الإحصاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو إحاطة
العلم بالشيء إمّا
بالحصر أو
بالحفظ.
الاحصاء لغة
الإحاطة بالشيء، إمّا
حصراً وتعداداً وهو
مرادف للعدّ
كما في قوله تعالى: «وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً»
أي أحاط باستيفاء عدد كل
شيء. وهذا هو الأغلب في استعمالاته، وإما حفظاً كما في قوله تعالى: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ
اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ»
وقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «انّ للَّه تعالى تسعة وتسعين
اسماً، من أحصاها دخل
الجنّة».
قال
ابن منظور: «الاحصاء
العدّ و
الحفظ».
وقال
الفيومي: «أحصيت الشيء: علمته، وأحصيته: عددته».
ويستعمل لدى
الفقهاء بنفس المعنى
اللغوي.
لا حكم للإحصاء في نفسه، بل قد يعتريه
الحكم باعتبار ما يضاف إليه، ونتعرّض لبعضها
إجمالًا فيما يلي:
عقد
الحرّ العاملي في
الوسائل باباً جعل عنوانه: «باب تحريم احصاء عثرات
المؤمن و
عوراته لأجل تعييره بها»، وظاهره
الفتوى به، وذكر فيه روايات، منها: ما رواه
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام، قال: «إنّ أقرب ما يكون
العبد إلى
الكفر أن يؤاخى الرّجل
الرجل على
الدين فيحصي عليه زلّاته ليعنفه بها يوماً ما».
ومثله رواية
محمّد بن أبي عمير عن
سيف بن عميرة عن [[الإمام الصادق عليه السلام
|أبي عبد اللَّه عليه السلام]] باختلاف يسير في بعض
الألفاظ.
وأيضاً عن
المفيد في كتاب
الروضة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «من أحصى على أخيهالمؤمن
عيباً ليعيبه به
يوماً ما كان من
أهل هذه
الآية، قال اللَّه عز وجلّ: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ...» الخ». وأيضاً عنه عليه السلام: «من أحصى على أخيه المؤمن عيباً ليشينه به ويهدم
مروّته، فقد تبوّأ
مقعده من
النار».
والمراد بالإحصاء في هذه
الأخبار الحفظ كما ورد
التصريح به في
رواية اخرى عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إنّ أقرب ما يكون أحدكم إلى الكفر إذا تحفّظ على أخيه زلّته يعيّره به يوماً».
يجوز إحصاء
الخبز في
البيع و
القرض ونحوهما بمعنى بيعه وإقراضه عدداً، كما يجوز بيعه
وزناً، ولا يضرّ اختلاف
الأرغفة في
الصغر و
الكبر بمضبوطيّة مورد
المعاملة قدراً ووصفاً إذا كان الاختلاف بالمتعارف وبما يتسامح فيه
عرفاً وعادةً كما هو كذلك في
الجوز و
البيض.
وهذا مقتضى
القاعدة، وقد صرّح به جماعة من
الفقهاء أيضاً.
قال
المحقّق الحلّي في
القرض: «الثاني: ما يصحّ إقراضه، وهو كل ما يضبط وصفه وقدره، فيجوز إقراض
الذهب و
الفضة وزناً، و
الحنطة و
الشعير كيلًا ووزناً، والخبز وزناً وعدداً نظراً إلى
المتعارف».
وإليه يشير خبر
اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: استقرض الرغيف من الجيران فنأخذ كبيراً ونعطي صغيراً، أو نأخذ صغيراً ونعطي كبيراً، فقال: «لا بأس».
ولكن قد ورد
النهي عن إحصاء الخبز في بعض الأخبار كما رواه
الشيخ باسناده عن
الكناني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في حديث- أنّه قال: دخل
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم على
عائشة وهي تحصي الخبر، فقال: «يا عائشة لا تحصي الخبز فيُحصى عليك». وفي
مرسلة الصدوق عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «يا
حميراء لا تحصين فيحصى عليك».
وهذا النهي يحتمل
الكراهة بمعنى كراهة اختيار العدّ والإحصاء على الوزن مع امكانه في البيع ونحوه؛ ولعلّه لمكان الاختلاف الموجود في الأرغفة، فيكون الوزن أدقّ وأضبط- وإن كان
العد أيضاً جائزاً كما مرّ- وهو الظّاهر من
صاحب الوسائل حيث ذكر هذه الأخبار في آداب
التجارة وأفتى بالكراهة في عنوان بابه حيث قال: «باب كراهة إحصاء الخبز مع
الغنى عن ذلك، وجواز اقتراضه عدداً وإن ردّ أصغر أو أكبر مع
التراضي».
وبناء على ذلك يكون الحكم من
آداب التجارة.
ولكن الظاهر من
النراقي في
المستند أنّ الحكم من آداب
الأطعمة، فإنّه قال في عداد آداب
الأكل و
الشرب: «ومنها شم الخبز... ويكره احصاء الخبز في
البيت أيضاً لرواية الكناني...».
ولعلّ مراده مطلوبيّة
خفاء عدد الخبز في البيت حتى على أهلها؛ لأنّه طعام البيت، وبركته بيد
اللَّه تعالى فلا داعي لإحصائه، و
الأدعية بطلب
البركة في الطعام وخصوصاً الخبز كثيرة.
أو مطلوبيّة عدم عدّه على
المائدة تجاه الحاضر
كالضّيف ونحوه، فإنّه
كالتعريض له بمعلوميّة قدر الطعام الحاضر على المائدة لصاحب البيت، وهذا موجب
لانقباضه و
استحيائه من الأكل بما يشاء، وخلاف لإقراء الضيف، فيكون الحكم على هذا من
آداب المائدة و
الضيافة خصوصاً، ومن
آداب الأطعمة عموماً.
احصاء عدد ركعات
الصلوات الواجبة وكذا
الطواف الواجب وحصيات
الرمي واجب عقلًا من باب
المقدمة العلمية، بمعنى عدم جواز
الاكتفاء بالمشكوك منها عند
العقل، فهو شرط في حصول
العلم بتحقق
الامتثال الواجب عقلًا إذا لم يكن في البين ما يحرز
التكليف أو
الامتثال من
أمارة أو
أصل وقاعدة.
نعم يجوز الاكتفاء بالمشكوك إذا كان
الشكّ في الأخيرتين من الرباعيّة إذا عمل
المصلي بوظيفته، بل يجب عليه العمل بها ولا يجوز له
القطع و
الاستئناف، أمّا الشك في الثنائية والثلاثية والاوليين من الرباعيّة فهو موجب
للبطلان شرعاً ظاهراً وكذا في الطواف بالنسبة إلى
الأشواط الأربعة الاولى، وتفصيل ذلك في محلّه.
يجب على
الحائض إحصاء أيّام عادتها و
النفساء أيّام نفاسها لتمييز أيّام
حدثهما عن أيّام
طهرهما وترتيب أحكامهما، وهذا
الوجوب أيضاً
وجوب شرطيّ بالمعنى الذي سبق، كما أنّ لزوم إحصاء العدّة المأمور به في قوله تعالى: «إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ»
بهذا المعنى، فهو خطاب متوجه إلى
الزوج الذي بيده
الطلاق يرشده إلى لزوم الاحصاء لترتيب ما يجب عليه في هذه الأيّام من وجوب
النّفقة وحرمة إخراجها من البيت، وجواز
الرجوع ونحوها،
بل لعلّه بالنسبة إلى غير الزوج أيضاً لحرمة التصريح
بالخطبة في هذه الأيّام، وكيف كان فالأمر بالاحصاء في الآية ليس
أمراً نفسياً مولوياً، بل
إرشاد إلى ما ذكر.
مقتضى
القاعدة الأوليّة عدم جواز
الاتكال على إحصاء الغير في إحراز امتثال ما يعتبر فيه العدد كأشواط الطواف ونحوها، وذلك لأنّ كل مكلّف يجب عليه تحصيل
اليقين بتحقق الامتثال في تكاليفه، ولا حجّية لعلم أحد على غيره- كما حقق في
علم الاصول- إلّا في موارد خاصة دلّ عليها
الدليل.
وقد ورد في بعض الأخبار جواز
الاتّكال على علم الغير في بعض المواطن، وأفتى بمضمونها الفقهاء.
وذلك كما في عدد أشواط الطواف، ففي رواية
سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن
الطّواف أ يكتفي الرجل باحصاء صاحبه؟ فقال: «نعم».
وفي رواية
ابن مسكان عن
الهذيل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في الرجل يتّكل على عدد صاحبته في الطواف، أ يجزيه عنها وعن
الصبيّ؟ فقال: «نعم، أ لا ترى انّك تأتمّ بالإمام إذا صلّيت خلفه؟ فهو مثله».
وكذلك الكلام في اتّكال كل من
الإمام و
المأموم على علم الآخر في عدد ركعات
الجماعة،
وهو في الجملة متسالم عليه بين الفقهاء،
وإن كان بينهم في إلحاق أفعال
الصلاة بالركعات في ذلك خلاف.
والدليل على ذلك
النصوص الدالّة على عدم اعتبار شك كل منهما مع حفظ الآخر، كصحيحة
علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل يصلّي خلف
الإمام لا يدري كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال: «لا».
ورواية
إبراهيم بن هاشم في
نوادره عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «ليس على الإمام
سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق
بايقان منهم، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يَسْهَ الإمام...»
ورواية ابن مسكان الماضية.
وأمّا
الصلاة الفرادى، وكذا الجماعة إذا كان الحافظ من غير المصلّين فيحكم فيهما بمقتضى القاعدة من عدم حجّية علم أحد ولا ظنّه على غيره، نعم لو حصل له من خبره علم أو
ظن- بناء على حجيته- فهو حجة في نفسه، وليس من باب
الاتكال على إحصاء الغير.
قال
الشهيد في
البيان: «لو حفظ على
المصلي عدل منفرد فإن أفاده الظنّ عمل بقوله، وإلّا عمل بالأحكام السّابقة».
ومثله عبارة
المحقق الكركي، وقال
الشهيد الثاني في
الروض: «ولا يتعدّى الحكم إلى غير المأموم وإن كان عدلًا على
الأصحّ، نعم لو أفاد قوله الظنّ بأحد الطرفين عوّل عليه، لكنه ليس من هذا الباب».
وفي
الكفاية بعد ذكر الحكم السابق: «وفي
الصبي المميّز تأمل، نعم إن أفاد قوله الظن كان
التعويل عليه من باب البناء على الظنّ».
وتفصيل الكلام في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۴۳-۴۷.