الاسترداد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
طلب رد الشيء.
الاسترداد-
لغة - طلب الردّ، يقال: استردّ الشيء، إذا طلب ردّه عليه.
واستعمله
الفقهاء في
المعنى اللغوي نفسه، وقد يعبّر عنه
بالاستعادة والانتزاع .
هو
صرف الشيء
ورجعه ،
والردّ كما قد يحصل ممّن طلب منه الردّ كذلك قد يحصل من الشخص من دون أن يطلب منه ذلك.
وهما طلب الرجوع، يقال: استرجع منه الشيء، إذا طلب منه رجوعه. ورجع في
هبته ، إذا أعادها إلى
ملكه واسترجعها وارتجعها كذلك.
واستعمل الفقهاء
الاسترجاع والارتجاع بهذا المعنى، وقد يعبّر عنهما بالاسترداد.
وقد يأتي الاسترجاع بمعنى قول: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.
وقد يستعمل الرجوع ويراد به
الفسخ والنقض ، فالرجوع في الهبة يكون بمعنى فسخ الهبة ونقضها.
الاسترداد من التصرّفات التي يختلف حكمها، فهو قد يكون
مباحاً ، كاسترداد
المالك - الذي هو
أهل للتصرّف- ماله الذي استولى عليه الغير بغير حقّ، وكذا استرداد ما قبض بالبيع الفاسد، فيجوز للبائع استرداد المثمن كما يجوز للمشتري استرداد الثمن، ومثله الاسترداد في العقود الجائزة كالوديعة والعارية.
وقد يكون الاسترداد
واجباً كاسترداد
الولي ما يملكه المولّى عليه من
الغاصب ، ومثله استرداد المتولّي
للمال الموقوف من الغاصب، ويجب الاسترداد أيضاً فيما إذا توقّف عليه فعل واجب.
وقد يكون الاسترداد
مستحبّاً كما إذا كان مقدّمةً لفعل مستحبّ.
وقد يكون
محرّماً كاسترداد
الصدقة والرجوع فيها بعد
القبض عند بعض
الفقهاء ،
خلافاً لمن قال
بكراهته .
يثبت للمالك- إن كان أهلًا للتصرّف- حقّ استرداد ما يستحقه ممّن كانت يده عليه، ويثبت هذا الحقّ لغير المالك أيضاً إذا قام مقامه
كالوكيل والوصي .
وكذلك يثبت للولي فإنّه يقوم مقام المالك
المحجور عليه-
كالصبي - في استرداد ماله، ولا يثبت حينئذٍ حقّ الاسترداد للمالك بل يثبت لوليّه فقط، فيجب على من بيده المال ردّه إلى الولي لا إلى المالك، فلو ردّه إليه لم يرتفع منه
الضمان .
ويثبت أيضاً لمتولّي الوقف حقّ استرداد المال الموقوف ممّن استولى عليه عدواناً، وإن لم يكن له متولٍّ خاصّ
فللحاكم الشرعي استرداده.
وله أيضاً حقّ استرداد مال من لا وليّ له، وكذا الأموال العامّة التي غصبها الغاصب
كالأنفال والخراج .
وللإمام أن يقطع آحاد الناس قطائع من
الموات ، وهو يفيد
الاختصاص لا
التملّك ، فإن أحياه المقطع ملكه
بالإحياء ، وإلّا كان أولى من غيره
بالإقطاع . ثمّ إن أحياه ملكه وإلّا كان للإمام استرجاعه.
يثبت حقّ الاسترداد بعدّة أسباب، أهمّها ما يلي:
من ملك شيئاً ثمّ خرج من يده عدواناً
وظلماً فله أن يستردّه من المتعدّي، فللمغصوب منه
والمسروق منه حقّ استرداد مالهما، كما يجب على الغاصب والسارق ردّهما إلى المالك.
إذا كان
العقد الواقع على المال عقداً جائزاً إمّا حكماً
كالوديعة والعارية والوكالة ، وإمّا حقّاً وهو العقد الذي يدخله
الخيار كخيار الشرط والغبن والعيب ، فعند
فسخ العقد يثبت للمالك حقّ الاسترداد، فإذا باع أحد- مثلًا- ماله بأقلّ من
قيمة المثل أو اشترى شيئاً بأكثر من قيمة المثل مع
الجهل بالقيمة فللمغبون حقّ الفسخ، فإذا فسخ ثبت له حقّ استرداد المثمن أو
الثمن .
يثبت حقّ الاسترداد لطرفي العقد بعد
إقالته ، وهي فسخ العقد من أحد المتعاملين بعد طلبه ذلك من الآخر.
إذا باع أحد شيئاً
ببيع فاسد فقبضه
المشتري فللبائع استرداده، كما يجب على المشتري ردّه إلى البائع بعد طلب الردّ وعدم رضاه بالتصرّف فيه، وكذا الحكم في الثمن إذا قبضه البائع.
ومثل البيع في هذا الحكم بقيّة العقود الفاسدة.
إذا باع
الفضولي مال الغير فلم يُجز المالك بيعه فللمالك استرداد
العين من البائع الفضولي إن كانت في يده، وإن كان الفضولي قد دفعها إلى المشتري جاز له
الرجوع إلى كلّ من البائع والمشتري، وإن كانت
تالفةً رجع على البائع إن لم يدفعها إلى المشتري أو على أحدهما إن دفعها إليه بمثلها إن كانت مثليّة، وبقيمتها إن كانت قيميّة.
وحكم سائر العقود التي تجري فيها الفضوليّة حكم
البيع الفضولي .
يثبت حقّ الاسترداد عند
انقضاء مدّة العقد في العقود المقيّدة بالمدّة كما في عقد
الإجارة ، فإذا انقضت مدّتها فللمؤجر حقّ استرداد ما آجره.
وعلى هذا فمن استأجر أرضاً لبعض
المنافع المقصودة مدّة معيّنة فغرس فيها أو زرع ما يحتاج في إدراكه إلى مدّة أطول من مدّة الإجارة فانقضت مدّة الإجارة جاز للمؤجر- وهو مالك الأرض- أن يأمر المستأجر بقلع ما غرس أو زرع في الأرض.
وكذلك إذا استأجر الأرض
للغرس أو
الزرع مدّة معيّنة وغرس فيها أو زرع ما لا يدرك في تلك المدّة التي عيّنها في الإجارة، كما إذا استأجرها للغرس مدّة
سنتين فغرس فيها
شجراً أو
نخيلًا لا يثمر إلّا بعد ستّ سنين أو أكثر، وكذا إذا استأجرها
للزراعة فيها مدّة
شهرين وزرع فيها ما لا يبلغ أوان قطعه أو جزّه إلّا بعد ثلاثة أشهر، فإذا انقضت مدّة الإجارة جاز للمالك أن يأمر المستأجر بقلع ما غرس أو زرع، ولا يجوز للمستأجر أن يبقي غرسه أو زرعه ثابتاً في الأرض إلّا
بإذن المالك ورضاه وإن
بذل اجرة المثل للمدّة التي يبقى فيها الغرس والزرع ثابتاً في الأرض، وليس له مطالبة المالك
بأرش الشجر أو الزرع إذا قلعه.
وكذا لو انقضت المدّة المعيّنة في
المزارعة ولم يدرك الزرع لم يستحقّ الزارع
إبقاءه ولو بالاجرة، بل للمالك الأمر بإزالته من دون أرش، وله إبقاؤه
مجّاناً أو مع الاجرة إن رضي الزارع بها.
لو وجد
الغريم في أموال المفلّس عين ماله الذي اشتراه منه المفلّس وكان ثمنه في
ذمّته كان الغريم مخيّراً بين
فسخ البيع وأخذ عين ماله، وبين الضرب مع الغرماء بالثمن، ولو لم يكن له مال سواها.
ونحو ذلك ما إذا أفلس المستأجر بالاجرة فإنّ للمؤجر
الخيار بين الفسخ واسترداد العين، وبين الضرب مع
الغرماء .
غريم
الميّت كغريم المفلّس فإن وجد عين ماله في
تركته كان له الرجوع إليه لكن مع
وفاء ما تركه
بدين الغرماء، وإلّا فليس له الرجوع، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم وإن كان الميّت قد مات محجوراً عليه.
إذا بلغ المحجور عليه وصار
رشيداً كان له الرجوع إلى وليّه لاسترداد ماله كما يجب على
وليّه تسليم ماله إليه، فلو امتنع منه كان
ضامناً .
إذا أدّى الراهن دينه إلى المرتهن أو فرغت ذمّته منه
بإبراء أو
مصالحة أو
هبة أو غيرها فله استرداد المرهون
وانتزاعه من المرتهن، وكذا له أن يتصرّف فيه تصرّفاً آخر غير الاسترداد. ونحو ذلك ما إذا سقط حقّ المرتهن من
الارتهان ، فإنّ للراهن أيضاً أخذ المرهون والتصرّف فيه.
إذا وجبت
الدية في
الجناية على منافع
الأعضاء ثمّ عادت إلى حالتها السابقة فهل للجاني حقّ استرداد الدية؟
فيه خلاف بين
الفقهاء ، فقد جزم بعضهم بثبوت حقّ استرداد الدية وجواز استعادتها في بعض المنافع
كالنطق والذوق،
كما جزم بعدم الاستعادة في
السمع والبصر ،
وتأمّل في الاستعادة في موردي
العقل والشمّ .
وهناك تفصيل في المسألة في بعض المنافع بين ما إذا كان
العود كاشفاً عن أنّ ذهابه كان
عارضيّاً لا
واقعيّاً وبين ما إذا ذهب واقعاً، فعلى الأوّل تستعاد الدية دون الثاني.
وتفصيل البحث في المسألة موكول إلى محلّه.
يمتنع الاسترداد لعدّة أسباب، منها:
لو سقط حقّ
الخيار بأحد مسقطاته أصبح
العقد لازماً وسقط به حقّ استرداد العين، وكذا
الضمان بالمثل
والقيمة . وتفصيل البحث في الخيارات ومسقطاتها في محلّه.
قد يكون تعذّر الاسترداد بسبب
تلف العين، وهو قد يوجب سقوط حقّ الاسترداد مع سقوط الضمان بالمثل والقيمة كما إذا كان
المال أمانةً مثل ما بيد
الوكيل وعامل
القراض وكالعين المستعارة
والوديعة ، فحينئذٍ لا يبقى للمالك حقّ الاسترداد، كما لا يضمن من كان بيده المال بالمثل ولا بالقيمة، ونحوه ما إذا تلفت عين الموهوب كلّها أو بعضها بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها
عرفاً .
وقد لا يوجب التلف سقوط الضمان بل تشتغل ذمّة من كان بيده المال بالمثل أو القيمة، كما في المال المغصوب وما بحكمه كالمقبوض بالعقد الفاسد والمقبوض بالسوم قبل ردّه إلى المالك فإنّ الغاصب ومن بحكمه يضمن بالمثل إن كان المال مثليّاً وبالقيمة إن كان قيميّاً.
وقد يكون تعذّر استرداد العين بسبب إتلاف من بيده المال، وذلك قد يوجب سقوط حقّ الاسترداد للمالك مع سقوط ضمان من بيده المال كما إذا أتلف الموهوب له الموهوب، وكذا إذا أتلف المغصوب منه المال المغصوب مع علمه بأنّه ماله. ومن هنا قالوا: إنّ
الغاصب إذا أطعم المغصوب منه
الطعام المغصوب فأكله عالماً بأنّه طعامه برئت ذمّته من الضمان.
وقد لا يوجب الإتلاف سقوط الضمان كما لو أطعم الغاصب المالك طعامه المغصوب مع جهله بأنّه طعامه فلا يسقط بذلك ضمان الغاصب.
قد يكون
القبض سبباً لسقوط حقّ الرجوع واسترداد عين المال كما في
الهبة لذي رحم، فإذا تمّت الهبة بالقبض لم يكن للواهب الرجوع في هبته، وأمّا قبل القبض فله الرجوع في هبته واسترداد الموهوب.
وأمّا الهبة
للأجنبي فما يسقط حقّ الرجوع فيها إنّما هو تلف العين، وأمّا إذا كانت باقية فللواهب الرجوع ولو بعد القبض.
وفي الهبة
مانعان آخران من الرجوع:
أحدهما: كون الهبة معوّضة، فإذا عوّض المتّهب عن الهبة شيئاً ولو كان يسيراً فلا رجوع فيها. والآخر:
قصد القربة إلى اللَّه تعالى.
ثمّ إنّه مع سقوط حقّ الاسترداد بالقبض أو
التعويض أو قصد القربة لا يضمن المتّهب شيئاً لا المثل ولا القيمة.
التغيير في
المال قد يكون مانعاً من الاسترداد كما في الهبة، فإنّ تغيير العين الموهوبة إذا كان بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها فليس للواهب حينئذٍ الرجوع في هبته واسترداد الموهوب.
ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان التغيير بفعل من بيده المال أو بغير ذلك. وعليه فلا تستردّ
الحنطة التي
طحنها أو
الدقيق الذي خبزه أو
الثوب الذي صبغه أو خاطه.
وأمّا التغيير الذي يصدق معه قيام العين بعينها فلا يمنع من الاسترداد كالثوب الذي لبسه
والفراش الذي فرشه
والدابّة التي ركبها أو علفها.
وقد لا يكون التغيير مانعاً من الاسترداد مطلقاً كما في
الغصب ونحوه من
المعاملة الفاسدة، أو ما وضع عليه
جهلًا وخطأً كما إذا لبس
حذاء الغير أو ثوبه خطأً، أو أخذ شيئاً من سارق
عاريةً باعتقاد أنّه ماله وغير ذلك.
وهناك تفصيل واسع فيما إذا تغيّر المغصوب بزيادة أو نقيصة، وكذا إذا تغيّر بفعل الغاصب أو غيره، وهو موكول إلى محلّه.
إذا زال المانع من الاسترداد يعود حقّ الاسترداد لمن كان ثابتاً له هذا الحقّ، كما إذا كان التعذّر مانعاً من الاسترداد فزال وصار ممكناً فيستردّ ذلك المال، وعليه فالمال المغصوب الذي تعذّر دفعه فدفع الغاصب
بدله ثمّ زال المانع فللمغصوب منه حقّ استرداد عين ماله المغصوب،
كما أنّ للغاصب حقّ استرداد البدل،
وكذلك في المقبوض
بالبيع الفاسد، فإذا ارتفع تعذّر دفع العين ثمّ صار ممكناً وجب
ردّها إلى
مالكها .
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۳۲۲-۳۲۹.