الإعسار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى قلّة
ذات اليد أو
العجز عن
أداء الحق.
الإعسار: من العسر، وهو
الضيق والشدّة
والصعوبة وقلّة ذات اليد.
من هنا يقال: أعسر الرجل فهو معسر، وذلك إذا ألمّ به
الفقر وضاق حاله، وأعسر
الغريم إذا طلب منه
الدين على عسرته.
ومن معانيه أيضاً صعوبة
الولادة ، يقال: أعسرت المرأة إذا صعبت ولادتها.
استعمل الإعسار عند
الفقهاء بمعنى قلّة
ذات اليد والضيق.
كما فسّر في كلام غير واحد منهم
بالعجز عن
أداء الحقّ؛ لعدم
تملّكه ما زاد على المستثنيات في الدين.
وهو
الانتقال من حالة
اليسر إلى حالة العسر، يقال: أفلس الرجل أي صار إلى حالٍ لم يبق له
مال .
قال
المحقق النجفي : «ولعلّ
العرف الآن على كون المفلس- بالكسر- أعمّ من الذاهب خيار ماله، بل هو شامل لمن لم يكن له مال من أوّل أمره إلّا الفلوس».
وقال أيضاً: «والأصل أنّ المفلس في عرف اللغة هو الذي لا مال له ولا ما يدفع به حاجته».
والفرق بينه وبين الإعسار أنّ الإفلاس لا ينفكّ عن دين، أمّا الإعسار فقد يكون عن دين أو عن قلّة ذات اليد.
وهو لغة نسبة الإفلاس إلى الشخص، واصطلاحاً: منع
الحاكم المدين من
التصرف في ماله.
وهو لغة:
المنع مطلقاً، وفي الاصطلاح منع
نفاذ تصرف قولي.
والحجر مغاير للإعسار لكن قد يبلغ الإعسار حدّ الإفلاس بمفهومه
الفقهي فيحكم الحاكم بالحجر على المفلّس.
وهو لغة:
الحاجة ، ضدّ
الغنى .
والفقير هو المحتاج، وعرّف بأنّه الذي لا شيء له.
وقيل: الفقير هو الذي له بلغة من العيش،
والمسكين الذي لا شيء له، فعلى هذا يكون المسكين أسوأ حالًا من الفقير، وقد نقل عن
الأصمعي أنّ المسكين أحسن حالًا من الفقير. وقيل بالعكس حيث نقل عن
يونس أنّ الفقير أحسن حالًا من المسكين.
والفرق بينه وبين الإعسار أنّ الفقير يطلق على من ليس عنده قوت سنته، أمّا الإعسار فقد يطلق على من عجز عن أداء دينه سواء كان غنيّاً أو فقيراً.
العسر ضدّ اليسر، وهو الضيق والشدّة والصعوبة،
كما في قوله تعالى: «سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسرٍ يُسراً».
والحرج أيضاً بمعنى الضيق والشدّة، كما في قوله تعالى: «فَلَا وَرَبِّكَ لَايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَايَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيماً».
والفرق بينه وبين الإعسار أنّ الحرج يطلق على كلّ ما تسبّب في الضيق، سواء أكان واقعاً على البدن أم على النفس.
والإعسار يطلق في مورد الدين أو قلّة ذات اليد.
الإعسار رافع
للتكليف إجمالًا من جهة
ارتفاع القدرة عليه عقلًا أو
شرعاً أو من جهة
إرفاق الشارع على العباد ورفع تكليفه عنهم دفعاً للعسر والحرج والمشقّة.
فالإعسار قد يكون بدرجة توجب عجز المكلّف عن أداء التكليف خارجاً، وهو موجب لارتفاع التكليف وسقوطه؛ لأنّ القدرة من شرائط التكليف عقلًا.
وقد لا يكون بتلك الدرجة، بل يتمكّن المكلّف معه من أداء التكليف عقلًا، كمن يتمكّن من
الحجّ متسكّعاً، إلّا أنّ الشارع اشترط في
وجوبه القدرة الحاليّة
والاستطاعة بمعنى
التمكّن من
الزاد والراحلة والرجوع إلى
الكفاية - على ما سيأتي- وقد يسمّى ذلك بالقدرة الشرعيّة، فمع الإعسار يسقط وجوب الحجّ لعدم الاستطاعة.
وقد يسبّب الإعسار سقوط التكليف من جهة أدلّة نفي العسر والحرج في
الشريعة ، كما إذا فرض توقّف
وضوئه على
شراء مال
بثمن وهو معسر لا يتمكّن من
وفائه ، فإنّه يوجب سقوط الوضوء وانتقاله إلى
التيمّم ، على ما سيأتي.
وقد يكون عدم الإعسار بعنوانه شرطاً في التكليف، كما في وجوب دفع الدين الحالّ على المدين، فإنّه مشروط باليسر وعدم العسر، كما سيأتي أيضاً.
ففي جميع هذه الموارد يكون الإعسار مؤثّراً في ارتفاع التكليف عن المعسر.
وقد يكون الإعسار موضوعاً لترتّب آثار وأحكام اخرى،
كاستحقاق الزكاة أو
انحلال النذر أو غير ذلك.
وفيما يلي نورد البحث عن ذلك إجمالًا في موردين:
تعرّض الفقهاء إلى الأحكام المرتبطة بالإعسار في تحصيل مقدّمات
الواجب في موارد مختلفة نذكرها
فيما يلي:
لو لم يجد من يريد الوضوء
والغسل الواجبين الماء وتوقّفا على شراء الماء أو
الاقتراض لتحصيله وجب ولو بأضعاف العوض مع القدرة عليه ما لم يضرّ بحاله.
وأمّا لو كان معسراً أو كان مضرّاً بحاله- كما لو أمكنه اقتراض نفس الماء أو عوضه مع
العلم أو
الظن بعدم
إمكان الوفاء- لم يجب ذلك؛ لعموم نفي الحرج المستفاد من قوله تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»،
وقوله تعالى: «مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ»،
وقوله عزّوجلّ: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسرَ»،
ولأنّ من هذا شأنه لا يكون واجداً للماء
المباح ، ولأنّه يجوز ترك
استعمال الماء لحاجته في
الشرب ،
فترك بذله أولى، وحينئذٍ يسقط عنه الوضوء أو الغسل وينتقل فرضه إلى التيمّم.
من شروط وجوب الحجّ
الاستطاعة الشرعيّة،
ولا تكفي
القدرة العقليّة عليه، والمراد بالاستطاعة الشرعيّة
التمكّن من الزاد والراحلة،
والرجوع إلى
الكفاية عند بعض.
فلو كان معسراً من هذه الناحية بأن لم يجد الزاد والراحلة لا يجب عليه الحجّ.
ولو حجّ بلا استطاعة لم يجزه عن
حجة الإسلام ، ووجب عليه
الإعادة إذا تحقّقت الاستطاعة بعد ذلك،
كما هو المشهور؛
وذلك لأنّ اللَّه تعالى علّق الوجوب على المستطيع فمع عدم الاستطاعة لا يثبت الوجوب فلا يكون
امتثالًا للوجوب حينئذٍ لفرض عدمه،
ولرواية أبي بصير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لو أنّ رجلًا معسراً أحجّه رجل كانت له حجّة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ».
نعم، يعارض ذلك جملة من النصوص:
منها: ما رواه
معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل حجّ عن غيره يجزيه ذلك عن حجّة الإسلام؟ قال: «نعم...».
ومنها: ما رواه
جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: في رجل ليس له مال حجّ عن رجل أو أحجّه غيره ثمّ أصاب مالًا هل عليه الحجّ؟ فقال: «يجزي عنهما جميعاً».
لكن
إعراض الفقهاء عن العمل بهذه
الروايات يمنع من
الاعتماد عليها.
ومقتضى
الجمع العرفي بين المجموعتين الأخذ بظاهرها، وحمل غيرها على
الاستحباب .
وكذا لو كان له
دين على معسر أو كان الدين مؤجّلًا لم يجب عليه الحجّ.
إذا استكملت شرائط
الاستطاعة فأهمل ولم يحجّ حتى فات وقت الحجّ يستقرّ الحجّ في
ذمّته ،
فإذا كان له مال وذهب، ثبت الحجّ في ذمّته ويحجّ في زمن حياته وإن ذهبت الشرائط التي لا تنتفي معها أصل القدرة،
وإن مات حجّ عنه من تركته من أصل المال.
ومعنى
الاستقرار أنّه يجب عليه حينئذٍ فعله متى تمكّن منه على
الفور ولو مشياً، بأن لا يتمكّن من الراحلة أو لم يتمكّن من الزاد إلّا
بإجارة نفسه ونحو ذلك.
يقع الإعسار في الحقوق المالية في موارد:
أحدها:
الإعسار في حقوق اللَّه تعالى المالية .
ثانيها:
الإعسار في الدين .
ثالثها:
الإعسار في غير القرض .
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۷۳-۱۰۶.