الاضطراب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو التحرك على غير انتظام والتغيير والارتعاش.
الاضطراب: افتعال من الضرب بمعنى التحرّك على غير
انتظام ، والتبدّل
والارتعاش والتغيير وعدم
الاعتدال والاختلال والهيجان، فهو ضدّ
الاستقرار والاطمئنان والسكون والهدوء والثبوت.
ويأتي في كلّ أمر من الأشياء والأحوال والأفعال بما يناسبه، فاضطراب الحمل بمعنى تضرّب
الولد في البطن، واضطراب القوم هو اختلافهم وحدوث بلبلة بينهم، واضطراب أمر شخص بمعنى اختلاله، واضطراب الأفكار تعني هياج العواطف وجموح الأهواء، واضطراب الماء:هياجه، واضطراب النبض: تهدّجه وتشوّشه، ونحوها سائر الموارد الأخرى.
واستعمله الفقهاء في نفس المعنى اللغوي في الأبواب المتفرّقة كما سيأتي.
لا حكم للاضطراب في نفسه إلّا بملاحظة ما يتعلّق به، وهذا يختلف باختلاف الموارد، وإليك تفصيل ذلك:
المعروف بين الفقهاء أنّ المرأة إذا كانت ذات عادة مستقرّة، ثمّ اضطرب عليها الدم ونست عادتها- أو لم تستقرّ لها عادة بناء على إطلاق
المضطربة عليها- وتجاوز دمها العشرة أيّام، فإنّها ترجع إلى
التمييز فتعمل عليه، وإن فقدت التمييز فلها أحكام تختلف باختلاف فروض المسألة من ذكر العدد ونسيان الوقت وعكس ذلك، ونسيانهما جميعاً.
وتفصيل ذلك كلّه في محلّه.
يترك
السلام على المصلّي، خصوصاً مع حصول الاضطراب له باستحضار كيفية الجواب، وربما يقع في شك في أنّه سلّم بحيث يجب عليه ردّ السلام أو لا، وغير ذلك.
وفيه: «لا يبعد ترك السلام».
وفيه: «يكره السلام على المصلّي».
المعروف بين الفقهاء لزوم الطمأنينة- عند
الاختيار - في الصلاة حال
القراءة والأذكار الواجبة، وفي الجلوس بين السجدتين، والقيام بعد رفع الرأس من الركوع، فلا تصحّ الصلاة مع الاضطراب عمداً في تلك المواقع،
وكذا في غيرها إذا كان ماحياً لصورة الصلاة.
بل قال بعضهم- مضافاً إلى ذلك- بلزوم الطمأنينة وعدم الاضطراب في مكان المصلّي في الفريضة، فلا تصحّ الصلاة في السفينة؛ لعدم استقرارها، بل قيل
فظاهرهماعدم الجواز إلّاعند الاضطرار إلى ركوب السفينة كما نسب إليهما الشهيد في الذكرى
واختاره هو أيضاً.بعدم الصحّة ولو كانت واقفة؛
اقتصاراً على المتيقّن في الصحّة من المكان المستقرّ على الأرض.
حيث نسبه إلى جماعة.
أمّا
النافلة فهي جائزة عند الأكثر في السفينة، بل على الراحلة السائرة، بل ادّعي
الإجماع عليه.
فالاضطراب فيها هنا لا يضرّ.لكن خالف جماعة- بل قيل الأكثر
- فقالوا بالجواز في الفريضة ولو في السائرة- مع
استجماع سائر الشرائط
- نظراً إلى عدم دليل على مانعية اضطراب المكان وعدم استقراره لصحّة الصلاة إذا لم يؤدِّ إلى اضطراب المصلّي عرفاً.
واحتجّ الطرفان- مضافاً إلى ذلك- بعدّة روايات. وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى محلّه.
لو رمى
المحرم صيداً فاضطرب الصيد فقتل آخر ضمن الجميع،
وكذا لو أخذ حمام الحرم فانسلّ ريشه في يده باضطرابه.
عدّ الفقهاء اضطراب كتابة السكّة في العملات النقدية من عيوب المبيع الموجبة لتخيّر المشتري بين الردّ
والإمساك .
إذا عرض لأحد المناضلين عارض فاضطرب رميه لأجله لم يعتدّ بذلك السهم عليه من الخطأ إن هو أخطأ؛ نظراً إلى أنّ الخطأ ما كان لسوء رميه، فإذا كان لعارض فلا يكون لسوء رميه، فيردّ إليه ليعيد رميه.وإن حصلت
الإصابة مع العارض ففي
الاعتداد بذلك الرمي وعدمه قولان.
تقع الحياة موضوعاً لعدد من أحكام
الإنسان والحيوان، وقد ذكر الفقهاء أنّ الاضطراب في بعض الحالات من الأمارات الدالّة عليها، وذلك كما يلي:
ذكر الفقهاء أنّ الحمل وإن كان نطفة حال موت المورّث يرث ويورّث بشرطين:
أحدهما: أن يعلم بوجوده حال موت المورّث.
ثانيهما: أن يولد حيّاً وإن لم يكن كاملًا،
ولا يشترط استقرار الحياة، فإذا مات بعد أن ولد حيّاً ورث.
وكذا لو سقط بجناية أو غير جناية فتحرّك حركة الأحياء واضطرب، أمّا لو خرج وهو يتحرّك حركة الموتى ويختلج فإنّه لا يرث.
وقد يناقش في ذلك؛ نظراً إلى شمول الأدلّة لمطلق الحركات ولو لم تكن دالّة على استقرار الحياة.
لا كلام في اشتراط حياة
الحيوان حال التذكية وبقائها
في الجملة بعد
التذكية ولو إلى زمان قليل، إلّاأنّه اختلفت آراء الفقهاء تبعاً لاختلاف الروايات
في
الأمارة الدالّة على ذلك، فهنا ثلاثة أقوال:
الأوّل: كفاية أحد الأمرين من خروج الدم المعتدل ومن تحرّكه واضطرابه بعد التذكية حركة الحيّ، كتحرّك الذنب أو أن تطرف العين، دون
الاختلاج الذي قد يحصل في اللحم المسلوخ أيضاً وهذا هو مختار
الشيخ الطوسي في النهاية والحلّي والمحقّق والفاضل في أكثر كتبه والشهيد،
بل نسب إلى أكثر المتأخّرين،
بل إلى الأكثر مطلقاً.
القول الثاني: اعتبارهما معاً عند جماعة، منهم: المفيد والإسكافي والقاضي وسلّار والحلبي، وابن زهرة وادّعى الأخير الإجماع عليه.
ونقله عن
الإسكافي في المختلف،
ولكنّ الظاهر في موضع آخر منه (ص ۴۴۰) كفاية التحرك وحده في الذبح.
القول الثالث: كفاية الاضطراب والحركة وحدها، لا خروج الدم وحده، ذهب إليه
الشيخ الصدوق والعلّامة الحلّي في المختلف، وقوّاه ثاني الشهيدين.
المشهور بين الفقهاء
أنّ ذكاة السمك
إخراجه من الماء حيّاً أو أخذه حياً بعد وثبه أو نضب الماء عنه، لدلالة بعض الروايات عليه.
وقيل: المعتبر خروجه من الماء حياً، سواء أخرجه مخرج أم لا.
ويكفي حينئذٍ في العلم بذلك أن يدرك السمك وهو يضطرب وإن مات قبل الأخذ.
واستدلّ عليه برواية
سلمة بن أبي حفص عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : «إنّ
عليّاً عليه السلام كان يقول: إذا أدركتها وهي تضطرب، وتضرب بيدها، وتحرّك ذنبها وتطرف بعينها، فهي ذكاتها».
ورواية
زرارة ، قال: قلت:
السمكة تثب من الماء فتقع على الشطّ، فتضطرب حتى تموت، فقال: «كُلْها»،
ونحوها غيرها.
وأجيب بضعف الروايتين،
مضافاً إلى شمولهما لما إذا كان الموت قبل الأخذ وبعده، فيجب التخصيص بسائر الروايات.
ذكر الفقهاء أنّه يحرم ركوب
البحر عند هيجانه؛ لوجوب التحرّز عن الضرر وإن كان مظنوناً.
ثمّ إنّ بعضهم ألحق حال اضطراب البحر بالمرض المخوف في سببيّته للحجر ومنعه من التبرّعات المنجّزة فيما زاد على الثلث،
ولكن أنكره المشهور.
ويبدو أنّه لا خصوصية للبحر وأنّ المورد مجرّد تطبيق لحرمة
الإضرار بالنفس أو
إهلاكها ، وإلّا فهو يشمل السفر بالطائرة مع اضطراب الأحوال الجوية بحيث يخشى من السقوط، وكذلك أيّ وسيلة نقل تضطرب حال سيرها بحيث يخشى من تعرّض الإنسان للضرر لو سار بها.
ذكر الفقهاء أنّه ينبغي للقاضي مراعاة
اعتدال الطبع حين القضاء، فيكره
القضاء حينما يحصل للنفس اضطراب وتشويش من جوع أو عطش أو مرض، أو همّ وغمّ أو غضب أو نعاس، أو مدافعة الأخبثين ونحوها؛
وذلك لما يستفاد من الروايات الدالّة على كراهة القضاء حين الغضب،
وأنّه لا يقضي إلّاوهو شبعان وريّان
ونحوها من سائر الأخبار.
لا ريب في حرمة نشر الاضطراب والخوف بين المسلمين حال القتال وغيره، بواسطة نشر الأخبار المضعفة لقلوب المسلمين أو تخذيلهم أو
إيجاد الفتنة والشقاق ونحوها مما يستلزم تضعيفاً وضرراً على المجتمع والدولة.ويدلّ عليه- مضافاً إلى حكم العقل- ما ورد في الكتاب من النهي عن
الإرجاف وتوبيخ المرجفين
والإغراء بهم ونحوها.
ويجب على
الإمام والدولة بل على جميع المسلمين النهي والمنع عن ذلك، وإخراج المرجفين (المرجفون: وهم من يأتون بأخبار تضعضع قلوبالمسلمين وتضعفهم.)
والمثبطين (المثبّطون: وهم الذين يقعدون بالناس عن امورهم ويشغلونهم عنها ويمنعونهم تخذيلًا ونحوه.)
من بين صفوفهم وعقوبة ذلك إذا بلغ مرتبة إيجاد الفتنة
والنفاق هو القتل والنفي؛
لأنّهنوع من
البغي والمحاربة وتضعيف للحكومة الإسلامية.وتأخذ الاضطرابات الاجتماعية أشكالًا مختلفة، فمنها زوال الأمن العام في البلاد وحلول الفوضى، أو تنظيم التظاهرات الصاخبة، وقد تؤدي تصريحات المسؤولين السياسيين وغيرهم إلى نشر الفوضى والاضطرابات في صفوف القاعدة الشعبية. كما قد تكون الاضطرابات محدودة، كالاضطرابات التي تحصل في السجون للمطالبة بالمزيد من الحقوق أو غير ذلك، أو اضطرابات الحرم الجامعي.
والقاعدة في هذه الاضطرابات أنّها إذا كانت تواجه
النظام الإسلامي الشرعي لم تكن جائزة، وأمّا إذا كانت تواجه الحاكم الجائر أو كانت في غير بلاد المسلمين فإنّ المشاركة فيها للمطالبة بالحقوق وغيرها جائزة، وتدخل في نطاق القضايا العامة التي يفترض أخذ نظر من له
الولاية العامة في ذلك، لا سيما لو ترتب عليها
إتلاف الأموال أو قتل النفوس ونحو ذلك.
كيفية القصاص في الجروح هي أن يحفظ الجاني من الاضطراب حال
الاستيفاء ، فإذا اريد القصاص في الرجل أو اليد- مثلًا- حلق الشعر عن محلّ
الاقتصاص وربط الرجل واليد على خشبة أو غيرها بحيث لا يضطرب حال الاستيفاء، ثمّ يقاس محلّ الشجّة بمقياس، ثمّ يشقّ من موضع
العلامة.
فإن زاد لإضطراب الجاني فلا شيء؛ لاستناد التفريط إليه باضطرابه، وإن لم يضطرب اقتصّ من المستوفي إن تعمّد وطولب بالدية مع الخطأ.
ويقبل قوله في دعوى الخطأ مع اليمين.وإن ادّعى الاضطراب ففي تقديم قول الجاني أو المستوفي قولان.
المرجع في تعيين حدود كثير من الموضوعات في العبادات والمعاملات هو
العرف ، وقد يتّفق الجهل به أو اضطرابه باختلاف الأزمنة والأمكنة والعادات، ففي ما إذا كان
إيجاب العمل بيد المكلّف-
كالإجارة وما شابهها- يجب حين
الإنشاء تعيين كيفية العمل ولوازمه والمنفعة
والاستيفاء ، ولو أطلق يرجع إلى الأصول والقواعد المقرّرة، وهذا قد يختلف باختلاف الموارد، وكذا مباني الفقهاء كما نرى أنّ بعضهم يقول: إنّ لوازم العمل- كالمداد(المداد: ما يكتب به.)
والخيوط- على الكاتب والخيّاط، والآخر يقول: إنّهما على المستأجر.
أمّا في العبادات كالشك في الماء المطلق والمضاف واضطراب العرف فيه، فالمرجع هو الأصول العملية مع فقد الإطلاقات والعمومات.
كثيراً ما نرى أنّ بعض الفقهاء ينسب كلام فقيه آخر أو كلام سائر الفقهاء وفتواهم إلى الاضطراب وأنّ كلماتهم مضطربة؛
ليقلّل المخالف ويضعّفه في قبال الشهرة- مثلًا- أو يمنع من تحقّق الشهرة
والإجماع في مسألة.ويراد باضطراب فتوى
الفقيه تارة
الاختلاف والتبدّل في رأيه، وأخرى عدم وضوح فتواه؛ لإجمال كلامه أو عدم جزمه في
الفتوى وترديده فيها، وثالثة ضعف الفتوى وعدم انطباقها على القواعد.
والمراد بالاضطراب والتشويش في كلمات الفقهاء غالباً هو التعارض، وقد يراد به عدم تحرير محلّ النزاع، أو تعدّد قيود الفتوى واختلافها في كلماتهم ونحو ذلك. ولكلّ من التعارض والاختلاف
والإجمال في رأي المجتهد وتبدّل الفتوى.
ضعّف الفقهاء وعلماء الحديث روايات كثيرة؛ لاضطراب متنها أو سندها وراويها،
إلّاأنّه قد يختلف مرادهم ومعيارهم في ذلك، فتارة يعدّ فقيه شيئاً من وجوه الاضطراب والآخر ينكره.
وكيف كان، فقد عدّ من اضطراب المتن نقل الرواية بألفاظ مختلفة أو مجملة
أو ركيكة لغوياً، أو ما إذا وجدت قرائن تمنع من قبول الرواية، من تناقض الصدر والذيل، أو اختلاف الزمان بين فقراتها أو عدم تطابق السؤال والجواب، أو اشتمال الرواية على ما ينافي العقائد الحقّة، أو القواعد الشرعية.
وعدّ من اضطراب السند ضعف رواة الحديث
أو اختلاف رواته بأن ينقل شخص عن شخص تارة بلا واسطة، وأخرى مع الواسطة، أو
إضافة السؤال تارة إلى رجل وأخرى إلى نفسه
أو نقل الرواية تارة عن شخص معيّن، وأخرى عن شخص آخر، وثالثة عن شخص ثالث في نفس تلك الواقعة،
بحيث لا يحتمل أنّها وقعت معهم أو أمامهم جميعاً، مع عدم احتمال تكرارها.
ويراد من اضطراب الراوي اضطرابه في المذهب، فنرى أنّ علماء الرجال ضعّفوا بعض الرواة لذلك، ولكن قال بعض المحقّقين المعاصرين: إنّ مجرّد الاضطراب في
المذهب لا ينافي الوثاقة.
وتفصيل الكلام في ذلك كلّه موكول إلى محلّه من
الأصول والدراية .
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۴۲۷-۴۳۵.