إنشاء الإجازة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو كيفية انشاء
الإجازة من ناحية الإيجاب والقبول.
ما يحقّق
الاجازة ويوجدها يمكن حصره ضمن عدة محتملات:
ايجابها باللفظ فلا يكتفى بغيره، وهذا يمكن تصوره على نحوين، أحدهما:
اعتبار اللفظ الصريح في الإجازة، كقوله:أجزت ورضيت.
وثانيهما: الاكتفاء بالكنائي منه الدال على الرضا، كقوله: بارك اللَّه لك فيه.
اعتبار الكاشف عن الرضا بالتصرف سواء كان لفظاً أم فعلًا.
الاكتفاء بمجرد الرضا بالتصرف إذا علم به.
والظاهر من بعض الفقهاء اختيار الاحتمال الثالث، قال
المحقق النجفي : «فالرضا في المقام... لا يعتبر فيه اللفظ المخصوص، بل يكفي فيه مطلق اللفظ بل الفعل أيضاً، بل إن لم يتمّ
إجماع أمكن الاكتفاء هنا بتحقّق الرضا بينه وبين اللَّه وإن لم يصدر منه ما يدل عليه».
وقال
الشيخ الأنصاري : «لو لا شبهة الإجماع الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين تعيّن القول بكفاية نفس الرضا إذا علم حصوله من أي طريق، كما يستظهر من كثير من الفتاوى والنصوص».
وذهب جمع من الفقهاء إلى لزوم انشاء الإجازة بما يكون مبرزاً للرضا الباطني (الاحتمال الثاني) منهم
السيد الخوئي حيث إنّه بعد أن
ذكر المحتملات المتقدمة قال: «لا دليل على اعتبار اللفظ أصلًا ويكفي فيه مطلق ما يوجب انشاء الإجازة ويكون مبرزاً للرضا الباطني بحيث يحكم باستناد العقد إليه عرفاً بدليل
الوفاء بالعقد ولو كان فعلًا، كتمكين
الزوجة نفسها من
الزوج »،
وكذلك
السيد الحكيم حيث قال: «المتعيّن البناء على صحة الإجازة بالفعل (أي الانشاء الفعلي) فضلًا عن القول الدال بنحو
الكناية ».
ووافقهما السيد الخميني في تحرير الوسيلة حيث قال: «يكفي في الإجازة المصحّحة لعقد الفضولي كل ما دلّ على انشاء الرضا بذلك العقد، بل يكفي الفعل الدال عليه»
لكنه في كتاب
البيع ذهب إلى كفاية الرضا حيث قال: «نعم، الإجازة موجبة لكون العقد مجازاً من المالك، وهو كافٍ في النفوذ ووجوب الوفاء عرفاً وشرعاً، وهذا المعنى بعينه موجود في الرضا، فإنّ العقد مع الرضا عقد مرضي به من المالك، وهو كاف، بل هو أولى بشمول (تجارة عن تراض) له من العقد المجاز».
وقال
المحقق النائيني في وجه اعتبار الإنشاء في الإجازة
وعدم الاكتفاء بالرضا الباطني: «الأقوى اعتبار الانشاء في الإجازة وعدم الاكتفاء بمجرد الرضا الباطني، وذلك لما عرفت من أنّ عقد الفضولي فاقد لأمرين: رضا المالك، واستناد العقد إليه،
بخلاف عقد المكره حيث إنّه فاقد للرضا لصدوره عن المالك المكره. فالرضا الباطني في العقد الفضولي يصلح أحد الأمرين فتبقى صحته منوطة بالاستناد، ونفس الرضا لا يصحح
الاستناد كما لا يخفى. مضافاً إلى الأمرين اللذين أفادهما المصنّف في الكتاب وجهاً لاستبعاد الاكتفاء بالرضا...
أنّه لا إشكال في أنّ الإجازة التي تصحح العقد
الفضولي إذا تعقّب العقد بها هي التي لو قارنت بالعقد لخرج العقد بها كونه فضولياً، فلو كان الرضا الباطني كافياً في الإجازة للزم القول بخروج العقد عن الفضولي لو علم بمقارنته مع العقد، مع أنّ الأصحاب لا يلتزمون به، والتفكيك بين الرضا المقارن وبين الرضا المتأخر عن العقد، بالقول بعدم كفاية الأوّل دون الأخير وإن لم يكن ممتنعاً عقلًا... إلّا أنّ مذاق الفقه يأباه... وهذا بخلاف ما لو قلنا باعتبار انشاء الإجازة حيث أنّه كاف في صحة العقد إذا كان مقارناً كما يكفي في صورة تأخره أيضاً.
إنّ الردّ ضد للإجازة، ومقتضى التضاد بينها هو اعتبار ضد ما يعتبر في الإجازة في تحقّق الردّ. فإن كان المعتبر في الإجازة إنشاء التنفيذ يكون المعتبر في الرد في المقام والفسخ في باب الخيار هو إنشاء الرد والفسخ، وإن كان المعتبر في الإجازة نفس الرضا الباطني لا بد من القول بكفاية الكراهة الباطنية في تحقّق الرد وعدم الحاجة في تحقّقه إلى الإنشاء، وهذا أيضاً ممّا لا يلتزمون به»».
- هل يكتفى بالسكوت في إنشاء الإجازة؟
تقدّم الكلام في أنّ الإجازة قد تكون عن طريق اللفظ الصريح أو الكنائي الدال على رضا المالك بالتصرف الفضولي، وقد تكون عن طريق الفعل الكاشف عرفاً عن الرضا بالتصرف كتمكين الزوجة نفسها للزوج، أو اعطاء المالك العين للمشتري.
وقد ذهب البعض بأنّ الإجازة تتحقّق أيضاً بالسكوت الدالّ على الرضا. إلّا أنّ الفقهاء قد قصروا هذا الطريق على مورد واحد بالخصوص وهو في تزويج
البكر ، حيث اكتفوا بسكوت البكر في إجازة
نكاحها حيث قال في المختصر: «يكفي في الإجازة سكوت البكر». وقال العلّامة في القواعد: «لا يكفي سكوت البكر في حقّ أمتها ويكفي في حقّها»، وقال ابن فهد الحلّي في شرح عبارة المحقق: «ويقرب أن يكون إجماعاً إلّا ما ندر كعبارة الشيخ في المبسوط (والأحوط أن يراعى نطقها) وقول ابن إدريس: السكوت لا يدل في موضع من المواضع على الرضا إلّا إذا لم يكن له وجه إلّا الرضا فانّه يدلّ حينئذٍ على الرضا وليس بشيء... لأنّه عدول عن الظاهر وخلاف لما اشتهر بين الأصحاب
واجتهاد في مقابل النص».
وأمّا في غير نكاح البكر فلم نجد من قال بكفاية السكوت في الإجازة، قال
الشيخ الطوسي في خيار
الأمة المزوّجة من عبد إذا اعتقت: «وإن سكتت لم يسقط خيارها؛ لأنّ سكوتها لم يدل على الرضا»،
ونحوه أكثر الفقهاء، حيث قال صاحب الشرائع: «لو باع ملك غيره وقف على إجازة المالك أو وليّه على الأظهر، ولا يكفي سكوته مع العلم ولا مع حضور العقد». وقال العلّامة في نهاية الأحكام: «لا يكفي في الإجازة واللزوم حضور المالك ساكتاً؛ لأنّ السكوت كما يحتمل الرضا يحتمل غيره». وقال
الشهيد الأوّل : «لا يكفي في الإجازة السكوت عند عرضها»،
بل ذكر السيد الخوئي في مقام الردّ على الوجوه التي تمسّك بها البعض في كفاية الرضا الباطني في الإجازة كما في سكوت البكر: «إنّ السكوت من جملة الأفعال فيكون مبرزاً فعلياً للرضا، وإلّا فمن أين علم أنّ البكر راضية بذلك العقد».
ما يشترط في إنشاء الإجازة:
لما كانت الإجازة من المعاني الانشائية، فتأثيرها يتوقف على كون إنشائها صادراً عن قصد والتفات من المجيز، فمجرد الانشاء الخالي عن القصد غير كافٍ في اعتباره عند العقلاء كما أشار السيد الخوئي إلى ما ذكره الشيخ الأنصاري
في مقام بيان أنّ التصرفات غير المنافية لإجازة البيع لا تكون ردّاً للعقد الفضولي إذا وقعت في حال عدم القصد والالتفات، قال: «وأمّا الثاني فقد أفاد في وجهه بأنّ الردّ كالإجازة يحتاج إلى القصد فبدونه لا يتحقّق».
الظاهر عدم اعتبار الفورية في إنشاء الإجازة كما صرّح بذلك جمع من الفقهاء، قال الشهيد الأوّل: «ولا- أي لا يعتبر- الفورية».
وقال
المحقق العاملي : «لا يشترط فورية الإجازة، فله الإجازة ما لم يرد».
وقال
المحقق القمي : «إنّ الإجازة ليست بفورية كما صرّح به جماعة»،
كما ذكر ذلك المتأخّرون كالشيخ الأنصاري
والسيد اليزدي
والسيد الحكيم
والسيد الخميني
والسيد الخوئي.
واستدل المعظم على عدم فوريتها بالتمسّك بالعمومات وبصحيحة محمّد بن قيس
المتقدمة، ولعدم ما يدل على الفورية. قال السيد الخوئي: «إنّ الاجازة بمنزلة إنشاء العقد ممّن له ذلك؛ لأنّها إنّما توجب
اسناد العقد الصادر إليه فيكون حكمها حكمه، له ذلك في أيّ زمان شاء ولا يلزمه التعجيل كما لا يلزمه الإنشاء لو لم يكن هناك عقد فضولي».
ويتفرّع على القول بعدم فورية الإجازة أنّه إذا لم يجز المالك العقد وتضرر الأصيل بتأخيره الإجازة- بناءً على عدم جواز تصرفه فيما انتقل إليه وفيما انتقل عنه على القول بالكشف أو مطلقاً- فهل للأصيل فسخ العقد الفضولي، أو اجبار المالك (المجيز) بالإجازة أو الردّ، أو لا شيء له بل لا بد أن يتحمّل الضرر؟ وجوه.
قوّى الشيخ الأنصاري التدارك بالخيار أو اجبار المالك على أحد الأمرين
وتبعه في الأوّل السيد الحكيم،
واستدلا عليه بقاعدة الضرر- بناءً على تمامية دلالتها على جواز الفسخ- بينما ذهب السيد الخوئي إلى عدم دلالتها على جواز الفسخ،
واتفق مع المشهور في عدم الدليل على جواز إجبار المالك على الإجازة أو الرد، مضافاً إلى تسلّط الناس على أموالهم عقلًا وشرعاً. واختار السيد الخميني في صورة مماطلة المجيز وتضرر الأصيل بالتأخير إلى الرجوع إلى الحاكم كي يلزمه بالإجازة أو الرد، ولو امتنع فللحاكم الإجازة أو الردّ، وهذا بناءً على مسلكه في دليل نفي الضرر من انّه حكم سياسي سلطاني.
ما تقدّم من الكلام والبحث في الإجازة وأنّ انشاءها يصحح العقد الفضولي مع تمامية كافة الشرائط، إنّما هو في حال كون الإجازة مطابقة لما وقع من التصرف الفضولي بحيث يكون المجاز هو عين ما صدر فضولًا.
إلّا أنّه أحياناً يقع اختلاف بين المجاز وبين العقد الفضولي بلحاظ الشروط المذكورة مع العقد، وبلحاظ أجزاء ما وقع العقد عليه من الكل أو الجزء.
فلو كان الاختلاف بين الاجازة والتصرف الفضولي من حيث أبعاض ما وقع عليه العقد، كما إذا باع صفقة فضولًا فأجاز المالك بعضها، فإنّ المشهور بين المتأخّرين من فقهائنا هو الصحة في المقدار المجاز، وما يحدث من ضرر نتيجة التبعّض في الصفقة يجبر بالخيار، قال الشيخ الأنصاري: «فلو أوقع العقد على صفقة فأجاز المالك بيع بعضها فالأقوى الجواز، كما لو كانت الصفقة بين مالكين فأجاز أحدهما، وضرر التبعّض على المشتري يجبر بالخيار».
وقال المحقق الخراساني: «لو كان العقد ينحل إلى العقود، كما في العقد على صفقة واحدة، فلا بأس باجازته بالنسبة إلى بعضها، فإنها وإن لم تطابق العقد على تمامها، إلّا أنّها مطابقة لما انحلّ إليه من العقد على بعضها...».
وقال المحقق النائيني: «لأنّ حكم الإجازة حكم البيع ابتداءً، فكما يجوز للمالك بيع بعض ماله ابتداءً فكذلك يجوز له إجازة بعضه».
وقال السيد الحكيم: «فلا ينبغي التأمل في الصحة».
وقال السيد الخوئي في وجه الصحة: «لأنّ البيع الواحد الواقع على شيئين أو أشياء إنّما ينحلّ إلى بيوع عديدة، فكما يجوز بيع واحد على انفراده ابتداءً فكذلك يجوز إجازة البيع في واحد منها دون الآخر...»، ثمّ قال: «وبالجملة لا نعرف وجهاً لبطلان البيع في هذه الصورة، بل جرى على هذا النهج كلمات الفقهاء في بيع ما يَملِك وما لا يَملِك أو ما يُملك وما لا يُملك».
أمّا إذا كان الاختلاف بين الإجازة والعقد الفضولي من حيث الاشتراط، ففي هذا الحال تارة يقع الشرط في ضمن العقد واخرى يقع في ضمن الإجازة، وكذلك قد يكون الشرط للمالك على الأصيل وقد يكون للأصيل على المالك.
فإن كان الشرط ضمن العقد فأجاز المالك العقد مجرداً عن الشرط، فقد حكم بعض المتأخّرين بالبطلان، بناءً على عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط، قال الشيخ الأنصاري: «ولو أوقع العقد على شرط فأجازه المالك مجرداً عن الشرط، فالأقوى عدم الجواز، بناءً على عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط وإن كان قابلًا للتبعيض من حيث الجزء»،
وقال المحقق الخراساني: «إذا عقد على الشرط، واجيز بدونه، فإنّه لا تطابقه إلّا إذا قيل بالانحلال فيه أيضاً».
وقد اختار البعض القول بالصحة لو كان الشرط للمالك فأجاز العقد بلا شرط، منهم المحقق النائيني حيث قال: «(الشرط) لو كان للمالك فلا إشكال في صحة إجازة العقد بلا شرط على ما هو التحقيق من أنّ الشرط في ضمن العقد لا يوجب التعليق، بل هو التزام في التزام، فلو أجاز المالك التزام الفضولي بأصل المعاوضة ولم يجز التزام الأصيل بالشرط على نفسه بل تجاوز عنه فلا ينبغي الاشكال في أنّ له ذلك».
والسيد الحكيم حيث قال: «لو اشترط الفضولي للمالك فأجاز بلا شرط... يصح العقد ويلزم».
وكذلك السيد الخوئي، قال: «فلو كان (الشرط) للمالك على الأصيل وأجاز المالك العقد بلا شرط فلا شبهة في صحة الإجازة وصحة استناد البيع إليه، وتحقق حقيقته في وعائه؛ فإنّ المالك مسلط على ماله، وكل ما يرجع إليه
أمره فله
اسقاط ما يريد إذا كان موجوداً في ذمة أشخاص آخرين».
ولو كان الشرط للأصيل على المالك فأجاز المالك العقد بلا شرط، فقد اختار بعض الفقهاء القول بصحة العقد أيضاً، وأثبت الخيار للأصيل.
قال المحقق النائيني: «أمّا لو كان للأصيل على المالك فأجاز العقد بلا شرط فالأقوى صحة العقد وثبوت الخيار للأصل؛ لأنّ المقام نظير تعذّر الشرط الواقع بيع الايجاب والقبول الذي يكون ضميمة لأحد العوضين، فكما أنّ تعذّره لا يوجب بطلان العقد بل غايته ثبوت الخيار للمشروط له فكذلك المقام».
وقال السيد الحكيم: «لو اشترط الفضولي شيئاً على المالك فأجاز بدون شرط... فلا مانع من تعلّق
الإجازة بنفس العقد المشروط بلا إجازة للشرط»»).
وحكم البعض الآخر في هذه الصورة بالبطلان، منهم الشيخ الأنصاري وقد تقدّم كلامه، والسيد الخوئي حيث قال: «وبالجملة العقد الواقع فضولة على وجه خاص لا بدّ وأن تقع عليه الإجازة على ذلك الوجه وإلّا لحصل التخلّف بين المجاز والعقد فيحكم بالبطلان».
فإنّ الشرط ضمن العقد وإن لم يكن بمعنى تعليق العقد على تحقق الشرط إلّا أنّ قبول العقد مقيد ومشروط بقبول الشرط وهو معنى ضمنية الشرط، فلو كان عقد الفضولي مشروطاً ومقيّداً بهذا المعنى وأجاز المالك العقد بلا قبول الشرط لم يكن ذلك إجازة للعقد الواقع فضولة؛ لأنّه عقد مقيد بقبول الشرط.
وقد فصّل بعض بين ما إذا كان العقد والشرط منحلّين إلى قرارين عند العرف وبين ما إذا لم يكونا كذلك، قال السيد الخميني: «التحقيق التفصيل بين الموارد، والميزان هو
الانحلال وعدمه، فقد يكون العقد والشرط منحلّين إلى قرارين بنظر العرف، كما لو أرادا
ايقاع شرط ولكن لما رأيا أنّ الشروط الابتدائية باطلة أوقعاه في ضمن معاملة مستقلة ... فلا شبهة في أنّ الشرط في مثله غير منوط بالعقد ولا دخيل في الثمن والمثمن حتى بحسب اللب والداعي، وعليه لو أجاز البيع دون الشرط صحّ ... ولو سيق الشرط لبيان حدود المبيع في نظر العرف، كما لو شرط أوصاف المبيع ... فالظاهر عدم الانحلال عرفاً إلى بيع وشرط في ضمن
البيع .. ففي مثله التزام واحد عرفاً وإن كان منحلّا عقلًا».
هذا كلّه إذا كان الشرط ضمن العقد.
أمّا إذا كان عدم التطابق من جهة خلو العقد عن الشرط ولكن أجاز المالك مع الشرط فلا إشكال في الصحة ونفوذ الشرط إذا وافق عليه الأصيل، أو كان الشرط على المجيز نفسه للأصيل- وفي تسمية ذلك بالشرط مسامحة- أمّا في الأوّل، فقد قال السيد الخوئي: «ولكن الحقّ هو الثاني (الصحة لو أجاز الأصيل الشرط)... فإنّه يكون ذلك الشرط بالإجازة شرطاً في ضمن العقد والتزاماً في التزام... غاية الأمر لم يكن ذلك الشرط مذكوراً عند الايجاب وموجوداً وقته، وتأخّر الوجوب في ذلك عن القابل، ولا دليل لنا على وجوب ذكر الشروط في الايجاب».
وأمّا في الثاني فقال أيضاً: «... وأمّا لو كان من الأصيل على المالك بأن أجاز المالك مع شرط للأصيل على نفسه، فهذا لا شبهة في صحته بالدلالة الالتزامية الفحوائية».
وإنّما الإشكال فيما إذا اشترط
المجيز شرطاً على الأصيل ولم يقبله الأصيل، فهل يصح العقد ويبطل الشرط ويثبت للمجيز الخيار، أو لا يثبت الخيار، أو يبطل العقد؟ وجوه، بل أقوال:
فالمحقق النائيني حكم بالصحة وثبوت الخيار، كما في موارد تعذّر الشرط، حيث قال: «وأمّا إذا كان العقد مجرداً وأجاز مع الشرط... فلو كان على نفسه فلا إشكال في حكمه، وأمّا لو كان على الأصيل، فتارة يرضى به واخرى لا يرضى به، فلو رضى به فلا ينبغي الإشكال أيضاً في صحته... وعلى أي حال صحة الإجازة لا إشكال فيها لمطابقتها لأصل الالتزام العقدي... وأمّا لو لم يرض به الطرف فحكمه حكم تعذّر الشرط، ولا وجه لبطلان الإجازة».
وظاهر الشيخ الأنصاري البطلان،
وهو ظاهر السيد الخوئي أيضاً؛
لأنّ إجازة المالك مشروط بقبول الشرط ولم يقبله الأصيل، ولا إجازة بحسب الفرض للعقد المطلق الواقع فضولة.
وذهب السيد الحكيم إلى القول بصحة العقد مع بطلان الشرط لو لم يرض به الأصيل ويثبت الخيار للمجيز وإن تأمّل في الصحة مع رضاه.
وأمّا لو كان الشرط من الأصيل على المالك بأن أجاز المالك مع شرط للأصيل على نفسه، فهذا لا شبهة في صحته بالدلالة الالتزامية الفحوائية؛ فإنّ المالك قد أجاز البيع الذي كان الأصيل ملتزماً به مع إضافة شرط عليه على نفسه وقد كان الأصيل ملتزماً بالبيع مطلقاً وبدون الشرط، فبالأولوية نكشف التزامه بالبيع مع هذا الشرط.
وحكم بعضهم بصحة الإجازة في الموارد التي تنحل الإجازة المتلوّة بالشرط إلى إجازة العقد واشتراط مستقل مذكور في تلوه، وعدم الصحة فيما لا ينحل إلى ذلك، بل يرجع الشرط في نظر العرف إلى تحديد حدود الإجازة، وهذا ما حكم به السيد الخميني فإنّه بعد أن بيّن هذا الحكم في الشروط الواقعة ضمن العقد، عطف عليه حكم الشروط التي تقع تلو الإجازة، حيث قال: «وعلى الثاني- أي إذا وقع الشرط في تلو الإجازة... فالظاهر فيه هو
اختلاف الموارد هنا أيضاً، فقد تنحل الإجازة المتلوّة للشرط إلى إجازة البيع واشتراط مستقل مذكور في تلوها...
كما لو شرط عليه أن يعتكف لنفسه لا للشارط، أو يصلّي أوّل الوقت، وكان غرضه عبادة اللَّه تعالى من غير أن يكون للشرط قسطاً من الثمن ولو لبّاً.
وقد لا ينحل ما أوقعه إلى أمرين، بل يرجع الشرط في نظر العرف إلى تحديد حدود الإجازة، كما لو قال: أجزت وشرطت أن تكون السلعة بوصف كذائي، فإنّ الظاهر بنظر العرف وحدة الالتزام لا أنّه التزام مستقل في ضمن التزام».
واختار المحقق الايرواني عدم التفصيل في الصور المتقدمة بل جعلها كلها خاضعة لضابطة واحدة مدارها انحلال الالتزام العقدي إلى التزامات متعدّدة وعدم انحلاله، حيث قال: «في جانب الإجازة، إن كانت الإجازة منحلّة إلى إجازات والتزامات متعدّدة: التزاماً بالعقد، وآخر بالزيادة، شرطاً كانت الزيادة أو شطراً، صح العقد بالإجازة وإن لم يجب الوفاء بما زاد؛ لكونه التزاماً ابتدائياً.
وإن لم تكن منحلّة بل كانت التزاماً واحداً بسيطاً بالمجموع المركب من الزائد والمزيد عليه، لم يصح العقد إذا لم تتعلق به الإجازة والذي تعلّقت به الإجازة غير معقود عليه.
ولعلّ الموارد تختلف فلا بد من تعرّف الحال واستكشاف تعداد الالتزام العقدي ووحدته، وكذلك تعداد الالتزام الإجازي ووحدته من الخارج، ثمّ المشي على طبقه».
من الامور التي تعرّض لها الفقهاء في إنشاء الإجازة اشتراط التنجيز فيها وعدمه وانّه هل تصح الإجازة لو كانت معلّقة على فرض وجود المجاز وتحقّقه أم لا؟
ويرجع أصل الكلام في هذا البحث إلى المبنى في إمكان التعليق في الإجازة وعدمه، فقد حكم البعض ببطلان الإجازة إمّا لكونها بحكم العقد ولا يجوز فيه التعليق، وأمّا لأنّ الإجازة من الايقاعات وهي لا تقبل التعليق، وقد ردّ بعض المتأخّرين القول بعدم الجواز وحكموا بصحة الإجازة وإن كانت معلّقة وغير منجزة.
المشهور بين فقهائنا أنّ الإجازة بعد الردّ لا
أثر لها، قال الفاضل المقداد: «فله الإجازة ما لم يردّ أوّلًا»،
وقال المحقق القمي: «إذا أبى المعقود له فضولًا وأظأهر الكراهة يبطل العقد، ولا ينفع إجازته بعد ذلك، والظاهر أنّه لا خلاف فيه، فلاحظ كلامهم في مسائل النكاح الفضولي».
وقال الشيخ الأنصاري: «والدليل عليه- بعد ظهور
الإجماع ، بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا- أنّ الإجازة إنّما تجعل
المجيز أحد طرفي العقد... وقد تقرر أنّ من شروط الصيغة أن لا يحصل بين طرفي العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معنى المعاهدة».
وكذلك المحقق الخراساني حيث قال: «الظاهر أنّ اعتبار ذلك إنّما هو لأجل أنّ الإجازة مع سبقه (الردّ) لا توجب صحة اسناد العقد عرفاً إلى المجيز... فلا يضاف إليه بالإجازة مع سبقه عرفاً، ولا أقل من الشك فيه».
وقال المحقق النائيني: «... لأنّ بعد بطلان العقد بالردّ وذهاب أثره به ليس هناك موضوع تؤثر الإجازة فيه».
وقال السيد الحكيم: «وإن ردّ بطل ولم تنفع الإجازة بعد ذلك».
إلّا أنّ بعض المتأخّرين حكم بعدم مانعية الردّ السابق لنفوذ الإجازة وتصحيحها للتصرّف الفضولي، وردّ الوجوه التي ذكرت للاستدلال على المانعية منهم
المحقق اليزدي حيث قال: «الحقّ أنّ الردّ من المالك غير مانع من الإجازة بعد ذلك، ولا يوجب الفسخ؛ وذلك لعدم تمامية الوجوه المذكورة».
والسيد الخوئي حيث قال: «فإنّ العقد الفضولي بعد ردّ المالك قابل لأن تتعلّق به الإجازة ويكون صحيحاً أيضاً بعد الرد».
للفقهاء في اشتراط هذا الشرط قولان، فذهب البعض إلى اشتراطه، منهم
المحقق النراقي حيث قال: «يشترط في تحقق الإجازة علم المجيز بالخيار، فلو لم يعلمه وظن اللزوم ولأجله رضي ومكّن لم يسقط خياره، ولم يكن ذلك إجازة، لعدم الصدق،
واستصحاب الخيار».
ووافقه في هذا الاشتراط جمع منهم السيد اليزدي في العروة، وأضاف فيها: «نعم لو اعتقد لزوم الإجازة عليه بعد العلم بعدم لزوم العقد فأجاز، فإن كان على وجه التقييد لم يكفِ، وإن كان على وجه الداعي يكون كافياً».
ومنهم أيضاً السيد الحكيم
في المستمسك.
بينما ذهب البعض الآخر إلى عدم اشتراطه منهم السيد الخوئي حيث قال: «إنّ العبرة في نفوذ الإجازة وصحتها إنّما هي باستناد العقد السابق بها إليه، وأمّا اعتقاد اللزوم وعدمه فهو أجنبي بتمام معنى الكلمة عنها».
وذهب السيد الخميني إلى عدم الاشتراط وكفاية الإجازة لو أظهر الرضا بالعقد قولًا أو فعلًا، وقيده على وجه التوصيف بأن يقول: أجزت هذا العقد الذي يجب عليّ إجازته، وعدم كفاية الإجازة لو رجع التقييد إلى الاشتراط.
وقال السيد الگلبايگاني: «لا يبعد كفاية الرضا الحقيقي ولو لاعتقاد لزوم العقد.
نعم، لا يكفي التسليم الخالي عن الرضا باعتقاد ذلك».
تعدّدت كلمات الفقهاء في طرق تحقق الرد وإنشائه كما هي في إنشاء الإجازة، فهناك من مال إلى كفاية القصد النفساني لمعنى الفسخ في تحقّقه، قال
المحقق النجفي : «بل إن لم يقم إجماع أمكن الاكتفاء فيما بينه وبين اللَّه بقصد معنى الفسخ في نفسه»،
مضافاً إلى القول بتحقّقه بكل ما يدلّ عليه من قول أو فعل، وذهب جمع إلى أنّ ردّ العقد كامضائه بل كانشائه من الامور المتوقفة على الإنشاء والابراز فيتحقّق بكل ما يكون قابلًا لذلك، قال المحقق السيد اليزدي: «والتحقيق أنّه (الردّ) يتحقّق بانشائه قولًا بكلّ لفظ دالّ عليه، وفعلًا أيضاً بكل فعل دالّ قصد به إنشاءه، ودعوى وجوب اللفظ كما ترى».
وإليه ذهب السيد الخوئي.
وهناك من فصّل في الردّ بالفعل بين الفعل المخرج للعين عن الملك كالنقل
والاتلاف ، وبين الفعل غير المخرج لها عن الملك كالإجازة واستيلاد الجارية أو تزويجها، قال الشيخ الأنصاري: «وكذا يحصل (الردّ) بكل فعل مخرج له من ملكه بالنقل أو بالاتلاف وشبههما، وأمّا التصرف الغير المخرج عن الملك كاستيلاد الجارية وإجارة الدار وتزويج الأمة فهو وإن لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الإجازة عليه إلّا أنّه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد»،
ووافقه المحقّق الخراساني في تحقّق الرد بالتصرف المخرج عن الملك حيث قال: «لا ريب في ذلك في الجملة على النقل، فإنّه خرج قبل الإجازة عن ملكه وصار لغيره... وأمّا على الكشف فمجرد نقله عن ملكه لا ينافي صحة المجاز. نعم، صحته ينافيها فلا بد في حصول الردّ به من
اثبات صحّته... ولا دليل على الصحة إلّا
الإجماع إن تمّ»،
وأمّا في التصرف غير المخرج عن الملك فحكم بأنّه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة على القول بالكشف دون النقل.
وقال المحقق اليزدي: «أمّا التصرف المفوّت للمحل
كالبيع ونحوه- بناءً على كونه مفوّتاً- فهو لا يوجب الردّ بحيث يبطل العقد بالمرّة، بل غايته أنّه لا يصح معه إجازته، وهو أعم من ذلك؛ فإنّه لا يمنع من إجازة المشتري لذلك العقد- بناءً على عدم اشتراط الملكية حين العقد فيها-...، وأمّا التصرفات الغير المخرجة
كالإجارة وتزويج الأمة ونحوهما فهي لا تنافي وقوع الإجازة فيحكم بصحّتها وصحة الإجازة»»).
وحكم السيد الحكيم بتحقّق الردّ بالتصرف المعدم لموضوع العقد أو المخرج له عن الملك أو عن ولاية المالك، وعدم تحقّق الردّ بالتصرفات المعدمة لمنافع العين أو بالتصرفات التي تخرج هذه المنافع إلى ملك الغير
).
بل فصّل البعض في التصرفات غير المنافية لملك المشتري، كتعريض المبيع للبيع والبيع الفاسد، بين صورة التفات المالك إلى العقد الفضولي وبين عدم الالتفات إليه، فما يقع منها حال الالتفات يعتبر ردّ فعلي للعقد وما يقع حال الغفلة عن العقد لا يكون ردّاً وإنشاءً للفسخ. وهو مختار الشيخ الأنصاري حيث قال: «التصرفات الغير المنافية لملك المشتري من حين العقد، كتعريض المبيع للبيع والبيع الفاسد، على قسمين؛ لأنّه إمّا أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضولي على ماله، وإمّا أن يقع في حال عدم الالتفات. أمّا الأوّل فهو ردّ فعلي للعقد...
وأمّا الثاني... فالظاهر عدم تحقّق الفسخ به».
ووافقه المحقق الخراساني في ما يقع حال عدم الالتفات وأضاف معه ما يقع حال الالتفات وكان بقصد الاختيار، وأمّا ما كان حال الالتفات وبقصد الاعراض عنه فقد قال فيه: «إن كان المنشأ في رفع القابلية بالردّ هو الاجماع على ذلك، فالقدر المتيقّن منه الردّ القولي، وإن كان هو ارتفاع قابلية العقد لأن يضاف إلى المالك بعده بالإجازة عرفاً، فالظاهر عدم التفاوت بينه وبين الردّ الفعلي في ذلك عند أهل العرف قطعاً».
وحكم السيد الخميني بعدم كون التصرف المعدم أو المخرج عن الملكية ردّاً أو فسخاً ثمّ قال: «فإنّ تلك المعاملات لا تكون ردّاً ولو مع الالتفات إلى عقد الفضولي فضلًا عن عدمه».
وكذلك قال المحقق النائيني: «وليس التصرف ولو مع الالتفات إلى عقد الفضولي ردّاً، وإلّا لزم عدم إمكان الإجازة غالباً؛ لملازمة غالب ما وقع عليه العقد فضولًا مع تصرف مالكه».
وقد أضاف البعض على اعتبار الالتفات إلى العقد كون المالك قاصداً الردّ بتصرفه في المبيع، حيث حكم المحقق الايرواني باعتبار التصرف ردّ فعلي إذا قصد المالك الردّ بفعله حيث قال تعليقاً على قول
الشيخ الأنصاري في المكاسب: «قوله قدس سره أمّا الأوّل فهو ردّ فعلي، يعني إذا قصد الردّ بفعله، وإلّا فبمجرد الالتفات إلى وقوع العقد لا يصير فعله ردّاً ما لم ينشأ به الردّ».
وكذلك قال المحقق اليزدي: «قوله قدس سره أمّا الأوّل فهو ردّ فعلي. أقول: الظاهر أنّ المراد كونه ردّاً إذا قُصد به إنشاؤه، وإلّا فمع عدمه لا يكون ردّاً بمجرد الالتفات؛ إذ هو أعم من قصد الردّ وعدمه، ومع عدم القصد لا يصدق الردّ الفعلي حتى تشمله الأدلّة المذكورة».
تعرّض الفقهاء إلى اعتبار عدم فسخ الطرف الأصيل العقد الفضولي قبل
إنشاء الإجازة في جملة ما يشترط في إنشائها.
ويمكن احتمال ثلاثة أوجه في هذه المسألة اختار الفقهاء بعضها، أحدها: تأثير
الفسخ في ابطال العقد مطلقاً، سواء قيل في الإجازة بالكشف أو النقل.
ثانيها: عدم تأثير فسخ الأصيل في ابطال العقد قبل الإجازة مطلقاً.
ثالثها: التفصيل بين القول بالكشف في الإجازة وبين القول بالنقل حيث يحكم بتأثير الفسخ في إبطال العقد على الثاني دون الأوّل.
وقد اختار بعض الفقهاء الوجه الثالث منهم المحقق الكركي حيث قال: «لا شك أنّه على تقدير كونها كاشفة ليس له ذلك (الفسخ)؛ لأنّه قد تبيّن دخوله في ملكه من حين العقد، فكيف ينفسخ! وعلى التقدير الآخر لا بعد في أنّ له ذلك؛ لأنّ الموجود هو بعض السبب».
وكذلك المحقق العاملي حيث قال: «على القول بالكشف ليس للمشتري الفسخ قبل الإجازة، وهي ثمرة نافعة».
وكذلك فصّل الشيخ الأنصاري حيث قال: «إنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له على القول بالنقل دون الكشف بمعنى أنّه لو جعلناها ناقلة كان فسخ الأصيل كفسخ الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغياً لإنشائه السابق، بخلاف ما لو جعلت كاشفة، فإنّ العقد تام من طرف الأصيل».
ووافقه في ذلك السيد الخوئي حيث قال: «والذي ينبغي أن يقال: أنّه لا يؤثر الفسخ في انحلال العقد فإنّ أساس القول بالكشف هو أنّ العقد بحسب نفسه تمام السبب والموضوع لوجوب الوفاء بالعقد...
وبعد تحقّقه لا معنى لفسخ الأصيل ذلك؛ فإنّ أدلّة وجوب الوفاء بالعقد وكونه لازماً لا ينفسخ، بأجمعها شاملة للمقام».
بينما رفض البعض التفصيل بين القولين وأشكل عليه بعدم تمامية مبناه. وهو ظاهر المحقق الخراساني حيث قال: «لا يخفى أنّ العقد لو كان تامّاً نافذاً من طرفه، كان كذلك على النقل أيضاً... ومن هنا ظهر أنّ ما جعله (الشيخ الأنصاري) مبنى لجواز الفسخ من طرف الأصيل على النقل- لو صحّ- لكان موجباً لجوازه على الكشف أيضاً؛ لاستواء نسبته اليهما، كما لا يخفى»،
ووافقه في رفض التفصيل المحقق الايرواني، وقال في وجهه: «إنّ خطاب أوفوا من جانب الأصيل إن كان موضوعه العقد والعقد قد حصل كان الخطاب متوجهاً وإن قلنا في الإجازة بالنقل، وإن كان موضوعه العقد المؤثر والعقد المؤثر بعد لم يحصل لعدم تحقق شرط التأثير- أعني الإجازة- لم يجب الوفاء من جانب الأصيل».
وقال السيد الخميني في مقام رفض التفصيل في المسألة: «يقع البحث في أنّ الفسخ هل هو هادم للعقد أم لا؟ فإن قلنا أنّه هادم فلا فرق بين النقل والكشف- حتى الحقيقي منه- لأنّ تعقب العقد بالإجازة إنّما هو مؤثر إذا لم ينهدم العقد، فاذا تخلّل بين العقد والإجازة فسخ هادم لم يبق عقد حتى يتعقبه الإجازة... وإن لم يكن هادماً فلا فرق بينهما أيضاً، نعم لو قلنا بأنّه على النقل هادم دون الكشف يتم القول بالثمرة، لكن لا دليل على الافتراق، وما قيل من أنّ العقد تام من قبل الأصيل على الكشف، لا يرجع إلى محصّل».
وقد اختار البعض الآخر الوجه الثاني (عدم تأثير فسخ الأصيل في ابطال العقد قبل الإجازة مطلقاً) منهم المحقق القمي حيث قال: «إنّ جواز الابطال ممنوع؛ لأنّ ترتب
الأثر على جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر من أحكام الوضع، لا مدخلية لاختيار المشتري فيه».
وكذلك المحقق النائيني حيث قال: «... إنّ الأقوى عدم تأثير الفسخ في البطلان مطلقاً ولو على القول بالكشف؛ وذلك... (لأنّ) الإجازة تكون موجبة لاستناد العقد الصادر من الفضولي إلى المجيز بعد الفراغ عن صدوره عنه (الأصيل)، لا أنّها موجبة لتحقّق العقد...
فالعقد تحقّق من الأصيل والفضول، لكن في جانب الأصيل يكون استناده إلى الأصيل تامّاً... فيكون وجوب الوفاء من ناحية الأصيل تامّاً موضوعاً وحكماً».
وقد ناقش فيه السيد الخوئي حيث أفاد: «بأنّ جواز فسخ الأصيل العقد قبل إجازة المالك هو الوجيه على القول بالنقل؛ لأنّ وجوب الوفاء بالعقد من ناحية الأصيل قبل الإجازة متوقف على أخذ العقد بمعناه المصدري أي مجرد المعاقدة، فإذا لم يكن ذلك لكونه متوقفاً على أخذ الوجوب تكليفياً وهو غير جائز، فلا بد من صرفه إلى الوفاء بالمعنى الاسم المصدري، وهو لا يحصل إلّا بالإجازة، فيكون شمول دليل الوفاء على ذلك من زمان الإجازة دون العقد.
ثمّ بناءً على القول بعدم تأثير الفسخ في انحلال العقد على القول بالكشف، هل يجوز للأصيل التصرف في ما انتقل عنه قبل إجازة الآخر؟
الظاهر من كلام بعض الفقهاء في مسألة
الاتجار بالمال المغصوب عدم جواز التصرف، قال
المحقق الكركي : «وليس لكل من البائع
والغاصب التصرف بالعين؛ لإمكان إجازة المالك خصوصاً على القول بأنّ الإجازة كاشفة».
وكذلك اختار
المحقق النائيني عدم جواز تصرف الأصيل مطلقاً، وعلّله بلزوم العقد من جهته وإن لم يكن لازماً من الطرف الآخر.
وفصّل البعض بين القول بالكشف والقول بالنقل، فيجوز تصرف الأصيل في ماله- بناءً على النقل- لأنّه ملكه، وأمّا على الكشف فإنّ الشيخ الأنصاري ادعى بأنّ الذي يستفاد من كلام جماعة وظاهر آخرين عدم جواز التصرف، واختاره هو بناءً على المشهور في معنى الكشف من كون الإجازة شرطاً لكون العقد السابق بنفسه مؤثراً تامّاً، فيكون موضوع وجوب الوفاء نفس العقد غير مقيد بالإجازة.
وقد تنظّر البعض واستشكل في البيان الذي وجّه به الشيخ الأنصاري مختاره؛ قال السيد الحكيم: «الاستدلال بالعموم المذكور «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» يتوقّف على
امور ، الأوّل: أن يستفاد منه الحكم التكليفي لا أنّ مفاده مجرد الإرشاد إلى نفوذ العقود وترتب مضامينها. ثانيها:
أن يكون موضوع الوفاء نفس العقد لا موضوعه كالبيع ونحوه... ثالثها: أن يكون الرضا شرطاً لوجوب الوفاء بالاضافة إلى الراضي لا مطلقاً... ولو تمّ إثبات الامور الثلاثة لا فرق في حرمة تصرّف الأصيل في ماله بين القول بالنقل والكشف على
اختلاف وجوهه».
كما اختار البعض الآخر جواز تصرف الأصيل في ماله قبل إجازة الطرف الآخر مطلقاً قال السيد الخوئي: «وبالجملة تحصل أنّه يجوز للأصيل أن يتصرّف في ماله قبل إجازة الآخر العقد
مطلقاً ، على القول بالكشف بجميع أقسامه وعلى القول بالنقل».
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۶۷-۸۶