اشتراط معلومية الأجرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
و الثاني من شرائط الإجارة : أن تكون
الأجرة معلومة كيلاً أو وزناً أو عدّاً، إن كانت ممّا يعتبر بها في البيع، أو مشاهدة إن لم تكن كذلك.
(وقيل :) كما عن
المبسوط والمرتضى
إنّه (تكفي المشاهدة) فيها عن اعتبارها بأحد الأُمور الثلاثة إن كانت ممّا يعتبر بها؛ لأصالة الصحّة، و
انتفاء الغرر بالمشاهدة. والأصحّ الأوّل، وفاقاً للنهاية والحلّي
وكافة المتأخّرين؛ لأنّ
الإجارة كالمبايعة معاوضة لازمة مبنيّة على المغابنة، فلا بدّ فيها من انتفاء
الغرر والجهالة عن العوضين المنفيين في الشريعة.
وما ربما يقال من
اختصاص المنع عنهما بالبيع ولا دليل على التعدّي عدا
القياس المحرّم،
غريب؛ لتوجه النظر إليه أوّلاً : بعدم الخلاف في المنع عنهما مطلقاً، بل هو مجمع عليه بين كافّة العلماء، والشاهد عليه سند المخالف، حيث جعله
ارتفاع الغرر لا اختصاص المنع عنه بالبيع؛ مضافاً إلى
استنادهم عليه في جميع موارد الفقه، حتى إن القائل هو بنفسه أيضاً كذلك. وثانياً : بدعوى
الإجماع على المنع عنهما وإفسادهما الإجارة المختلف
وشرح الشرائع للمفلح الصيمري. وثالثاً : بدعوى
الغنية الإجماع على
اشتراط المعلوميّة،
والمتبادر منها ما لم يكن فيه غرر ولا جهالة بالكلية.
وبالجملة لا شبهة في اشتراط عدمهما، ولا نزاع فيه بالمرّة، وإنما هو في ارتفاعهما بالمشاهدة، وهو أمر آخر. والحق فيه مع الجماعة؛ لأنّ دعوى الارتفاع بها فاسدة بلا شبهة، ومع التنزّل فصحّتها غير معلومة، والجهالة ممكنة كعدمها، وبالتردّد بينهما يشكّ في تحقّق شرط الصحّة فيشكّ لأجله في صحّة الإجارة، والأصل فسادها بالضرورة، والعمومات بما دلّ على اشتراط المعلومية من الإجماع مخصّصة، فلا معنى لأصالة الصحّة.
(و) اعلم أن مورد الخلاف إنّما هو فيما (لو كان) الأُجرة (ممّا يكال أو يوزن) أو يعدّ، وأمّا لو كانت ممّا يكفي في بيعها المشاهدة كالعقار ونحوها من
الأمتعة كَفَتْ فيها قولاً واحداً.
(وتملك الأُجرة بنفس العقد) بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية وعن التذكرة؛
وهو الحجة، مضافاً إلى
اقتضاء صحة المعاوضة
انتقال كلّ من العوضين إلى الآخر. قالوا : لكن لا يجب تسليمها إلاّ بتسليم العين المستأجرة، أو العمل إن وقعت عليه الإجارة، وفي
شرح الإرشاد الإجماع عليه،
وخصّه في
الكفاية بما إذا كان ذلك مقتضى العادة.
ولعلّ الوجه في العموم بعد الإجماع المتقدّم
الأصل ، مع احتمال الضرر على المستأجر بتعجيل الدفع، لاحتمال عدم
إمكان استيفاء المنفعة بالموت وشبهه، وهو منفي، فللمستأجر التأخير إلى
التسليم ، إلاّ أن يكون هناك عادة تقضي بالتعجيل فيجب كاشتراطه،
لإقدامه فيهما على الضرر.
وفائدة الملكية مع عدم وجوب التسليم تبعيّة النماء متصلاً أو منفصلاً لها إن وقع العقد عليها بعينها. وأمّا مع تسليمهما فيجب تسليمها (معجّلة) بعده (مع
الإطلاق ) وعدم تقييد العقد بتأجيلها (أو اشتراط التعجيل) بلا خلاف؛ لأنّ تسليم أحد العوضين يسلِّط على المطالبة بالآخر بمقتضى المعاوضة الموجبة للملك. مضافاً إلى
استلزام عدمه الضرر على المالك، حيث يتساهل المستأجر بالتسليم ولم يمكن
إلزامه عليه بمقتضى الفرض، وتعيين وقت دون آخر ترجيح من غير مرجح.
وللنصوص، منها الصحيح : في الحمّال والأجير، قال : «لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أُجرته»
ونحوه غيره.
وفيهما نوع إشعار بما مرّ من عدم وجوب تسليم الأُجرة قبل العمل. ثمّ إنّه ليس في اشتراط التعجيل بعد
استفادته من نفس العقد فائدة إلاّ التأكيد، وتسلّط الموجر على الفسخ مع
الإخلال به على قول، وفي آخر اختصاص الفائدة بالأوّل، والذبّ عن الثاني بمخالفته الأصل، و
اندفاع الضرر المتوهّم منه السببية للتسلط برفع
الأمر إلى الحاكم ليجبره على القيام بالشرط.
ونحوه الكلام في اشتراطه قبل الوجوب في التسلط على الفسخ مع الإخلال، وكذا في لزوم الوفاء به كما مرّ؛ لعموم الخبر بلزوم
الإيفاء بالشرط.
(و) منه يظهر الوجه في أنّه (يصحّ تأجيلها) بالشرط (نجوماً) وأشهراً معيّنة، بأن يُجعل لكلّ منها شيء من الأُجرة لا يستحقّ الموجر مطالبته قبل مجيئه، وكذا إلى أجل واحد. ولا فرق بين
الإجارة الواردة على عين معيّنة والواردة على ما في الذمة. بلا خلاف عندنا في شيء من ذلك، كما في
المسالك وغيره،
ومرّ من الأخبار ما يتعلّق بالمقام في بحث عدم
البطلان بالموت،
فتدبّر.
وفي توقّف
استحقاق المطالبة بالأُجرة بعد العمل على تسليم العين المعمول فيها مطلقا، كما عليه ثاني المحققين وثاني الشهيدين،
أم العدم كذلك، كما عليه الفاضلان وغيرهما،
أم الفرق بين ما إذا كان العمل في ملك
الأجير فالأوّل، أو ملك المستأجر فالثاني، كما حكى قولاً في الشرائع،
أقوال. خيرها أوسطها؛ لأدلّة وجوب التسليم المتقدّمة، سيّما إطلاق النصوص المصرّحة بالحكم في الأجير السليمة عمّا يصلح للمعارضة.
(ولو أستأجر من يحمل له متاعاً) مثلاً (إلى موضع) معين (في وقت معين بأُجرة معينة فإن لم يفعل) أي شرط عليه أنّه إن لم يفعل ولم يبلغه في ذلك الوقت (نقص من أُجرته شيئاً معيّناً) يتراضيان عليه (صحّ) كل من العقد والشرط.
وفاقاً للإسكافي والنهاية والخلاف والقاضي والفاضلين وغيرهما،
وفي المسالك والروضة وشرح القواعد للمحقّق الثاني
أنّه مذهب الأكثر، وفي شرح الشرائع للصيمري أنّه المشهور بين الأصحاب؛ للأصل، والعمومات بلزوم الوفاء بالعقود والشروط.
وصريح الموثق : إنّي تكاريت
إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن، واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنّها سوق أتخوّف أن يفوتني، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكرى عن كل يوم احتبست كذا وكذا، وأنّه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً، فقال عليه السلام : «هذا شرط جائز ما لم يحط بجميع كراه».
خلافاً للحلّي،
فأبطل الشرط دون العقد؛ لعدم تعيين الأُجرة باختلافها على التقديرين، كما لو باعه بثمنين عليهما. وهو حسن لولا النصّ المعتبر المنجبر قصور سنده أو ضعفه لو كان بالشهرة الظاهرة والمحكية، مع
اعتضاده بظاهر الصحيح وإن لم يكن من مورد المسألة : عن الرجل يكتري الدابة فيقول : أكتريتها منك إلى مكان كذا وكذا فإن جاوزته فلك كذا وكذا زيادة، وسمّى ذلك؟ قال : «لا بأس به كلّه»
فلا وجه لبطلان الشرط.
وقال جماعة ببطلانهما معاً هنا.
وهو أضعف من سابقه جدّاً.
فإذاً القول الأوّل أقوى (ما لم يحط بالأُجرة) ويفسد مع
الإحاطة ؛ لمنافاته لمقتضى العقد، ولمفهوم الموثقة المزبورة، ويتبعه فساد العقد، فيثبت حينئذٍ
أجرة المثل ، بلا خلاف إلاّ من
الإسكافي ،
فأوجب المصالحة. وهو شاذّ.
ومن الشهيد في
اللمعة ،
فنفى الأُجرة بالكلّية؛
التفاتاً منه إلى منع منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد؛ لأنّ قضيّة كلّ إجارة المنع عن نقيضها، فيكون قد شرط قضيّة العقد، فلم تبطل الإجارة، غاية ما في الباب أنّه إذا أخلّ بالمشروط وهو النقل في اليوم المعيّن يكون البطلان منسوباً إلى الأجير حيث فوّت الزمان المعين ولم يفعل فيه ما شرط عليه، فلا يستحق شيئاً؛ لأنّه لم يفعل ما استوجر عليه، ولا يكون البطلان حاصلاً من جهة العقد، فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير و
إثبات اجرة المثل، بل اللازم عدم ثبوت شيء وإن نقل المتاع إلى المكان المعيّن لكن في غير الزمان؛ لأنّه فعل ما لم يؤمر به ولا استوجر عليه. ويضعّف : بأن هذا إنما يتمّ إذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمن الأوّل وما خرج عنه خارجاً عن الإجارة، وأمّا إذا كان موردها كلا القسمين فلا، وظاهر الرواية وكلام الأصحاب هو الثاني، ولذا حكموا حتى هو نفسه بصحة الإجارة مع إثبات الأُجرة على التقديرين؛ نظراً إلى حصول المقتضي وهو الإجارة المعيّنة المشتملة على الأُجرة المعيّنة وإن تعدّدت واختلفت بالترديد ؛ لانحصارها وتعيّنها ، وبطلانها على التقدير الآخر.
ولو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأوّل خاصّة وهو النقل في الزمن المعيّن لكان الحكم بالبطلان على تقدير فرض اجرة مع نقله في غيره أولى ؛ لأنّه خلاف قضيّة الإجارة ، كما ذكره ، فإنّ مقتضاها أن لا يكون للموجر اجرة لو خالف ما استوجر عليه ، كما في محل الفرض ؛ لأنّه فيه ليس إلاّ النقل في الزمن المعيّن ، وقد خالفه بالنقل في غيره ، فيكون اشتراط الأُجرة للمخالفة فاسداً ؛ لمنافاته لمقتضى العقد ، فيفسد بفساده ، فكان أولى بثبوت اجرة المثل ، والحال أنّه وسائر الأصحاب حكموا بتلك الأُجرة الناقصة ، وليس ذلك إلاّ من حيث فرض المسألة في كون مورد الإجارة كلا القسمين لا الأوّل خاصة.
والذبّ عن هذا بجعل القسمين متعلّق الإجارة على تقدير ذكر الأُجرة والقسم الأوّل خاصّة على تقدير عدمه في القسم الثاني مع كونه خلاف الظاهر موجب
لاختلاف الفرض. ويمكن الفرق بين ذكر الأُجرة في القسمين وإسقاطها في القسم الثاني بكون تعيين الأُجرة على التقديرين قرينة جعلهما مورد الإجارة حيث أتى بلازمها وهو الأُجرة فيهما ، و
إسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعله مورداً من حيث نفي اللازم الدال على نفي الملزوم ، وحينئذٍ فتنزيل شرط عدم الأُجرة على التقدير الآخر على شرط ما يقتضيه عقد الإجارة والحكم بصحّتها كما حكم به أولى من جعله أجنبيّا مفسداً للعقد بتخلّله بين
الإيجاب والقبول، كذا قيل.
وهو حسن لولا مخالفة إطلاق كلام الأصحاب والنص المتقدّم.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۱۸- ۲۶.