الاستشفاء (تربة الإمام الحسين عليه السلام)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستشفاء (توضيح) .
الاستشفاء قد يكون
مندوباً كالاستشفاء بتربة
الإمام الحسين عليه السلام ،
بالتمسّح أو بحمل
المريض لها معه، أو
بتناول و
أكل شيءٍ منها.
الاستشفاء تارةً يكون بتربة
الإمام الحسين عليه السلام بالتمسّح بها و
إمرارها على موضع
الألم و
الوجع ، أو بحمل
المريض لها معه، وهذا ممّا لا ريب في جوازه ومندوبيّته.
واخرى يكون الاستشفاء
بتناول و
أكل شيءٍ من
التربة الشريفة فإنّه ممّا لا خلاف في جوازه بين
الإماميّة ،
بل هو محلّ
اتّفاق بينهم،
بل
الإجماع عليه.
نعم، ذكر بعض المعاصرين أنّ
الأحوط أن يكون الاستشفاء بها بوضع التربة الشريفة في ماءٍ ثمّ تناوله.
وكيف كان فقد استدلّ على
الجواز بالنصوص المتظافرة
:
منها: خبر
سعد بن سعد ، قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الطين، فقال: «أكل
الطين حرام مثل
الميتة والدم و
لحم الخنزير، إلّا طين
الحائر ؛ فإنّ فيه شفاء من كلّ داء، و
أمناً من كلّ خوف».
ومنها: خبر
أبي يحيى الواسطي عن رجل، قال: قال
أبو عبد اللّه عليه السلام : «الطين حرام كلّه كلحم الخنزير، ومن أكله ثمّ مات منه لم اصلّ عليه، إلّا طين القبر، فإنّ فيه شفاء من كلّ داء، ومن أكله
بشهوة لم يكن فيه شفاء».
ومنها: خبر
سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «أكل الطين حرام على بني
آدم ، ما خلا طين قبر
الحسين عليه السلام ، من أكله من وجع شفاه اللَّه».
ومنها: خبر
حنّان بن سدير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «من أكل من
قبر الحسين عليه السلام غير مستشفٍ به فكأنّما أكل من لحومنا».
ومنها: خبره الآخر أيضاً، قال: وروي أنّ رجلًا سأل
الصادق عليه السلام فقال: سمعتك تقول: إنّ تربة الحسين عليه السلام من
الأدوية المفردة وأنّها لا تمرّ بداءٍ إلّا هضمته، فقال: «قد قلت ذلك فما بالك؟» قلت: إنّي تناولتها فما انتفعت بها، قال: «... ولا تناول منها أكثر من حمّصة، فإنّ من تناول منها أكثر من ذلك فكأنّما أكل من لحومنا أو دمائنا».
ومنها: خبر
ابن فضّال عن أبيه عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام، قال: «إنّ اللَّه تعالى خلق آدم من الطين فحرّم الطين على ولده»، قال: فقلت: ما تقول في طين قبر الحسين بن علي عليهما السلام؟ فقال: «يحرم على الناس أكل لحومهم ويحلّ لهم أكل لحومنا، ولكنّ
اليسير منه مثل الحمّصة».
ومنها: خبر
سعد الأشعري عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الطين الذي يؤكل؟ فقال: «كلّ طين حرام كالميتة والدم وما اهلّ لغير اللَّه به، ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام، فإنّه شفاء من كلّ داء».
ومنها: ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ طين قبر الحسين عليه السلام
مسكة مباركة، من أكله من
شيعتنا كان له شفاء من كلّ داء، ومن أكله من عدوّنا ذاب كما تذوب
الألية ».
ثمّ إنّ الفقهاء قد ذكروا في جواز تناول طين القبر الشريف وأكله للاستشفاء وما يتفرّع على ذلك اموراً:
====مقدار ما يستشفى به====
يشترط في حلّية أكل طين القبر الشريف أن يكون يسيراً،
وحدّده بعضهم بقدر
الحمّصة لا أكثر،
ولعلّ مقصودهما واحد كما يظهر من عبارة بعضهم،
ولمّا كانت الحمّصة مختلفة فقد حدّدها بعضهم بالمتوسّطة
المعهودة،
قال المحقّق النجفي- بعد نفي الخلاف عن
اشتراط عدم
التعدّي قدر الحمّصة-: «بل يمكن تحصيل
الإجماع عليه».
واستدلّ عليه:
أوّلًا: بأنّ مقتضى لزوم
الاقتصار على
المتيقّن في مخالفة عموم دليل
حرمة أكل الطين اشتراط عدم التعدّي عن هذا المقدار.
وثانياً: ببعض الأخبار المتقدّمة كخبر ابن سدير حيث نهى الإمام عليه السلام فيه عن التناول من التربة أكثر من حمّصة.
====قصد الاستشفاء====
المعروف أنّ
قصد الاستشفاء والتداوي شرط في جواز أكل الطين الشريف، وعليه فلا يجوز الأكل إذا كان لغير الاستشفاء ولو تبرّكاً على ما صرّح به جماعة من الفقهاء.
واستدلّ على ذلك بخبر ابن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من أكل من طين قبر الحسين عليه السلام غير مستشفٍ به فكأنّما أكل من لحومنا».
ولكن نقل عن
الشيخ الطوسي في
مصباح المتهجّد جواز أكله تبرّكاً في العيدين وعصر
عاشوراء .
واستدلّ له:
أوّلًا: بما دلّ على أنّ فيه شفاء من كلّ داء، وأمناً من كلّ خوف.
ونوقش فيه: بأنّ إطلاق هذه الأدلّة يقيّد بما في خبر ابن سدير المتقدّم؛ لظهوره في
المنع من الأكل لغير الاستشفاء.
وثانياً: بما دلّ على
استحباب تحنيك الأولاد بتربة الحسين عليه السلام؛ إذ
التحنّك يستلزم الأكل.
واعترض عليه بمنع
الاستلزام ،
مضافاً إلى تضمّن تلك الأخبار التحنيك بتربة قبره عليه السلام لا بطين قبره الشريف.
وثالثاً: بخبر
النوفلي ، قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّي أفطرت
يوم الفطر على طين وتمر، فقال: «جمعت
بركة و
سنّة ».
ونوقش فيه بأنّه قضيّة في واقعة، فلعلّه كان مستشفياً، إلّا أن يعمّم بترك
الاستفصال ، على أنّه ضعيف السند.
====الموضع الذي تؤخذ منه التربة الشريفة====
يجوز أخذ التربة من قبره الشريف وما جاوره بلا إشكال ولا خلاف، فإنّه
المفهوم عرفاً من العنوان المذكور. لكنّ المذكور في جملة من الروايات ما هو أبعد وأوسع من ذلك:
منها: ما دلّ على
التحديد بسبعين ذراعاً، كمرسلة
سليمان بن عمر السرّاج عن بعض أصحابنا عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند
القبر على سبعين ذراعاً».
ومنها: ما دلّ على التحديد بسبعين باعاً في سبعين باعاً، كرواية
أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين باعاً في سبعين باعاً».
ومنها: ما دلّ على التحديد بالميل، كما في خبر
الكناني عن
الإمام الصادق عليه السلام ، قال: «طين قبر الحسين عليه السلام فيه شفاء وإن اخذ على رأس ميل».
ومنها: ما دلّ على التحديد بأربعة أميال، كما في رواية
الثمالي عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة
أميال ».
وفي بعض الروايات: «
فرسخ في فرسخ»،
بل روي: «إلى أربعة فراسخ»، بل «ثمانية».
وذهب جماعة من الفقهاء إلى أنّه لا
تعارض بين هذه الروايات، بل هي محمولة على
الاختلاف في مراتب الفضل، فكلّما قرب من القبر الشريف كان
أفضل .
وفي قبال ذلك ذهب جمع آخر إلى عدم
إمكان الاعتماد على شيءٍ من هذه الروايات؛ لضعف أسنادها. فالمتعيّن الاقتصار على ما هو المفهوم العرفي، وهو القبر الشريف وما يلحق به عرفاً.
ويمكن
المناقشة فيه بأنّ الاقتصار على المفهوم العرفي يوجب عدم بقاء شيءٍ من أرض تلك
البقعة المباركة؛ لكثرة ما اخذ منها على مرّ الزمان، وما سيؤخذ في
الأزمنة الآتية.
وقد يجاب عن ذلك بأنّ كلّ ما اخذ منها لو جعل مكان المأخوذ من سائر الأمكنة ومضى عليه زمان يصدق عليه أنّه تربة قبر الحسين عليه السلام أو طين
الحائر ، وما أشبهه من العناوين الواردة في الأخبار، وليس
المراد بتربته خصوص ما كان موجوداً في زمان شهادته عليه السلام، فلا محذور في الاقتصار على المفهوم العرفي من هذه الجهة.
====آداب الاستشفاء بتربة الحسين عليه السلام====
ورد في الروايات جملة من
الآداب لأخذ التربة المقدّسة وكيفيّة تناولها، كالدعاء و
القراءة و
الغسل و
الصلاة .
ومن تلك الروايات ما روى
الشيخ الطوسي من أنّ رجلًا سأل الصادق عليه السلام، فقال: إنّي سمعتك تقول: إنّ تربة الحسين عليه السلام من الأدوية المفردة وأنّها لا تمرّ بداءٍ إلّا هضمته، فقال: «قد قلت ذلك فما بالك؟» قلت: إنّي تناولتها فما انتفعت بها، قال عليه السلام: «أما أنّ لها دعاءً، فمن تناولها ولم يدع به واستعملها لم يكد ينتفع بها»، قال: فقال له: ما يقول إذا تناولها؟ قال: «تقبّلها قبل كلّ شيء وتضعها على عينيك، ولا تناول منها أكثر من حمّصة، فإنّ من تناول منها أكثر فكأنّما أكل من لحومنا ودمائنا، فإذا تناولت فقل: اللهمّ إنّي أسألك بحقّ
الملك الذي قبضها وبحقّ الملك الذي خزنها، وأسألك بحقّ
الوصيّ الذي حلّ فيها أن تصلّي على
محمّد و
آل محمّد، وأن تجعلها لي شفاء من كلّ داء و
أماناً من كلّ خوف وحفظاً من كلّ سوء، فإذا قلت ذلك فاشددها في شيء واقرأ عليها «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، فإنّ الدعاء الذي تقدّم لأخذها هو
الاستئذان عليها، وقراءة إنّا أنزلناه ختمها».
وحمل أكثر الفقهاء هذه الآداب و
الأدعية على أنّها شروط لكمال
الانتفاع بها وسرعة تأثيرها، لا أنّها شروط لجواز الاستشفاء بها وتناولها.
قال
السيد الطباطبائي : «لم أقف على مشترط لذلك
أصلًا ، بل صرّح جماعة بأنّ ذلك لزيادة
الفضل ».
ولكن جعل الفاضل الاصفهاني هذه الآداب من شروط الجواز لا
الكمال .
ولكنّ
المحقّق النجفي بعد ذكر كلامه قال: «إنّ دلالته على الكمال أقوى من وجوه»؛
لاشتمال النصوص المزبورة على قرائن متعدّدة، ولعلّ منها
ظهور قول
الإمام عليه السلام في الرواية المتقدّمة: «فمن تناولها ولم يدع به واستعملها لم يكد ينتفع بها» في أنّ عدم
الإتيان بالدعاء قد يوجب عدم الانتفاع بالتربة المقدّسة وعدم
تأثيرها في
البرء ، لا أنّه يوجب عدم جواز الاستشفاء بها.
وجعل اختلاف الروايات في كيفيّة الإتيان بالآداب
أعظم شاهد على
إرادة الكمال وبيان الفضل، حيث اشتمل بعضها على الأمر بقراءة (
الحمد ) وأحد عشر مرّة (قل يا أيّها
الكافرون ) في
الركعة الأُولى، وقراءة (الحمد) وأحد عشر مرّة (
إنّا أنزلناه ) في الثانية، ثمّ القنوت. مع أنّ بعضها الآخر قد اشتمل على قراءة أحد عشر مرّة سورة (
الإخلاص ) بعد (الحمد) في الركعة الاولى، كما اشتمل بعض هذه الروايات على الأمر بالصلاة أو الغسل، بخلاف بعضها الآخر، إلى غير ذلك من الاختلاف.
====طرق إثبات التربة المقدسة====
قد يحصل للمكلّف علم أو
اطمئنان بأنّ الطين الخاصّ من التربة المقدّسة- كما إذا أخذ بنفسه أو علم أنّه منها بطريق آخر-فيجوز أكله حينئذٍ بلا إشكال؛
لإحراز الموضوع وجداناً. وأمّا لو لم يحصل له علم ولا اطمئنان ولكن أخبرت بذلك البيّنة- أي العدلان - فقد أفتى الفقهاء بجواز
الأكل أيضاً؛ لأنّ البيّنة حجّة وطريق عندهم
لإثبات الموضوعات تعبّداً.
وكذا إذا أخبر بذلك عدل واحد بل
ثقة على ما أفتى به بعضهم،
هذا بناءً على حجيّة خبر
العدل و
الثقة في الموضوعات. وقد أفتى بعضهم بجواز
الاكتفاء هنا بخبر ذي اليد،
ولكن أشكل في ذلك بعض آخر.
====الشك في التربة====
قد يشكّ في طين خاصّ أنّه من التربة المقدّسة أو لا، وليس هناك طريق
لإحراز ذلك: فتارةً يكون الشكّ بنحو الشبهة المفهوميّة، كما إذا علم أنّ هذا الطين مأخوذ من الموضع الذي يكون بينه وبين القبر الشريف سبعون ذراعاً أو أزيد، لا من القبر الشريف أو ما حوله، فلا يكون الشكّ حينئذٍ في
أمر خارجي، بل الشكّ هنا إنّما هو في صدق عنوان التربة عليه، فإنّ هذا الشكّ يرجع إلى أنّ التربة هل هي موضوعة شرعاً للطين المأخوذ من القبر الشريف أو ما حوله أو أنّها تشمل ما هو أبعد من ذلك؟ وتارةً يكون الشكّ بنحو
الشبهة المصداقيّة، كما إذا علم أنّ التربة التي يجوز أكلها هي المأخوذة من القبر الشريف أو ما حوله- مثلًا- إلّا أنّه لا يعلم أنّ هذا الطين من ذلك الموضع أو لا؟
فإن كان الشكّ بنحو
الشبهة المفهوميّة فمقتضى القاعدة الحكم بحرمة الأكل؛ تمسّكاً بعموم دليل حرمة أكل الطين، فإنّ المقرّر في
علم الأصول جواز التمسّك بالعامّ في الشبهات المفهوميّة عند دوران الأمر بين
الأقلّ والأكثر . وأمّا إذا كان الشكّ بنحو الشبهة المصداقيّة فالحكم هو جواز الأكل؛
لأصالة البراءة ،
هذا بناءً على عدم جريان
استصحاب عدم كون هذا الطين من التربة المقدّسة في الزمان السابق بنحو
العدم النعتي أو
الأزلي ، وإلّا فلا يجري
أصل البراءة ، بل يجري الاستصحاب، ومقتضى ذلك حرمة الأكل.
====الاستشفاء بتربة سائر الأئمة المعصومين عليهم السلام====
لا إشكال في جواز الاستشفاء بطين قبر سائر
المعصومين عليهم السلام من دون أكلٍ، كالتمسّح به وإمراره على
موضع الوجع، أو حمله مع
صيانته عن
الهتك ، كما لا إشكال في أخذ تربتهم وحلّها في ماء بحيث لا يصدق عليها أكل الطين ثمّ شربها، وكذا لا بأس بأكل تراب قبورهم عليهم السلام بناءً على
اختصاص الحرمة بالطين.
وأمّا الاستشفاء بطين قبورهم بأكله من دون حلّ و
استهلاك في الماء فالمعروف عدم جوازه؛ لاختصاص جواز الأكل
بالتربة الحسينيّة . واستدلّ عليه بإطلاق أدلّة حرمة أكل الطين، وبالحديث المنقول عن
موسى بن جعفر عليهما السلام قال: «لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبرّكوا به، فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة إلّا تربة جدّي الحسين عليه السلام...».
نعم، في خبر الثمالي عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «وكذلك (طين) قبر جدّي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك طين قبر الحسين وعلي ومحمّد فخذ منها فإنّها شفاء من كلّ سقم، وجنّة ممّا يخاف».
وفي خبر
محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إنّ
الشراب الذي شربته كان فيه من طين قبور
آبائي ».
قال المحقّق النجفي: «ظاهر الفتاوى الاقتصار على
استثناء قبر الحسين عليه السلام من بين قبورهم عليهم السلام حتى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل المعروف كون ذلك من خواصّه عليه السلام، كما ورد في بعض النصوص، لكن قد سمعت ما في خبر الثمالي، وقوله عليه السلام لمحمّد بن مسلم: «الشراب الذي شربته (كان) فيه (من) طين قبور آبائي»، ولكن لم نجد عاملًا بذلك على وجه يحلّ أكله كحلّ أكل طين القبر...».
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۳۵۲-۳۶۰.