قضاء الصلوات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو
الإخلال بالصلاة الواجبة بحيث لم يؤدّها المصلي في وقتها
عمدا أو
سهوا ، أو فاتته
بنوم أو
سكر مع
بلوغه وعقله وإسلامه وسلامته عن
الحيض وشبهه وقدرته على الطهور الاختياري أو الاضطراري فهكذا وجب عليه القضاء.
اعلم : أنّ (من أخلّ بالصلاة) الواجبة عليه فلم يؤدّها في وقتها (عمدا) كان الإخلال بها (أو سهوا، أو فاتته بنوم أو سكر مع بلوغه وعقله وإسلامه) وسلامته عن الحيض وشبهه وقدرته على الطهور الاختياري أو
الاضطراري (وجب) عليه (القضاء) بإجماع العلماء كما في الذكرى وغيرها،
بل ربما كان نقل الإجماع عليه كالنصوص مستفيضا.
ففي النبوي المشهور : «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها».
والصحاح بذلك مستفيضة من طرقنا، ومنها : «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها».
(عدا ما استثني) من
صلاة الجمعة والعيدين كما مضى في بحثهما. واحترز بقوله : مع بلوغه إلى آخره عما لو فاتته وهو صغير أو مجنون أو كافر أصلي، فإنه لا يجب عليه القضاء بإجماع العلماء كما في المنتهى وغيره
مستفيضا، بل يجعل من الدين ضرورة؛ لحديثي
رفع القلم وجبّ
الإسلام .
وكذا الحائض و
النفساء بالنص والإجماع الماضيين في بحثهما.
ومقتضى إطلاق النصوص والفتاوي بالقضاء بالنوم عدم الفرق فيه بين وقوعه بفعله أم لا، ولا بين كونه على خلاف العادة وعدمه. خلافا للذكرى، فألحق النوم على غير العادة بالإغماء في عدم وجوب القضاء، قال : وقد نبّه عليه في المبسوط.
وفي الذخيرة : إنّ الحجة على ما ذكره غير واضحة.
أقول : لعلّها
الأصل ، وعدم دليل على وجوب القضاء هنا؛ لاختصاص النصوص الواردة به في النوم بالعادي منه، لأنه المتبادر المنساق منه إلى الذهن عند
الإطلاق ، ولا إجماع، لمكان الخلاف.
وعموم من فاتته غير معلوم الشمول لمفروض المسألة، بل مطلق النوم والأحوال التي لم يصحّ فيها التكليف بالأداء إجماعا، لأن موضوعه من صدق عليه الفوت، وليس إلاّ من طولب بالأداء، وهذا غير مطالب به أصلا، ومعه فلا يصدق الفوت جدّا، كما لا يصدق على الصغير والمجنون ونحو هما. وهذا الوجه مذكور في مسألة سقوط القضاء بالإغماء ونحوها في عبائر كثير من العلماء كالفاضل في المنتهى والشهيدين في
الروضة والذكرى،
وهو وإن اقتضى عدم وجوب القضاء على النائم ونحوه مطلقا إلاّ أنه خرج عنه الفرد العادي منه
اتفاقا فتوى ونصا، ويبقى ما عداه تحته باقيا.
ومنه ينقدح وجه تخصيص جماعة من العلماء السكر الذي يجب معه القضاء بالذي يكون من قبله،
فلو شربه غير عالم به أو أكره عليه أو اضطر إليه فلا قضاء عليه كالإغماء. بل جريانه هنا أولى؛ لانحصار دليل القضاء فيه في الإجماع المفقود في محل النزاع، إذ لا إطلاق فيه نصا يتوهم شموله له قطعا؛ هذا مضافا إلى فحوى التعليل الوارد بعدم القضاء مع
الإغماء الجاري هنا أيضا.
والمراد بالكافر الأصلي : من خرج عن فرق المسلمين؛ لأنه المتبادر من إطلاق النص والفتوى الدالين على سقوط القضاء منه بإسلامه؛ فالمسلم يقضي ما تركه وإن حكم بكفره كالناصبي وإن استبصر، وكذا ما صلاّه فاسدا عنده؛ لعموم النص بقضاء الفوائت، خرج منه
الكافر الأصلي وبقي الباقي.
نعم، لا تجب عليه إعادة ما فعله في تلك الحال وإن كان الحق
بطلان عبادته كما يستفاد من الصحاح المستفيضة؛
لمثلها من المعتبرة وفيها الصحاح وغيرها،
وهو تفضّل من الله تعالى.
•
قضاء صلاة المغمى عليه، (ولا قضاء) واجبا (مع الإغماء المستوعب للوقت) (إلاّ أن يدرك) مقدار (
الطهارة والصلاة ولو ركعة) فيجب فعلها في الوقت كاملة أداء أو قضاء أو ملفقا.
(وفي) وجوب (قضاء الفائت لعدم ما يتطهر به) من ماء وتراب وما في معناه (تردّد) قولان : من عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت. وممّا قدّمناه من تبعية القضاء للأداء مفهوما وإن قلنا بعدم تبعيته له حكما كما هو الأقوى، ولا أداء هنا على الأشهر الأقوى، بل في
روض الجنان وغيره
أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا. وظاهر هما كونه إجماعا. ولعلّه كذلك وإن حكى الماتن في الشرائع قولا بأنه يصلّي ويعيد؛
لندرته، وعدم معروفية قائلة. نعم، حكى المرتضى في
الناصرية عن جدّه وجوب
الأداء دون القضاء،
وهو كسابقه نادر محجوج بعموم : «لا صلاة إلاّ بطهور»
مع سلامته عن المعارض.
وحيث لم يثبت الأداء لم يثبت القضاء؛ لما مضى. وهذا أقوى، وفاقا للمحكي في المختلف عن المفيد في رسالته إلى ولده والفاضلين وغيرهما.
خلافا للمرتضى في الناصرية والشيخ في المبسوط والحلّي فيما حكي عنهما والشهيدين وغيرهما
فالأول. وجعلته في الشرح أقوى، بتخيّل صدق الفوت، بدعوى ثبوت مطلوبية الأداء وإن لم يكن واجبا، فإنّ عدم وجوبه بفوات شرط وجوده لا يستلزم عدم مطلوبيته، بعد ثبوتها بعموم ما دلّ على مطلوبية
الصلاة ومحبوبيتها، وإلاّ لزم أن يكون
الطهور شرطا لوجوبها لا لوجودها، وهو
باطل إجماعا.
وهو كما ترى؛ لتوقف صحته بوجود عموم يدل على مطلوبية الصلاة الفريضة حين عدم وجوبها، ولم نجد له
أثرا ، عدا العمومات الآمرة بها في أوقاتها، وهي كما تدل على مطلوبيتها كذا تدل على وجوبها، فلا تكون من العموم المدّعى في شيء أصلا.
وعموم : «الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر»
مخصوص بالنافلة كما يشهد به السياق، ومع ذلك فيدل على مطلوبية الصلاة، ولا تكون صلاة إلاّ بشرطها وشروطها، وإلاّ ففعلها من دونها يكون مبغوضا فكيف يدّعى دلالته على كونها محبوبة حين عدم شرطها؟! وبالجملة : فإنّ
انتفاء الشرط على هذا الوجه الذي فرضنا يستلزم انتفاء كون المشروط واجبا لا من حيث انتفائه من حيث هو هو حتى يلزم منه كون الطهور شرطا لوجوبها، بل من حيث إنّ انتفاءه يستلزم انتفاء القدرة على المشروط ولو شرعا، وهي شرط في الوجوب إجماعا، ولذا اتّفق على عدم الوجوب هنا، فانتفاؤها هنا يستلزم انتفاء وجوب المشروط بها إجماعا، بل ومطلوبيته أيضا، حيث لا يكون دليل عليها سوى ما دلّ على الوجوب أيضا كما هو مفروض المسألة على ما قدّمناه.
وحيث لم يجب المشروط الذي هو الأداء ولا يكون مطلوبا لم يصدق
القضاء حقيقة فلا يجب أيضا.
ولكن (أحوطه القضاء) خروجا عن الشبهة فتوى، بل ودليلا، لصدق الفوت في نحو ما نحن فيه حقيقة لغة، بل وعرفا، لعدم صدق السلب فيه ظاهرا، فلا يقال لمن ترك الصلاة لفقد الطهورين : إنه ما فاتته، كما لا يقال فيما لو تركها بنوم أو نسيان أو نحو هما ذلك، بل يقال ويطلق الفوت عليه حقيقة، كما وجد في الأخبار بالنسبة إلى النوم ونحوه كثيرا، بحيث يستفاد كون الإطلاق على سبيل الحقيقة لا مجازا أو أعم. وحينئذ فيتقوى شمول عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت لما نحن فيه أيضا، سيّما وقد اشتهر بين الأصوليين أنه يكفى في صدق القضاء حقيقة حصول سبب وجوب الأداء ـ كدخول الوقت مثلا ـ وإن لم تجب فعلا، ولعلّ وجهه ما ذكرنا.
وبموجب ذلك لا يبعد أن يكون القول بالوجوب أقوى كما اخترناه في الشرح، لا لما ذكرناه ثمة فإنه غفلة، بل لما ذكر هنا. لكن يؤيد ما اخترناه هنا أوّلا ـ بعد الأصل ـ فحوى التعليل في النصوص الواردة في الإغماء بأن كلّ ما غلب الله تعالى فهو بالعذر أولى؛
لظهوره بل صراحته في أنّ سقوط القضاء في الإغماء موجب عن عدم القدرة على الأداء، وهو حاصل هنا كما قدّمناه. وخروج نحو
النائم غير ضائر؛ لأن العام المخصّص حجة في الباقي كما مرّ مرارا.
•
ترتيب قضاء الفوائت، وتترتب الفوائت كالحواضر والفائتة على الحاضرة وفي وجوب ترتب الفوائت على الحاضرة تردّد أشبهه
الاستحباب ولو قدّم الحاضرة مع سعة وقتها ذاكرا أعاد ولا يعيد لو سها ويعدل عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكر بعد التلبس ولو تلبّس بنافلة ثمَّ ذكر فريضة أبطلها واستأنف
الفريضة .
(و) يجب أن (يقضي ما فات سفرا قصرا) مطلقا (ولو كان) حال القضاء (حاضرا، و) يقضي (ما فات حضرا تماما ولو كان مسافرا) فإن العبرة هنا بحال الفوات لا الأداء؛ إجماعا، وللمعتبرة المستفيضة، ففي الصحيح : «يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، وإن كانت
صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته».
ولو اختلف الفرض في أول الوقت وآخره، بأن كان حاضرا ثمَّ سافر، أو مسافرا فحضر وفاتته الصلاة، ففي
اعتبار حال الوجوب أو الفوات قولان، أظهر هما ـ وعليه الأكثر ـ الثاني، وسيأتي البحث فيه في
صلاة المسافر إن شاء الله تعالى.
وكما أن
الاعتبار في القصر و
الإتمام بحال الفوات كذلك الاعتبار بحاله في كل من الجهر و
الإخفات ، فيقضي الجهرية جاهرا فيها ولو نهارا، والإخفاتية مخفتا فيها ولو ليلا؛ كلّ ذلك لعموم التشبيه المتقدم والإجماع المحكي في الخلاف.
والاعتبار في الكيفية بحال الفعل لا حال الفوت، فيقضي ما فاته وهو قادر على
القيام فيه بأيّ نحو قدر ولو قاعدا أو مضطجعا أو مستلقيا، وبالعكس، والوجه فيهما واضح كما بيّنته في الشرح.
(ويقضي المرتد) مطلقا إذا أسلم كلّ ما فاتته (زمان ردّته) إجماعا؛ لعموم وجوب قضاء الفوائت، مع سلامته عن المعارض، عدا حديث
جبّ الإسلام .
وهو لإطلاقه وعدم عمومه لغة غير معلوم الشمول لنحو المقام؛ لعدم تبادره منه إلى الأذهان.
(ومن فاتته فريضة) حضرا (من يوم ولم يعلمها) بعينها (صلّى اثنتين وثلاثا) معيّنتين للصبح والمغرب (وأربعا) مطلقة بين الرباعيات الثلاث، ناويا بها عمّا في ذمته، على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا، وفي الخلاف والسرائر
الإجماع عليه. للخبرين
المروي أحدهما في المحاسن عن
مولانا الصادق عليه السلام ، وفيه : عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيّتها هي، قال : «يصلّي ثلاثا وأربعا وركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلّى أربعا، وإن كانت المغرب والغداة فقد صلّى» وإرسالهما مجبور بالفتاوي.
خلافا للحلبي وابن حمزة
{وفي الرياض نقل وجوب قضاء الخمس عن ابن حمزة ولم أجده في الوسيلة}، فأوجبا قضاء الخمس؛ تحصيلا لنية التعيين الواجبة إجماعا مع
الإمكان كما هنا، وللجهر والإخفات أن أوجبناهما، كما هو الأقوى. وهو متين لو لا ما قدّمناه من الخبرين المنجبرين بما قدّمنا. وعلى المختار يتخير بين الجهر والإخفات؛
لاستحالة التكليف بهما؛ وعدم إمكان الجمع بينهما، وحيث لا ترجيح ثبت التخيير بينهما.
وكذا بين تقديم أيتها شاء مطلقا. ولو كان في وقت العشاء ردّد بين
الأداء والقضاء إن أوجبنا نيتهما أو احتيط بها، وإلاّ فلا
احتياج إليها وكفى قصد القربة مطلقا. ويستفاد من فحوى الرواية
انسحاب الحكم فيما لو فاتته سفرا، وعليه جماعة،
فيصلّي مغربا وثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع كما سبق. خلافا للحلي فأوجب هنا قضاء الخمس.
وهو أحوط؛
اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص المنجبر بالعمل. وظهور الرواية في العموم مسلّم لكن لم يظهر لها في محل البحث جابر؛ لاختصاص
الشهرة الجابرة بغيره، اللهم إلاّ أن تجبر بالاعتبار وفتوى هؤلاء الجماعة، ولا يخلو عن قوة.
(ولو فاته) من الفرائض (ما لم يحصه) عددا (قضى حتى يغلب) على ظنه (الوفاء) على المشهور، بل المقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك،
مشعرا بالإجماع. فإن تمَّ وإلاّ كان الرجوع إلى الأصول لازما، ومقتضاها القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء، تحصيلا للبراءة اليقينية عمّا تيقن ثبوته في الذمة مجملا، وبه أفتى شيخنا في روض الجنان في بعض الصور، وفاقا للذكرى.
خلافا لسبطه في المدارك، فاستوجه
الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة مطلقا، وفاقا لمحتمل التذكرة،
قال : لأصالة
البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقن الفوات.
ويؤيده الحسن : «متى ما استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنك لم تصلّها صلّيتها، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شيء حتى تستيقن، وإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال».
وفيه نظر؛ لابتناء الأول على عدم حجية
الاستصحاب ، وهو خلاف الصواب. والمتبادر من الثاني هو الشك في ثبوت أصل القضاء في الذمة وعدمه، ونحن نقول بحكمه الذي فيه، ولكنه غير ما نحن فيه، وهو الشك في مقدار القضاء بعد القطع بثبوت أصله في الذمة واشتغالها به مجملا، والفرق بينهما واضح لا يخفى.
•
قضاء النوافل، يستحب قضاء النوافل الموقتة ولو فات بمرض لم يتأكد القضاء وتستحب
الصدقة عن كل ركعتين بمدّ ، فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمدّ.
رياض المسائل، ج۴، ص۱۷۶-۲۰۰.