الإضافة (الفقهيّة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي نسبة بين شيئين يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر ،أضاف الشيء إلى الشيء، أي نسبه وضمّه وأماله إليه.
الإضافة في اللغة مصدر فعله أضاف، تأتي بمعنى الضمّ
والإمالة والنسبة إلى الشيء، يقال: أضاف الشيء إلى الشيء، أي نسبه وضمّه وأماله إليه.
ومن هذا الإضافة في اصطلاح النحاة؛ لأنّ المضاف يضمّ إلى المضاف إليه ليكتسب التعريف أو التخصيص.
والإضافة في اصطلاح الفقهاء لا يخرج معناها عمّا ذكر في اللغة إلّاأنّهم أطلقوه في باب العقود والإيقاعات وأرادوا به نسبة العقد أو
الإيقاع إلى وقت أو مكان معيّنين أو تشخّص معيّن.
وأطلقوه في باب المياه بمعنى خروج الماء عن
الإطلاق ، وأطلقوه تبعاً للحكماء في الأمور الانتزاعية، بمعنى النسبة التي لا تتعقّل بملاحظة شيء بالإضافة إلى شيء آخر حيث يكون
الانضمام من الطرفين بنحو لا يتصوّر أحدهما إلّا ويتصوّر معه الآخر، كالفوق والتحت،
والأب والابن ، ونحوهما.
كما أنّهم أطلقوه تبعاً للحكماء أيضاً في باب الأعراض على الأعراض والمقولات ذات الإضافة وأرادوا به ما يكون متقوّماً في ذاته بمعروضه بحيث لا يمكن انفكاكه كالعلم بالنسبة إلى معلومه، والحبّ والبغض بالنسبة إلى المحبوب والمبغوض.
مصدر علّق، وهو في اللغة بمعنى
الإناطة ، يقال: علّق الشيء بالشيء أي أناطه به.
وفي الاصطلاح بمعنى ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، وتكون الجملة الاولى جملة جزاء فيما تكون الثانية جملة شرط.
أو ربط شيء بشيء ولو في غير الكلام بحيث يتوقف وجود الأوّل على الثاني.
وممّا فُرّق به بين التعليق والإضافة أنّ التعليق على خطر ولا خطر في الإضافة.
أي أنّ الشرط والتعليق يتحمل وجوده وعدمه، بخلاف الإضافة. كما أنّ التعليق يجعل العقد نفسه موقوفاً على شيء بحيث لولا وجوده لا يقع العقد، بخلاف الإضافة فإنّ العقد فيها يقع غايته أنّ الآثار لا تترتب إلّافي المستقبل المضاف اليه، فلا فعلية مع التعليق لكنها قد تتصوّر مع الإضافة.
علماً أنّ التعليق له أيضاً دائرته الواسعة التي لا تطالها الإضافة.
مصدر قيّد، ومن معانيه اللغوية جعل القيد في الرجل،
يقال:قيّدته تقييداً، جعلت القيد في رجله، ومنه تقييد الألفاظ بما يمنع
الاختلاط ويزيل
الالتباس .
واستعمل الفقهاء والأصوليون التقييد في مقابل الإطلاق، فهو عندهم اللفظ الذي لا شيوع له بالفعل مع قابليته لذلك بالذات.
والفرق بين التقييد والإضافة أنّ الإضافة شكل من أشكال التقييد، فالنسبة هي العموم والخصوص المطلق.
وهو من باب استفعال، مصدر استثنى تقول: استثنيت الشيء من الشيء إذا أخرجته.
وهو في الاصطلاح:
إخراج الشيء ممّا دخل فيه غيره، أو المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه بإلّا أو أخواتها.
فهو يدل على
اختصاص الحكم سلباً أو ايجاباً بالمستثنى منه ولا يعمّ المستثنى، ولذلك يكون
الاستثناء من النفي إثباتاً ومن
الإثبات نفياً.
ويمكن التفريق بين الاستثناء والإضافة بأنّ الحكم في الاستثناء يثبت في الحال ولولا ذلك لبطل الاستثناء بالتأخير بخلاف الإضافة، فإنّ الحكم فيها لا يثبت إلّا عند وجود الزمن الذي اضيف إليه الحكم.
وهو في اللغة: التلوم والتلبث
والتجسس،
يقال: توقّفت على هذا
الأمر إذا تلبّثت فيه وأمسكت عنه.
واستعمل الفقهاء والأصوليون التوقف بمعنى ترك العمل المشتبه في حكمه، وعدم
إبداء رأي في المسألة الاجتهادية، لعدم ظهور وجه الصواب فيها للمجتهد.
لكن لهم معنى للتوقف يقصدون منه أنّ العقد وأمثاله إذا صدر ممن هو أهل له يكون موقوفاً على شيء، كما في بيع الفضولي، فإنّه موقوف على
إجازة المالك.والإضافة فيها نحو توقف على مجيء الزمان المضاف إليه في الإضافة المستقبلية، لكن ليس كل توقف إضافة، فهو أعم مطلقاً منها.
نعم، بين الإضافة في العقود والتوقف فيها تشابه من حيث إنّ العقد فيهما متأخر في النفوذ إلى مجيء الزمان المستقبل أو إجازة المالك مثلًا، لكن التوقف في الإضافة نشأ من العقد نفسه بصيغته ومضمونه لا من جهة خارجية ككون العاقد فضولياً، كما أنّه بناء على كون الإجازة كاشفة يكون النفوذ بعدها من حين العقد وهذا لا يحصل في الإضافة؛ لأنّ النفوذ والتأثير يكونان من حين الزمان الاستقبالي المحدّد في صيغة العقد نفسه.
وهو في اللغة: مصدر عيّن بمعنى التخصيص، يقال: عيّنت الشيء تعييناً، إذا خصّصته من بين أمثاله، وتعيّن عليه الشيء إذا لزمه بعينه، وتعيين الشيء تخصيصه من الجملة، وعيّنت النيّة في الصوم إذا نويت صوماً معيناً.
واستعمل الفقهاء والأصوليون التعيين تارة بمعنى جعل الشيء مميّزاً عن غيره، بحيث لا يشاركه سواه، كما في تعيين النية في الصلاة والصوم، وأخرى استعملوه في قبال التخيير كما في خصال
الكفارة ودوران الأمر بين التعيين والتخيير.والإضافة أخصّ من التعيين، فإنّها تحوي تخصيصاً زمنياً، أو على مستوى التشخّص في بعض موارده، إلّاأنّ التعيين له موارده الكثيرة الأخرى.
هناك بعض الأمور العامّة للإضافة مذكورة في تضاعيف عبارات الفقهاء وغيرهم تجدر
الإشارة إلى أهمّها:
المضاف لابدّ وأن يغاير المضاف إليه، وعليه فلا تصحّ إضافة الشيء إلى نفسه.وتكفي هنا المغايرة ولو الاعتباريّة في ترتّب الآثار الفقهية.ولكفاية المغايرة ولو بوجهٍ لم يقبل جمع من الفقهاء
استدلال الكرخي من الجمهور
على خروج
تكبيرة الإحرام من الصلاة وأنّ الصلاة ما بعدها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تحريمها التكبير»
وأنّ المضاف مغاير للمضاف إليه، وأنّ الشيء لا يضاف إلى نفسه، بحصول المغايرة؛ لأنّ الجزء يغاير كلّه وتصحّ إضافته إليه، كما يقال: ركوع الصلاة، وسجود الصلاة، ووجه زيد.
ونحو ذلك ما أثاره بعضهم من
الإشكال فيما لو قال رجل لأمته: تزوّجتك وجعلت مهرك عتقك، فردّه فخر المحقّقين بقوله:«وضلّ من استدلّ بأنّه تمليك الجارية رقبتها؛ لأنّه إضافة لابدّ فيها من تغاير المضافين هنا بالذات».
وردّه
المحقّق الكركي بأنّ «المراد من ذلك المجاز من حيث حصول غاية الملك، وهو مجاز شائع واقع في كلامهم عليهم السلام، ومثله كثير في كلام الفقهاء».
يكفي في صدق الإضافة وصحّتها أدنى ملابسة
وارتباط بين المضاف والمضاف إليه، فلا يعتبر في تعلّق المضاف بجميع المضاف إليه تحقيقاً، فيكفي في مثل:(ضرب زيد) و (تقبيل عمروٍ)، ونحوهما تعلّق الضرب والتقبيل بجزء من المضاف إليه.ووجّه ذلك بالصدق العرفي،
لذا كان صدق الإضافة أعمّ من حقيقتها.
وقد وقع الاستدلال بهذه القاعدة في كثير من الأبواب الفقهية.
من القواعد المرتبطة بالإضافة أنّها تفيد الاختصاص من جهة، والعموم من جهة أخرى:
أمّا إفادتها الاختصاص، فقد قال الشهيد الأوّل: «قاعدة: الإضافة تتخصّص بالمضاف إليه، كدار زيد، وسرج الدابّة».
فالإضافة تخرج المضاف من حالة الإطلاق والعموم، فمن حلف أن لا يشرب الماء تناول اليمين كلّ واحد من أفراده؛
لأنّ المحلوف عليه هو شرب الماء مطلقاً من دون التخصيص بفرد خاص، بخلاف ما لو حلف أن لا يشرب ماء
الفرات ، فلا يحنث بشرب غيره؛ لأنّ المحلوف عليه قد تخصّص بالإضافة.وقد استدلّ بهذه القاعدة بعض الفقهاء.
بل ديدنهم في فهم النصوص وتحليلها يقوم على ذلك.
وأمّا إفادتها العموم فقد تقرّر عند أهل الأصول ذلك، ففي
معالم الدين : «إضافة المصدر عند عدم العهد للعموم مثل:(ضرب زيد) و (أكل عمرو)، وآية ذلك جواز الاستثناء منه، فإنّه يصحّ أن يقال في
الآية : «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ»،
إلّا الأمر الفلاني».
واستظهر
الفاضل التوني عند ذكره لصيغ العموم عدم الخلاف من الشارح الرضي في إفادتها العموم، مضيفاً بأنّ الدليل على ذلك تبادره من الصيغ المذكورة عند التجرّد عن القرائن، وهو علامة الحقيقة.
وقد استدلّ بذلك بعض الفقهاء،
وقال
المحقّق النجفي في ضمن كلامه: «وقد تقرّر في الأصول أنّ الإضافة حيث لا عهد تفيد العموم»،
إلّاأنّ المقصود من العموم الشمول لا العموم المصطلح في قبال الإطلاق.
لا ريب في أنّ الإضافة تقتضي الملك أو الاختصاص بالقرائن الخارجية:
فالأوّل: كما لو قيل: باع زيد داره، فإضافة الدار إلى الضمير العائد لزيد يفيد الملك، حيث علم أنّه لا بيع إلّافي ملك.خلافاً لما إذا قيل: خرج زيد من داره، فإنّ إضافة الدار إلى الضمير العائد إلى زيد لا تدلّ على أنّها ملك لزيد؛ لاحتمال كونها
إجارة ، فتكون الإضافة هنا مجازيّة مردّدة بين إفادتها الملك أو الاختصاص، إلّاإذا علمنا بكونها إجارة فتقتضي الإضافة هنا حينئذٍ الاختصاص.
ومثال الثاني: ما لو قيل: باع سرج الدابّة، فإنّ الإضافة هنا ظاهرة في الاختصاص؛ لتعذّر الملك؛ حيث لا تملك الدابة السرج.هذا كلّه إذا دلّت القرائن على أحد الأمرين.وأمّا إذا لم تدلّ القرائن على شيء من ذلك، فهل تكون الإضافة في حقيقتها ظاهرة في الملكيّة أو الاختصاص؟صرّح بعض الفقهاء
بأنّ الإضافة حقيقةٌ في الملك، ونسب
الشهيد الثاني ترجيح ظهور الإضافة في الملك إلى المشهور في إحدى مسائل
الإقرار .
قال في الخلاف: «إذا حلف لا يدخل دار زيد، فإن دخلها وهي ملك لزيد حنث بلا خلاف، وإن كان ساكنها بأجرة لم يحنث عندنا... دليلنا: أنّ حقيقة هذه الإضافة تفيد الملك، وإنّما تستعمل في السكنى مجازاً، وظواهر الأسماء يجب حملها على الحقيقة. والدليل على أنّ حقيقة ذلك ما قلناه: أنّه لو قال: هذه الدار لزيدٍ كان ذلك
اعترافاً بالملك، فلو قال:أردت أن أسكنها باجرة لم يقبل منه، وإنّما يجوز أن يقول: هذه دار زيد ثمّ ينفي فيقول: لا، ليست لزيد وإنّما يسكنها بأجرة».
لكن ظاهر كلمات جمع آخر من الفقهاء هو القول بالاختصاص
:
ويبدو منهم أنّ الدافع لهم إلى ذلك صحّة الإضافة بأدنى ملابسة، والاختصاص منها، لهذا اعتبروا أنّ الإضافة قد تكون للاختصاص وقد تفيد الملكية؛
فيؤخذ بالقدر المتيقن حينئذٍ.نعم، قد تدلّ الإضافة في نفسها على المقدار المتيقن، لكن إطلاق الإضافة يفيد الملكية، وهذا أمرٌ آخر راجع إلى الإطلاق، تماماً كما يذهب
السيد الشهيد الصدر إلى أنّ اللام تفيد الاختصاص، لكن إطلاق الاختصاص يفيد الملكية.
لا ريب في
إفادة الإضافة العهد، بل
الأصل فيها ذلك كما صرّح به غير واحد من الفقهاء؛
وذلك أنّ الإضافة تنقسم عند علماء النحو إلى قسمين: معنوية ولفظية.أمّا اللفظية فواضحة. وأمّا الإضافة المعنوية فهي ما أفادت للمضاف تعريفاً أو تخصيصاً، أي أنّها تعيّن وتثبت المضاف للمضاف إليه،
ومثالها قوله تعالى:«وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ»،
حيث تثبت الإضافة إمرأةً معهودة معروفة لأبي لهب، فالإضافة تحقّق ظهوراً بأنّ للمضاف إليه شيئاً هو معروف ومعهود.وهذا الظهور متّبع لدى الفقهاء، واحتجّ به في عدّة مواطن:
منها: ما قيل حول (أيديكم) في آية
الوضوء من عدم وجوب غسل اليد الإضافية؛ لأنّ الإضافة في الآية للعهد لا الجنس، بمعنى أنّ الآية منصرفة إلى
إيجاب غسل الأيدي المعهودة المتعارفة لغالب الناس.
ومنها: ما قيل حول هذه الجملة من رواية محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام:«لا تأكل من ذبيحة لم تذبح من مذبحها»،
من أنّ الإضافة تفيد العهد والمعهود هو ما تحت اللحية؛ لأنّه المعروف الشائع المتعارف- عرفاً وعند الذبّاحين- حتى الأطفال إذا أطلقوا الذبح يريدون ما تحت اللحية، كما هو المتبادر من العرف.
ذكرت للإضافة تنويعات متعدّدة وأقسام، نذكر منها:
المعاني الإضافية كالفوقية والتحتية والزوجية على قسمين:
إضافات حقيقيّة وثابتة في عالم الخارج كالفوقيّة والتحتيّة ونحوهما.وإضافات غير موجودة في عالم الخارج وإنّما موطنها الذهن
والاعتبار ، كالاعتبارات العقلية-
الإمكان والجزئية والكلية- أو التشريعية كالزوجية والملكية.
فالحقيقيّة مثل: (دار زيد) إذا كان مالكاً لها، والمجازيّة إذا كان مستأجراً لها، ومثل: (مال العبد) و (دار العبد)، فإن قيل بملكه فالإضافة حقيقيّة، وإن قيل: إنّه لا يملك بل هو وماله لمولاه فالإضافة مجازيّة.
الإضافة في الماء تقابل الإطلاق، فإنّ الماء المضاف عند الفقهاء هو ما لا يتناوله إطلاق اسم الماء إلّا مع قيد، أو ما يصحّ سلب اسم الماء عنه، كماء الرمّان وماء الورد ونحوهما.
وحكم الماء المضاف أنّه طاهر بعد
طهارة أصله من غير خلاف بينهم،
لكنّه غير مطهّر للحدث ولا من الخبث في القول المشهور، بل عليه دعوى
الإجماع ،
خلافاً للصدوق
في الأوّل، وللمفيد
والمرتضى
في الثاني، كما أنّه لا يكون معتصماً حتى إذا كان كثيراً أو جارياً.والمدار في الإضافة على عدم صدق اسم الماء، فلو لم يسلب
الاسم عنه بل كان يطلق عليه الماء لم يكن مضافاً.
•
العقود والإيقاعات المضافة، أطلق الفقهاء
الإضافة في العقود والإيقاعات وأرادوا بها إضافة العقد أو
الإيقاع إلى وقت معيّن أو تشخّص معيّن.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۳۷۲-۳۸۷.