الاختيال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الاختيال هو
الكبر و
العجب.
الاختيال- وزان
افتعال-
العجب أو
التكبّر،
مشتقّ من
الخيل، و
الخول فيه لغةً. يقال: خال
الرجل يخيل إذا تكبّر.
وقيل: الخُيَلاء مشي فيه
تبختر،
أو هو التبختر والتكبّر في
المشي، ولا يكون إلّا مع سحب إزار.
لكنّ
الظاهر لدى
الرجوع إلى
الاستعمالات المختلفة للاختيال أنّ الاختيال هو أثر خاصّ
للكبر المشوب بالعجب و
الفخر و
التباهي على
الناس، ويظهر في فعل
الإنسان وقوله،
كالتمايل في
المشي، و
التصعير بالخدّ، و
النظر باستعلاء من زاوية
العين، و
التكلّم من طرف
الأنف، وسحب طرف
الرداء، ونحو ذلك. و
العرف يفرّق بينه وبين سائر مصاديق التكبّر على أساس من
المعهوديّة الذهنيّة.
فعن
ابن سلام قال: «إنّ أصله
التجبّر والتكبّر و
الاحتقار بالناس».
وعن
ابن منظور قال: «المختال:
الصلف المتباهي
الجهول الذي يأنف من ذوي قرابته إذا كانوا
فقراء، ومن جيرانه. إذا كانوا كذلك، ولا يحسن عشرتهم».
و
الفقهاء يستعملون الاختيال في معناه اللغوي، فليس لديهم
اصطلاح خاصّ فيه.
الكِبر هو نفخة
القلب الحاصلة من
رؤية الإنسان نفسه أكبر وأعظم
درجة من غيره،
والتكبّر
إظهار الكبر من خلال
آثاره أو
ظهورها على أفعال الإنسان و
أقواله.
وفرق الكبر عن الاختيال بأنّ الكبر حالة
نفسانيّة، والاختيال
صفة تظهر في فعل الإنسان وقوله، وأمّا التكبّر فهو وإن كان كذلك لكنّه
مطلق أثر الكبر، والاختيال أثر خاصّ له وللعجب كما تقدّمت
الإشارة إلى ذلك.
اسم
مصدر، معناه
استحسان المرء نفسه، وشدّة
السرور بها لصفة يراها فيها.
وفرقه عن الاختيال واضح، فإنّ الاختيال أثر خاصّ للكبر المشوب بالعجب يظهر في
فعل الإنسان.
مشية يتمايل فيها الإنسان، ويحرّك يديه
يميناً و
شمالًا، وتكشف عن كبر وعجب و
اعتداد بالنفس في
الغالب.
وفرقه عن الاختيال: أنّ التبختر هو أحد مظاهر الاختيال، والاختيال يتحقّق به وبغيره.
هو التبختر ومدّ
اليدين في المشي وغيره،
ويكشف عن
ارتياح نفس وعدم
مبالاة، وفرقه عن الاختيال واضح.
الاختيال
مذموم مبغوض إلى اللَّه سبحانه وتعالى، بل يكون
حراماً حيث يكشف عن كبَر في
النفس وتعالٍ على
المسلمين الذين أعزّهم اللَّه وصان
كرامتهم عن
التعرّض و
الامتهان. وبهذا
المعنى وردت
الآيات والروايات الكثيرة، وبه أفتى بعض
فقهائنا.
قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا
فَخُوراً».
وقال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا وإنّ اللَّه عزّ وجلّ حرّم على
المنّان والمختال...
الجنّة».
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «
ثلاثة لا يكلّمهم اللَّه، ولا ينظر إليهم يوم
القيامة، ولا يزكّيهم، ولهم
عذاب أليم:
شيخ زانٍ، وملك
جبّار، ومقلّ مختال».
وفي آخر: «فقير مختال».
وفي ثالث: «
صعلوك».
وفي رابع: «رجل مفلس فرِح مختال».
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً قال: «ويل لمن يختال في
الأرض يعاند جبّار
السماوات والأرض».
وعن
أبي بصير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «ثلاث إذا كنّ في الرجل فلا تتحرّج أن تقول إنّها في
جهنّم:
البذاء و
الخيلاء و
الفخر».
فأمّا إذا خلا الاختيال عن الكبر والعجب و
التعالي كما لو كان
لعادةٍ أو
تقليداً لفعل
الغير أو غير ذلك فلا يكون حراماً. نعم، قد يكون
مكروهاً.
وفتاوى الفقهاء في الموارد الخاصّة
الآتية كلّها تؤكّد هذا المعنى.
للاختيال
مظاهر كثيرة، منها: الاختيال في المشي، والاختيال في
اللباس، والاختيال في
الركوب، وغير ذلك. وقد تعرّض الفقهاء في
كلماتهم لبعض هذه المظاهر، كما تناولت
الروايات مضافاً إلى الآيات بعضاً آخر منها، فنحن نستعرض ما جاء فيها كما يلي:
المشي قد يكون
معتدلًا كمّاً وكيفاً، وقد يخرج عن حدّ
الاعتدال كمّاً
بالسرعة و
البطء، أو كيفاً
بالترنّح والتمايل إلى
الجانبين، وفجّ
الفخذين، و
تشمير اليدين وهو ما يدعى بالتبختر، و
النعثلة.
وقد وردت أكثر الآيات والروايات بذمّه، و
القدح فيه.
قال اللَّه تعالى: «وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ
مَرَحاً».
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «من مشى في الأرض اختيالًا لعنته الأرض، ومن تحتها، ومن فوقها».
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «من تعظّم في نفسه واختال في مشيته لقي اللَّه وهو عليه
غضبان».
وعن
الإمام الرضا عن أبيه عن
جعفر بن محمّد عليهم السلام قال: «إنّ اللَّه تبارك وتعالى ليبغض
البيت اللحم، واللحم
السمين»، فقال له بعض أصحابنا: يا ابن رسول اللَّه! إنّا لنحبّ
اللحم وما تخلو
بيوتنا عنه فكيف ذلك؟ فقال: «ليس حيث تذهب، إنّما البيت اللحم الذي تؤكل لحوم الناس فيه
بالغيبة، وأمّا اللحم السمين فهو المتجبّر المتكبّر المختال في
مشيته».
ومن هذه
الأدلّة وغيرها استفاد بعض الفقهاء حرمة التبختر والاختيال في المشي.
قال
المحقّق الأردبيلي في تفسير قوله تعالى: «وَ عِبادُ
الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْناً»
: «هو السكينة والوقار والتواضع، قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «هو الرجل يمشي
بسجيّته التي جُبل عليها، لا يتكلّف، ولا يتبختر...»
فيدلّ على
مرجوحيّة التبختر وغيره ممّا ينافي
الهون بالمفهوم، بل هو حرام على بعض
الوجوه؛ لما تقدّم: «وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً»...».
لكنّ استفادة
الحرمة من هذه الأدلّة - من دون تكبّر وعُجب وفخر على المسلمين ينشأ منه الاختيال-
مشكلٌ، كما مرّ، لكنّه يكون كذلك
غالباً؛ ولذلك قال المحدّث
عبد اللَّه الجزائري في ذلك:
«ولا يختال في مشيه بهزّ
الأطراف والتبختر، فهو من آثار
ذميمة الكبر، وقد ورد
النهي عنه بالخصوص في قوله تعالى:
«وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً»... و
المرح هو الاختيال».
ويؤيّده
استثناء بعض الروايات له من الحكم بالحرمة في حال
الحرب.
إذ روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قوله حين رأى
أبا دجانة الأنصاري يختال بين الصفّين: «إنّ هذه لمشية يبغضها اللَّه عزّ وجلّ إلّا عند
القتال في سبيل اللَّه».
واستشهد به الفقهاء في بعض الموارد.
وقد يختال الإنسان بما يلبسه أيضاً حيث يكون ذلك داعٍ إليه من
جودة في نوع
القماش، أو
جمال في لونه، أو
حسن في
هيئته، أو غير ذلك، حيث ورد النهي عنه في الروايات أيضاً:
فعن الإمام الصادق عن
آبائه عليهم السلام- في حديث
المناهي- قال: «ونهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يختال الرجل في مشيه، وقال: من لبس
ثوباً، فاختال فيه خسف اللَّه به من
شفير جهنّم، وكان قرين
قارون؛ لأنّه أوّل من اختال فخسف اللَّه به وبداره الأرض، ومن اختال فقد نازع اللَّه في
جبروته».
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال في آخر
خطبة خطبها: «ومن لبس ثوباً، فاختال فيه خسف اللَّه به من شفير جهنّم يتخلخل فيها ما دامت السماوات والأرض، وأنّ قارون لبس
حلّة فاختال فيها فخسف به، فهو يتخلخل إلى يوم القيامة».
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال أيضاً: «من جرّ
شيئاً خيلاء لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة».
وعدّه
كاشف الغطاء من اللباس
المحرّم.
لكنّه عدّ ما فيه أثر الخيلاء ولم يبلغ حدّ
الحظر من مكروهاته.
وهذا يعني أنّ مطلق لبس ما فيه أثر الخيلاء لا يكون حراماً، بل فيه ما يكون مكروهاً، فالحكم يختلف بحسب
مراتب الكبر والخيلاء عنده.
ولا يختصّ
المنع من الاختيال في اللباس بلبس
الثياب، بل يعمُّ كلّ ملبوس حتّى
النعل، فعن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه نظر إلى بعض أصحابه وعليه نعل سوداء فقال:
«ما لك وللنعل
السوداء؟! أما علمت أنّها تضرّ
بالبصر، وترخي
الذكر، وهي بأغلى
الثمن من غيرها، وما لبسها أحد إلّا اختال فيها».
وفي غيره عدّها من لباس الجبّارين.
ولا ينبغي للإنسان أن يختال بما يركبه أيضاً، فعن عبد اللَّه بن عطاء قال: أرسل أبو عبد اللَّه عليه السلام، وقد اسرج له
بغل و
حمار، فقال لي: «هل لك أن تركب معنا إلى
مالنا؟» قلت: نعم، قال: «أيّهما أحبُّ إليك؟» قلت: الحمار، فقال: «الحمار
أرفقهما لي»، قال: فركبتُ البغل، وركب الحمار، ثمّ سرنا، فبينما هو يحدّثنا إذ انكبّ على
السرج مليّاً، ثمّ رفع رأسه، فقلت: ما أرى السرج إلّا وقد ضاق عنك، فلو تحوّلت على البغل، فقال: «كلّا، ولكنّ الحمار اختال، فصنعتُ كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ركب حماراً يقال له:
عفير، فاختال، فوضع
رأسه على
القربوس ما شاء
اللَّه، ثمّ رفع رأسه، فقال: يا ربِّ هذا عمل عفير ليس هو
عملي»،
فإنّه يدلّ على كراهية الاختيال إن لم يدلّ على حرمته ووجوب
الاستغفار منه.
تقدّم في الاختيال حال المشي التعرّض لرواية مشي
أبي دجانة متبختراً بين الصفّين، وما قاله رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك حيث نفى
بغض اللَّه سبحانه وتعالى هذه
المشية في حال الحرب.
و
ظاهره جواز المشي اختيالًا في الحرب؛ لخلوّه عن كبر
الذات، و
التطاول على المسلمين كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك فيما سبق.
وعدّاه بعض فقهائنا- بمقتضى
العلّة- إلى غير المشي.
قال
العلّامة الحلّي في
تعليل جواز لبس
الحرير للرجال حال الحرب: «لأنّ المنع من لبسه لأجل ما فيه من الخيلاء، وهو غير مذموم في الحرب، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم...»،
وساق قوله في أبي دجانة.
ونحوه قوله في
التذكرة،
وقول الشهيد في
الذكرى.
بل إنّ البعض استفاد منه
المدح.
قال
الشيخ الطوسي: «قوله: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا» فالمختال: الصلف
التيّاه، والاختيال هو التطاول. وإنّما ذكره اللَّه هاهنا وذمّه؛ لأنّه أراد بذلك من يختال، فيأنف من
قراباته و
جيرانه إذا كانوا فقراء؛ لكبره وتطاوله. فأمّا الاختيال في الحرب فممدوح؛ لأنّ في ذلك تطاولًا على
العدوّ، و
استخفافاً به».
وقد يحصل الاختيال من امور اخرى
كعيادة شخص كبير له كما روي عن
عليّ عليه السلام حيث عاد
صعصعة في مرضه، فقال له: «لا تجعل عيادتي لك فخراً على
قومك؛ ف إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ»».
وقد يحصل من حلّ
مسألة معضلة أو غير ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۴۱۳-۴۱۹.