنطاق وطلب الحاكم إيّاه من الشاهد يمنع القبول منه مطلقاً، سواء كان قبل دعوى المدّعى أم بعدها، بلا خلاف أجده، وبه صرّح في
الكفاية، ويظهر من
المسالك وغيره
، واحتمله إجماعاً بعض الأجلة
، قالوا: لتطرّق
التهمة بذلك، فيدخل في عموم الأدلّة الدالة على كونها مانعة عن قبول الشهادة.
وللنبوي في معرض الذمّ: «ثم يجيء قوم يعطون
الشهادة قبل أن يسألوها»
وفي لفظ آخر: «ثم يفشو
الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد»
.
وفيهما لولا
فتوى الأصحاب نظر، يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره بعض من تأخر، حيث قال بعد نقلهما معترضاً: وأنت خبير أنّ التهمة غير ظاهرة، خصوصاً إذا كان جاهلاً، فإنّا نجد كثيراً من يشهد قبل الاستشهاد من غير ميل إلى إثبات الشهود، بل قد يكون إلى عدمه أميل لغرضٍ، مثل فقر المشهود عليه، أو مصاحبته، أو عداوة المشهود له؛ اعتقاداً لوجوب الشهادة وتحريم كتمانها، كيف؟! والعدالة تمنع من الشهادة على الكذب مع العلم بقبحه والوعيد في
الكتاب والسنّة وتحريمه بإجماع المسلمين.
والرواية المذكورة ما نعرف سندها، فضلاً عن صحتها ومعارضتها بمثلها، والظاهر أنّها عامية.
وبالجملة: ردّ شهادة العدل بمجرد ذلك مع وجوب قبول العدل وعدم ردّه بالكتاب والسنّة
والإجماع مشكل، إلاّ أن يكون إجماعياً
. انتهى.
وهو جيّد متين، إلاّ أنّ دعواه أوّلاً عدم ظهور التهمة مطلقاً مشكل جدّاً؛ لوضوحها مع التبرّع غالباً، وإن أمكن فرض عدمها فيما فرضه من صورة
الجهل وغيرها، ولذا أطبق الأصحاب على عدّه تهمة، ولعلّ مرادهم الغالب دون ما فرض من الصورة النادرة، كيف لا؟! ولو كان مرادهم عدّه تهمةً مطلقاً لزم مخالفة ما ذكروه للوجدان جدّاً، فهذا أظهر قرينة على إرادتهم من محل المنع ما أوجب التبرّع فيه التهمة كما هو الغالب دون غيره، وإنّما أطلقوا من دون تقييد اتكالاً منهم إلى فهمه من تعليلهم المنع بالتهمة.
وعلى هذا فلعلّه لا بأس عندهم بقبول شهادة المتبرّع في الفرد النادر الذي لا يكون فيه تهمة، ولا ينافي ذلك استدلال بعضهم للمنع زيادةً على التعليل المتقدم بالنبوية، بعد قوّة احتمال ورودها مورد الغالب، وهو ما يحصل فيه التهمة كما عرفته، فهي وإن ضعف سندها إلاّ أنّها بالموافقة للنصوص المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة منجبرة.
وكيف كان، فالمنع مقطوع به في كلامهم إذا كان المشهود به من حقوق الآدميين، كما في
نكت الإرشاد وغيره
.
وهل يمنع التبرّع عن القبول في حقوق الله تعالى أم لا؟ فيه قولان: أوّلهما
للشيخ في
النهاية كما في
التنقيح، وثانيهما له في
المبسوط كما فيه
، وهو المشهور على الظاهر، المصرّح به في كلام
الصيمري، بل لعلّه عليه عامة المتأخرين حتى
الماتن هنا وفي
الشرائع،
والفاضل في
الإرشاد، لكن على تردّد منهما وإشكال.
قيل: ينشئان: من أنّ التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في الموضعين فيمنع من القبول فيهما؛ لتساويهما في العلّة. ومن أنّها في حقوق الله تعالى والمصالح العامّة لا مدّعي لها، فلو لم تقبل فيها شهادة المتبرع لأدّى ذلك إلى سقوطها
.
وفي هذا نظر؛ إذ ليس فيه ما يفيد تقييد الأدلة المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة بعد حصولها كما هو فرض المسألة بحقوق الآدميين خاصّة، ومجرّد عدم المدّعى لحقوق الله تعالى لا يرفع التهمة، ولا يفيد
التقييد المزبور؛ إذ لا دليل على إفادته له من إجماع أو رواية، وأداء عدم القبول فيها إلى سقوطها لا دلالة فيه على أحد الأمرين أصلاً، ولا محذور في سقوطها مع عدم قبولها، بل هو مطلوب؛ لبناء حقوق الله تعالى على التخفيف اتفاقاً فتوًى ونصاً.
ولو سلّم فإنّما يؤدّي إلى السقوط لو ردّ مطلقاً، سواء كان في مجلس التبرّع أو غيره، أمّا لو خصّ الردّ بالأوّل كما هو رأي بعض في حقوق الآدميين
فلا يؤدّي إلى السقوط؛ لإمكان قبوله لو أُدّي في مجلس آخر من غير تبرّع ثانياً، فهذا الدليل ضعيف جدّاً.
كالاستدلال على القبول هنا بالنبوية الأُخرى: «خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها»
إذ هي بعد الإغماض عن سندها غير دالّة على القبول هنا خاصّة، بل هي عامّة لما سبق من حقوق الآدميين أيضاً، ولم يقل به أحد كما مضى، وتقييدها بالمقام فرع وجود دليل عليه أو قرينة، وليسا، فتأمّل جدّاً.
وأضعف منهما ما ذكره الصيمري بعد مصيره إلى القبول من أنّ العدالة تدفع التهمة
وذلك لمنع دفعها لها، كيف لا؟! وقد أطبق هو وسائر
الأصحاب على اجتماعها معها، ولذا عدّوا التهمة من موانع قبول الشهادة زيادةً على
الفسق المقابل للعدالة، فلو أوجبت التهمة فسقاً لما كان لعدّهم إيّاها من الموانع في مقابلة الفسق وجه أصلاً.
ولو سلّم الدفع فهو جار في حقوق الآدميين أيضاً، فلمَ أطبق هو وباقي الأصحاب على المنع فيها معلّلين بالتهمة؟! مع أنّها غير مجتمعة مع العدالة كما ذكره.
وبما ذكرنا يظهر قوّة القول الأوّل، إلاّ أنّ ندرة القائل به، بل وعدمه، لرجوع الشيخ عنه في
المبسوط إلى خلافه، واشتهاره بين المتأخرين أوجب التردّد فيه، ويمكن أن يكون هذا وجهاً للتردّد من
الفاضلين، لا ما مرّ، فتأمّل.
واعلم أنّ التبرّع بالشهادة في محل المنع ليس جرحاً حتى لا تقبل شهادته في غير تلك الواقعة؛ لأنّه ليس
معصية فتسمع شهادته في غيرها؛ للأصل والعمومات مع عدم ظهور خلاف فيه بين الأصحاب، بل ظاهر المسالك
إجماعهم عليه.
ولو أعاد تلك الشهادة في مجلس آخر على وجهها ففي قبولها وجهان: من بقاء التهمة في الواقعة، ومن اجتماع الشرائط في الشهادة الثانية، والأول أجود، وفاقاً لجماعة
، خلافاً لشيخنا في المسالك
فاستجود الثاني.
•
شهادة الأصم، تقبل شهادة الأصمّ فيما لا يفتقر
العلم به إلى السماع
؛ وفي
رواية: يؤخذ بأوّل قوله ولا يؤخذ بثانيه
.
•
شهادة الأعمى، تقبل
شهادة الأعمى فيما لا يفتقر
العلم به إلى الرؤية وتحصل بالسماع وحده
؛ وقبول شهادته فيما يفتقر إلى الرؤية أيضاً إذا حصل له العلم بالمشهود به، وكان مثبتاً له إلى حين الأداء
.
•
شهادة النساء، اعلم أنّ الأصل في
الشهادة رجلان بحكم
الاستقراء والأصل في الجملة، وظاهر الآيات المأمور فيها باستشهاد رجلين وذوي عدل؛ فإنّ الاقتصار عليهما في الذكر في معرض الإرشاد يدلّ على الاقتصار في الحكم. ولا تقبل شهادة النساء في
الهلال والطلاق بلا خلاف إذا كنّ عن الرجال منفردات، وكذا إذا انضمّوا إليهنّ، ثم إنّ مقتضى بعض الصحيحة جملةً بعد حمل مطلقها على مقيدها قبول شهادتهن مع الرجال في
النكاح؛ وفي قبول شهادة النساء في حصول
الرضاع المحرّم تردّد، فبين مانع عنه، وبين من جعل أشبهه القبول؛ لا تقبل شهادة النساء مطلقاً حتى مع الرجال في
الحدود وحقوق الله سبحانه ولو كانت مالية
كالخمس والزكاة والنذر والكفارة، بلا خلاف أجده إلاّ في
الزنا، فيثبت بشهادتهن في الجملة.
اعلم أنّ الأصل في
الشهادة رجلان بحكم
الاستقراء والأصل في الجملة، وظاهر الآيات المأمور فيها باستشهاد رجلين وذوي عدل؛ فإنّ الاقتصار عليهما في الذكر في معرض الإرشاد يدلّ على الاقتصار في الحكم.
وحينئذ فلا تقبل الواحد مطلقاً، إلاّ ما قيل في هلال
رمضان؛ للخبر، بل
الصحيح.
وهو شاذّ ضعيف، ومستنده مع احتمال قصور سنده واختلاف متنه غير دالّ، معارض بالصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
، ومع ذلك قد ادّعي في صريح
الغنية والإيضاح، وظاهر
شرح الشرائع للصيمري على خلافه
الإجماع.
•
شهادة النساء في الهلال والطلاق والنكاح، ولا تقبل شهادة النساء في
الهلال والطلاق بلا خلاف إذا كنّ عن الرجال منفردات، وكذا إذا انضمّوا إليهنّ
؛ ثم إنّ مقتضى بعض الصحيحة جملةً
بعد حمل مطلقها على مقيدها قبول شهادتهن مع الرجال في النكاح
.
•
شهادة النساء في الرضاع، في قبول شهادة النساء في حصول
الرضاع المحرّم تردّد، فبين مانع عنه
؛ وبين من جعل أشبهه القبول
.
•
شهادة النساء في الحدود، لا تقبل شهادة النساء مطلقاً حتى مع الرجال في الحدود وحقوق الله سبحانه ولو كانت مالية
كالخمس والزكاة والنذر والكفارة، بلا خلاف أجده إلاّ في
الزنا، فيثبت بشهادتهن في الجملة.
وتقبل شهادتهن مع الرجال في
الرجم خاصّة، لكن على تفصيل يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في الفصل الأوّل من كتاب
الحدود، وعليه يحمل إطلاق بعض النصوص: «تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال»
مع ما في سنده من الضعف والقصور.
•
شهادة النساء في الجراح والقتل، وتقبل شهادة النساء في
الجراح والقتل لكن لا منفردات، بل إذا كنّ مع الرجال منضمّات بأن يشهد رجل وامرأتان
؛ فإنّه وإن قال أوّلاً: تقبل شهادتهن مع الرجال في الجراح والقتل بقول مطلق ولكن قيّده وبيّنه بأنّه تجب بشهادتهن الدية لا
القود.
•
شهادة النساء في الديون، وتقبل شهادة النساء في
الديون إذا كنّ مع الرجال ولو واحد منهم
وهو الحجة؛ مضافاً إلى
الآية الكريمة «فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ»
والنصوص المستفيضة
؛ وأمّا مع اليمين فالأشبه عدم القبول أيضاً
، خلافاً
للفاضلين، فاختارا القبول
وهو الأصح؛ للصحيحين
.
•
شهادة النساء في أمور النساء الباطنة، ويقبلن شهادةً منفردات عن كل من
اليمين والرجال في
العذرة والبكارة وعيوب النساء الباطنة
كالرتق والقرن وغير ذلك من الأُمور الخفية التي لا يطلع عليها الرجال
، وهو
الحجة، مضافاً إلى الضرورة، والصحاح المستفيضة ونحوها من المعتبرة
. وحيث تقبل شهادتهن منفردات يعتبر كونهن أربعاً
؛ وتقبل شهادة القابلة في ربع ميراث المستهل من الاستهلال
.
•
شهادة النساء في الميراث والوصية، أنّها تقبل
شهادة امرأة واحدة في ربع الوصية، وكذا كل امرأة زادت في المسألتين تثبت شهادتها في الربع حتى يكملن أربعاً فتقبل شهادتهن في كل من
الميراث والوصية أجمع
.
ولا تردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة كالصياغة وبيع الرقيق ولا شهادة ذوي الصنائع الدنيئة بحسب العادة كالحياكة
والحجامة ولو بلغت الدناءة الغاية كالزبّال والوقّاد.
ولا شهادة ذوي العاهات والأمراض الخبيثة كالأجذم والأبرص بعد استجماع جميع شرائط قبول
الشهادة التي منها
العدالة، وعدم ارتكاب ما ينافي
المروءة، بلا خلاف بيننا أجده، وبه صرّح في
الكفاية، بل في ظاهر
السرائر والمسالك إجماعنا عليه، وهو
الحجة.
مضافاً إلى عمومات أدلة قبول الشهادة من
الكتاب والسنّة، مع سلامتها عن المعارض بالكلية، عدا ما توهّمه بعض العامة من أنّ اشتغالهم بهذه الحِرَف ورضاهم بها يشعر بالخسّة وقلّة المروءة
.
وهو ضعيف غايته، سيّما على القول بعدم اعتبار المروءة في قبول الشهادة، وأمّا على اعتبارها فكذلك أيضاً إذا لم تكن في ارتكاب هذه الصنائع منافاة للمروءة من غير جهة نفس الصنعة من حيث هي، كأن يكون من أهل تلك الصنعة، أو لم يُلَم مثله وأمثاله بارتكابها في العادة، وأمّا مع الملامة له فيها، بأن كان من أهل بيت الشرف الذي لا يناسب حاله تلك الصنعة، فارتكبها بحيث يلام، فيأتي عدم قبول شهادته حينئذ على القول باعتبار المروءة، وعدم القبول من هذه الجهة غير عدم القبول من حيث ارتكاب الصنعة من حيث إنّها صنعة، كما قاله بعض العامّة، من حيث توهّمه تضمّنها من حيث هي هي خلاف المروءة.
وبالجملة: الحيثيات في جميع الأُمور معتبرة، وعلى ما ذكرنا ينزّل إطلاق نحو العبارة ممن اعتبر المروءة في قبول الشهادة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۳۲۲-۳۶۲.