حكم ترك الإحرام رأسا
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ترك
الإحرام يكون عن عمد تارة، وعن عذر، كالجهل و
النسيان اخرى، وإليك تفصيل البحث.
صرّح الفقهاء بأنّ من جاء بالمناسك من دون
إحرام اختياراً كان حجّه أو عمرته فاسداً
لاشتراطه فيهما وفوات الكلّ
بانتفاء جزئه، أو المشروط بانتفاء شرطه،
فيجب عليه قضاؤه إذا كان مستطيعاً.
وأمّا في غير
المستطيع فهل يجب عليه
القضاء أم لا؟ فيه قولان:
عدم وجوب القضاء. قال العلّامة في
المنتهى : «الثالث: من يجب عليه دخولها بإحرام لو دخلها بغيره لم يجب عليه القضاء، وبه قال
الشافعي ، وقال
أبو حنيفة : عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة، فإن فعل في سنته بحجّة
الإسلام أو منذورة أو عمرة منذورة أجزأه ذلك عن عمرة الدخول
استحساناً ، وإن لم يحجّ من سنته استقر القضاء. لنا:
الأصل براءة الذمّة من القضاء، وانّما يجب عليه بأمرٍ جديد ولم يوجد؛ ولأنّه مشروع لتحيّة البقعة، فإذا لم يأت به سقط كتحيّة
المسجد »،
وتبعه على ذلك جماعة من الفقهاء.
وجوب القضاء. قال في
التذكرة : «لو دخل الحرم من غير إحرام ممّن يجب عليه الإحرام وجب عليه الخروج والإحرام من الميقات، فإن حجّ والحال هذه بطل حجّه ووجب عليه القضاء... وقال أحمد: لا قضاء عليه؛ لأنّ الإحرام شرّع لتحيّة البقعة، فإذا لم يأت به سقط كتحيّة المسجد. وليس بجيّد؛ لأنّ تحيّة المسجد غير واجبة. ولو تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه، سواء أراد
النسك أو لم يرده».
وقال
الشهيد الثاني : «وحيث يتعذّر رجوعه مع التعمّد يبطل نسكه، ويجب عليه قضاؤه وإن لم يكن مستطيعاً للنسك، بل كان وجوبه بسبب
إرادة دخول الحرم، فإنّ ذلك موجب للإحرام، فإذا لم يأت به وجب قضاؤه كالمنذور. نعم، لو رجع بعد تجاوز الميقات ولمّا يدخل الحرم فلا قضاء عليه وإن أثم بتأخير الإحرام، وادّعى العلّامة في التذكرة
الإجماع عليه».
وحاول
المحقّق النجفي حمل كلام الشهيد على وجوب القضاء على تارك الإحرام من الميقات، لكنّه مع ذلك دخل الحرم حاجّاً ولو بإحرام من دونه.
واورد عليه: بأنّ وجوب الإحرام للقضاء لا يوجب
إيجاب الحجّ عليه؛ لأنّ الواجب عليه عند دخول مكّة هو الإحرام الجامع بين الحجّ والعمرة لا وجوب الحجّ، فلم يفت منه حجّ حتى يجب قضاؤه. ومجرّد قصد الحجّ لا يوجب تعيّنه عليه.
مضافاً إلى أنّه إذا بدأ ولم يدخل مكّة كشف ذلك عن عدم الوجوب من أصل، و
احتمال وجوب الإحرام عليه واقعاً بمجرّد قصد الدخول إلى مكّة وإن لم يدخلها- كما نسب إلى الشهيد الثاني
- لا دليل عليه.
اختلفت كلمات
الفقهاء في صحّة المناسك مع نسيان الإحرام فيها رأساً:
ذهب الأكثر،
بل
المشهور إلى أنّه لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه أجزأه ذلك،
بل في
الدروس نسبته إلى فتوى
الأصحاب عدا الحلّي.
والظاهر من كلماتهم أنّه لا فرق في ذلك بين نسيان إحرام الحجّ وبين
نسيان إحرام العمرة، مفردة كانت أو متمتّعاً بها.
قال
الشيخ الطوسي : «الإحرام ركن من أركان الحجّ أو العمرة، من تركه متعمّداً فلا حجّ له، وإن تركه ناسياً كان حكمه ما ذكرناه... فإن لم يذكر أصلًا حتى يفرغ من جميع مناسكه فقد تمّ حجّه أو عمرته ولا شيء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام».
وقال
ابن البراج : «فإن نسي الإحرام ولم يذكره حتى صار بعرفات أحرم بها، فإن لم يذكر ذلك حتى قضى مناسكه كلّها لم يلزمه شيء».
واستدلّ له
بعدّة روايات:
منها: ما رواه
علي بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام ، قال: سألته عن رجل كان متمتّعاً خرج إلى
عرفات وجهل أن يحرم
يوم التروية بالحجّ حتى رجع إلى بلده، قال عليه السلام: «إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه».
هذا بناءً على إرادة ما يعمّ النسيان من الجهل فيه أو أنّه ملحق به في الحكم،
وإن تأمّل فيه بعضهم،
ولكن لا وجه له؛ إذ المستفاد من الروايات أنّ
العبرة بالعذر سواءً كان
مستنداً إلى النسيان أو الجهل،
واختصاصها بإحرام الحجّ غير ضائر؛ لأنّ الظاهر عدم القول بالفصل.
ومنها: مرسل جميل عن أحدهما عليه السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل، وقد شهد المناسك كلّها وطاف وسعى، قال: «تجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك، فقد تمّ حجّه وإن لم يهلّ»،
بناءً على أنّ المراد من ذلك نيّة الحجّ بجميع أجزائه،
أو المراد العزم المتقدّم على الإحرام كما ذكره الشيخ، وليس المراد منه نيّة الإحرام؛ لعدم تعقّل نيّة الجاهل به والناسي له.
وذهب
ابن إدريس الحلّي إلى أنّه يقضي ما كان يريد الإحرام له من حجّ أو عمرة إن كان واجباً حيث قال: «والذي تقتضيه
أصول المذهب أنّه لا يجزيه، وتجب عليه
الإعادة ؛ لقوله عليه السلام: «الأعمال بالنيّات»، وهذا عمل بلا نيّة، فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد، ولم يورد هذا، ولم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله».
ولكن اجيب عنه: بأنّ المفروض في المقام عدم تحقّق الإحرام رأساً لا صحّته بلا نيّة، بل إن كان المراد
التعريض برأي
الشيخ الطوسي ، ففيه: أنّ ظاهر كلامه
إتيان المحرم بالنيّة بلا عمل، لا أنّه عمل بلا نيّة، كما أنّه لو أراد الحلّي من فقدان النيّة عدم نيّة سائر المناسك، فإنّ المفروض حصولها أجمع بنيّته، لكن بدون احرام.
وقد يقال: إنّ مراد الحلّي هو أنّ فقد نيّة الإحرام جعل نيّة باقي الأفعال في حكم المعدوم؛ لعدم صحّة نيّتها محلّاً فتبطل، إلّا أنّها دعوى بلا دليل، وهو تكلّف.
وقد تأمّل بعضهم في صحّة العمرة المفردة مع عدم الإحرام رأساً، قال السيد البروجردي: «الأحوط في
العمرة المفردة الواجبة عدم
الاكتفاء إذا تذكّر وهو في مكّة».
والوجه في ذلك
اختصاص النص بالحجّ، أمّا عمرة
الإفراد و
القران ومطلق العمرة المفردة، فالرواية لا تصلح للاستدلال بها على ذلك إلّا بضميمة عدم القول بالفصل أو القول
بالأولوية .
أمّا صحّة
عمرة التمتّع فلما يقال من عموم حكم حجّ التمتّع وشموله لعمرته، بدعوى
إطلاق الحجّ على عمرة التمتّع في كثير من النصوص.
وذهب
السيد الخوئي إلى عدم صحّة العمرة مطلقاً لو نسي الإحرام؛ نظراً إلى أنّ مورد رواية علي بن جعفر هو نسيان الإحرام في الحجّ، أمّا مرسلة جميل فهي وإن كانت تعمّ عمرة التمتّع إلّا أنّها مرسلة، و
الانجبار بعمل الأصحاب لا دليل عليه.
ثمّ إنّه ظهر ممّا تقدّم حكم الجاهل، فإنّه لو ترك الإحرام جهلًا حتى أتى بالنسك فقد صحّت أعماله، وإن قال الشهيد الثاني: إنّه لم يتعرّض أكثر الفقهاء لحكمه،
لكنّ الظاهر كما قال
السيد الحكيم : إنّه لا خلاف فيه؛ لوروده في الروايتين المتقدمتين كما
هو ظاهر.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۵۲۰- ۵۲۵.