شروط التلبية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذكر
الفقهاء لصحّة
التلبية شروطاً منها: أ- النية ، ب- مقارنة النية للتلبية ، ج -
اشتراط العربية و
الأداء الصحيح ، د- - التلفظ بالصيغة المخصوصة .
وهي العزم على
التلبية بوجهها على جهة
القربة إليه سبحانه،
فلو لبّى عاصياً أو عنى
الإشارة إلى الطعن على مؤمن أو غير ذلك لم تصحّ؛
لأنّ ذلك على خلاف ما ذكر في معناها من
الإجابة أو القصد أو
الإخلاص أو غيرها من المعاني المتقدّمة.
وعلى كلّ حال، فقد وقع البحث في لزوم النية للتلبية على وجه
الاستقلال ، مضافاً إلى نيّة
الإحرام ، فذهب بعض الفقهاء إلى
اشتراط النية في التلبية.
ولكن صرّح
كاشف الغطاء بلزوم صدور التلبية عن نية لكي تقع على وجهها، وحينئذٍ بناءً على لزوم النية مستقلّاً في كلّ جزء من أجزاء الإحرام وأفعال الحجّ تجب أيضاً في التلبية، ولكن «الظاهر
الاكتفاء فيها بنية الإحرام، مستدامة كسائر الأجزاء المرتبطة؛ لأنّها من التوابع، والأحوط أن ينوي
التلبيات الأربع بعد إحرام
عمرة التمتّع أو حجّه، أو قسيميه أو
العمرة المفردة لوجه اللَّه، (وبذلك) فقد بان أنّه لا تجب النيّة من أصلها، ولا تلزم قيودها، ولا يفسد تركها عمداً ولا سهواً، ويغني
استدامة نيّة الإحرام عنها، فإن لم يستدم نيّة الإحرام وجبت نيّتها».
وكذا أنكر
المحقّق النراقي لزوم النيّة استقلالًا للتلبية، مستشهداً لذلك بعدم لزوم النيّة في تكبيرة الإحرام سوى نيّة الصلاة.
ووافقهم على ذلك
المحقّق النجفي ، حيث ناقش في كلام الشهيدين فقال: إنّه «خلاف ظاهر النصّ والفتوى؛ ضرورة
اقتصارهما في بيان كيفيّة الإحرام على ذكر نيّته، وأن يقول: لبّيك، ولبس الثوبين، وإن كان هو سهلًا على الداعي، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك
الاحتياط بفعل جميع ذلك».
هل يشترط في التلبية مقارنتها مع نيّة الإحرام، أو يجوز له تأخيرها عنها وعن لبس الثوبين؟
ذهب جماعة من الفقهاء إلى
اعتبار مقارنة التلبية للنيّة، كما في مقارنة التحريمة لنيّة الصلاة، وهو ظاهر الحلّي أيضاً، حيث نزّلها منزلة
التحريمة في الصلاة،
وجعلها بعض الفقهاء مقارنة لشدّ الإزار،
وبه قطع الشهيد في
اللمعة ،
إلّا أنّ ظاهر كلامه في
الدروس التوقّف في ذلك، حيث قال: «الثالث: مقارنة النية للتلبيات، فلو تأخّرن عنها أو تقدّمن لم ينعقد، ويظهر من الرواية و
الفتوى جواز تأخير التلبية عنها»،
وإليه ذهب بعض آخر من الفقهاء أيضاً.
وظاهرهم عدم اعتبارهما مع الفصل، فلو نوى الإحرام ثمّ لبّى لم يصحّ، ويحتمل أن يكون المراد من المقارنة
الانضمام ، فلو نوى الإحرام لم يصحّ إحرامه حتى يلبّي، فإن لبّى بعد ذلك صحّ إحرامه. وهذا المعنى وإن كان بعيداً عن معنى المقارنة إلّا أنّه غير بعيد من عبارات من نسب إليهم اعتبار المقارنة كابن إدريس وغيره.
وعلى كلّ حال، فقد خلت كلمات البعض عن ذكر الشرط المذكور، فيما صرّح أكثر الفقهاء بنفيها وجواز تأخير التلبية عن النيّة، منهم
الشيخ الطوسي و
المحقّق الحلّي والأردبيلي و
السيد العاملي والبحراني والمحقّق النجفي وغيرهم،
كما نسب ذلك إلى المشهور أيضاً،
بل نسبه بعضهم إلى ظاهر معظم
الأصحاب ، بل جميعهم.
وصرّح
الشهيد الثاني والسيد العاملي بأنّ كثيراً من الفقهاء لم يعتبر المقارنة.
وقال
السيد اليزدي أيضاً: «لا تجب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام وإن كان أحوط، فيجوز أن يؤخّرها عن النيّة ولبس الثوبين على الأقوى»،
ووافقه عليه أكثر المعلّقين.
وقد دلّ على جواز ذلك جملة من الأخبار
:
منها: صحيحة
معاوية بن عمّار الوارد في ذيلها: «ويجزيك أن تقول هذا مرّة واحدة حين تحرم، ثمّ قم فامش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشياً كنت أو راكباً فلبّ»،
ومنها:
صحيحة حفص بن البختري ومعاوية بن عمّار و
عبد الرحمن بن الحجّاج والحلبي جميعاً عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال: إذا صلّيت في
مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثمّ قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك
البيداء ، فإذا استوت بك فلبّ».
ومنها: صحيحة
عبد الله بن سنان حيث قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يلبّ حتى يأتي البيداء»،
إلى غيرها من النصوص.
قال السيد العاملي- بعد نقل الأخبار المتقدّمة-: «(إنّ) هذه الروايات مع سلامة سندها واستفاضتها صريحة في جواز تأخير التلبية عن موضع عقد الإحرام...بل (ظاهر بعضها)
الاستحباب »،
وصرّح بذلك غيره أيضاً.
ثمّ إنّه لا ثمرة مهمّة لهذا البحث؛ لأنّ النيّة باقية
ارتكازاً إلى حين التلبية ما لم يرجع عنها المكلّف فينعقد بها الإحرام، إلّا أن يقال بأنّ النيّة هي
الإخطار و
إحضار في القلب، كما أشار إليه المحقّق النجفي، فإنّه قال: «إنّ ذلك واضح الثمرة بناءً على أنّ النيّة هي الإخطار، أمّا بناءً على الداعي- كما هو التحقيق- فلا ثمرة غالباً؛ ضرورة عدم
انفكاكه عن التلبية المقصود بها عقد الإحرام».
هذا، ولكنّ
السيّد الحكيم استشكل فيه، فذهب إلى عدم الفرق في ذلك بين أن تكون النيّة هي الإخطار أو الداعي، بناءً على مبناه في
حقيقة الإحرام ، فإنّه قال: «إنّ المراد من قصد عقد الإحرام بها إن كان
إنشاء الإحرام حين التلبية فهو الحاصل أيضاً بناءً على الإخطار، وإن كان تصوّر عقد الإحرام فلا يفيد في إنشاء الإحرام حتى بناءً على الداعي؛ لفقد
الالتزام الذي يتحقّق به الإنشاء».
فالبحث في الحقيقة راجع إلى ماهية الإحرام، وهل أنّه يتحقّق بالنيّة أم لا بدّ من ضمّ التلبية أيضاً كما تقدّم، فراجع.
اشترط جماعة من الفقهاء
أن تكون التلبية بالعربية إلّا مع العجز، بل ظاهر بعضهم عدم الخلاف فيه.
وكذا لا إشكال في لزوم
الإتيان بهذه الكلمات على الوجه الصحيح المطابق للقواعد العربية و
أداء الحروف من مخارجها، كما صرّح بذلك العلّامة الحلّي وغيره، فإنّه قال: «لا تجوز التلبية بغير
العربية (مع القدرة)».
وقال
السيد اليزدي : «اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربية، فلا يجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح بالتلقين أو
التصحيح ».
ويدلّ عليه: أنّ ما هو المأمور به هو التلبية الصحيحة بمقتضى
القواعد العربية كما هو مقتضى القاعدة في سائر موارد الأمر بقراءة أو ذكر، فلا يجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح، فالأمر بالإتيان بالتلبيات الأربع في صحيح معاوية بن عمّار يراد به الإتيان بها صحيحاً؛ إذ لا إشكال في أنّه قرأ هذه الكلمات على الوجه الصحيح، فاللازم الإتيان بمثل ذلك، ولا دليل على
الاجتزاء بغيره، فحال التلبيات في ذلك حال
القراءة و
الأذكار في الصلاة،
فلا تجزي
الترجمة مع التمكّن.
وعليه، فإنّه يجب على المكلّف تعلّم ألفاظ التلبية بأن يحسن أداءها بصورة صحيحة، ويكفي في أدائها قيام شخص بتلقينه، وعلى الجاهل بها متابعته في النطق،
وسيأتي الكلام عن تلبية
الأعجمي والملحون و
الأخرس .
ومن شروط التلبية التلفّظ بالصيغة المخصوصة المأثورة للمتمكّن منها أو
التلفّظ بما يقوم مقامها. وقد تقدّم بيان صورة التلبية تفصيلًا، وسيأتي بيان ما يقوم مقامها في الأخرس.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۴۰۷-۴۱۲.