الأنف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
المنخر وآلة التنفّس والشمّ ويسمّى طرف الشيء و
أشرفه وأوّله وقد استعمله
الفقهاء بالمعاني المتقدّمة وفي الموت حتف أنفه، وفي
الاستنكاف ، وفي
إرغام الأنف حال السجود.
الأنف- لغةً-: المنخر، وهو عضو وآلة التنفّس والشمّ، والجمع آناف وانوف.
ويسمّى طرف الشيء و
أشرفه وأوّله: أنف.
وأنف الجبل: ما خرج منه.
وأنِفَ مِن الشيء: استنكف منه.
ويقال: مات حتف أنفه، إذا مات من غير ضرب ولا قتل، وزاد
الصغاني : ولا غرقٍ ولا حرقٍ.
ورَغِمَ أنفه: ذلّ.
وقد استعمله الفقهاء بالمعاني المتقدّمة، فاستعملوه في العضو المخصوص، وفي الموت حتف أنفه، وفي
الاستنكاف ، وفي
إرغام الأنف حال السجود، أي وضعه على
الرغام - بالفتح- وهو
التراب .
تحدّث الفقهاء عن الأنف في مواضع متعدّدة من
الفقه وهي-
إجمالًا - كما يلي:
تتعلّق بالأنف عدّة أحكام في الطهارة، وهي:
لغسل
باطن الأنف أحكام في الطهارات، وهي:
۱- في الطهارة المائية:
لا يجب غسل باطن الأنف في الوضوء
اتّفاقاً .
وتشهد له النصوص البيانية؛ فإنّ البواطن لا تغسل بمجرّد صبّ الماء على الوجه مرّة واحدة و
إمرار اليد كذلك.
وصحيح
زرارة عن
الإمام الباقر عليه السلام قال: «ليس المضمضة
والاستنشاق فريضة ولا سنّة، إنّما عليك أن تغسل ما ظهر».
نعم، يجب غسل شيء منه من باب
المقدّمة العلمية .
وكذلك لا يجب غسل باطن الأنف في الغسل بلا خلافٍ بين الفقهاء.
وتدلّ عليه الأخبار المستفيضة، كخبر زرارة- المتقدّم-: «... إنّما عليك أن تغسل ما ظهر». وتفصيل الكلام يأتي في محلّه.
۲- الاستنشاق والاستنثار:
يعني الاستنشاق جعل الماء في الفم و
اجتذابه بالأنف.
أمّا
الاستنثار فهو
إخراجه بالنفس أيضاً.
والمعروف بين الفقهاء أنّ الاستنشاق من مستحبّات الوضوء والغسل لا من فروضهما؛ لأنّه المستفاد من الروايات البيانية للوضوء والغسل، وللإجماع، إلّا من
ابن أبي عقيل ، حيث نسب إليه القول بعدم كونه من فروض
الوضوء ولا من سننه.
وأمّا الاستنثار فقد عدّه بعض من مستحبّات الوضوء أيضاً.
وتفصيله يأتي في محلّه.
ذكر الفقهاء أنّ المراد من الوجه في
التيمّم هو بعضه في الوضوء،
وفي تعيينهم لذلك البعض ذكروا أنّ منه الجبهة من القصاص إلى الطرف الأعلى من الأنف، مدّعين عليه
الإجماع بقسميه المحصل والمنقول مستفيضاً، بل متواتراً،
وأنّه المستفاد من الروايات البيانية للتيمّم.
والمراد بطرف الأنف في كلام الفقهاء: الأعلى، وهو ما يلي الجبهة، كما صرّح به جماعة،
لا الأسفل.
نعم، قال
المحقّق النجفي : «في المحكي عن
الأمالي في معقد (الإجماع) المنسوب إلى دين
الإمامية : يمسح من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى، وإلى الأسفل أولى»،
وكذا الجعفرية.
يجب مسح المساجد السبعة للميّت بالكافور،
وهي
الجبهة واليدان والركبتان و
إبهاما الرجلين، وأمّا مسح طرف الأنف ففيه قولان:
الأوّل: الوجوب، ذهب إليه جماعة من الفقهاء،
حيث زادوا على المساجد طرف الأنف، بل قد يظهر من
العلّامة الحلّي أنّه لا خلاف فيه، حيث قال: «ثمّ يعمد إلى
الكافور الذي أعدّه أوّلًا لحنوطه، فيسحقه بيده ويضع منه على مساجده السبعة وطرف أنفه... ولا خلاف في ذلك».
ونوقش في دعوى الوجوب،
بالأصل وتبادر السبعة من المساجد في النصّ والفتوى،
بل في الخلاف ادّعى الإجماع على ترك ما زاد على السبعة على الصدر.
القول الثاني:
الاستحباب ، وهو ما صرّح به جملة من الفقهاء.
قال
السيّد اليزدي : «يجب مسحه (الكافور) على المساجد السبعة، وهي: الجبهة واليدان والركبتان وإبهاما الرجلين، ويستحبّ
إضافة طرف الأنف إليها أيضاً، بل هو
الأحوط ...».
والتفصيل يأتي في محلّه.
يستحبّ للمصلّي أن يرغم أنفه في حال سجوده،
بل ادّعى غير واحدٍ من الفقهاء الإجماع عليه.
واستدلّ له
بصحيحتي زرارة وحمّاد، ففي صحيحة زرارة قال: قال
أبو جعفر عليه السلام : «قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : السجود على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين من الرجلين، وترغم بأنفك إرغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة، وأمّا الإرغام بالأنف فسنّة من
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ».
وفي صحيحة حمّاد أنّ
الإمام الصادق عليه السلام لمّا علّمه الصلاة سجد على ثمانية أعظم: الجبهة والكفّين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والأنف،(وقال) «فهذه السبعة فرض، ووضع الأنف على الأرض سنّة...»،
وظاهر بعض الفقهاء
- بل صريحهم- أنّ السنّة تتأدّى بوضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه مطلقاً وإن لم يكن تراباً؛ لإطلاق بعض النصوص
:
منها:
موثّق عمّار عن
جعفر عن
أبيه عليهما السلام قال: «قال
علي عليه السلام : لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب
الجبين ».
ومنها: صحيح
عبد الله بن المغيرة ، قال: أخبرني من سمع
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه».
والظاهر الأوّلي لهذه الروايات وإن كان هو وجوب إرغام الأنف في السجود- خصوصاً مثل موثّق عمّار و
صحيح عبد اللَّه بن المغيرة- إلّاأنّه بقرينة صحيحة حمّاد المتقدّمة التي نفت الفرض عن وضع الأنف على الأرض وجعلته من السنّة بمعنى الندب، تحمل هذه الروايات على ذلك.
بل لعلّ ما في موثّق عمّار وصحيح عبد اللَّه بن المغيرة من
اشتراط إصابة الأنف لنفس ما تصيبه الجبهة لا لمطلق
الأرض قرينة اخرى على
إرادة الاستحباب؛ لوضوح عدم لزوم ذلك.
اللهمّ إلّاأن يقال: إنّ المراد بالسنّة في صحيحتي زرارة وحمّاد ما سنّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقابل ما جاء فرضه في الكتاب، على الخلاف بين الفقهاء والاصوليّين في تفسير كلمة (السنّة) و (الفرض) في مثل هذه الروايات.
من هنا يمكن
الاعتماد على
ارتكازية عدم وجوب الإرغام عند المتشرّعة ليكون قرينة على إرادة الاستحباب من هذه الأوامر، فإنّ مثل هذا الحكم الذي هو محلّ
الابتلاء اليومي للمتشرّعة لو كان واجباً وفرضاً في الصلاة لأصبح بيّناً مركوزاً عندهم، مع أنّ المرتكز استحبابه.
هذا، وظاهر
إطلاق الأنف في النصوص وعبارات الفقهاء
الاجتزاء بإصابة الأنف المسجد بأيّ جزء اتّفق، كما صرّح به جماعة.
لكن عن بعض إصابة الجزء الأعلى منه، وهو الذي يلي الحاجبين،
ومستنده غير واضح.
وتفصيله يأتي في محلّه.
لا إشكال في عدم الفرق في مفطرية
الأكل و
الشرب بين ما كان من الطريق العادي المتعارف- أي الفم- وما كان من غير الطريق المتعارف، كما لو شرب الماء من أنفه؛ لإطلاق الأدلّة.
ودعوى
انصرافها إلى الأكل والشرب بالنحو المتعارف غير صحيحة؛ لعدم دخل الفم في صدق الأكل والشرب بعد أن كان الدخول في الجوف من طريق الحلق أكلًا،
بل بعد أن كان المستفاد من الأدلّة أنّ مطلق
إدخال الطعام ونحوه إلى الحلق مفطر للصيام. وتفصيل الكلام في محلّه.
صرّح الفقهاء في محرّمات
الإحرام بأنّه يجب على المحرم
إمساك أنفه عن الرائحة الطيّبة، حتى أنّه لو اضطرّ إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب خاصّة لزمه القبض على أنفه.
قال المحقّق النجفي: «لو اضطرّ إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب خاصّة قبض على أنفه؛ تقديراً للضرورة بقدرها وعملًا بالنصوص،
وكذا لو كان الطيب عند غيره، يجب عليه إمساك أنفه منه؛ لظهور الإطلاق والاتّفاق في ذلك.
وفي المقابل يحرم على المحرم إمساك أنفه عن شمّ الرائحة الكريهة على المشهور،
بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه؛
لقول أبي عبد اللَّه عليه السلام في صحيح ابن سنان: «المحرم إذا مرّ على جيفة فلا يمسك على أنفه».
وفي صحيح
الحلبي و
محمّد بن مسلم جميعاً عنه عليه السلام أيضاً قال: «... ولا يمسك على أنفه من الريح الخبيثة».
ولعلّ المراد من الإمساك هنا في طرف الوجوب أو الحرمة الشمّ وعدمه، لا وجود حكم تعبدي بوضع اليد على الأنف. وتفصيل البحث مع بعض المستثنيات يراجع في محلّه.
تقع الجناية على الأنف إمّا عن عمدٍ أو لا، ولكلّ منهما حكمه الخاصّ، وفيما يلي تفصيل ذلك:
صرّح الفقهاء بأنّ الجناية العمدية توجب القصاص إجماعاً؛
لقوله تعالى: «وَالأَنفَ بِالأَنفِ».
ويجب
التماثل في القصاص، فإن كان المقطوع كلّ الأنف فيقتصّ من الأنف كلّه، ولا
أثر لاختلافهما في الصغر والكبر، كما لا أثر لاختلافهما في الصحّة والسقم من حيث حاسّة الشمّ.
فإذا كان أنف الجاني صحيحاً وأنف المجني عليه فاقداً للشمّ فقد ذكروا أنّه يجوز للمجني عليه أن يقتصّ من الجاني بلا خلاف ولا إشكال؛ لأنّ مركز الخلل في الشمّ هو الدماغ، لا في الأنف و
الأذن .
اللهمّ إلّاأن يقال بأنّ حاسّة الشم وإن كانت على صلة بالدماغ، إلّاأنّ سبب فقدانها قد يكون راجعاً إلى تلف القنوات العصبية والخلوية الموجودة في الأنف نفسه والتي يتم من خلالها نقل المعلومات إلى
الدماغ ، فيكون منشأ الخلل في الأنف وأثره في الدماغ.
نعم، إذا كان أنف المجني عليه مستحشفاً (استحشف الأنف: يبس غضروفه فَعُدِمَ الحركةالطبيعية. )
وأنف الجاني سليماً، فقد استشكل بعضهم في القصاص،
وقوّى آخر العدم؛
لما يستفاد من مجموع الأدلّة أنّ الشلل العضوي يخرجه عن موضوع
القصاص ، بل يتبدّل الحكم إلى
الدية أو
الأرش و
الحكومة .
هذا كلّه لو كانت الجناية على كلّ الأنف، أمّا لو كانت الجناية على بعضه فيقتصّ منه بالنسبة لا المساحة على ما ذكره غير واحد من الفقهاء؛
لئلّا يستوعب أنف الجاني بتقدير أن يكون صغيراً، وأنف المجني عليه كبيراً، فالنصف من أنف الجاني بالنصف من ذلك من المجني عليه، ساواه في المساحة أو زاد أو نقص، والثلث بالثلث.
وفي المسألة تفصيلات اخرى تراجع في محلّها.
المشهور أنّ الأنف إذا استؤصل أو قطع مارنه(المارن: ما دون قصبة الأنف، وهو ما لان منه.)
ففيه الدية كاملة؛ لأنّ كلّ ما كان منه في
البدن فرد واحد ففيه الدية كاملة،
كما ورد في النصوص.
وتدلّ على ذلك عدّة روايات:
منها: صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «في الأنف إذا استؤصل جدعه الدية...».
ومنها: صحيحة الحلبي عنه عليه السلام أيضاً: «... في الأنف إذا قطع المارن الدية»،
ومنها: معتبرة
سماعة عنه عليه السلام أيضاً: «... في الأنف إذا قطع الدية كاملة»،
لكن ذكر جماعة من الفقهاء أنّه لو قطع المارن مع
القصبة كان في المارن الدية، وفي القصبة الحكومة؛
وقد علّله
السيّد الطباطبائي قائلًا: إنّ غاية أدلّة الدية إثباتها في قطع المارن، ولا تنفي الحكومة في قطع الزائد عليه.
وأورد عليه
السيّد الخوئي قائلًا: «لكنّه غير تام؛ وذلك لأنّ مقتضى نصّ صحيحة عبد اللَّه بن سنان، وإطلاق معتبرة سماعة وصحيحة
هشام المتقدّمات هو نفي ذلك، لا مجرّد
إثبات الدية فحسب. نعم، إذا كان قطع القصبة بجناية اخرى كان فيه الحكومة زائدة على الدية في قطع المارن، ولكنّه خارج عن مفروض الكلام».
ولو كسر الأنف ففسد ففيه الدية كاملة،
وادّعي عدم الخلاف فيه؛
لأنّه
كالإبانة .
نعم، لو جُبر على غير عيب فديته مئة دينار؛ للإجماع،
مضافاً إلى ما عساه يفهم من خبر ظريف
في ثبوت المئة في كسر الظهر إذا جبر على غير عيب، من أنّ ذلك كذلك في كلّ ما كان في كسره الدية، ومنه ما نحن فيه.
ولو شلّ فديته ثلثا ديته بلا خلاف،
بل ادّعي الإجماع عليه.
كما لا خلاف ولا إشكال بين الفقهاء في أنّ في قطع الأنف وذهاب الشمّ ديتين، للأنف والشمّ؛
لأصالة عدم التداخل بعد أن كانا جنايتين ذاتاً ومحلّاً.
أمّا دية الجناية على أنف الانثى فهي على حسب القاعدة في أنّ ديتها تساوي دية الذكر حتى تبلغ ثلث ديته، فإذا جاوزته صارت ديتها نصف ديته.
وتفصيله في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۲۸۴-۲۹۲.