الاحتضار (آدابه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاحتضار (توضيح).
وهو بمعنى الحضور ضد الغيبة ويطلق على خروج
الروح من البدن.
وهي مختلفة بين واجب ومندوب.
وفيه قولان:
ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب توجيه المحتضر نحو القبلة مع الإمكان، وذلك بأن يلقى على ظهره، ويجعل وجهه وباطن قدميه إليها بحيث لو جلس لكان مستقبلًا القبلة، وأمّا في حال الاضطرار وعدم التمكّن منه ففي سقوط
الاستقبال مطلقاً- كما أشار إليه بعضهم
، واختاره
الشيخ المفيد والعلّامة وبعض آخر صريحاً
، وقد ينسب إلى الأشهر كما في
شرح الجعفرية أو المشهور
، أو لزومه على كيفية اخرى خلاف، فقد يقال بعدم السقوط وثبوت البدل
، «فإن تعذّر الاستقبال على ذلك الوجه فعلى هيئة المضطجع مخيّراً بين الأيمن والأيسر، وإن كان الأوّل أولى. وإن كان في مكان ضيّق أو محمل أو نحوه استقبل به على هيئة الجالس، وهكذا».
وقال
السيد اليزدي في
العروة الوثقى «وإن لم يمكن بالكيفية المذكورة فبالممكن منها، وإلّا فبتوجيهه جالساً أو مضطجعاً على الأيمن أو على الأيسر مع تعذّر الجلوس» واستدلّ له بقاعدة الميسور
، إلّا أنّه يرد على القاعدة المزبورة بأنّ الكبرى غير مسلّمة- كما ثبت في محلّه- مضافاً إلى عدم تحقّق الصغرى في المقام،
فلا دلالة فيها على هذه الأبدال، ومقتضى الأصل عدمها.
قال
المحقّق النجفي «إنّ قضية النص والفتوى والأصل سقوط الاستقبال مع عدم التمكّن من الكيفيّة الخاصّة»
، وقال السيّد الخوئي «الصحيح أنّ الوجوب يسقط عند تعذّر التوجيه بباطن القدمين؛ لعدم دلالة الدليل على الوجوب بالمقدار الممكن عند تعذّر التمام»
.
قال
الشيخ المفيد : «إذا حضر العبد
المسلم الوفاة فالواجب على من يحضره من أهل الإسلام أن يوجّهه إلى القبلة».
وقال العلّامة في
الإرشاد : «يجب عند الاحتضار توجيهه إلى القبلة».
وقال في
نهاية الإحكام : «الأقوى أنّه إذا تيقّن
الولي نزول الموت بالمريض أن يوجّهه إلى القبلة واجباً».
ولعلّه الظاهر من موضع من
نهاية الشيخ الطوسي أيضاً.
ويستدلّ
له بالأخبار:
منها: ما رواه
الكليني باسناده عن
سليمان ابن خالد قال: سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إذا مات لأحدكم ميّت فسجّوه تجاه القبلة، وكذلك إذا غسّل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن (وفي نسخة «مستقبلًا بباطن») قدميه ووجهه إلى القبلة».
ومنها: ما رواه
الصدوق مرسلًا تارة ومسنداً اخرى عن
أمير المؤمنين عليه السلام قال: «دخل
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم على رجل من
ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجّه بغير القبلة، فقال: وجّهوه إلى القبلة، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل اللَّه عزّ وجلّ عليه بوجهه، فلم يزل كذلك حتى يقبض».
ومنها: رواية
ذريح عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا وجّهت الميّت للقبلة فاستقبل بوجهه القبلة، لا تجعله معترضاً كما يجعل الناس...»، ورواية
إبراهيم الشعيري وغير واحد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في توجيه الميّت، قال: «تستقبل بوجهه القبلة ولا تجعل قدميه ممّا يلي القبلة»، ورواية
معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الميّت فقال: «استقبل بباطن قدميه القبلة».
وقد يناقش فيها من ناحية السند بضعف بعض الرّواة. قال المحقّق في
المعتبر : «اعلم أنّ ما استدللنا به على الوجوب ضعيف (وذكر الروايات ثمّ قال:) لأنّ التعليل كالقرينة... والأخبار الاخر المنقولة عن أهل البيت ضعيفة السند».
وقال
السيد العاملي في ذيل رواية
سليمان : «يمكن المناقشة في هذه الرواية من حيث السند
بإبراهيم بن هاشم حيث لم ينص علماؤنا على توثيقه، وبأنّ راويها- وهو
سليمان بن خالد - في توثيقه كلام».
واجيب
عنه بأنّ حديث إبراهيم قد عدّه في الصحيح جملة من متأخّري المتأخّرين
كالشيخ البهائي ووالده
والمجلسي ووالده وغيرهم؛ لما ذكره علماء الرجال في حقّه بأنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم، وهو من أعلى مراتب التوثيق، لما علم من تصلّب أهل قم في قبول الروايات.
وأمّا سليمان بن خالد فقد عدّ حديثه نفس صاحب
المدارك في مواضع من كتابه
من الصحيح أو الحسن. وعبّر عنه في
الرّياض ب «الحسن بل الصحيح».
وفي الرّوض ب «السليم».
كما اعتبر
المحقّق النجفي والسيد الحكيم رواية
معاوية بن عمّار من الموثّق.
واعتبر
النراقي رواية
ذريح من الصحيح، ورواية
الشعيري من الحسن .
فالإشكال في سند هذه الأخبار جميعاً غير وجيه.
نعم، قد يناقش في دلالتها بأنّ الحكم الوارد في مرسلة الفقيه عن
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حكم في واقعة معيّنة، ولا عموم لها.
وبأنّ التعليل الوارد فيها قرينة على
الاستحباب .
وبأنّ موضوع الحكم في جميع هذه الروايات عدا مرسلة
الفقيه عن
أمير المؤمنين عليه السلام هو عنوان الميّت، والميّت غير المحتضر الذي نحن بصدد إثبات حكمه؛ لظهور العناوين المأخوذة في الأدلّة في الفعليّة والتلبّس
وبأنّ بعضها كرواية
معاوية بن عمّار في مقام بيان كيفيّة التوجيه لا حكمه من حيث الوجوب وعدمه.
واجيب عن الأوّل بأنّ أكثر الأخبار الواردة في الأحكام موردها قضية خاصّة، فلو قصر الحكم على موردها لانسدّ باب الاستدلال.
ولعلّ المجيب يريد قاعدة الاشتراك التي قد ادّعي
الإجماع عليها،
مضافاً إلى التعليل الوارد في الرواية بإقبال الملائكة على المحتضر، فإنّه يشعر
بل يدلّ على العموم وعدم الخصوصيّة في المورد.
وعن الثاني بأنّ الظهور في الاستحباب غير صحيح، وأمّا الإشعار فلو سلّم فإنّه لا يترك به ظهور الأمر في الوجوب،
فإنّ هذا النحو من التعليلات المشتملة على ذكر فائدة العمل إنّما تصلح قرينة على الاستحباب فيما إذا كانت الفائدة المذكورة عائدة إلى نفس المكلّف... وسرّه أنّ تعليل الطلب بفائدة عائدة إلى المكلّف يوهن ظهوره في كونه مولويّاً، بل يجعله ظاهراً في كونه إرشاديّاً محضاً... وأمّا إذا كانت الفائدة عائدة إلى غيره فلا يوهن ظهوره في كونه مولويّاً بل يؤكّده كما لا يخفى وجهه.
وعن الثالث بأنّ المراد من الميّت هنا هو المشرف على الموت (أي المحتضر) مجازاً، وهو مجاز شائع كما في قوله تعالى: «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ»
أي إذا أردتم، وقوله تعالى: «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ»
أي إذا أردت القراءة، وغيرها. فالمراد من قوله عليه السلام: «إذا مات لأحدكم ميّت» يعني إذا أشرف أحدكم على الموت واحتضر، لا وقوع الموت بالفعل، وإلّا لزم وجوب توجيه الميّت إلى القبلة حيثما وضع ما لم يدفن، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به. وكذا بالنسبة لقوله عليه السلام في الخبر المذكور: «إذا غسل» أي إذا اريد غسله،
وهذا قد صرّح به الشيخ البهائي حيث قال: «وأنت خبير بأنّ إطلاق الميّت على المشرف على الموت شائع في الاستعمال، كثير في الأخبار، كما في الحديث الثاني والثامن والتاسع والعاشر».
أي رواية
عبد اللَّه بن سنان : «إذا عسر على الميّت موته ونزعه...».
ورواية
حفص بن البختري : «انّكم تلقّنون موتاكم عند الموت لا إله إلّا اللَّه ونحن...».
ورواية
الحلبي : «إذا حضرت الميّت قبل أن يموت...».
ورواية
يحيى بن سابور : «الميّت تدمع عيناه عند الموت وذلك عند معاينة رسول اللَّه».
وعن الرابع بدعوى ظهور السؤال في السؤال عن حكم الميّت نفسه لا كيفيّة توجيهه نحو القبلة.
ولكن مع ذلك كلّه فقد تردّد في المسألة بعض الفقهاء.
قال
العلّامة الحلّي : «وفي وجوب الاستقبال به إلى القبلة حالة الاحتضار قولان».
وقال
الشيخ الأنصاري : «والمسألة محل إشكال، وللتوقّف- كما عن القواعد والتحرير- مجال».
وقال
السيد الحكيم : «والاحتياط لا ينبغي تركه».
وقد يستدلّ للوجوب باستمرار سيرة
المسلمين على الالتزام به في جميع الأعصار، حتى أنّهم يعدّون فواته من الشنائع على الميّت وأهله.
واجيب عنه بعدم الملازمة؛ وذلك أنّ الناس كثيراً ما يلتزمون ببعض المستحبات. وأمّا عدّ فواته من الشنائع فإن كان ذلك بالنسبة إلى الميّت فهو لا يدلّ على المطلوب؛ إذ لا تقصير له في ذلك، وإن كان بالنسبة إلى أوليائه فهو يدلّ على ضعف هممهم في وجوب الاهتمام برعاية حال الميّت لا وجوبه عندهم.
وفي قبال القول الأوّل ذهب إلى استحباب التوجيه بعض المتقدّمين
كالسيد المرتضى والشيخ الطوسي والمحقّق في المعتبر،
وغير واحد من المتأخّرين
كالمحقّق الأردبيلي والسبزواري
والسيد العاملي وغيرهم.
بل في المعتبر: «أنّ الوجوب مذهب
المفيد في
المقنعة وسلّار »،
وهو مشعر بذهاب الباقين إلى الاستحباب كما استفاده البعض،
بل صرّح به العلّامة.
ويستدلّ له- بعد ضعف الأدلّة المدّعى دلالتها على الوجوب بما مرّ من وجوه الإشكال- بالبراءة عن الوجوب،
فيحمل الأمر الوارد فيها على الاستحباب، بل قد مرّ دعوى بعضهم الظهور في الاستحباب في بعضها بقرينة التعليل.
وكيف كان فهل يجب أو يستحب ذلك لنفس المحتضر أيضاً إذا كان قادراً عليه؟
صريح
المحقّق النجفي الأوّل، بل قد يدّعى اختصاص الوجوب به حينئذ؛ لانصراف الأمر للغير في الأخبار إلى الغالب وهو عجز المحتضر عنه، وإلّا فالظاهر من الأخبار مطلوبيّة تحقّق التوجّه في الخارج على كل حال.
ونفى عنه البعد
الشيخ الأنصاري وأفتى به صاحب
العروة أيضاً وظاهره الاشتراك
ولكن في المستمسك: «وهو غير بعيد، وإن كان هو خلاف الجمود على ما تحت عبارة النصوص».
ثمّ الظاهر أنّ الوجوب- على القول به- كسائر الأحكام المتعلّقة بالميّت من الغسل والصلاة والكفن والدّفن من فروض الكفاية، بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه»،
بل يمكن دعوى
الإجماع عليها بناءً على إلحاق ما نحن فيه بسائر أحكام الميّت، مضافاً إلى تصريح جماعة من الفقهاء بها.
قال
الشهيد الأوّل : «وهو فرض كفاية، وكذا أحكام الميّت؛ لأنّ الغرض إدخالها في الوجود»،
ونحوه
الشهيد الثاني في
الروض .
نعم يظهر الخلاف من
المحدّث البحراني حيث أنكر
الوجوب الكفائي في أحكام الميّت طرّاً، وحكم بأنّ جميع أحكامها متوجّهة إلى الولي عيناً، مدّعياً أنّ الكفائيّة لا دليل عليها. قال في الحدائق: «لا أعرف لهذا القول- وإن اشتهر بينهم بل ادّعي عليه الإجماع- دليلًا يعتمد عليه».
ثمّ لا تنافي بين فرض الكفائيّة وكونه مشروطاً بإذن الولي كما سيأتي البحث عنه.
لا إشكال عندهم في شمول الحكم لكلّ مؤمن حتى الصغير كما صرّح به عدّة من الفقهاء.
قال
المحقّق الكركي : «الظاهر أنّه لا فرق بين الصغير والكبير في هذا الحكم إذا كان
مسلماً أو في حكمه»
ومثله ذكر
الشهيد في
الرّوضة .
وفي
المسالك : «لا فرق في الميّت بين الصغير والكبير وغيرهما من أصناف المسلمين».
وقال في
العروة «لا فرق بين الرجل والمرأة والصغير والكبير».
ويستدلّ له باطلاق الأدلّة،
وأنّ ورود لفظ (الرجل) في المرسلة لا يوجب التخصيص بقرينة التعليل الوارد في نفس الرواية، كما أنّ الشهرة لا اختصاص فيها.
كما لا إشكال في خروج الكافر ومن بحكمه عنه، فإنّ عبارات الفقهاء وإن اختلفت في ذلك- حيث عبّر بعضهم بالميّت مع إرادة المحتضر قطعاً،
وعبّر آخرون بالمحتضر أو الإنسان الذي حضرته الوفاة،
وعبّر غيرهم بالمسلم،
وما عدا الأخير يشمل الكافر أيضاً- إلّا أنّ هذا الخلاف في التعبير لا ينمّ عن اختلاف الفقهاء في شمول الحكم للكافر وعدمه؛ لعدم وجوب ما هو أولى من ذلك بالرعاية في
الكافر كالدفن- على ما هو الثابت في محلّه- فضلًا عن توجيهه نحو القبلة حال
الاحتضار .
فلا تشمله أخبار التوجيه وأدلّته بناءً على فرض أنّ هذه الأحكام إنّما صدرت رعاية لحقّ الميّت وتجليلًا له، كما لعلّه هو ظاهر التعليل في رواية
الصدوق أيضاً على ما استفاده بعض الفقهاء.
وقد صرّح باشتراط الحكم المزبور بالإسلام جماعة من العلماء
كالمحقّق الكركي والشهيد الثاني والسيد اليزدي وغيرهم.
وإنّما الخلاف بينهم في ثبوته بحقّ المخالف، فإنّ ظاهر عباراتهم المتقدّمة شمولها له، وكذا غيرها كعبارة العلّامة في
الإرشاد ، قال: «المقصد الرابع في غسل الأموات: وهو فرض على الكفاية- وكذا باقي أحكامه- لكلّ ميّت
مسلم عدا
الخوارج والغلاة، ويغسَّل المخالف غسله، ويجب عند الاحتضار توجيهه إلى القبلة على ظهره بحيث لو جلس كان مستقبلًا».
وقال
النراقي : «ومنه (أي إطلاق الأدلّة) يظهر الوجوب في المخالف المحكوم بإسلامه».
ولعلّ ذلك ظاهر عبارة
المحقّق النجفي أيضاً.
والدليل على ذلك- كما أشار إليه
النراقي في عبارته المتقدّمة- إطلاق الأدلّة، وإنّما خرج منه الكافر ومن بحكمه من سائر فرق الإسلام
كالنواصب والغلاة وغيرهما، فيبقى الباقي.
وفي قبال هذا القول ذهب جماعة من الفقهاء إلى عدم وجوب توجيه المخالف نحو القبلة
كالشهيد الثاني - وهو أوّل من تعرّض له- وصاحب
الحدائق والمحقّق الهمداني والسيد الحكيم
والخوئي،
استناداً إلى قاعدة الإلزام، حيث إنّ التوجيه ليس واجباً عندهم بل مندوبٌ، مع مخالفتهم لنا في الكيفيّة أيضاً، فنتعامل معهم كما يتعاملون مع أنفسهم، بل قد يدّعى عدم
الإطلاق في الأدلّة من هذه الجهة، فلا دليل على ثبوت هذا الحكم لمطلق المسلم.
قال
السيد الخوئي : «الصحيح هو الاختصاص (
بالمؤمن )؛ لأنّ موثّقة
معاوية بن عمّار ورواية
الصدوق وإن كانتا مطلقتين إلّا أنّ دلالتهما كصحيحة
سليمان بن خالد غير تامّة، والعمدة هو مرسل
الصدوق أو مسنده، والتعليل الوارد في رواية الصدوق ظاهر في أنّ الغرض من التوجيه تجليل الميّت وتعظيمه بحيث يُقبل اللَّه وملائكته عليه في آخر حياته، وهذا مختصّ بالمؤمن... وأمّا صحيحة سليمان بن خالد فهي بقرينة قوله: (لأحدكم) ظاهرة في إرادة الميّت من المؤمنين حيث أضافه إليهم. وكذلك الشهرة مختصة بالمؤمن، فليلاحظ».
وقال
السيد الحكيم : «قد يستشكل في شمول النصوص له وللكافر بأنّه
إكرام للميّت وتهيئة له للرحمة- كما يشير إليه المرسل المتقدّم- وهما غير صالحين لذلك».
صريح جماعة من الفقهاء ممّن تعرّض للمسألة سقوط الاستقبال بالمحتضر عند اشتباه القبلة مطلقاً، سواء كان الاشتباه بين أربع جهات أو أقل.
قال
الشهيد الأوّل : «يسقط الاستقبال مع اشتباه القبلة، ولا يجب أن يستقبل به الأربع، مع احتماله».
وقال
المحقّق الكركي : «لا يخفى أنّ وجوب
الاستقبال بالميّت فرض كفاية، وأنّه يسقط باشتباه القبلة».
وقال
الشهيد الثاني : «يسقط الاستقبال مع اشتباه القبلة».
وقال
المحقّق الأردبيلي : «وسقوطه على تقدير الاشتباه ظاهر».
ويستدلّ له بعدم إمكان امتثال هذا التكليف؛ نظراً إلى أنّ الغرض من التكليف هو كونه في مجموع آناته أو حالة مفارقة روحه كذلك، وهذا لا يمكن تحصيله بالاحتياط بتوجيهه إلى الجهات المختلفة.
قال في المدارك: «يسقط الاستقبال به مع اشتباه القبلة؛ لعدم إمكان توجيهه في حالة واحدة إلى الجهات المختلفة».
وقال في
الذّخيرة : «ربّما احتمل التوجيه إلى الجهات المختلفة، وهو ضعيف؛ لأنّ الغرض متعلّق بتوجيهه إلى القبلة بحيث يموت متوجّهاً، وهو ممتنع في الصورة المذكورة».
ثمّ إنّه ذهب في
كشف الغطاء إلى وجوب توجيه المحتضر إلى ما بين المشرق والمغرب مع العلم بهما واشتباه القبلة، ولعلّه لقول
الباقر عليه السلام في حديث
زرارة : «ما بين المشرق والمغرب قبلة»، ونحوه قول
الصادق عليه السلام في رواية
معاوية بن عمّار .
وقوّاه
المحقّق النجفي ، وجعل نفس هذه الروايات من المنبّهات على بطلان القول بلزوم التوجيه إلى الجهات، قال: «أمّا مع الاشتباه ولو إلى جهتين مع جهل المغرب والمشرق فلا يجب؛ لعدم التمكّن من الامتثال، أمّا لو عُلما فيحتمل قويّاً وجوب استقبال ما بينهما لما دلّ على أنّه قبلة، وما في الذّكرى من احتمال الوجوب بالنسبة للأربع جهات فضلًا من الجهتين ضعيف جداً إن أمكن تصوّره».
المشهور عند القائلين بوجوب تجهيز الميّت
المسلم على جميع المكلّفين كفاية- لا عيناً على خصوص الولي- لزوم استئذان غير الولي منه في تجهيز الميّت، إمّا تكليفاً محضاً، أو شرطاً في صحة العمل العبادي منه كالصلاة- كما هو المحقّق في محلّه- فهل يشترط ذلك في أحكام المحتضر أيضاً كتوجيهه نحو القبلة وتلقينه أو لا؟
ظاهر إطلاق كلمات جماعة من الفقهاء هنا عدم الاشتراط، لخلوها عن هذا القيد، مع تعرّضهم له في صلاة الميّت وغسله، ففرّقوا بين أحكام الميّت والمحتضر من هذه الجهة.
قال
الشيخ المفيد : «إذا حضر العبد المسلم الوفاة فالواجب على من يحضره من أهل الإسلام أن يوجّهه إلى القبلة».
وقال في الصلاة عليه: «أولى الناس بالصلاة على الميّت من أهل بيته أولاهم به من الرجال، وله التقدّم في الصلاة عليه بنفسه، وله تقديم غيره».
وقال في الدّفن: «وينزله وليّه أو من يأمره الولي بذلك، وليتحفّ عند نزوله...
وإن نزل معه لمعاونته آخر جاز ذلك».
وقال
الشيخ الطوسي هنا: «إذا حضر الإنسان الوفاة يستقبل بوجهه القبلة، ويجعل باطن قدميه إليها».
وقال في الغسل: «فليأخذ في غسله أولى الناس بالميّت أو من يأمره هو به».
وقال في الصلاة عليه: «إذا حضر القوم للصلاة عليه فليتقدّم أولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك».
وكذلك فرّق الشيخ في
المبسوط والمحقّق في
الشرائع والعلّامة في
التحرير والشهيد في
الدّروس في
الإطلاق والتقييد بين المقامين.
نعم، قد يظهر ذلك (أي التقييد بالولي) من حكم بعض الفقهاء باستحباب تولّي أمر المريض أرفق أهله به وأعلمهم بحاله، بناءً على شمول تمريض المريض لحال
الاحتضار أيضاً- كما هو ظاهر بعض التعابير- وإرادة الأولى رحماً من (أرفق أهله)، كما يؤيّده استدلال بعضهم عليه بآية «أُولُوا الْأَرْحامِ»
ورواية
غياث ،
كالمحقّق في المعتبر حيث قال: «يستحب أن يلي تمريض المريض أرفق أهله به وأعلمهم بتدبيره، أمّا الأوّل فلقوله تعالى: «أُولُوا الْأَرْحامِ» ولما روى غياث... وأمّا الثاني فلأنّه أقرب إلى رجاء الصلاح».
وذكر العلّامة نحوه في
المنتهى ،
والشهيد في البيان.
وقال في
كشف الغطاء : «إذا احتضر المؤمن ودنا رحيله وجب على الناس كفاية- وإن كان الولي أولى- بالحضور عنده لحفظه ممّا يرد عليه من العوارض الباعثة على تعجيل حتف أنفه أو إهانة نفسه، وأن يستقبلوا به القبلة إن لم يستقبل بنفسه بوضعه على قفاه».
بل صرّح بلزوم الإذن في التوجيه
السيد اليزدي حيث قال: «يجب أن يكون ذلك بإذن وليّه مع الإمكان».
وعلّق عليه
السيد الحكيم بأنّ «الأحوط الاستئذان من المحتضر مع الإمكان، ومع عدم الإمكان يستأذن من وليّه ومن الحاكم الشرعي معاً».
ويستدلّ للحكم المزبور:
۱- بإطلاق قوله تعالى: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ».
۲- وبما روي عن
أمير المؤمنين عليه السلام في رواية
غياث بن إبراهيم عن
جعفر عن
أبيه عن
علي عليهم السلام أنّه قال: «يغسّل الميّت أولى الناس به» مع زيادة رواية
الصدوق في
الفقيه : «أو من يأمره الولي بذلك».
۳- وبشمول
الإجماع المدّعى على أولوية الولي بأحكام
الميت للمقام.
۴- وبأنّ التوجيه إلى القبلة تصرّف في الميّت، ولا دليل على جوازه بغير إذن الولي، والإطلاقات لا تصلح
لاثبات الجواز؛ لورودها في مقام وجوب التوجيه نفسه.
واجيب عن الآية بعدم شمولها للمقام؛ لاختصاصها بما بعد الموت، مضافاً إلى أنّ سياقها بملاحظة ما قبلها وما بعدها يقتضي إرادة خصوص الإرث، وأنّ
الرحم أولى من غيره فيه، وأنّ الغير لا يرث والرحم موجود.
وعن الروايات بأنّ موضوعها الميّت وهو لا يشمل المحتضر.
وعن الإجماع بكونه دليلًا لبّيّاً يقتصر فيه على القدر المتيقّن وهو اشتراط الإذن فيما بعد الموت من الغسل والصلاة لا قبله.
وعن الأخير بأنّ حرمة التصرّف لو ثبت إنّما تقتضي وجوب الإذن من المحتضر نفسه، مضافاً إلى أنّ الإذن بعد أمر المالك الأصلي سبحانه وتعالى موجود.
قال
المحقّق النجفي في المقام: «لا تعرّض في شيء منها هنا لذكر الولي.
نعم، قد يظهر من
جامع المقاصد وغيره فيما يأتي تعميم حكم
الولاية بالنسبة إلى سائر أحكام الميّت، بل استظهر
الإجماع في الأوّل على ذلك، لكن قد يمنع دخول ما نحن فيه تحت ذلك؛ لعدم صدق اسم الميّت عليه في الحال، وظهور انصرافه إلى إرادة نحو التغسيل والصلاة لا الاستقبال والتلقين ونحوهما. فدعوى كون ذلك كباقي أحكامه ممنوعة، فيقوى حينئذٍ عدم وجوب مراعاة إذن الولي ونحوها وإن قلنا به بالنسبة للغسل والصلاة. واحتمال النهي عن التصرّف فيه المستلزم عدم جواز تحريكه في غاية الضعف بعد الأمر من المالك الأصلي، وبه يظهر أنّه لا عبرة برضاه نفسه بل ولا منعه. نعم، ربّما يقال بأولوية مباشرة الولي له وعدم مزاحمته في ذلك ندباً واستحباباً لا وجوباً. اللهم إلّا أن يستدلّ عليه بعموم أدلّة الولاية، كقوله تعالى: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ»،
وبقوله عليه السلام: «إنّ
الزوج أولى بزوجته حتى تدفن»،
ونحو ذلك، لكن قد يمنع شمولها لنحو المقام، سيّما بعد ما عرفت، فتأمّل جيداً».
وقد احتاط بعضهم في الإذن من الحاكم الشرعي مع عدم التمكّن من الولي؛ لأنّه ولي من لا ولي له،
وحينئذٍ يتعيّن الاستئذان منه كغيره في ذلك من الأحكام- كما ثبت في محلّه- بل أضاف بعضهم بناءً عليه وجوب الاستئذان من عدول المؤمنين عند تعذّر الاستئذان من الحاكم.
لكن جميع ذلك يبتني على ثبوت اشتراط إذن الولي، وقد مرّ بطلانه؛ لعدم الدليل.
قال
السيد الخوئي : «الصحيح عدم اعتبار إذن الولي وغيره في توجيه الميّت نحو القبلة حال
الاحتضار ، وذلك للإطلاقات الظاهرة في أنّه- على القول بوجوبه- تكليف عام يشترك فيه الجميع من دون خصوصيّة لبعض دون بعض، ومن المحتمل أن يكون جعل هذا الحكم من أجل مراعاة حال الميّت وتغسيله والصلاة عليه، وهذا أمر يشترك فيه الجميع كما في قوله عليه السلام: «إذا مات لأحدكم ميّت فسجّوه تجاه القبلة»؛ لعدم تقييدها ذلك بالاستئذان من الولي... وأمّا توجيهه بعد الموت فالظاهر اعتبار إذن الولي فيه».
لكن الظاهر أنّ المسألة غير خالية عن الإشكال، ولذلك احتاط نفسه وجوباً بالإذن من الولي في
المنهاج ،
ولعلّه لاحتمال شمول أحكام الميّت لمثله أيضاً كما احتمله
السيد الحكيم بالنسبة لشمول معاقد الإجماعات له.
•
تلقين المحتضر وهو تعليم المحتضر الشهادتين والإقرار بالأئمة عليهم السلام وكلمات الفرج وغيرها.
•
قراءة القرآن عند المحتضر وهي قراءة بعض سور
القرآن التي يستحب قراءتها عند المحتضر.
•
ترغيب المحتضر بالتوبة وهو توجيه وترغيب المحتضر بالتوبة وتحسين ظنّه باللَّه تعالى.
•
نقل المحتضر الى مصلاه وهو ممّا يستحبّ عند
الاحتضار نقل المحتضر إلى مصلّاه.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۷۷-۹۱.