شرائط مكان المصلي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اعلم : أنه يجوز أن (يصلّى في كل مكان) خال عن نجاسة متعدّية إلى المصلّي (إذا كان مملوكا) عينا ومنفعة، أو منفعة خاصّة (أو مأذونا فيه) صريحا، كالكون أو
الصلاة فيه، أو فحوى، كإدخال الضيف منزله مع عدم ما يدلّ على كراهة المضيف لصلاته من نحو المخالفة في
الاعتقاد وهيئات الصلاة على وجه تشهد القرائن بكراهته لها على تلك الحال، إذ معه لا فحوى.
قالوا : أو بشاهد الحال،
كما إذا كان هناك أمارة تشهد أن المالك لا يكره، كما في الصحاري والبساتين الخالية من أمارات الضرر ونهي المالك، فإن الصلاة فيها جائزة وإن لم يعلم مالكها، بشهادة الحال. وفي حكم الصحاري الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا اتصف بها المصلّى، كالحمّامات والخانات و
الأرحية وغيرها. وهو حسن إن أفادت
الأمارة القطع بالإذن، وإلاّ فيشكل، لعدم دليل على جواز
الاعتماد على الظنون في نحو المقامات.
وأضعف منه ما يقال من أن الأقرب جواز الصلاة في كل موضع لم يتضرر المالك بالكون فيه، وجرت العادة بعدم المضايقة في أمثاله وإن فرضنا عدم العلم بالرضا، نعم لو ظهرت من المالك أمارة عدم
الرضا لم تجز الصلاة فيه مطلقا.
وذلك فإن مناط جواز التصرف في ملك الغير إذنه لا عدم تضرّره بالتصرّف فيه، ولذا مع ظهور كراهته لم يجز قطعا، كما اعترف به.
وبالجملة : فالمتّجه
اعتبار القطع بالرضا عادة، ولا يجوز الاعتماد على الظن إلاّ مع قيام دليل عليه، والظاهر قيامه في الصلاة في نحو الصحاري والبساتين مع عدم العلم بكراهة المالك، فقد نفى عنه الخلاف على
الإطلاق جماعة، ومنهم شيخنا الشهيد في الذكرى وصاحب الذخيرة.
لكن ظاهر الأوّل كون
الإذن فيها بالفحوى، فيكون مقطوعا، وعليه فلا يظهر شمول دعواه نفي الخلاف لما أفاد شاهد الحال في هذه المواضع ظنّا، وكيف كان فالاحتياط يقتضي التورع عن الصلاة مع عدم القطع بالإذن عادة مطلقا.
(ولا تصح) الصلاة (في المكان المغصوب) ولو منفعة (مع العلم) بالغصبية حال الصلاة اختيارا ، بإجماعنا الظاهر، المنقول في جملة من العبائر، كالناصريات و
نهاية الإحكام والمنتهى و
الذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني والمدارك،
وفي الذخيرة نفى الخلاف عنه بين الأصحاب،
وهو الحجة، مضافا إلى ما مرّ في بحث اللباس من القاعدة.
وفي وصية
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لكميل : «يا
كميل ، انظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي، إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول» رويت في الوسائل وغيره.
وظاهر ما حكاه في الكافي ـ في باب الفرق بين من طلّق على غير السنّة وبين المطلّقة إذا خرجت وهي في عدّتها أو أخرجها زوجها ـ عن الفضل الصحة.
ولكنه شاذ، قيل : ويحتمل كلامه
الإلزام .
ولا فرق بين الفريضة و
النافلة ، كما صرّح به جماعة،
ويقتضيه إطلاق الفتوى والرواية، وكثير من الإجماعات المحكية، بل والقاعدة.
خلافا للمحكي عن الماتن، فقال بصحة النافلة،
لأن الكون ليس جزءا منها ولا شرطا فيها، يعني أنها تصحّ ماشيا موميا للركوع والسجود، فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به. وفيه ـ بعد
تسليمه ـ أنه مختص بما إذا صلّيت كذلك، لا إن قام وركع وسجد، فإن هذه الأفعال وإن لم تتعيّن عليه فيها، لكنها أحد أفراد الواجب فيها. وعن المرتضى و
أبي الفتح الكراجكي وجه بالصحة في الصحاري المغصوبة، استصحابا لما كانت الحال تشهد به من الإذن.
وليس فيه مخالفة لما ذكرنا من
البطلان مع العلم بالغصبيّة وعدم الإذن للمصلّي حال الصلاة، بل مرجعه إلى دعوى حصوله ولو استصحابا. وهو من السيد غريب، لعدم مصيره إلى حجّيته. وعن
المبسوط أنه قال : فإن صلّى في مكان مغصوب مع
الاختيار لم تجز الصلاة فيه، ولا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن اذن له في الصلاة فيه، لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه.
وليس فيه أيضا مخالفة لما ذكرنا من (الصحة مع الإذن) لاحتمال كون المراد من الآذن هو الغاصب لا المالك، كما فهمه الفاضل في كتبه،
وإن استبعده الشهيد وقرّب العكس ـ وفاقا للماتن
ـ قال : لأنه لا يذهب الوهم إلى احتماله، ولأن التعليل لا يطابقه. وفيه منع. ووجّهه بأن المالك لما لم يكن متمكّنا من التصرف فيه لم يفد إذنه
الإباحة ، كما لو باعه، فإنه باطل لا يبيح المشتري التصرف فيه. واحتمل أن يريد الإذن المستند إلى شاهد الحال، لأن طريان الغصب يمنع من استصحابه، كما صرّح به الحلّي، قال : ويكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى، وتعليل الشيخ مشعر بهذا،
انتهى.
أقول ـ وفاقا لبعض المحققين
ـ : والظاهر
اختلاف الأمكنة والملاّك والمصلّين والأحوال والأوقات في منع الغصب من
استصحاب الإذن الذي شهدت به الحال. ويلحق بالعلم بالغصبيّة جاهل حكمها. أما ناسيها وجاهلها فلا، كما مضى في بحث اللباس،
وعلى الأخير هنا
الإجماع في المنتهى.
وفي ناسي الحكم ما مضى.
(وفي جواز صلاة
المرأة إلى جانب المصلّي) أو أمامه مع عدم الحائل بينهما ولا التباعد عشرة أذرع (قولان) مشهوران :
(أحدهما : المنع، سواء صلّت بصلاته أو منفردة، محرما) له (كانت أو أجنبيّة) ذهب إليه أكثر القدماء،
بل ادعى عليه في الخلاف والغنية
الإجماع.
ولعله الحجة لهم، مضافا إلى النصوص المستفيضة، ففي الصحيح : عن المرأة تزامل الرجل في المحمل، يصليان جميعا؟ فقال : «لا، ولكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة»
ونحوه الخبر.
وفي آخر : «وإن كانت تصلّي ـ يعني المرأة بجنبه ـ فلا».
وفي الموثق عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ فقال : «إن كانت المرأة قاعدة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس».
ونحوه غيره في
إثبات البأس في المحاذاة والامام.
وهو وإن كان أعم من
التحريم ، إلاّ أنه محمول عليه بقرينة النهي في الأخبار السابقة الظاهر فيه، مضافا إلى الإجماعين المصرّحين به، والصحيح المصرّح بالفساد : عن إمام في الظهر قامت امرأته بحياله تصلّي وهي تحسب أنها العصر، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها وقد كانت صلت الظهر؟ فقال عليه السلام : «لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة».
وأكثر هذه النصوص وإن شملت بإطلاقها صورتي وجود الحائل والتباعد بعشرة أذرع المرتفع فيهما المنع كراهة وتحريما إجماعا كما يأتي،
إلاّ أنها مقيّدة بغيرهما، لذلك، مضافا إلى الموثق : عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال : «لا يصلّي حتى يجعل ما بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، وإن كانت عن يمينه ويساره جعل بينه مثل ذلك، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه».
ونحوه آخر.
وفي هذا الموثق أيضا دلالة على المنع، بل هو العمدة في دليلهم عليه، كما يظهر من الحلي.
(و) القول (الآخر : الجواز على كراهية) ذهب إليه
المرتضى والحلي،
ويحتمله كلام الشيخ في
الاستبصار ، حيث حمل بعض الأخبار المانعة على
الاستحباب ،
وتبعهما عامة المتأخرين عدا الماتن هنا، فظاهرة التردّد، كالصيمري، و
الفاضل المقداد،
حيث اقتصروا على نقل القولين من غير ترجيح، ولكن جعل الأخير الكراهة أحوط. وهو غريب، فإن
الاحتياط في القول بالحرمة، وإن كان في تعيّنه نظر.
للأصل، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المصرّحة بعدم المنع، إمّا مطلقا، كما في الصحيح : «لا بأس أن تصلّي المرأة بحيال الرجل وهو يصلّي»
الخبر، ونحوه
المرسل لراويه.
وأصرح منهما الخبر : عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف وقدّامها صفوف، قال : «مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد».
أو إذا كان بينهما شبر، كما في الصحيحين،
وغيرهما،
أو قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع، كما في آخرين،
أو موضع رحل ، كما في مثلهما سندا،
أو بتقدمها بصدره، كما في الصحيح،
أو إذا كان سجودها مع ركوعه، كما في المرسلين.
والبأس المفهوم منها بغير هذه المقادير وإن احتمل التحريم، إلاّ أنه مندفع بالأصل وضمّ بعضها إلى بعض، مضافا إلى الإجماع، وعدم قائل بالمنع تحريما بغيرها والجواز معها إلاّ الجعفي، فقال بالمنع فيما دون عظم الذراع والجواز معه.
ولكن الدال عليه من النصوص قليل، ومع ذلك معارض بما يدل على
ارتفاع المنع بشبر، وهو دون عظم الذراع بيقين، ومع ذلك فهو شاذ لم ينقله إلاّ قليل، بل ظاهر جمع الإجماع على خلافه، حيث ادّعوا عدم القول بالفرق بين القولين المشهورين، مؤذنين بدعوى الإجماع على فساد القول الثالث.
وبالجملة : فهذه النصوص ـ مع صحة أكثرها، واستفاضتها، واعتضادها بالشهرة العظيمة المتأخرّة القريبة من الإجماع، بل هي إجماع في الحقيقة ـ واضحة الدلالة على نفي الحرمة، وإثبات الكراهة ولو مختلفة المراتب ضعفا وقوة، ومع ذلك معتضدة بأصالة
البراءة ، والإطلاقات، بل استدل بهما أيضا جلّ الطائفة. ولا ريب أنها أرجح
بالإضافة إلى الأدلّة السابقة، مع قصور أكثر أخبارها سندا ودلالة، وقبولها الحمل على الكراهة دون هذه الأدلّة، إذ لا تقبل أكثرها الحمل على شيء يجمع به بينها وبين تلك، مع مراعاة عدم القائل بالفرق بين الطائفة الظاهر، المصرح به في كلام جماعة كما عرفته، فالعمل بتلك يوجب ترك هذه بالمرّة، ولا كذلك العكس، لقبولها الحمل على الكراهة دون هذه.
نعم، يبقى الكلام في دعوى الإجماع على المنع، فإن تأويلها إلى الكراهة في غاية البعد، لنص الشيخ الناقل له ببطلان الصلاة، حيث منع عنها،
وهو لا يجتمع مع الكراهة. لكن إطراحها أولى من
إطراح هذه الأدلّة القويّة بما عرفته. مضافا إلى الصحيحين المعبّرين عن المنع بـ «لا ينبغي» كما في أحدهما،
مع الاكتفاء في رفعه فيه بشبر على إحدى النسختين والاحتمالين، (
الاحتمال هنا إشارة إلى أن في تتمة الحديث تفسيرا محتملا كونه من الحديث المبني عليه الكلام كونها من الشيخ. منه رحمه الله. ) وب «يكره» كما في الثاني المروي في العلل.
ودلالتهما على كل من التحريم والكراهة وإن كان غير ظاهر ظهورا معتدا به، إلاّ أن
الإشعار فيهما بالكراهة حاصل، سيّما في الأول، مضافا إلى ضمّ باقي الأخبار إليهما. فالقول بالجواز أقوى، وإن كان التجنّب أحوط بلا شبهة. ويتفرع على القول بالحرمة فروعات جليلة لا فائدة لنا في ذكرها مهمة بعد اختيارنا الكراهة.
(ولو كان بينهما حائل) من نحو ستر دون ظلمة وفقد بصر على الأظهر (أو تباعد عشرة أذرع فصاعدا) بين موقفيهما كما هو المتبادر (أو كانت متأخّرة عنه ولو بمسقط الجسد) بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه، ارتفع المنع و (صحّت صلاتهما) إجماعا كما في المعتبر و
المنتهى وغيرهما.
وللمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى بعضها
الإشارة . بل ظاهر جملة من الصحاح المتقدمة
انتفاء المنع مطلقا بالذراع والشبر ونحوهما
كما عن الجامع،
وهو ظاهر الفاضلين في المعتبر والمنتهى، لكن في صورة تأخّرها لا مطلقا كما احتمله الشيخ في كتابي الحديث،
وبه قال في
الذخيرة أيضا.
ولا بأس به لو لا الموثقة السابقة
الظاهرة في بقاء المنع في صورة التأخّر إلى أن تتأخّر عنه بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه. والأخبار الصحيحة وإن ترجّحت عليها من وجوه عديدة، ولكن الأخذ بها أولى في مقام الكراهة، بناء على
المسامحة في أدلّتها ، مع
اشتهار العمل بها أيضا، فلتحمل الصحاح على خفّة الكراهة لا انتفائها، وعليه تحمل الموثقة.
وهل يعتبر في الحائل كونه ستيرا بحيث لا يرى أحدهما الآخر مطلقا، كما هو المتبادر من النص والفتوى؟ أم يكفي مطلقا ولو لم يكن ستيرا، كما في الصحيح : عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى (الكوّة ـ بالضم والفتح والتشديد ـ النقبة في الحائط غير نافذة. )
كله قبلته وجانباه، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه، قال : «لا بأس»
؟ وجهان، والأوّل أنسب بمقام الكراهة.
ويرتفع المنع أيضا مطلقا مع الضرورة، كما صرّح به جماعة،
اقتصارا فيما خالف
الأصل على المتيقن من النص والفتوى، لاختصاصهما بحكم التبادر وغيره بحال الاختيار. مضافا إلى فحوى ما دلّ على جواز
الصلاة في المغصوب مع الضرورة. وفي الصحيح المروي في العلل : «إنما سمّيت مكّة بكّة لأنها يبتكّ (أي : يزاحم ويدافع.)
بها الرجال والنساء، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك، ولا بأس بذلك، وإنما يكره في سائر البلدان».
(و) عليه فـ (لو كان) كل منهما (في مكان لا يمكن فيه التباعد) ولا الحائل، ولا يقدران على غيره وضاق الوقت ارتفع المنع مطلقا. ومع عدم الضيق (صلّى الرجل أوّلا ثمَّ المرأة) استحبابا، للأمر به في بعض الصحاح المتقدمة
المحمول عليه عندنا قطعا، وكذا عند جملة من القائلين بالمنع، إذ هو لا يقتضي تعين تقدم الرجل، بل تقدم أحدهما، كما في ظاهر الموثق كالصحيح : أصلّي والمرأة إلى جنبي تصلّي؟ فقال : «لا، إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت».
خلافا للمحكي عن الشيخ،
فعيّن تقديم الرجل.
ولعله لظاهر الأمر في الصحيح، وعدم وضوح الصحيح الآخر في
إرادة التقديم الفعلي، لاحتماله المكاني، بل فهمه منه صاحبا
المدارك والذخيرة،
فاستدلاّ به على جواز تقديم المرأة مكانا من غير حرمة.
ولكنه بعيد، لظهور الاحتمال الأول، للإجماع على ثبوت المنع ولو كراهة في تقدّم المرأة مكانا بعد توافقهما فعلا، فهو أقوى قرينة على تعيّن الاحتمال الأوّل، فيصرف به
الأمر في الصحيح الأول عن ظاهره إلى
الاستحباب .
ثمَّ إنّ هذا إذا لم يختص المكان بها عينا أو منفعة، بل تساويا فيه ملكا أو إباحة. وإن اختصّ بها دونه فلا أولوية للرجل في تقديمه إلاّ أن تأذن له فيه.
وهل الأولى لها أن تأذن له في ذلك أم لا؟ كل محتمل، وبالأوّل صرّح جمع،
ولا بأس به.
(ولا يشترط طهارة موضع الصلاة إذا لم تتعدّ نجاسته) إلى المصلّي أو محمولة الذي يشترط طهارته على وجه يمنع من الصلاة (ولا طهارة مواقع المساجد) السبعة (عدا موقع الجبهة) فيعتبر طهارة القدر المعتبر منه في السجود مطلقا، إجماعا فيه كما يأتي. وعدم اعتبار الطهارة فيما عداه مطلقا مشهور بين الأصحاب على الظاهر المصرح به في كلام جماعة،
بل لا يكاد يعرف فيه خلاف إلاّ من المرتضى و
الحلبي ،
فاعتبرا طهارة مكان المصلّي مطلقا، وإن اختلفا في تفسيره بالمساجد السبعة خاصة، كما عليه الثاني، أو مطلق مكان المصلّي، كما عليه المرتضى.
ولا حجّة لهما يعتدّ بها عدا ما يستدلّ لهما من الموثقين المانع أحدهما عن الصلاة على الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس،
وثانيهما عن الصلاة على
الشاذكونة (بفتح الذال، ثياب غلاظ مضرّبة تعمل باليمن، والى بيعها نسب أبو أيوب الحافظ لأن أباه كان يبيعها.)
التي يصيبها
الاحتلام .
ومن قوله تعالى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)
ولا هجر إذا صلّى عليه.
ووجوب تجنيب المساجد النجاسة،
وإنما هو لكونها مواضع الصلاة. والنهي عنها في المزابل والحمامات،
وهي مواطن النجاسة. وفي الجميع نظر، لضعف الخبرين بمعارضتهما بالمعتبرة المستفيضة المجوّزة للصلاة في كل من الموضعين الممنوع عن الصلاة عليهما في الخبرين، ففي الصحيح : عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبهما البول، ويغتسل فيهما من الجنابة، أيصلى فيهما إذا جفّا؟ قال : «نعم»
ونحوه غيره من الصحيح
وغيره
وهو كثير.
وفي الصحيح : عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة، أيصلّي عليها في المحمل؟ فقال : «لا بأس»
ونحوه الخبر بدون قوله : «في المحمل».
وهي ـ مع كثرتها، وصحة جملة منها، و
استفاضتها ، و
اعتضادها بالأصل والإطلاقات والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل هي إجماع ظاهرا ـ تترجح على الخبرين، فليطرحا، أو يحملا على الكراهة، أو النجاسة المتعدّية، أو موضع الجبهة خاصة. وعلى أحد هذه يحمل النهي في الرواية الأخيرة على تقدير تسليمها، مع أن النهي فيها بالإضافة إلى الحمام للكراهة، فليحمل بالإضافة إلى الباقي عليها، جمعا بين الأدلة. ولا دليل على أن المراد بالرجز النجاسة، فلعلّ المراد به العذاب والغضب. ودعوى كون وجوب تجنيب المساجد لكونها مواضع الصلاة ممنوعة، مع احتمال المساجد في أخباره مواضع السجود، وأن العلّة صلاحيتها للسجود على أيّ موضع أريد منها.
ثمَّ إن كل ذا إذا صلّى على نفس الموضع النجس من غير أن يستره بطاهر يصلي عليه، وإلاّ صحّت صلاته قولا واحدا، وعليه نبّه في الذكرى،
وفي
التحرير الإجماع عليه،
وهو الحجة.
مضافاً إلى النصوص الكثيرة الناطقة بجواز اتخاذ الحشّ -الحشّ : البستان، فقولهم : بيت الحش، مجاز لأن
العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين فلما اتّخذوا الكنف وجعلوها خلفا عنها أطلقوا عليها ذلك
الاسم . -
مسجدا إذا القي عليه من التراب ما يواريه، ففي الصحيح : عن المكان يكون حشّا زمانا فينظف ويتّخذ مسجدا، فقال : «ألق عليه من التراب حتى يتوارى، فإن ذلك يطهّره إن شاء الله تعالى».
رياض المسائل، ج۳، ص۵- ۱۹.