المسائل في المواقيت
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(و
أحكام المواقيت تشتمل على مسائل) ثلاث :
(الاولى : لا يصح
الإحرام قبل الميقات) بإجماعنا الظاهر، المنقول في جملة من العبائر؛
للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
(إلاّ لناذر) له قبله فيصح (بشرط أن يقع في
أشهر الحج ) لو كان لحج أو لعمرة متمتع بها، وإلاّ فيصح مطلقاً على الأقوى.
وفاقاً للشيخ في
النهاية والمبسوط والخلاف والتهذيبين والديلمي والقاضي وابن حمزة،
والمفيد كما حكي،
وعليه أكثر المتأخرين على ما أجده، أو مطلقاً على ما يستفاد من
الذخيرة وغيرها،
وفي المسالك وغيره
: أنه المشهور بين الأصحاب.
للمعتبرة المتضمنة للصحيح
على ما صرّح به جماعة،
وإن تأمل فيها بعض الأجلة
والموثق وغيرهما.
خلافاً للحلّي والفاضل في المختلف،
فمنعا عن هذا
الاستثناء ؛ لانه نذر غير مشروع، كنذر
الصلاة في غير وقتها، و
إيقاع المناسك في غير مواضعها؛ وضعف النصوص، وظهور احتمالها ما يأتي في بحث المصدود من بعث الرجل من منزله الهدي و
اجتنابه ما يجتنبه المحرم، أو المسير للإحرام من الكوفة أو
خراسان .
ولا يخفى عليك ما في هذين الاحتمالين من البعد ومخالفة فهم الأصحاب.
وضعف النصوص أوّلاً ممنوع، وثانياً على تقديره فهو بالشهرة الظاهرة والمنقولة مجبور، فيمنع بها
الأصل المتمسك به للمنع، ونظيره في الصوم موجود.
هذا، وطريق
الاحتياط واضح بالجمع بين الإحرام من المحل المنذور ومن الميقات، كما عن
المراسم والراوندي.
وعن غيرهما إن نذر إحراماً واجباً وجب تجديده من الميقات، وإلاّ استحب.
ويستثنى من كلية المنع صورة أُخرى أشار إليها بقوله : (أو للعمرة المفردة في
رجب لمن خشي تقضيه) بتأخير الإحرام إلى الوقت، بلا خلاف أجده، كما في الذخيرة،
وفي ظاهر المعتبر والمنتهى
: إن عليه
اتفاق علمائنا، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني إن عليه إجماعنا؛
للصحيحين.
قيل : ولم يتعرض له كثير من الأصحاب، والاحتياط تجديد الإحرام من الميقات.
(الثانية : لا يجاوز) من أراد
النسك من (الميقات إلاّ محرماً) في حال
الاختيار ، بالنص وإجماع العلماء، كما عن المعتبر والمنتهى،
وفي التحرير وغيره
:
الإجماع مطلقاً؛ لأن ذلك مقتضى التوقيت، مضافاً إلى وقوع التصريح به في جملة من الصحاح : منها : «من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم».
ومنها : «لا تجاوز
الجحفة إلاّ محرماً».
ومنها : «لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها».
ويجوز لعذر من نحو حرّ أو برد عند الشيخ؛
لانتفاء العسر والحرج.
وللصحيح : «فلا يجاوز
الميقات إلاّ من علة».
وأظهر منه المرسل : «إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى الحرم».
خلافاً للحلّي حيث حمل فتوى الشيخ على تأخير الصورة الظاهرة للإحرام من التعرّي و
لبس الثوبين، دون غيرها، فإن المرض و
التقية ونحوهما لا تمنع النية والتلبية، وإن منعت
التلبية كان كالأخرس، وإن أُغمي عليه لم يكن هو المؤخّر، قال : وإن أراد وقصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمداً من موضعه، فيؤدّي إلى
إبطال حجه بغير خلاف.
وارتضاه الفاضل في المختلف والتحرير والمنتهى،
ويميل إليه الماتن في
المعتبر وغيره.
ولعلّه لحديث : «
الميسور لا يسقط بالمعسور ».
ويؤيده الحديث المتقدم فيمن مرّ على المسلخ مع العامة ولم يمكنه
إظهار الإحرام تقية، المتضمن لأنه : «يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبّي في نفسه وإذا بلغ ميقاتهم أظهره».
ولا بأس به؛ لقوة دليله، مع قصور الخبرين بعد
إرسال أحدهما على التصريح بخلافه.
(ويرجع إليه) أي إلى الميقات (لو لم يحرم منه) عمداً أو سهواً، أو جهلاً بالحكم أو بالوقت، بلا خلاف بين العلماء كما في
المنتهى .
أما في العمد فلتوقف الواجب عليه.
وأما في غيره فللصحاح وغيرها، منها في الناسي : «يخرج إلى ميقات أهل
أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج من الحرم».
ومنها في الجاهل : «إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه، فإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما يخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم».
ومنها : عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال : «يرجع إلى ميقات بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج».
ونحوه غيره المروي عن
قرب الإسناد .
وأما ما في جملة من المعتبرة في الجاهل من
الأمر بالخروج إلى خارج الحرم بقول مطلق كما في الصحيح،
أو بالإحرام من مكانه من مكة أو من المسجد كذلك كما في الموثق،
ونحوه عبارة
الغنية فمحمول على صورة عدم التمكن من الخروج إلى الميقات، كما هو الغالب، فيحمل
الإطلاق عليه، حملاً للمطلق على المقيد، و
اقتصاراً في الإطلاق على المتيقن.
لكن في بعض الأخبار المنقولة عن قرب الإسناد الواردة في الجاهل : «إن كان جاهلاً فليبن من مكانه - ليقضي - فإن ذلك يجزيه إن شاء الله، وإن رجع إلى الميقات الذي يحرم منه
أهل بلده فإنه أفضل».
وهو كالصريح، بل صريح في جواز الإحرام من غير الميقات مع التمكن من الرجوع إليه، إلاّ أن سنده غير واضح، ومع ذلك فلندوره وعدم مكافأته لما مرّ من وجوه عن المعارضة له قاصر.
وربما يستفاد من العبارة وجوب الرجوع على من لا يريد النسك ثم أراده. وهو مقطوع به بين الأصحاب على الظاهر، المصرَّح به في عبائر جماعة كالمدارك والذخيرة وغيرهما،
مشعرين بعدم خلاف فيه، كما صرّح به في
المفاتيح ،
بل ظاهر المنتهى أنه لا خلاف فيه بين العلماء إلاّ من بعض العامة العمياء؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى إطلاق بعض الصحاح المتقدمة المعتضد بما في المعتبر والمنتهى
بأنه متمكن من
الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به فيكون واجباً. ومرجعه إلى ما في المدارك من إطلاق النهي عن مجاوزة الميقات لكل حاجّ ومعتمر.
ولا يخلو عن نظر.
ثم إن هذا مع
إمكان الرجوع.
(فإن لم يتمكن) منه (فلا حج له إن كان) المتجاوز عن الميقات بغير إحرام (عامداً) كما عن النهاية و
الاقتصاد والوسيلة و
السرائر والجامع وكتب الماتن والمهذّب والغنية،
وفي المنتهى والتحرير والدروس واللمعتين والمسالك،
وبالجملة : الأكثر، كما في الذخيرة،
وربما يفهم من المنتهى وغيره
عدم خلاف فيه بيننا.
لأن الإحرام من غير الميقات خلاف ما أمر به الشارع فلا يصح إلا فيما أذن فيه، ولا إذن هنا؛
لاختصاص النصوص الآذنة بمن عدا العامد.
وإطلاق بعض الصحاح المتقدمة غير معلومة
الانصراف إلى مفروض المسألة، كما صرّح به في الذخيرة
بالإضافة إلى الجاهل،
فما ظنّك بالعامد؟! مع أنه معارض بإطلاق جملة من المعتبرة :
منها الصحيح : «من أحرم دون الميقات فلا إحرام له».
ومنها المروي في العيون عن
مولانا الرضا عليه السلام أنه كتب إلى المأمون في كتاب : «ولا يجوز الإحرام دون الميقات، قال الله سبحانه : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ).
فإنه إذا لم يجز كان فاسداً؛ لأنه عبادة منهي عنها. و
إرجاعها إلى الأول بتقييد أو صرف ظاهر ليس بأولى من العكس، بل هو أولى من وجوه لا تخفى.
فظهر ضعف القول بإلحاقه بالناسي إذا وجب الحج عليه مضيقاً، كما قوّاه جماعة من متأخري المتأخرين،
ويحتمله إطلاق المبسوط والمصباح ومختصره كما حكي،
ويأتي فيه ما فيه سابقه.
واعلم أن إطلاق نفي الإحرام وجوازه في الخبرين يعمّ الإحرام للعمرة المفردة، وعليه فلا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات، كما حكي التصريح به عن بعض الأصحاب.
وردّ بأنه ليس بجيّد ولا موافق لكلام الأصحاب، فإنهم إنما صرّحوا ببطلان الحج أو وجوب إعادته،
إلاّ الفاضل في القواعد والإرشاد،
والماتن في
الشرائع ،
ففي كلامهما : لا يصح له الإحرام إلاّ من الميقات، والشهيد في
الدروس ففيه
بطلان النسك،
واللمعة ففيها
بطلان الإحرام ،
والكل يحتمل ما صرّح به غيرهم، أي من أن المراد بطلان الحج خاصة، لا العمرة المفردة، فإن
أدنى الحلّ ميقات اختياري لها، غاية
الأمر إثمه بتركه مما مرّ عليه من المواقيت.
(ويحرم من موضعه) أينما كان إذا كان لم يدخل الحرم (إن كان ناسياً أو جاهلاً أو لا يريد النسك) ويندرج فيه من لا يكون قاصداً دخول مكة عند مروره على الميقات ثم تجدّد له قصده، ومن لا يجب عليه الإحرام لدخولها، كالمتكرر، ومن دخلها لقتال إذا لم يكن مريداً للنسك ثم تجدّد له إرادته.
أما من مرّ على الميقات قاصداً دخول مكة وكان ممن يلزمه الإحرام لدخولها لكنه لم يرد النسك فهو في معنى متعمد ترك الإحرام، بل أولى.
(ولو دخل) أحد هؤلاء (مكة) أو الحرم (خرج إلى الميقات) مع الإمكان وأحرم منه كما مرّ (ومع التعذر) فـ (من أدنى الحلّ، ومع التعذر يحرم من) موضعه (مكة) أو الحرم.
بلا خلاف في شيء من ذلك أجده، وبه صرّح بعض الصحاح المستفيضة، المتقدمة إلى جملة منها
الإشارة ، بعد حمل مطلقها على مقيدها هنا أيضاً على نحو ما مضى، وهي وإن اختصت بالناسي والجاهل إلاّ أن الأخير ملحق بهما بلا خلاف.
قيل : أما في وجوب خروجه إلى الميقات إذا أمكن وأراد الحج أو
عمرة التمتع فظاهر، وأطلق الشافعي إحرامه من موضعه. وأما
إجزاء إحرامه من موضعه أو أدنى الحلّ إذا لم يمكن فلأن مجاوزته الميقات بلا إحرام كانت تجوز له إذا لم يكن يريد النسك، أمّا نحو الحطّاب فظاهر، وأما غيره ممن لا يريد الحرم فللأصل، ومروره صلي الله عليه و آله وسلم بذي الحليفة مرّتين لغزوتي بدر محلاًّ هو وأصحابه، وكأنه لا خلاف فيه.
واعلم أن إطلاق العبارة ونحوها بجواز
الإحرام من أدنى الحلّ أو موضعه حيث يتعذر العود إلى الميقات يقتضي عدم وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق، وهو مقتضى إطلاق أكثر النصوص، إلاّ أن بعض الصحاح المتقدّمة منها يقتضي وجوبه، ويعضده حديث : «الميسور لا يسقط بالمعسور» وهو فتوى الشهيد كما قيل.
•
حكم نسيان الإحرام،
رياض المسائل، ج۶، ص۱۷۳- ۱۸۲.