سنن القراءة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ومن السنن : الاستعاذة،
الاستعاذة بعد التوجه قبل القراءة، للآية،
والمعتبرة المستفيضة فعلا في جملة منها،
وأمرا في أخرى.
وتوهم الوجوب منها ـ كالقول به المحكي عن أبي علي ولد شيخنا الطوسي
ـ مردود بإجماعنا على عدمه في الظاهر، المحكي في الخلاف و
مجمع البيان والمنتهى والذكرى،
وغيرها.
ويشهد له جملة من النصوص أيضا، منها : «إذا قرأت بسم الله الرّحمن الرّحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ».
ومحلها الركعة الاولى من كل صلاة لا مطلقا إجماعا، كما في صريح المنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني وظاهر
الذكرى وغيرها،
وهو ظاهر من الأخبار، حيث لم يستفد منها الشرعية إلاّ فيها، و إطلاق الآية يقيّد بذلك، مع أن القصد هو التعوّذ من الوسوسة، وهو حاصل في أول ركعة، فيكتفى به في الباقي، كذا في المنتهى وغيره،
وزاد في الأوّل فاستدل بالنبوية العامية أنه صلي الله عليه و آله وسلم إذا نهض عن الركعة الثانية استفتح بقراءة الحمد.
وهي سرّيّة ولو في الجهرية، بلا خلاف أجده، وفي الخلاف
الإجماع عليه.
والخبر الفعلي محمول على تعليم الجواز، إذ ليس الإجهار بها حراما، بل جائز وإن ترك المستحب، كما صرّح به جمع.
و (الجهر بالبسملة في مواضع
الإخفات من أوّل الحمد) مطلقا (والسورة) حيث تقرأ، للإمام والمأموم، وفاقا للأكثر على الظاهر، المصرّح به في كلام جمع،
بل المشهور في كلام آخرين،
وفي الخلاف الإجماع عليه.
وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، بل المتواترة،
ففي جملة منها مستفيضة عدّه من علامات
المؤمن الخمس المذكورة فيها، وهي : «صلاة الخمسين، و
زيارة الأربعين، والتختم باليمين، والتعفير بالجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم».
وليس فيها كغيرها التقييد بالإمام كما عليه
الإسكافي ،
ولا بالأوليين كما عليه الحلّي،
مع أنهما شاذّان، غير واضحي المستند عدا لزوم
الاقتصار فيما خالف لزوم الإخفات المجمع عليه، على المجمع عليه والمتيقن من النص، وهو عند الأول
الإمام خاصّة دون غيره، وصرّح بالاستحباب في الأخيرتين، وعند الثاني بالعكس.
ويضعّفهما ـ بعد الشذوذ ـ
الإطلاق المتقدم الراجع إلى العموم المقوّي بفتوى المشهور، وتزيد الحجة على الثاني بعدم ثبوت الإجماع على وجوب الإخفات في الأخيرتين مطلقا حتى في
البسملة إلاّ بنقله، وهو موهون بمصير عامة الأصحاب ـ ولا أقل من الأكثر ـ على خلافه. ثمَّ إن ظاهر سياق الأخبار المزبورة
الاستحباب ، حيث ساقت
الإجهار به في سياق المستحبات بلا خلاف، مع إشعاره به من وجه آخر، مضافا إلى التصريح بالإجماع عليه في الخلاف،
وفي المروي عن العيون أن الجهر به في جميع الصلوات سنة.
فالقول بالوجوب مطلقا، كما عن القاضي،
أو في الأوليين خاصة، كما عن الحلبي،
ضعيف، يدفعه مع ذلك
الأصل السليم عما يصلح للمعارضة عدا مداومتهم : بذلك، مضافا إلى
الاحتياط . ويدفعان بما مرّ.
نعم، الأحوط عدم الترك، للمروي في
الخصال أنه واجب،
وعن
الأمالي دعوى الإجماع على الوجوب.
وضعف الأوّل سندا، بل ودلالة، لعدم الصراحة بعد ظهور كثرة
استعمال لفظة الوجوب في المتأكّد استحبابه في أخبار
الأئمة ، مع كونه أعم من الوجوب بالمعنى المصطلح عليه الآن لغة. ووهن الثاني بعدم ظهور موافق له عدا القاضي، مع ظهور عبارة ناقلة في
الفقيه في عدم الوجوب،
كما بيّنته في الشرح، مع معارضته بنقل الحلّي الإجماع على صحة الصلاة مع ترك الإجهار،
مضافا إلى قصور لفظ الوجوب في عبارته عن
إفادة معناه المصطلح عليه الآن، لعين ما ذكر في ضعف دلالته عليه في الأخبار. يمنع المصير إلى هذا القول وتعيينه، سيّما مع إطباق المتأخّرين على خلافه، هذا.
وربما يتردد في الاحتياط بالإجهار به في الأخيرتين، لمعارضة وجهه من الخروج عن شبهة القول بالوجوب بمثله من شبهة القول بالحرمة، كما عرفته من الحلّي، مع تردّد ما في شمول الإطلاقات بالإجهار وجوبا أو استحبابا، نصا أو إجماعا منقولا، لهما. ولو لا ما قدمناه، من عدم دليل على وجوب الإخفات فيهما عدا الإجماع الغير المعلوم الثبوت في محل النزاع إلاّ بدعوى الحلّي الموهونة بلا شبهة، كما عرفته، لكان المصير إلى قوله لا يخلو عن قوة، وإن اعتضد خلافه بالشهرة.
(وترتيل القراءة) بالكتاب، والسنة، وإجماع العلماء كافة، كما حكاه جماعة.
وهو لغة :
الترسّل فيها والتبيين بغير بغي وتجاوز عن حدّ،
وشرعا ـ على ما في
الذكرى وغيرها
ـ : حفظ الوقوف و
أداء الحروف.
أقول : ولعلّهما متقاربان مع ورودهما في النصوص، منها في تفسير قوله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)
قال : قال
أمير المؤمنين عليه السلام : «تبيّنه بيانا، ولا تهذّه _ الهذّ :
الإسراع في القطع وفي
القراءة ، يقال : هو يهذّ القرآن هذّا ويهذّ الحديث هذّا، أي يسرده._
هذّ الشعر، ولا تنثره نثر الرمل».
وبه فسّر
علي بن إبراهيم في تفسيره.
ومنها : «هو أن تتمكّث فيه وتحسن به صوتك».
ومنها : «
ترتيل القرآن حفظ الوقوف وبيان الحروف»
ونحوه عن
ابن عباس لكن مبدّلا بيانها بأدائها،
فلا يبعد استحبابهما. وفسّر الوقوف بالوقف التام، وهو الوقوف على كلام لا تعلّق له بما بعده لفظا ولا معنى، والحسن، وهو الذي له تعلق لفظا لا معنى.
ومنه يظهر عدم وجوب الوقف مطلقا، مضافا إلى الأصل، ودعوى الإجماع في كلام جمع،
والصحيح المجوّز لقراءة
الفاتحة في الفريضة بنفس واحد.
نعم، تجب المحافظة على النظم، تأسّيا، ووقوفا على المتيقن، وحذرا من الخروج عن الأسلوب الذي فيه
الإعجاز ، ولذا يجب فيها الموالاة العرفية المتحققة بأن لا يسكت فيها طويلا، ولا يقرأ فيها قرآنا أو ذكرا بحيث يخرج عن كونه قارئا عرفا، ولو أتى بهما مع صدق القارئ عليه عرفا جاز، بلا خلاف يعرف فيه بين علمائنا، كما في
المنتهى .
(وقراءة سورة بعد الحمد في النوافل) إجماعا، ولا فرق فيها بين الرواتب وغيرها، ولا فيه بين ما وظّف فيه سورة خاصة وغيره إلاّ وجوبها شرطا في الأوّل دون غيره.
(والاقتصار في الظهرين والمغرب على قصار المفصل) كالقدر، والجحد، و
التوحيد ، وألهاكم، وما شابهها (وفي الصبح على مطوّلاته) كالمدّثّر، والمزّمّل، وهل أتى، وشبهها (وفي العشاء على متوسطاته) كالانفطار، و
الطارق ، والأعلى، وشبهها.
قال في المنتهى : قاله الشيخ، وأومأ المفيد إلى بعضه، وعلم الهدى.
وعزاه غيره إلى المشهور،
معربين عن عدم دليل عليه من طرقنا، ولذا اختاروا ـ وفاقا للشهيد في الذكرى
ـ العمل بما في الصحيح
وغيره
من استحباب مثل الأعلى والشمس في الظهر والعشاء، والنصر و
التكاثر في العصر والمغرب، وما يقرب من الغاشية والقيامة والنبإ في الغداة. وهذا أولى، وإن كان الأوّل لشهرته مع المسامحة في المستحب ودليله ليس بعيدا، سيّما مع قربه مما ورد من طرقنا.
(و) أن يقرأ (في ظهري الجمعة) أي ظهرها وعصرها (بـ) سورة (ها) في الركعة الاولى (وبالمنافقين) في الثانية، للمعتبرة، منها الصحيح : عن القراءة في
الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ قال : «نعم» وقال : «اقرأ سورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة».
وفي آخر : «من صلّى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر».
قيل : وهو ظاهر في شمول الجمعة للظهر، لأن الثابت في السفر إنما هو الظهر لا الجمعة.
وفيه نظر.
وفي المرفوع : «إذا كانت ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون، وفي صلاة الصبح مثل ذلك، وفي
صلاة الجمعة مثل ذلك، وفي صلاة العصر مثل ذلك».
(وكذا لو صلّى الظهر جمعة) للصحاح المستفيضة، في جملة منها : «ليس في
القراءة شيء موظّف إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقين».
ومنها : عن الجمعة، فقال : «القراءة في الركعة الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين».
ومنها : رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد، قال : «يتمّها ركعتين ثمَّ يستأنف».
وفي الخبر : «من لم يقرأ في الجمعة بالجمعة والمنافقين فلا جمعة له».
وظاهره كسابقه والصحيح الثاني المتقدم وغيرها وجوبهما فيها، كما عن
المرتضى والصدوق والحلبي،
وزادا فألحقا الظهر بها أيضا، لظاهر الأمر بهما في الصحيح الأوّل من الصحيحين المتقدمين.
لكنها محمولة على
الاستحباب (على الأظهر) الأشهر، بل عليه عامة من تأخّر، للأصل، وحذرا عن لزوم العسر والمشقة المنفيين في الشريعة. وخصوص المعتبرة، منها ـ زيادة على المرفوعة المتقدمة المصرّحة بالاستحباب ـ الصحيح : عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا، فقال : «لا بأس بذلك».
ونحو الخبر.
وإطلاق آخر : رجل صلّى الجمعة فقرأ سبّح
اسم ربك الأعلى، وقل هو الله أحد، قال : «أجزأه».
وفي الصحيح : سمعته يقول في صلاة الجمعة : «لا بأس بأن يقرأ فيها بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت مستعجلا»
و
الاستعجال أعم من الضرورة المبيحة وغيرها. وهذه المعتبرة ما بين صريحة وظاهرة في جواز الترك في الجمعة، ففي الظهر أولى.
مضافا إلى عدم القول بالفرق أصلا إلاّ من
الصدوق ; على نقل ضعيف أنه قال بوجوبهما في ظهر الجمعة خاصة لا جمعتها. وهي مع بعده لا يلائم عبارته التي وصلت إلينا
كما بيّنته في الشرح مفصّلا، ولذا نسب إليه في الذكرى
وغيرها
ما قلنا، هذا. وفي الصحيح : عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيهما؟ قال : «اقرأهما بقل هو الله أحد».
وهو صريح في عدم الوجوب في الظهر أيضا، بل يستفاد منه كون الظهر يطلق عليه الجمعة حقيقة أو مجازا شائعا، فيحتمل لذلك
الاستناد إلى الأخبار المتقدمة بعدم الوجوب في الجمعة هنا أيضا، فتأمّل جدّا.
(ونوافل الليل جهر و) نوافل (النهار إخفات) إجماعا منا، كما في المعتبر والمنتهى والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني
وغيرها،
وللنصوص، منها : «السنة في صلاة النهار الإخفات وفي
صلاة الليل الإجهار».
وليس للوجوب، بالإجماع، والموثق : عن الرجل هل يجهر بقراءته في التطوع بالنهار؟ قال : «نعم».
(ويستحب
إسماع الإمام من خلفه قراءته ما لم يبلغ العلو) إجماعا من العلماء، كما في
المدارك والمنتهى،
وللصحيح : «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول»
ولعمومه لما عدا القراءة أيضا قال (وكذا الشهادتين) بل مطلق الأذكار التي لم يجب إخفاتها. نعم يتأكّد فيهما، للصحيحين الآتيين في بحث الجماعة
إن شاء الله تعالى. والمتصف بالاستحباب في الجهر بالقراءة عند من أوجبه القدر الزائد على ما يتحقق به أصل الجهر.
رياض المسائل، ج۳، ص۱۶۹- ۱۷۹.