لبس المخيط للمحرم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجب على
المحرم لبس ثوبي الإحرام ، والمراد بثوبي الإحرام
الإزار والرداء، تقدّم في لباس
الإحرام عدم جواز
لبس المخيط من الثياب في حقّ الرجال، وأمّا
المرأة فيجوز لها .
ألحق بعض الفقهاء بالمخيط ما أشبهه كالملبّد.
وذكر أنّ منشأ تعميم الحرمة استفادتها ممّا ورد فيه النهي عن لبسه من الثياب المذكورة في الروايات بدعوى أنّها مصاديق للمخيط ولا خصوصية فيها.
ولكن استشكل غير واحد
في
استفادة حرمة لبس كل مخيط من الروايات، بل المستفاد منها أنّ
الميزان في المنع هو التدرّع بالثياب أي لبسها بما هي درع مقدّر على أعضاء
البدن لا المخيطة، ففي صحيح
زرارة عن أحدهما عليهما السلام، قال سألته عمّا يكره للمحرم أن يلبسه، فقال: «يلبس كلّ ثوب إلّا ثوباً يتدرعه».
وجوّز بعضها للمحرم أن يلبس
الطيلسان - مع وجود خياطة قليلة فيه؛
لالتصاق الزر بالثوب- كما في صحيحة
يعقوب بن شعيب ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال: «نعم. وفي كتاب علي عليه السلام: لا تلبس طيلساناً حتى ينزع أزراره، فحدثني أبي أنّه إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه
الجاهل عليه».
وناقش بعض المحقّقين في
الاستدلال بروايات لبس الطيلسان على جواز لبس المخيط إذا كانت خياطته قليلة، بأنّ المراد بالثوب المخيط ما خيط بعض الثوب بالبعض الآخر منه في قبال الملبّد والمنسوج، وأمّا مجرّد التصاق الزر بالثوب ولو بالخيط فلا يوجب صدق عنوان المخيط عليه، بل جواز لبس هذا الثوب ممّا تقتضيه القاعدة.
ونحوها صحيحة
الحلبي ،
فإنّهما صريحتان في جواز لبسه، وأنّ
الممنوع عليه إنّما هو شدّ أزراره.
فلا مانع من جواز لبسه اختياراً إذا لم يزرّه كما استظهر ذلك من كلمات جميع الفقهاء،
وقد جعله بعضهم مستثنى من عدم جواز لبس المخيط.
ومن هنا ذكر بعض الفقهاء: أنّه لا يستفاد من روايات الباب حرمة لبس مطلق المخيط، بل خصوص الأنواع الخمسة من الأثواب، وهي:
القميص والثوب المزرور و
السراويل والعباءة والدرع، بلا فرق بين كون هذه الأثواب مصنوعة من طريق
الخياطة أو لا.
وعليه، فإنّ البحث يقع في الامور التي ورد النهي عنها في الروايات، وهي:
وهو عبارة عن الثوب الذي يسلك في عنق
الإنسان ، ويدلّ على حرمته صحيحة
معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «قال: إذا لبست قميصاً وأنت محرم فشقّه وأخرجه من تحت قدميك».
وهو الثوب الذي له يدان أو فتحتان على نحو يتيح للإنسان أن يدخل يديه فيهما، فهو محرّم على المحرم وإن لم يسلك في العنق،
ويدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدّمة.
فإنّ لبسها بالصورة
الاعتيادية محرّم على المحرم وإن لم يدخل يديه في يدي
العباءة . أمّا في حالة
الاضطرار وفقد ثوب الإحرام فإنّه يجوز لبسه مقلوباً أو منكوساً، كما مرّ تفصيله. وتدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «قال: إذا اضطر المحرم إلى
القباء ولم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً، ولا يدخل يديه في يدي القباء».
وفي معتبرة مثنى الخيّاط عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «قال: من اضطر إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلّا قباء فلينكسه، وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه».
وتدلّ على حرمة لبسه صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في حديث: «لا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك
إزار ».
وهو الثوب الذي فيه أزرار يعقد بعضها ببعض، فإنّ لبسه محرّم على المحرم حتى لو لم يكن له يدان ولم يسلك في العنق، وليس موضوع الحرمة وجود
الأزرار فيه، بل
استعمال تلك الأزرار التي يعقد بعضها بالبعض الآخر،
وتدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام:
«قال: لا تلبس ثوباً له أزرار وأنت محرم إلّا أن تنكسه...».
ثمّ إنّه بناءً على
تعميم الحرمة للبس كلّ مخيط، فإنّه يستثنى من ذلك
الهميان وهو ما يوضع فيه النقود
للاحتفاظ بها ويشدّ على الظهر أو
البطن ، فإنّ لبسه جائز إذا احتاج إليه وإن كان من المخيط،
بل قيل: إنّ الحكم فيه متسالم عليه عند الفقهاء،
وتدلّ عليه صحيحة يعقوب بن شعيب: قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم يصرّ الدراهم في ثوبه، قال: «نعم، ويلبس
المنطقة والهميان».
وكذا معتبرة
يونس بن يعقوب ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: المحرم يشدّ الهميان في وسطه؟ قال: «نعم، وما خيره بعد نفقته؟».
أمّا إذا قلنا
بانحصار المنع بالثياب الخاصة المذكورة فجواز لبس الهميان حكم على طبق القاعدة، والرواية مؤكّدة له.
وقد يظهر من بعضهم وجود مانع آخر هنا وهو العقد، ولذا قال
العلّامة الحلّي في
المنتهى : إنّه لو أمكن إدخال سيور الهميان بعضها في بعض وعدم عقدها فعل؛
لانتفاء الحاجة إلى العقد.
ولكن قال غيره بالجواز مطلقاً؛
لإطلاق النص.
وكذلك يجوز التحزّم بالحزام المخيط الذي يستعمله المبتلى بالفتق، وقد يستدلّ له بأنّه حكم على طبق القاعدة؛ لعدم المقتضي للمنع، وعدم شمول
الإجماع المدّعى على منع لبس المخيط له؛ فإنّ المتيقّن منه هو الألبسة المتعارفة،
كما يشمله التعليل الوارد في الهميان؛ لأنّه إذا جاز لبس الهميان للتحفّظ على النفقة حتى يتمكّن من
أداء الحجّ فلبس الحزام أولى بالجواز؛ لأنّه بدونه لا يتمكّن من أداء الحجّ.
وكذا استثني لبس
الغلالة تحت الثياب للحائض لتقيها من النجاسة، هذا إن قلنا بمقالة
الشيخ الطوسي من حرمة لبس المخيط عليهن،
وإلّا فيجوز لهنّ لبس المخيط مطلقاً.
ثمّ إنّ الممنوع إنّما هو لبس المخيط أو الثياب الخاصّة- على القولين السابقين- وأمّا افتراش المخيط و
التغطية به والتلحّف به ونحو ذلك فلا بأس به؛ لعدم صدق اللبس على ذلك، بشرط أن لا يغطي بها رأسه لأنّه محرّم آخر سيأتي ذكره.
قد مرّ أنّه يجوز للنساء لبس المخيط مطلقاً، وإنّما استثني من ذلك لبس القفّازين، وعليه دعوى الإجماع من غير واحد.
وفسّر القفّاز بمعنيين:
أحدهما: أنّه لباس خاص تتخذه
المرأة لليدين يُحشى بقطن ويكون له أزرار تزرّه على الساعدين وتلبسه للتحفّظ من
البرد .
الثاني: أنّه ضرب من حلي اليدين والرجلين.
ولم يتعرّض جملة من
الفقهاء لبيان المراد منه،
وصرّح بعضهم
بتحريمه بالمعنى الأوّل، وذكر الشهيد كلا معنييه، ولكنّ الظاهر منه الميل إلى الأوّل.
وكيف كان، فالدليل
على
التحريم هو عدّة روايات:
منها: ما رواه
العيص بن القاسم عن
الإمام الصادق عليه السلام : «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير
الحرير و
القفّازين ...».
ومنها: خبر
أبي عيينة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته ما يحلّ للمرأة أن تلبس وهي محرمة؟ فقال: «الثياب كلّها ما خلا القفّازين و
البرقع والحرير».
ومنها: خبر
يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، عن
أبيه عليه السلام: «أنّه كره للمحرمة البرقع والقفّازين»،
وقد يرد على الأخيرين بضعف
السند .
ولكن مع ذلك احتمل بعضهم
الجواز لو لا دعوى
الإجماع عليه، فيحمل النهي الوارد عن لبسه على
الكراهة .
واستدلّ له بأنّ القفّازين إمّا من جنس الثياب التي دلّت الأدلّة على جوازها لهنّ أو من جنس الحلي لليدين والرجلين فيتحد حكمهما معه وهو جواز اللبس لغير
الزينة .
واورد عليه: بأنّه لا بد من
تقديم الخبر الخاص الدالّ على منع القفّازين على العام الدالّ على جواز لبس الثياب أو الحلي للنساء، بل هو أرجح من الجمع بالكراهة خصوصاً في المقام، وورود لفظ الكراهة بدل النهي في بعض الأخبار لا يصلح قرينة على الكراهة بالمعنى المصطلح؛ لكونه مستعملًا في الأخبار للأعمّ منها ومن الحرمة.
وقد يستدل بالأصل؛ لإجمال معنى القفّاز و
تعارض المعنيين.
ويردّه: أنّه لا وجه له بعد العلم
إجمالًا بحرمة أحد المصداقين؛ إذ مقتضى القاعدة حينئذٍ
الاجتناب عن كليهما.
ممّا يحرم على الرجال لبس الخفّ والجورب، وهذا في الجملة ممّا لا خلاف فيه، نعم يجوز اللبس في حال الضرورة وفقدان النعل على أن يشقّ ظهره على خلاف في ذلك.
وعمّم بعضهم التحريم إلى مطلق ما يستر ظهر القدمين، قال
ابن زهرة : «وأن يلبس ما يستر ظاهر القدم من خفّ أو غيره بلا خلاف».
وقال العلّامة الحلّي: «لا يجوز له لبس الخفّين ولا ما يستر ظهر القدم
اختياراً ، ويجوز اضطراراً، ولا نعلم فيه خلافاً».
ولكن خالف فيه بعض المتأخّرين
في تعميم المنع فقال باختصاص ذلك بالخفّ والجورب، كما سيأتي وجهه.
ومنشأ الخلاف ما يستظهر من الروايات، وهي على طائفتين:
الاولى: ما دلّ على المنع من لبس الخفّين والجوربين إلّا عند الضرورة:
منها: صحيحة
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إذا اضطر إلى ذلك، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلى لبسهما».
ومنها: رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في حديث قال: «ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك
إزار ، ولا خفّين إلّا أن لا يكون لك
نعلان ».
ومنها: خبر
رفاعة بن موسى : أنّه سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحرم يلبس الجوربين، قال: «نعم، والخفّين إذا اضطرّ إليهما».
الطائفة الثانية: ما دلّ على أنّ المحرم إذا اضطرّ إلى لبس الخفّين يجب عليه أن يشقّ ظهر القدم أو قطع الخفّين:
منها: ما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «فإن لم يجد نعلين فليلبس خفّين، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من
الكعبين ».
ومنها: رواية
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: في رجلٍ هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين، قال: «له أن يلبس الخفّين إن اضطرّ إلى ذلك وليشقّه عن ظهر القدم».
ومنها: رواية
محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام : في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل؟ قال: «نعم، ولكن يشقّ ظهر القدم».
وقد اختلفوا فيما يستفاد من هذه الروايات فاستفاد جماعة من الفقهاء
الإطلاق منها لكلّ ما يستر ظهر القدم، بل تقدم في كلام ابن زهرة والعلّامة نفي الخلاف فيه، بل ذهب بعض مثل
الشهيد الثاني إلى حرمة لبس ما يستر بعض ظهر القدم؛ مستدلّاً عليه بأنّ حرمة الجميع يستلزم حرمة البعض، وهذا
استدلال واضح الضعف؛ لأنّ حرمة الجميع إذا كان بنحو المجموعية، فلا يستلزم حرمة البعض، وفي قبال ذلك ذكر بعض المعاصرين، أنّ النص يختص بالجورب والخفّ، والتعدي إلى مطلق ما يستر ظهر القدم بحاجة إلى قرينة، ولا نعلم أنّ ملاك المنع عنهما هو ذلك.
ومع ذلك قال: الأحوط الاجتناب عن لبس كلّ ما يستر تمام ظهر القدم ممّا يكون شبيهاً بالجورب والخف، أمّا ما لا يكون شبيهاً، ولا يصدق عليه اللبس، فلا ينبغي التأمّل في جوازه.
وذكر بعض آخر من الفقهاء: «أنّ المستفاد من مجموع الروايات أنّ حرمة لبس الخفين لأجل أنّهما لباسان متعارفان يلبسهما الناس قبل
الإحرام ، فلا يمكن التعدّي منه إلى كلّ ما يستر ظهر القدمين حتى مع القول بوجوب شقّ الظهر، وذلك
لاحتمال أن يكون الشقّ لتغيير حقيقة الخفين و
إخراجهما عن اللباس المتعارف كما في لبس القباء منكوساً أو مقلوباً حتى يعلم أنّ لابسها محرم، ويكون شعاراً كما في تقليد
الهدي وشق
اذنه ».
ثمّ إنّ ظاهر كلمات بعض المتقدّمين كون حرمة الخفّ خارجة عن مسألة المخيط، ولذا ذكروا الخفّ مستقلّاً عن المخيط،
وعليه يمكن القول بحرمته في حق النساء أيضاً، كما هو ظاهر
الشيخ الطوسي في
الاقتصاد وابن حمزة والمحقّق والعلّامة الحلّيين، حيث أطلقوا المنع من لبس ما يستر ظهر القدم، مع أنّهم قائلون باختصاص حرمة المخيط بالرجال،
ولعلّه لعموم الأخبار وقاعدة
الاشتراك .
ولكن ذهب الفقهاء المتأخّرون إلى
اختصاص المنع بالرجال؛ لاختصاص النصوص المانعة بالرجال، ولأنّ قاعدة الاشتراك لا تجري في المقام بعد العلم
باختلافهما في كثير من أحكام الحجّ خصوصاً في اللباس، ولو سلّم الإطلاق فيها أمكن تقييده بما دلّ على جواز إحرامها في كلّ شيء وزينتها المعتادة، وأنّها تلبس من الثياب ما شاءت إلّا القفّازين.
ولا
إشكال ولا خلاف
في أنّه إذا اضطر المحرم إلى لبس الخفّين كأن لم يجد نعلين ولم يتمكّن من المشي حافياً جاز له لبسه، بل عليه دعوى الإجماع من غير واحد.
وتدلّ عليه
النصوص المتقدّمة المصرّحة بالجواز في الخفّ و
الجورب الملحق بهما غيرهما كالشمشك ونحوه، بل قيل هو أولى.
ولكن قال الشيخ الطوسي في بعض كتبه وكذا ابن حمزة أنّه: لا يلبس
الشمشك على حال،
وظاهره عدم جواز الشمشك حتى مع الضرورة أيضاً. وقد يحاول حمل ذلك على اللبس بدون الشقّ،
إلّا أنّه لا يجدي في اختصاص الشمشك بذلك.
وقد ذهب جماعة من الفقهاء- منهم الشيخ في
المبسوط وأتباعه وابن سعيد والفاضل في بعض كتبه والشهيدان والكركي
- إلى أنّه إذا اضطر المحرم إلى لبس الخفّين ونحوهما وجب عليه أن يشقّهما؛ لورود
الأمر به في النصوص، كما تقدّم في خبري
محمّد بن مسلم وأبي بصير، وكذا النبوي والمرسل، وبذلك يقيّد إطلاق جملة اخرى من الروايات كخبر عمّار والحلبي ورفاعة،
مضافاً إلى
الاحتياط وحرمة لبس ما يستر ظهر القدم بلا ضرورة، و
الاحتراز عنه إنّما هو بالشقّ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.
ولكن ذهب آخرون
إلى عدم وجوب الشقّ، بل ادّعى
ابن إدريس الإجماع على ذلك صريحاً، ونسب القول بلزوم الشقّ إلى بعض المخالفين لمذهب
أهل البيت عليهم السلام ،
وقال المحقّق: إنّ لزوم الشقّ قول متروك،
وهو مشعر بالإجماع.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۵۲۵-۵۳۴.