أيام البيض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي أيام سميت
البيض بالإضافة لبياض
لياليها وهي
الثالث عشر إلى الخامس عشرمن كل
شهر .
الأيّام : جمع يوم، و
البيض : جمع أبيض،
وصف للأيّام، وهي
الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر
باعتبار بياض لياليها؛ وذلك لأنّ
القمر يطلع في هذه الليالي من
أوّلها إلى آخرها.
و
الظاهر أنّه لا
حاجة إلى
تكلّف تقدير (الليالي)، و
القول بأنّ البيض وصف لهذا
المقدَّر، و
الالتزام بوقوع
الغلط في ما ورد من
التعبير ب (الأيّام البيض) وصفاً، كما عن
ابن برّي على ما حكي عنه من قوله:
«وأكثر ما تجيء
الرواية : الأيّام البيض، و
الصواب أن يقال: أيّام البيض بالإضافة؛ لأنّ البيض من
صفة الليالي»؛
ولا يوجد لدى الفقهاء
اصطلاح خاص، بل ترد في
الفقه بنفس
المعنى اللغوي.
و
المشهور في
تفسيرها أنّها اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر؛ لبياض لياليها، كما صرّح به أهل
اللغة أيضاً، ولكنّ
المحكي عن
ابن أبي عقيل غير ذلك كما يأتي.
قال
العلّامة الحلّي : «المشهور في تفسيرها: الثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر؛ سمّيت بيضاً
بأسماء لياليها من حيث إنّ القمر يطلع مع غروب
الشمس ويغرب مع
طلوعها، قاله الشيخان
والسيّد المرتضى وأكثر علمائنا.
وقال ابن أبي عقيل: فأمّا
السنّة من
الصيام فصوم
شعبان وصيام البيض، وهي ثلاثة أيّام في كلّ شهرٍ
متفرّقةً :
أربعاء بين خميسين، الخميس الأوّل من
العشر الأوّل، والأربعاء الأخير من العشر
الأوسط ، وخميس من العشر
الأخير ».
واجيب عنه بأنّه
خلاف ما ذكر من
العلّة في تسميتها؛ فإنّها لا تتم إلّافي الأيّام
المعروفة ،
بل وخلاف صريح بعض الروايات الآتية الدالّة على
استحباب صومها.
وهي الأيّام
المتّصفة بالسواد باعتبار
سواد لياليها، وهي التي لا يطلع فيها القمر أصلًا ويكون في
المحاق تماماً، وهي:
الثامن والعشرون وتالياه،
وليس لها
حكم شرعي.
يستحبّ صيام هذه الأيّام، قال
المحقّق الحلّي في الصوم
المندوب : «والمؤكّد منه
الصيام المندوب أربعة عشر قسماً: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، أوّل خميس منه، وآخر خميس منه، وأوّل أربعاء من العشر الثاني... و
صوم أيّام البيض...».
ونحوها عبارة العلّامة في القواعد
والسيّد اليزدي،
بل ادّعى العلّامة في
المختلف الإجماع على ذلك، حيث قال: «صوم أيّام البيض مستحبّ
إجماعاً ».
وقد يستدلّ له بالروايات:
منها: ما رواه
الحسين بن علوان عن
جعفر عن
أبيه عليهما السلام: «أنّ
عليّاً عليه السلام كان ينعت صيام
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: صام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الدهر كلّه ما شاء اللَّه، ثمّ ترك ذلك وصام صيام
داود عليه السلام يوماً للَّه و
يوماً له ما شاء اللَّه، ثمّ ترك ذلك فصام الإثنين و
الخميس ما شاء اللَّه، ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيّام من كلّ شهر، فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه اللَّه إليه».
ومنها: ما روي عن
علي بن أبي طالب عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:
أتاني
جبرئيل فقال: قل لعلي: صم من كلّ شهر ثلاثة أيّام، يكتب لك بأوّل يوم تصومه عشرة آلاف سنة، وبالثاني ثلاثون ألف سنة، وبالثالث مئة ألف سنة، قلت:
يا رسول اللَّه، ألي ذلك خاصة أم
للناس عامّة؟ فقال: يعطيك اللَّه ذلك ولمن عمل مثل ذلك، فقلت: ما هي يا رسول اللَّه؟
قال: الأيّام البيض من كلّ شهر، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر».
ومنها: ما رواه
ابن مسعود عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - في
حديث - قال: «إنّ اللَّه أهبط
آدم إلى الأرض
مسودّاً، فلمّا رأته
الملائكة ضجّت وبكت وانتحبت- إلى أن قال-: فنادى منادٍ من
السماء :
أن صم لربّك
اليوم ، فصام فوافق يوم ثالث عشر من
الشهر فذهب ثلث
السواد، ثمّ نودي يوم
الرابع عشر أن صم لربّك اليوم، فصام فذهب ثلث السواد، ثمّ نودي في يوم خمسة عشر بالصيام، فصام وقد ذهب السواد كلّه، فسمّيت أيّام البيض للذي ردّ اللَّه عزّوجلّ فيه على آدم من بياضه، ثمّ نادى
منادٍ من السماء: يا آدم، هذه الثلاثة أيّام جعلتها لك ولولدك، من صامها في كلّ شهر فكأنّما صام
الدهر ».
وظاهر
الشيخ الحرّ العاملي العمل
بمضمون هذه الأخبار، حيث عنون
الباب ب «باب
استحباب صوم الأيّام البيض».
ولكن اجيب عن
الأخير بضعف
السند ؛ لكون
راويه عامّياً،
مضافاً إلى أنّ ما تضمّنه من العلّة خلاف ما عليه
فقهاؤنا؛ فإنّهم اتّفقوا في وجه
تسميتها بالبيض بكون لياليها كذلك لا ما ذكر في الحديث
المزبور .
أمّا الأوّلان فقد اجيب عنهما بوجود
المعارض الدّال على نسخ هذا
الحكم بحكم آخر، وهو استحباب صوم ثلاثة أيّام غير هذه
الثلاثة بدلها.
كما في رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أوّل ما بُعث يصوم حتى يقال: ما يفطر... ثمّ ترك ذلك وصام الثلاثة الأيّام
الغرّ ، ثمّ ترك ذلك وفرّقها في كلّ عشرة يوماً، خميسين بينهما أربعاء، فقبض صلى الله عليه وآله وسلم وهو يعمل ذلك».
والروايات بهذا المضمون في حدّ
الاستفاضة على ما ادّعاه
المحدّث البحراني .
قال
الشيخ الصدوق - بعد ذكر
الرواية الأخيرة-: «هذا
الخبر صحيح ولكنّ اللَّه تبارك وتعالى فوّض إلى نبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أمر
دينه، فقال عزّوجلّ: «وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا»،
فسنّ رسول اللَّه مكان أيّام البيض خميساً في أوّل الشهر، وأربعاء في وسط الشهر، وخميساً في آخر الشهر، وذلك صوم
السنة ، من صامها كان كمن صام الدهر؛ لقول اللَّه عزّ وجل: «مَن جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا »،
وإنّما ذكرت الحديث لما فيه من ذكر العلّة...».
ولذلك حمل المحدّث البحراني الأخبار الدالّة على استحباب صوم الأيّام البيض على
التقيّة بعد
الإشكال في سند أكثرها.
وأمّا تصريح
السيّد العاملي بأنّه لم يقف على رواية تدلّ على الحكم من طرق الخاصة سوى الرواية الأخيرة؛
فلعلّ
مراده عدم
الوقوف على ما يمكن
الفتوى به، وإلّا فقد وردت أخبار متعدّدة بهذا المضمون.
ثمّ إنّه ينبغي
البحث في دلالة رواية
محمّد بن مسلم، وأنّها هل تدلّ على
النسخ - كما ذكره الشيخ الصدوق والمحدّث البحراني- أو لا تدلّ عليه؟ قد يقال بعدم
الدلالة على النسخ؛ لأنّ
المذكور في الرواية إنّما هو ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم صوم الأيّام المزبورة وصوم الثلاثة الاخر
مكانها إلى أن قبض، وأمّا النسخ- كما صرّح به المحدّث البحراني- أو تسنين سنّة اخرى مكان الاولى- كما في
العلل - فلا يستفاد من هذه الرواية؛ ولعلّه لمثل ذلك- مضافاً إلى القول
بالتسامح في أدلّة السنن- حكم جماعة من الفقهاء باستحباب
الأمرين معاً.
قال
الإمام الخميني : «
فالمؤكّد منه
الصوم المندوب أفراد:
منها: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر،
وأفضل كيفيّتها: أوّل خميس منه، وآخر خميس منه، وأوّل أربعاء في العشر الثاني.
ومنها: أيّام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر».
نعم،
الظاهر من
سكوت بعضهم عن ذكر الأيّام البيض في عداد الأيّام التي يستحبّ صومها، عدم ثبوت
الحكم عندهم؛
إمّا لاستظهار النسخ من رواية محمّد بن مسلم، وإمّا
لإجمال هذه الرواية عندهم بالنسبة لاستحباب صوم هذه الأيّام، بضميمة ضعف
أسناد سائر الأخبار.
و
التفصيل في محلّه.
ثمّ إنّه من
الواضح المصرّح به في
كلماتهم أنّ استحباب صوم هذه الأيّام إنّما هو إذا لم يصادف الأيّام المحرّمة للصوم،
كالفطر و
الأضحى وأيّام التشريق لمن كان بمنى.
وهذا الحكم جارٍ بالنسبة لجميع الأيّام المستحبّ صومها، فيحرم
بانطباقها على هذه الأيّام.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۲۴۱-۲۴۵.