وقد يفصّل بين الاستحالة في الأعيان النجسة فتوجب الطهارة، وبين الاستحالة في المتنجّسات فلا توجب الطهارة؛ وذلك باعتبار أنّ النجاسة في الأعيان وصف ذاتي لها وتابع لصدقالعنوان ، فيزول الحكم بزوال العنوان، وأمّا في المتنجّسات فحيث إنّ وصف التنجّس لا يدور مدار عنوانها الخاص ، بل وصف لعنوان ثابت قبل الاستحالة وبعدها، وهو الشيء المتنجّس فلا يزول الحكم بزوال العنوان.
واجيب عنه في محلّه.
قال السيّد الخوئي في المطهّرات :
«الرابع: الاستحالة إلى جسم آخر، فيطهر ما أحالته الناررماداً أو دخاناً أو بخاراً، سواء أكان نجساً أم متنجّساً، وكذا يطهر ما استحال بخاراً بغير النار».
وقال أيضاً: «لو استحال الشيء بخاراً ثمّ استحال عرقاً، فإن كان متنجّساً فهو طاهر، وإن كان نجساً فكذلك إلّاإذا صدق على العرق نفس عنوان إحدى النجاسات».
نعم، بعض الأبخرة المتصاعدة من الأعيان النجسة لا شكّ في طهارتها كالمتصاعد من البول و الغائط ؛ فإنّها يكفي في الحكم بطهارتها سكوت الأئمّة عليهم السلام عن بيان حكمها مع كثرة ابتلاء الناس بها ومعاملتهم لها معاملة الطاهر، فيعتبر ذلك إمضاءً لمرتكزهم و سيرتهم العمليّة؛ إذ مع النجاسة لابدّ لهم من البيان و التنبيه .
بل قد يدّعى جريان هذه السيرة بالنسبة لدخان وبخار جميع النجاسات والمتنجّسات.
ومن آثار الحكم بطهارة هذه الأبخرة طهارة المائع الحاصل منها بعد الميعان ، فيجوز شربها ، وتطهير المتنجّس بها، و التوضّوء و الاغتسال منها- إذا كان ماءً- وجواز بيعها وغيرها.
وقد يجعل من فروع هذه المسألة ما ذكروه في جواز بيع الدهن المتنجّس للاستصباح تحت السماء ، كما نُسب التقييد به إلى المشهور ، وأنكره بعضهم لعدم المستند ،
وقد يكون في بعض الأخبار إشارة إليه، ففي رواية الحسن بن علي، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: جعلت فداك، إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، قال: «هي حرام»، قلت: فنصطبح بها (أي نستصبح بها)؟ قال: «أما تعلم أنّه يصيب اليد و الثوب وهو حرام؟».
ولعلّ قيد تحتيّة السماء قد استفيد من ذيل الرواية ؛ لأنّ الاستصباح تحت السقف يلازم عادة إصابة ذرّات الدهن للثوب و البدن ، إلّاأنّ الكلام في حرمة هذا التنجيس، فيحمل إمّا على الكراهة أو على التعبّد المحض.
وقع الكلام بين الفقهاء في أنّ البخار أو الدّخان الغليظ هل يفسدان الصوم - كالغبار الغليظ- إذا وصلا إلى الحلقبتعمّد ، أم لا؟ حكم بعضهم بالإلحاق ، واستبعده آخرون.
قال السيّد السند العاملي بعد الاستدلال على مفطرية الغبار الغليظ: «وألحق المتأخّرون بالغبار الدخان الغليظ الذي يحصل منه أجزاء ويتعدّى إلى الحلق، وبخار القدر ونحوهما. وهو بعيد ».
وقال السيّد اليزدي في المفطرات: «السادس: إيصال الغبار الغليظ إلى حلقه، بل وغير الغليظ على الأحوط ... و الأقوى إلحاق البخار الغليظ ودخان التنباك ونحوه...».
نعم، في رواية عمرو بن سعيد عن الإمام الرضا عليه السلام قال: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك، فتدخل الدخنة في حلقه، فقال: «جائز، لا بأس به»، قال: وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه، قال: «لا بأس».