الانفراد في التصرفات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يأتي الكلام في تصرفات الانفراد على حالات وهي التصرفات في
التزويج والشهادة.
•
الانفراد في التزويج،للانفراد في
التزويج مصاديق متعدّدة تترتب عليها بعض الأحكام.
إذا اشترك المال بين أشخاص بأحد أسباب
الاشتراك لم يجز لأحدهم التصرّف فيه إلّامع إذن الباقين؛ لحرمة
التصرّف في مال الغير بغير
إذنه . ومجرّد اشتراك المال لا يدلّ عليه.وكذلك
الأمر في الشركة العقديّة، فإن أطلق الشريكان
العقد ولم يشترطا فيه كون التصرّف أو العمل من أحدهما أو منهما مع
استقلال كلّ منهما أو مع
انضمامهما لم يجز لواحد منهما التصرّف إلّابإذن الآخر.فإن حصل الإذن لأحدهما تصرّف هو دون الآخر، ويقتصر في تصرّفه على ما أذن له.ولو أذن كلّ واحد من الشريكين لصاحبه جاز لهما التصرّف وإن انفردا؛ لإطلاق الإذن وعدم ما يدلّ على
التقييد، ولو شرطا
الاجتماع لم يجز
الانفراد حيث لم يؤذن فيه.
وكل تصرّف من قبل أحد الشريكين بدون إذن الآخر يحكم بأنّه فضولي، والشريك مخيّر فيه بين
الإجازة والردّ .
نعم، إذا كان الاشتراك في أمر تابع مثل
البئر والطريق غير النافذ
والدهليز ونحوها ممّا كان
الانتفاع به مبنيّاً عرفاً على عدم
الاستئذان جاز التصرّف وإن لم يأذن الشريك.وهنا قد تترتّب بعض النتائج والحالات:
إذا انهدم جزء من العين المشتركة وأراد أحد الشريكين عمارته، فهل يتوقّف هذا التصرّف(العمارة) على إذن الشريك فلا تجوز بدونه، أو لا يحتاج إلى الإذن؟ وقد ذكروا فيه عدّة أقوال:
أحدها: توقّف
العمارة على إذن الشريك، وهو
للشهيد الأوّل وصرّح
الشهيد الثاني بأنّه الأقوى؛
محتجّاً عليه بأنّه مال مشترك، فيمتنع انفراد أحد الشريكين بالتصرّف فيه بلا إذن الشريك.
ثانيها: عدم توقّفها على إذن الشريك، وهو قول
الشيخ الطوسي ،
وقد ذكر في وجهه أنّه نفع
وإحسان في حقّ الشريك حيث يعمّر له العين ولا يغرمه في نفقته، ولا ضرر عليه بوجه. وقد يناقش فيه أيضاً.
ثالثها: ما نبّه عليه الشهيد الثاني بقوله:«ربّما فرّق بين إعادته بالآلة المشتركة فلا يشترط رضاه، وبين
إعادته بآلة من عنده فيشترط؛ لأنّه على الأوّل يبقى شريكاً كما كان، بخلاف الثاني».
رابعها: ما ذكره البعض من أنّه إذا كان
امتناع الشريك من إذن الآخر في التعمير موجباً لضرره باعتبار ترك التعمير، فلا يؤثّر امتناع الأوّل من الإذن، ولا يكون تعمير الثاني موقوفاً عليه بل يجوز بدونه.
وهي مبنية على الاولى:لو انفرد أحد الشريكين في العمارة من غير إذن الآخر في موضع يعتبر إذنه، فهل له نقض العمارة التي أتى بها الشريك غير المأذون أو لا؟ فيه عدّة احتمالات:الجواز، وعدم الجواز، والتفصيل بين البناء بالآلة المشتركة فلا يجوز، وبين البناء بالآلة المختصّة فيجوز.
لو انفرد في عمارة المنهدم من العين المشتركة بغير إذن شريكه وبغير إذن
الحاكم إذا امتنع الشريك كان متطوّعاً، ولا يرجع بما أنفق على شريكه.
لو انفرد أحد الشريكين
بالإنفاق على البئر أو
القناة المشتركة لم يكن له منع الآخر من الانتفاع بالماء؛
لأنّ الماء ينبع من ملكهما المشترك، وليس للمنفق عين مال، وإنّما له أثر نقل الطين عنه.
ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء جواز تعدّد الوكلاء، فلو وكّل اثنين جاز، وفي هذا الفرض قد يشترط الموكّل عليهما الاجتماع في التصرّفات، أو يشترط انفرادهما، وقد يشترط الاجتماع لأحدهما خاصّة.وفي الصورة الاولى لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بشيء من التصرّفات، بحيث لو غاب أحدهما لم يكن للآخر التصرّف ولا للحاكم ضمّ آخر إليه.وكذا الحكم لو أطلق الموكّل
الوكالة لهما، بأن قال: وكّلتكما، أو: أنتما وكيلاي، أو نحو ذلك. بل لا يبعد
الاكتفاء في ذلك بعدم ظهور
إرادة الانفراد؛
لكون المورد حينئذٍ هو القدر المتيقّن وغيره لا دليل عليه.نعم، لو وكّل أحدهما ثمّ وكّل الآخر فالظاهر استقلال كلّ منهما، ولا يكون توكيل الثاني عزلًا للأوّل إلّامع القرينة، ولو شكّ في الاستقلال والاجتماع فالقدر المتيقّن هو الثاني.
أمّا الصورة الثانية- أي شرط الانفراد- فيجوز فيها لكلّ منهما أن ينفرد في تصرّفاته الموكّل فيها، بلا حاجة
لاستصواب الآخر، بلا خلاف ولا إشكال؛
جرياً على مقتضى القواعد في التوكيل.وكذلك يجوز التوكيل بنحو الصورة الثالثة، أي يشترط الاجتماع لأحدهما خاصّة، وهذا الوكيل لا يجوز له خاصّة الانفراد بالتصرّف، بل لابدّ له من استصواب الآخر، فلا ينفذ تصرّفه مستقلّاً بخلاف الوكيل الآخر،
وفقاً لما تقدّم.
ما تقدّم من الحكم في التوكيل يجري كذلك في
الوصيّة حيث يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين أو أكثر، وعلى نحو الانضمام أو على نحو الاستقلال.وعلى الانضمام لا يجوز لكلّ منهما أن ينفرد بالتصرّف في جميع ما أوصى به ولا في بعضه. وإذا عرض لأحدهما ما يوجب سقوطه عن الوصاية من موت ونحوه لا ينفرد الآخر بالوصيّة، بل يضمّ الحاكم آخر إليه.وإذا أطلق الوصاية إليهما ولم ينصّ على الانضمام ولا الاستقلال جرى عليه حكم الانضمام، إلّاإذا كانت قرينة على الانفراد كما إذا قال: وصيّي فلان وفلان فإذا ماتا كان الوصي فلاناً، فإنّه إذا مات أحدهما استقلّ الباقي ولم يحتج إلى أن يضمّ إليه الحاكم آخر.أمّا إذا جعل الوصاية لهما على نحو الاستقلال جاز لأحدهما الاستقلال والانفراد بالتصرّف، وأيّهما سبق نفذ تصرّفه.وإذا سقط أحدهما عن الوصاية في هذا الحال انفرد الآخر ولم يضمّ الحاكم إليه آخر.
•
الانفراد في الشهادة،قد يفهم من هذا العنوان إحدى صورتين من صور
الشهادة ، هما: انفراد الشخص الواحد بالشهادة، وانفراد أحد الجنسين بالشهادة، كما في
انفراد الرجال في رؤية
الهلال ، أو انفراد النساء في الشهادة على ما لا يجوز للرجال النظر إليه.
إذا قُتل شخص وكان له أولياء متعدّدون فقد وقع البحث بين الفقهاء في جواز انفراد أحدهم
بالاقتصاص من القاتل وبدون إذن الباقين وعدمه:وقد اختار جمع القول بالجواز، منهم:الشيخ الطوسي،
ونسبه
المحقّق الأردبيلي إلى الأكثر،
وحكاه
المحقّق النجفي عن
السيّد المرتضى والقاضي والكيدري وابن حمزة وابن زهرة .
وذهب جمع آخر إلى القول بعدم الجواز،
وادّعي أنّه هو المشهور.
والوجه في القول بالجواز هو أنّ حقّ الاقتصاص لا يخلو من أن يكون قائماً بالمجموع كحقّ الخيار، أو بالجامع على نحو صرف الوجود، أو بالجامع على نحو
الانحلال .
أمّا الأوّل فهو- مضافاً إلى أنّه لا دليل عليه، بل هو خلاف ظاهر الآية
- ينافي حكمة وضع القصاص، حيث إنّه يمكن للقاتل أن يتوسّل إلى عفو أحد الأولياء مجّاناً أو مع أخذ
الدية ، ومعه يسقط حقّ الاقتصاص من الآخرين، فلو قتل واحد منهم الجاني والحال هذه كان قتله ظلماً فعليه القصاص، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به.
وأمّا الثاني- أي كون الحقّ قائماً بالجامع على نحو صرف الوجود- فهو أيضاً كذلك، حيث إنّ لازمه سقوط
القصاص بإسقاط واحد منهم.وأمّا الثالث- أي قيام الحقّ بالجامع على نحو الانحلال- فهو الأظهر، فإنّه هو الظاهر من الآية الكريمة: «وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»،
بتقريب: أنّ الحكم المجعول لطبيعي الولي ينحلّ بانحلاله، فيثبت لكلّ فرد من أفراده حقّ مستقلّ، كما هو الحال في سائر موارد انحلال الحكم بانحلال موضوعه.وتدلّ عليه أيضاً صحيحة
أبي ولّاد الحنّاط ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل قُتل وله امّ
وأب وابن، فقال
الابن :أنا اريد أن أقتل قاتل أبي، وقال الأب:أنا اريد أن أعفو، وقالت الامّ: أنا اريد أن آخذ الدية، فقال: «فليعط الابنُ امَّ المقتول السدس من الدية، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حقّ الأب الذي عفا، وليقتله».
وتعارض هذه النصوص بعض الروايات
التي مفادها سقوط القصاص بعفو أحد
الأولياء ، وقد ذكرت عدّة طرق للجمع العرفي بين الطوائف من قبيل حمل ما دلّ على سقوط العفو على
الندب ، أو على فرض عدم الردّ على العافي من قبل المطالب بالقصاص.وقد نوقش في ذلك كلّه.
وذكر
السيّد الشهيد الصدر أنّه يمكن تخصيص الطائفة الدالّة على السقوط بصحيحة أبي ولّاد؛
لاختصاصها بخصوص حالة عفو الأب ومطالبة الامّ بالدية مع طلب الابن، فيما الطائفة الاخرى مطلقة، فيقتصر على هذه الصورة وتبقى سائر الصور على مقتضى الإطلاقات.
واستجوده بعض الفقهاء المعاصرين، لكنّه عاد وردّه بارتكازية عدم الفرق بين الورثة.
ويظهر من بعض الفقهاء عدم
الاقتناع بأحد وجوه الجمع العرفي ممّا دفعه إلى
الانتقال إلى المرجّحات، فذكر أنّ أخبار السقوط بالعفو من بعض الأولياء موافقة للمشهور بين الجمهور، منهم:
أبو حنيفة ،وظاهر مذهب
الشافعي ،
فتحمل على
التقيّة .وناقش في صحّة ذهاب الجمهور إلى ذلك بعض الفقهاء المعاصرين.
والنتيجة هي ثبوت حقّ الاقتصاص لكلّ واحد من الأولياء على نحو الاستقلال، ويترتّب على ذلك جواز مبادرة كلّ منهم إلى الاقتصاص، فلا يتوقّف على
إذن الآخرين.
صرّح الفقهاء بأنّ الزوجة تستحقّ على الزوج في
الإسكان أن يسكنها داراً تليق بها بحسب عادة أمثالها، وكذا لها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج، ضرّةً أو غيرها، من دار أو حجرة منفردة المرافق مع
القدرة عليه.وقد تنظّر بعض الفقهاء في ذلك مع عدم كون عادة أمثالها ذلك، وعدم تضرّرها به، وإلّا وجب من هذه الجهة لا أنّ ذلك حقّ لها من حيث كونها زوجة.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۳۶۴-۳۷۷.