الإتلاف المشروع (تكليفا لا وضعا)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإتلاف (توضيح).
جوّز
الشرع الإسلامي الحنيف الإتلاف مع الضمان في موارد، نذكر منها:
كحفظ
النفوس المحترمة من التلف، سواء كانت
النفس الواجب حفظها نفس المتلف أو غيره.
ومنه
إسناد الجدار الذي يُخشى وقوعه على
الناس بخشبة الغير مع
احتمال أدائه إلى تلف
الخشبة .
قال في إسناد
الحائط بجذع الغير: «الحقّ انّه إن خيف بترك إسناده ضرر على نفس محترمة ونحو ذلك جاز إسناده؛ لجواز إتلاف مال الغير لحفظ النفس ويضمن
العوض ».
قال في مفروض
المسألة : «هو يتم -إسناد
الجدار بجذع الغير- على
تقدير الخوف من وقوعه على نفس محترمة بحيث لا يندفع بدونه؛ لجواز إتلاف مال الغير لحفظ النفس، فإتلاف منفعته أولى. أمّا بدون ذلك فالمنع أوضح للمنع من التصرف في مال الغير بغير
إذنه عقلًا وشرعاً...».
كما أنّ منه أيضاً
إلقاء مال الغير في
البحر بغير إذن صاحبه مع توقّف حفظ النفوس المحترمة من
الغرق عليه.
ومنه كلّ ما إذا توقّف حفظ واجب أهم أو مساو على إتلاف مال للغير أو حفظ بعض الحقوق العامة المهمّة على إتلاف أموال الآخرين كفتح
السكك وحفظ
النظم فانّه يجوز الإتلاف لتلك الأموال عندئذٍ ولكن مع
الضمان لأصحابها.
كإتلاف من اضطر إلى أكل مال الغير لسدّ رمقه فانّه جائز ولكنه لا يرفع ضمان قيمته لمالكه، ومنه الإتلاف
الواقع نسياناً أو خطأً وسهواً أو عن جهل بالموضوع أو بالحكم من دون
تقصير وإتلاف
الصبي والمجنون، بل في كل مورد حكم فيه شرعاً برفع
القلم عنه مع
أهلية ثبوت الضمان وتحقق موجبه.
قال: «لا
تكليف على
الغافل ؛ لأنّه في معنى
النائم المرفوع عنه القلم- ووجوب قضاء الصلاة على النائم والغافل و
الساهي بأمر جديد... وكذا باقي أسباب العقوبات إذا صدرت حال
الغفلة ، إلّا ما كان من قبيل الإتلاف كإتلاف مال الغير أو
البضع أو
الصيد في
الإحرام أو الحرم. ولا خلاف في عدم توجه
الإثم وإن وجب الضمان».
قال: «إنّ في موارد الضمانات بالإتلاف بأن غصب أحد أو سرق مال الغير فأتلفه أو أتلفه سهواً ونسياناً فإنّ
النسيان لا ينافي الضمان كما قرّر في
حديث الرفع ».
إتلاف مال
اللقطة بالتصدق به عن مالكه أو جعله
كسبيل ماله فإنّه جائز، لكنه يكون مضموناً عليه لو عرف المالك وطلبه، فقد صرح الفقهاء بأنّ
التصدّق بمال اللقطة عن
المالك يكون على وجه الضمان، بمعنى انّه لو حضر المالك وطالب بماله ولم يرضَ بالتصدّق عنه فعلى
الملتقط ردّ البدل مثلًا أو قيمة. ومثله ما لو جعله الملتقط كسبيل ماله فانّه يكون ضامناً للمالك أيضاً مع
المطالبة وإن لم يأثم.
قال في لقطة ما زاد على
الدرهم : «وإن وجده في غير
الحرم يعرّف حولًا، ثمّ الملتقط بالخيار بين التملُّك و
الصدقة و
إبقائها أمانة . ولو تصدّق بها فكره المالك ضمن الملتقط...».
قال: «وما كان في غير الحرم يحلُّ منه دون الدرهم من غير
تعريف ، وما عداه يتخيّر الواجد فيه بعد تعريفه حولًا بنفسه وبغيره بين الصدقة والتملّك ويضمن فيهما، وبين إبقائه أمانة ولا يضمن...».
قال في اللقطة: «وإن كان قيمتها درهماً أو أزيد وجب عليه تعريفها، و
الفحص عن صاحبها، فإن لم يظفر به... تخيّر بين امور ثلاثة: تملّكها، والتصدُّق بها مع الضمان فيهما، وإبقائها أمانة بيده من غير ضمان...».
ومنه أكل
الطعام الذي في معرض التلف بعد
تقويم الواجد له على نفسه كما في خبر
السفرة المطروحة المروي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام حيث ورد فيه: «يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل؛ لأنّه يفسد، وليس له
بقاء ، فإن جاء طالبها غرموا له
الثمن ».
قال بعد نقل
الرواية : «وفيها أحكام كثيرة: منها... جواز التصرّف بالأكل في مال الناس إذا عُلم
الهلاك من غير
إذن الحاكم مع التقويم على نفسه».
وقال
الإمام الخميني : «إنّ ظاهرها أن
مريد الأكل لا بدّ له من تقويمه وجعل
القيمة على نفسه ثمّ يأكله، فجعل الضمان هنا
اختياري للواجد، وقبل الإتلاف، وإن كان بالإتلاف يستقرّ عليه».
وقد استفاد الفقهاء من هذا الخبر حكماً كلّياً وهو جواز
التصرف بمال الغير المجهول المالك بل
المعلوم أيضاً مع غيبته وعدم حضوره وتعذّر
استئذان الولي العامّ فيه وإتلافه
بالانتفاع إذا كان في معرض الفساد والتلف مع ضمانه لصاحبه.
قال المحقق الحلّي في اللقطة: «ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قوّمه على نفسه وانتفع به، وإن شاء دفعه إلى
الحاكم ولا ضمان».
قال: «التعريف حولًا إنّما يجب فيما يبقى كالثياب و
الأمتعة والأثمان، أمّا ما لا بقاء له كالطعام فانّه يتخيّر بين التقويم على نفسه، ثمّ ينتفع به، فإن جاء صاحبه دفع إليه قيمته مع التلف وبين دفعه إلى الحاكم ليبيعه، ويحفظ ثمنه لصاحبه ولا ضمان».
قال: «ولو كانت (اللقطة) مما لا يبقى، بل يفسد عاجلًا
كالطعام قوّمها على نفسه عند
الوجدان وضمنها للمالك وانتفع بها وإن شاء دفعها إلى الحاكم أوّلًا، ولا ضمان عليه حينئذٍ
أصلًا بلا خلاف ظاهر...».
بالأكل من طعامه و
الوطء لجاريته التي لم يمسها
بشهوة ونحوهما مما يعدّ إتلافاً فانّه جائز، غير أنّه يكون مضموناً فيما إذا كان
موسراً أو
منفقاً عليه.
قال: «المعلوم من
العقل و
النقل عدم جواز التصرف في مال الغير إلّا بإذنه و
طيب نفس منه. وقد يستثنى منه امور:... الثالث: أكل
الوالد من مال ولده على
الاحتمال ... وقيّده الشيخ في
الاستبصار بالاحتياج للتقييد في بعض الأخبار».
قال: «الوالد له التصرفات المعاملية وغيرها
الراجعة إليه من حيث إنّه
والد ابيح له أنحاء الانتفاعات بمال ولده، فإذا جاز الأكل من ماله وهو إتلاف بلا عوض جاز له
الاقتراض منه وإن أدّى إلى تلفه لكونه
معسراً ، وجاز تقويم
الجارية على نفسه وإن لم يكن ذا
مصلحة ، بل وإن أدّى إلى ما هو كالتلف من حيث
إعساره وعدم تمكّنه من
أداء قيمتها...».
ويسمّى
بالاباحة المعوّضة أو على وجه الضمان، كما إذا أذن بأكل طعامه مع ضمان قيمته أو
الغسل في حمّامه مع دفع اجرته.
قال: «لا
إشكال في صحة الاباحة المعوّضة بتقدير الضمان بالمثل أو القيمة على تقدير التلف وهي
عبارة عن الإباحة المضمونة بالمثل أو القيمة».
وتفصيل ذلك مرّ في مصطلح (إباحة معوّضة).
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۲۰۹-۲۱۸.