المقر به
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو إمّا مال، أو نسب، أو حق
كالقصاص وخيار الشفعة . وينعقد
الإقرار بكل واحد بلا خلاف؛ للعموم وعدم مانع.
ولا يعتبر في المال أن يكون معلوماً؛ إذ ربما كان على ذمّة المقرّ ما لم يعلم قدره، فدعت الحاجة إلى إقراره ليتوصّل إلى براءة ذمته بالصلح أو
الإبراء . (فلو قال : له عليّ مال، قبل) وإن امتنع عن البيان حبس وضيق عليه حتى يبيّن إلاّ أن يدّعي
النسيان .
ويقبل (تفسيره) المال (بما يملك) ويتموّل (وإن قلّ) بلا خلاف، بل عليه وعلى أصل قبول الإقرار
الإجماع في التذكرة؛
وهو الحجة، مضافاً إلى أصالة
براءة الذمة عن الزائد السليمة عن المعارض، لصدق المال على القليل كصدقه على الكثير.
وهل يندرج فيه غير المتموّل، كحبّة من حنطة فيقبل تفسيره به أم لا؟ قولان :
من أنّه مملوك شرعاً، وإن لم يكن له قيمة عادة، والحقيقة الشرعية مقدّمة على العرفية، وأنه يحرم أخذه بغير
إذن مالكه ويجب ردّه. ومن أنّ الملك لا يستلزم إطلاق اسم المال شرعاً، وعلى تقدير
الاستلزام فالعرف يأباه، وهو مقدّم كما تقدّم، مع أن طريقة الإقرار تقتضي ثبوته في الذّمة، ولا يثبت فيها ما لا يتموّل ولا قيمة له، بلا خلاف أجده، وبه صرّح جماعة.
وهذا أجود وعليه الأكثر. وحكي في الدروس
الأوّل عن الفاضل، ولعلّه قال به في التذكرة، كما يظهر من
المسالك والكفاية.
(ولو قال : له عليّ شيء، وجب تفسيره بما يثبت في الذّمة) دون ما لا يتموّل كحبّ من حنطة، على الأشهر هنا أيضاً. خلافاً للتذكرة والروضة،
فجوّزا له التفسير به، لكن الثاني خصّه بالشيء دون المال، ولم يفرّق الأول بينهما في هذا، وإن افترقا في غيره، وهو أعميّة الشيء من المال،
لاختصاصه بما يعدّ مالاً دون غيره كحق
الشفعة ونحوه، وشمول الشيء لهما، ومقتضاه جواز تفسيره بردّ السلام
والعيادة وتسمية العاطس، لتسميتها شيئاً.
ولكن الأشهر كما في الروضة
خلافه. وهو الأصح؛ لأنّه خلاف المتعارف، وبُعدها عن الفهم في معرض الإقرار، ومرجعه إلى أنّه خلاف المتفاهم عرفاً، فلا يشملها الشيء وإن عمّ لغة، لوجوب تقديمه عليها كما تقدّم، مع أنّها تسقط بالفوات فلا تثبت في
الذمة ، وطريقة الإقرار بعليّ تقتضي الثبوت فيها، هذا. ولم أر قائلاً بالأوّل صريحاً بل ولا ظاهراً وإن احتمل في الكتابين المتقدمين.
(ولو قال :) عليّ (ألفٌ ودرهم) الزم بالدرهم و (رجع في تفسير الألف)
لإجماله (إليه) ولا خلاف فيه وفي قبول تفسيره بما شاء، حتى لَو فسّرها بحبّات من حنطة قبل، وصرّح به جماعة أوّلهم الفاضل في التذكرة.
(ولو قال : مائة وعشرون درهما) أو ألف وثلاثة دراهم، أو ما شاكلها من الأعداد المتعاطفة، المتخالفة في التميز المتعقّب لها بحسب
الإفراد والجمع والجر والنصب (فالكل دراهم) في المشهور بين الأصحاب سيّما المتأخرين،
وفاقاً للشيخ والحلّي؛
لتطابق اللغة والعرف على أن المفسّر إذا وقع بين المبهمين أو المبهمات عاد إلى الجميع، حتى لو قال المتكلم : له مائة درهم وعشرون درهماً عدّ مستهجناً. قال الله تعالى (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً)
وفي الخبر : «إنّ
رسول الله صلي الله وعليه وآله وسلم توفّي وهو ابن ثلاث وستين سنة».
ونحوهما ورد في الشعر.
خلافاً للفاضل في المختلف،
فجعل المائة والألف في المثالين مبهمين، يرجع في تفسيرهما إليه. قال : لأنّ المميّزين ليسا مميّزين لعددين، وكما يحتمل أن يكون مميّزاً للجميع يحتمل أن يكون مميّزاً للأخير، فلا يثبت في الذمّة بمجرد
الاحتمال . ويظهر من التعليل عدم اختصاص ما ذكره بالمثالين، بل جارٍ فيما يجري فيه التعليل. وقد حكى التصريح بهذا التعميم في المسالك عن بعض الأصحاب،
ويظهر من
المقدس الأردبيلي الميل إليه في شرح الإرشاد؛
لما مرّ من التعليل.
وهو عليل بعد ما مرّ من تطابق
العرف واللغة على فهم رجوع التميز إلى الجميع، بحيث لو عقّب كلّ عدد بمميّز لحكما فيه
بالاستهجان .
(و) اعلم أنّ لفظة (كذا كناية عن الشيء) على الأشهر الأقوى بناءً على
استعماله مكانه عرفاً، فيقبل تفسيره بما يقبل به تفسير الشيء. وعليه الحلي.
خلافاً للخلاف، فجعله كناية عن العدد،
وحكى في التنقيح على إجماع الأدباء.
ويتفرّع على الخلاف في الجملة ما أشار إليه بقوله : (فلو قال : عليّ كذا درهم) بالحركات الثلاث أو
الوقف (فالإقرار بواحد) مطلقاً على المختار؛ لاشتراكه بين الواحد فما زاد وضعاً فتحمل على الأقلّ، لأنّه المتقين إذا لم يفسّره بأزيد.فمع الرفع يكون الدرهم بدلاً، والتقدير : شيء درهم. ومع النصب يكون مميّزاً له. ومع الجر تقدّر
الإضافة بيانية كحبّ الحصيد، والتقدير : شيء هو درهم.
قيل : ويشكل بأنّ ذلك وإن صحّ إلاّ أنّه يمكن تقدير ما هو أقلّ منه بجعل الشيء جزءاً من الدرهم أُضيف إليه، فيلزم جزء يرجع في تفسيره إليه؛ لأنّه المتيقن، ولأصالة البراءة من الزائد، ومن ثمّ حُمل الرفع والنصب على الدراهم مع احتمالهما أزيد منه.
واستوجهه السيد في الشرح. وهو كذلك، اختاره الفاضل في التذكرة.
وأمّا مع التوقيف فيحتمل الرفع والجر لو أُعرب لا النصب؛ لوجوب
إثبات الألف فيه وقفاً، فيُحمل على مدلول ما احتمله من الرفع والجر. فعلى ما اختاره الماتن والأكثر من لزوم الدرهم مطلقاً ولو حالة الجر، يشترك الإعرابان في احتمال الدرهم فيحمل عليه. وعلى قول التذكرة يلزمه جزء درهم خاصّة؛ لأنّه باحتماله حصل
الشك فيما زاد على الجزء، فيحمل على المتيقّن، وهو ما دلّت عليه
الإضافة .
(وقال الشيخ) في
المبسوط والخلاف
: إنّه يلزمه عشرون درهماً، لأنه أقلّ عدد مفرد ينصب مميّزه، ومع الجرّ مائة درهم، لأنّه أقل عدد يكون مميّزه مجروراً. ووافقه هنا وفيما يأتي الفاضل في المختلف والإرشاد
في الجملة، وحكاه في التذكرة
عن أبي حنيفة، وهو بناءً على
الأصل المتقدم.
وقال أيضاً : (لو قال : كذا كذا درهماً) بالنصب (لم يقبل تفسيره بأقلّ من أحد عشر) لأنه أقل عدد مركّب مع غيره ينتصب بعده مميزه؛ إذ فوقه اثنا عشر إلى تسعة عشر، فيحمل على المتيقن. (ولو قال كذا وكذا) درهماً (لم يقبل) في تفسيره بـ (أقلّ من أحد وعشرين) درهماً؛ لأنه أقلّ عددين عطف أحدهما على الآخر وانتصب المميز بعدهما، إذ فوقه اثنان وعشرون إلى تسعة وتسعين، فيحمل على الأقل.
ويستفاد من تخصيص الماتن في الذكر خلاف الشيخ بالمثالين اختصاص خلافه بهما. وليس كذلك؛ لما عرفت من خلافه السابق، مضافاً إلى تعليله المثبت لما ذكره من الحكم فيما عداهما مما يشابههما.
(و) كيف كان فـ (الأقرب الرجوع في تفسيره) أي كذا مطلقاً (إلى المقرّ) لأنّ هذه الألفاظ لم توضع لهذه المعاني لغةً ولا اصطلاحاً، كما صرّح به جماعة من أصحابنا.
ومناسباتها على الوجه المذكور لا توجب
اشتغال الذمة بمقتضاها، مع أصالة
البراءة واحتمالها لغيرها على الوجه الذي بيّن. ولا فرق في ذلك بين كون المقرّ من أهل العربية وغيرهم؛ لاستعمالها على الوجه المناسب للعربية في غير ما ادّعوه استعمالاً شهيراً.
خلافاً للفاضل في المختلف والإرشاد والتذكرة والمقداد
في شرح الكتاب، ففرّقا بين كون المقرّ من
أهل اللسان فما اختاره الشيخ، وغيره فمذهب الأكثر. وهو ضعيف.
(ولا يقبل) تفسيره مطلقاً في غير حالة الجر (بأقلّ من درهم) بناءً على أنّه المتيقن-ما بين المعقوفين ليست في نسخة الأصل و «ر».
(ولو أقرّ بشيء مؤجلاً) كأن قال : له عليّ ألف مؤجلةً إلى سنة (فأنكر الغريم
الأجل لزمه) الشيء قطعاً وكان (حالاّ) إجماعاً إن فصل وصف التأجيل عن الكلام المتقدم ولو بسكوت طويل. وكذا لو وصله به على إطلاق العبارة وصريح المحكي عن الشيخ و الإسكافي والحلّي -قد نسب هذا القول في جميع النسخ إلى القاضي، والقول الآخر إلى الإسكافي والحلبي، والظاهر هو سهو كما يظهر من مراجعة الكتب الفقهية؛ لزيادة دعوى الأجل على أصل
الإقرار فلا تسمع، كما لو أقرّ بالمال ثم ادّعى قضاءه.
خلافاً للأول في قوله الآخر المحكي في كلام جمع من الأصحاب،
و للقاضي، وتبعه كثير من المتأخرين؛
لأنّ الكلام الصادر منه جملة واحدة لا يتم إلاّ بآخره، وإنّما يحكم عليه بعد كماله، كما لو عقّبه
باستثناء أو وصف أو شرط، وأنّه لولا قبول ذلك منه لأدّى إلى انسداد باب الإقرار بالحق المؤجل، وإذا كان على
الإنسان دين مؤجل وأراد التخلص فإن لم يسمع منه لزم
الإضرار به، وربما كان الأجل طويلاً بحيث إذا علم عدم قبوله منه لا يقرّ بأصل الحق خوفاً من إلزامه حالاّ والإضرار، فيؤدّي تركه إلى الإضرار بصاحب الحق، وهذا غير موافق للحكمة الإلهية.
وللصحيح : «كان
أمير المؤمنين عليه السلام لا يأخذ بأول الكلام دون آخره».
هذا مضافاً إلى التأيّد بأصالة عدم
إلزام المقرّ بالمال حالاّ.(وعلى) الأول يلزم (الغريم اليمين) لكونه منكراً، فيتوجه عليه كما يتوجه البينة على المقرّ عليه أيضاً، لكونه مدعياً وإنّما يلزمه حالاّ بعد عجزه عن إقامتها جدّاً.
رياض المسائل، ج۱۳، ص۱۳۰-۱۳۸.