الاستحاضة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي
استمرار خروج دم المرأة بعد أيّام حيضها المعتاد، أنّ دم الاستحاضة لا يخرج من المحيض بل من عِرق آخر في أدنى
الرحم ، يقال له:
العاذل .
الاستحاضة- من باب
استفعال - من الحيض، وهي:
استمرار خروج دم المرأة بعد أيّام حيضها المعتاد، يقال: استحيضت
المرأة - بالبناء للمفعول- إذا استمرّ بها الدم بعد أيّام الحيض، فهي مستحاضة.
ويظهر من
أهل اللغة- كما قيل
- عدم سماع مادّة الاستحاضة مبنيّة لغير المفعول، فلا يقال: استحاضت ولا تستحيض، بل يقال: استحيضت وتستحاض.
واعترض على ذلك بأنّها استعملت مبنيّة للفاعل في بعض الروايات،
فقيل: استحاضت ونحو ذلك.
وقد ورد في بعض كتب اللغة: أنّ دم الاستحاضة لا يخرج من المحيض بل من عِرق آخر في أدنى الرحم، يقال له: العاذل.
استعمل الفقهاء الاستحاضة بما هو أعم من المعنى اللغوي؛ إذ هي لدى الفقهاء كل دم تراه المرأة ولم يكن دم حيض ولا نفاس ولا دم جرح أو قرح أو بكارة سواء اتّصل بالحيض كالمتجاوز لأكثره أم لا كالذي تراه اليائس. وربّما خصّ اسم الاستحاضة بالدم المتصل بدم الحيض ويسمّى ما عدا ذلك دم فساد، لكنّ الأحكام فيهما لا تختلف،
واطلق لفظ الاستحاضة على نفس الدم الخاص.
إلّا أنّ هذا ليس حقيقة شرعيّة ولا متشرعيّة، بل هو إمّا على المجاز أو الحقيقة الفقهائية.
هذا، وقد ذكر الفقهاء للاستحاضة عدّة تعاريف:
منها: ما ذكره
الشيخ الطوسي من أنّها: الدم الأصفر البارد الذي لا تحسّ المرأة بخروجه منها في غالب الحال، أو ما زاد على أكثر الحيض وهو عشرة أيّام وإن لم يكن بهذه الصفة.
ومثله تعريف ابن حمزة.
ومنها: ما ذكره
المحقّق الكركي من أنّها: «كلّ ما ليس بحيض ولا نفاس ولا قرح ولا جرح».
ومنها: ما ذكره
الشهيد الأوّل من أنّها «ما زاد على العشرة، أو العادة مستمرّاً، أو بعد اليأس، أو بعد النفاس».
والتعريف الأخير إنّما هو تعريف بجملة من مصاديق الكبرى المذكورة في التعريف المتقدّم، ونحوه ما ورد في ذيل تعريف الشيخ الطوسي فإنّه تعريف بما هو مصداق للكبرى المزبورة، كما أنّ صدره تعريف بالصفات والأمارات. ومنه يعلم أنّ هذه التعاريف ليست بتعاريف حقيقيّة؛ إذ ليس مرادهم بها كشف حقيقة الاستحاضة، بل المراد بها كشف المعنى إجمالًا بذكر العلائم والصفات ونحو ذلك. وهذا ما سيتّضح خلال البحث عن
إثبات الاستحاضة.
وهو لغةً السيل، يقال: حاض الوادي إذا سال، وحاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً ومحاضاً: إذا سال دمها.
ودم الحيض عند الفقهاء هو الدم الذي تعتاد المرأة البالغة أن تقذفه في دورة شهريّة وباستمرار.
ويكون دم الحيض غالباً أسود أو أحمر غليظاً طريّاً حارّاً يخرج بقوّة وحرقة، وأمّا دم الاستحاضة فيقابله غالباً في أوصافه فهو دم أصفر بارد رقيق يخرج بفتور من دون قوّة ولذع وحرقة. كما أنّ الاستحاضة هي ضرب من المرض، فلا ينزل دم الاستحاضة إلّا من جهة مرض وآفة في
باطن المرأة، وهذا بخلاف دم الحيض فإنّ خروجه منها ليس من جهة المرض و
الآفة ، بل هو كاشف عن صحّة
البدن و
اعتدال المزاج على ما أشار إليه غير واحد من الفقهاء.
ثمّ إنّ هناك فرقاً آخر بين الحيض والاستحاضة تقدّم من بعض أهل اللغة هو:
أنّ مصدر الاستحاضة غير مصدر الحيض؛ لأنّ مصدر الحيض هو المحيض، ومصدر الاستحاضة هو العاذل، وقد صرّح بذلك غير واحد من الفقهاء أيضاً.
وقد اشير إلى اختلافهما في المصدر في بعض الأخبار، ففي الخبر: «أنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد».
إلّا أنّ مشهور الفقهاء لم يصرّحوا بأنّ خروج الدم من العاذل من أمارات الاستحاضة ولو من أماراتها الغالبة
كالاصفرار والبرودة والرقّة، بل قال بعضهم: إنّ ذلك غير ثابت،
بل قال بعض آخر: إنّه ممتنع عادةً؛ إذ لا يمكن في العادة أن يخرج الدم إلى آخر لحظات الحيض من عرق ثمّ ينسدّ ذلك العرق وينفتح عرق آخر لدفع دم الاستحاضة.
وهو لغةً ولادة المرأة، فإذا ولدت قيل: هي نفساء ووليدها منفوس.
واصطلاحاً يطلق على الدم الذي تراه المرأة بسبب الولادة في أيّام مخصوصة.
وهو لغةً النقاء من الدنس والنجس، وهو نقيض النجاسة والحيض، يقال: طهرت المرأة إذا انقطع عنها الدم ورأت الطهر فهي طاهرة.
واستعمل الفقهاء لفظ الطهر في بحث الدماء الثلاثة، ويقصدون به النقاء من الحيض والنفاس المانعين من العبادة، سواء كانت المرأة نقيّة من الدم بصورة كاملة، أو مبتلاة بدم الاستحاضة، فيقال للمرأة في أيّام الاستحاضة: إنّها على طهر، أي على نقاء من دمي الحيض والاستحاضة فتصحّ منها عباداتها إذا أدّت وظيفتها من الوضوء أو الغسل.
تشترك الاستحاضة مع الحيض والنفاس في كونها حدثاً شرعيّاً، فتنتقض بها الطهارة، فإذا كانت المرأة على وضوء- مثلًا- وخرج منها دم الاستحاضة ولو بمعونة القطنة بطل وضوؤها وعليها أن تتطهّر بالوضوء أو به والغسل على التفصيل الآتي، وتختلف عنهما بامور:
الأوّل: أنّ الحيض والنفاس يمنعان من صحّة جملة من العبادات، فلا تصحّ من الحائض والنفساء الصلاة ولا الصوم وجملة من العبادات إلى حين النقاء، وهذا بخلاف الاستحاضة فإنّ صحّة العبادة من المستحاضة لا تتوقّف على النقاء منها، فالعبادة صحيحة من المرأة في حال
الابتلاء بالاستحاضة لكن بعد أداء وظيفتها من وضوء أو غسل على التفصيل الآتي.
الثاني: أنّ للحيض وقتاً معلوماً وهو من حين بلوغ المرأة تسع سنين إلى وقت اليأس، فما تراه الصغيرة قبل تسع سنين ليس بحيض، وكذلك ما تراه المرأة بعد سنّ اليأس، وهذا بخلاف الاستحاضة فإنّه لا وقت معلوم لها.
الثالث: أنّ لدم الحيض حدّاً معيّناً أقلّه ثلاثة أيّام وأكثره عشرة، خلافاً للاستحاضة فلا حدّ لها قلّةً وكثرةً، فقد يمكث يوماً أو بعض يوم كما قد يستمرّ شهوراً، وأمّا النفاس ليس لأقلّه حدّ، وأمّا أكثره فالمشهور أو الأشهر عشرة أيّام. كما أنّ دم النفاس لا يكون إلّا مع الولادة أو بعدها بخلاف دم الحيض والاستحاضة فلا علاقة لها بالولادة.
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ ضابط تحقّق الاستحاضة في بدايتها هو بروز الدم إلى خارج الفرج، فلا يثبت للمرأة حكم المستحاضة ما لم يبرز الدم ولم يظهر إلى الخارج وإن تحرّك من الرحم إلى فضاء الفرج من دون أن يتجاوز إلى الخارج.
نعم، يكفي في تحقّق الاستحاضة خروج الدم ابتداءً ولو ظلّ بعد ذلك في فضاء الفرج ولم يخرج منه. وفي قبال ذلك ذهب بعض الفقهاء- إمّا بنحو الفتوى
أو الاحتياط الوجوبي
- إلى أنّ سبب الاستحاضة في الواقع هو مجرّد تحرّك الدم من مكانه إلى فضاء الفرج، فيثبت حكم المستحاضة للمرأة إذا تحرّك الدم من رحمها إلى فضاء فرجها وإن لم يتجاوزه إلى الخارج، فكما لا يتوقّف ثبوت حكم المستحاضة على بروز الدم في الخارج
استدامة كذلك لا يتوقّف عليه ابتداءً.
ويمكن أن يستدلّ على القول الأوّل بما دلّ من الأخبار على تقييد حكم الاستحاضة برؤية الدم، فإنّ الظاهر من ذلك أنّ الموضوع هو الدم الخارج، فما لم يخرج لا يصدق أنّ المرأة رأت الدم وإن انتقل من مكانه إلى فضاء الفرج. وعلى تقدير عدم ظهور الأخبار في ذلك فالمرجع هو العمومات والإطلاقات، وهي تقتضي وجوب الصلاة وغيرها من العبادات على المرأة إذا تحرّك الدم من رحمها إلى فضاء الفرج ولم يتجاوزه إلى الخارج، من دون أن يجب عليها ما يجب على المرأة التي تجاوز دمها إلى خارج فرجها من الوضوء لكلّ صلاة أو غسل؛ لأنّ تلك العمومات قد خصّصت بأخبار الاستحاضة الدالّة على وجوب
الإتيان ببعض الأعمال كالوضوء والغسل، والمخصّص هنا مخصّص منفصل مجمل وهو حجّة في المقدار المتيقّن وهو ما إذا رأت الدم، وأمّا في غير ذلك فليس بحجّة، فالمرجع حينئذٍ هو العمومات على ما هو المقرّر في الاصول من حجّية العامّ في غير المقدار المتيقّن من دليل المخصّص؛ إذ لا يسري
إجمال المخصّص المنفصل إلى العامّ، فلا يكون مانعاً عن حجّية العامّ.
كما يمكن
الاستدلال على القول الثاني بما ورد في نصوص
الاستبراء الدالّة على جواز
الاكتفاء للحكم ببقاء الحيض أو الاستحاضة بكون الدم في الفرج وإن لم يتجاوزه إلى الخارج،
فإنّه لا مانع من تعميم هذا المدلول بالنسبة إلى حال الحدوث؛ إذ لا خصوصيّة في ذلك للبقاء، فكما يكفي وجود الدم في فضاء الفرج للحكم بأنّه حيض أو استحاضة بقاءً، كذلك يكفي حدوثاً. واورد عليه بأنّ هناك فرقاً بين الحدوث والبقاء؛ لأنّ الحيض أو الاستحاضة بعد حدوثه لا يحكم بالانقطاع، إلّا إذا انقطع من مادّته نظير العيون الخارجيّة، فلا يقال: إنّها جفّت إلّا إذا لم ينبع الماء من أصله، وأمّا مع وجوده في أصله ومنبعه ويبوسته في الخارج أو المجرى فلا يصدق الجفاف واليبوسة، وهكذا الأمر في الحيض والاستحاضة فإنّه لا يقال: إنّ الدم انقطع، إلّا أن ينقطع من أصله في الرحم، هذا حال البقاء.
وأمّا الحدوث فليس حاله كذلك؛ إذ المستفاد من الأخبار- كما تقدّم- أنّ بروز الدم في الخارج سبب وركن للحيض والاستحاضة، فلا يصدق أنّ الدم حيض أو استحاضة إلّا إذا برز وظهر في الخارج.
•
طرق إثبات الاستحاضة،
•
اشتباه الاستحاضة بغيرها،
•
أقسام الاستحاضة،
•
وظيفة المستحاضة، حيث إنّ
الاستحاضة على ثلاثة أقسام(قليلة ومتوسّطة وكثيرة) قد يختلف بعضها عن الآخر في بعض الأحكام يجب على المستحاضة الاختبار ومعرفة أنواعها حتى عملت بما وجب عليها.
•
تحول الاستحاضة،
•
انقطاع دم الاستحاضة،
•
وطء المستحاضة، اختلف الفقهاء في جواز وطء المستحاضة قبل الغسل على أقوال، ذكر في عنوانه.
طلاق المستحاضة حتى الكبرى جائز وصحيح، على العكس من الحائض.
إنّ المستحاضة الزانية إذا لم يجب قتلها ولا رجمها لا تجلد حتى تبرأ من مرض الاستحاضة، بخلاف الحائض الزانية فإنّه لا يؤخّر عنها الحدّ.
ذهب بعض الفقهاء
إلى أنّه لا يعفى عن دم الاستحاضة في الصلاة ولو كان أقلّ من الدرهم، كما لا يعفى عن الحيض والنفاس. وفي قبال ذلك ذهب بعض آخر إلى العفو عن دم الاستحاضة في الصلاة إذا كان أقلّ من الدرهم.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۶۸- ۱۷۵.