الإقالة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإقالة (توضيح) .
وهو بمعنى رفع
العقد و إلغاء
حكمه بتراضي الطرفين.
تستخدم الإقالة لغةً بمعنى
القيلولة ، وهي
نومة نصف النهار.
وتشتقّ حينئذٍ من قيل.
وقال بعضهم: القيلولة بمعنى
الاستراحة نصف النهار، وإن لم يكن فيها نوم، كما في قوله تعالى: «أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلًا»،
فإنّ «مَقِيلًا» هنا معناه محلّ الاستراحة؛ إذ ليس في
الجنّة نوم.
ووفقاً لهذا
الاستخدام تكون الإقالة في
البيع بمعنى جعل الطرف الآخر في راحة، أي أنّه أراحه في
فسخ العقد .
كما تأتي الإقالة أيضاً بمعنى
الرفع والإزالة ، يقال: أقالَ اللَّهُ عثرتَك، أي رَفَعَك من سقوطك.
وتكون الإقالة- على هذا المعنى- في البيع؛ على أساس أنّها رفع للعقد وإزالته.
وتقايل البيّعان تقايلًا: تفاسخا.
فسخ العقد من قبل أحد المتعاملين بعد
طلبه من الآخر،
وقد صرّح بعضهم بتوقّف الإقالة على
تراضي الطرفين بالفسخ.
أمّا الإقالة بمعنى القيلولة فيتحدّث عنها
الفقهاء بلفظ قيلولة، وتراجع في مصطلح (قيلولة).
وهو- لغةً- اسم مصدر من
الاختيار ، بمعنى طلب الخير من أيّ شيء.
وفي
الفقه : هو اختيار فسخ العقد
كخيار المجلس والحيوان وغيرهما.
والفرق بين الفسخ والإقالة:
أ- إنّ
الخيار وحقّ الفسخ حقّ
شرعي ثابت لذي الخيار، بحيث يكون الطرف الآخر ملزماً
بالقبول ، ولا يتوقّف على
رضاه ، وهو قابل
للإسقاط .
وهذا بخلاف الإقالة فإنّها حكم شرعي،
بمعنى أنّه يجوز لكلّ من المتعاقدين فسخ العقد الواقع بينهما ورفعه مع التراضي لكن من دون أن يكون الطرف الآخر ملزماً بالقبول؛ إذ هو متوقّف على رضاه وغير قابل للإسقاط
كالجواز في
العقود الجائزة .
ب- إنّ الخيار إنّما يثبت لذي الخيار بسبب خاصّ، كالمجلس والحيوان والشرط وغير ذلك، بخلاف الإقالة فإنّها تجوز بالتراضي من الطرفين مهما كانت الأسباب.
ج- ذكر بعض الفقهاء أنّ الإقالة فسخ من الطرفين، أمّا الفسخ بالخيار فهو فسخ من طرف واحد، وهو المالك للخيار.
د- ذكر بعض الفقهاء- كما سوف يأتي- أنّه يجوز
التبعيض في الإقالة،
فتجوز في نصف المبيع، بخلاف الخيار فإنّه لا يجوز فيه التبعيض.
ونتيجةً للفرق بين الإقالة والفسخ عندهم، ودليلًا كذلك، ذكروا أنّ الفسخ يجري في
النكاح دون الإقالة، وبعد سقوط تمام الخيارات تجري الإقالة في البيع دون الفسخ.
وهو فسخ كلّ من المتعاقدين العقد الواقع بينهما،
سواء كان بالإقالة أم بغيرها؛ بأن كان ذلك- مثلًا- هو مقتضى العقد لكونه من العقود الجائزة
كالمضاربة ، فإنّها عقد جائز من الطرفين- المالك
لرأس المال والعامل الذي يتّجر بالمال- فيجوز لكلّ منهما فسخه، سواء نضّ المال- بأن صار نقداً- أو كان به عروض،
وحينئذٍ يكون التفاسخ أعمّ من الإقالة.
وهو
النقض ، وفسخ العقد:
رفعه
برفع اليد عن
الالتزام به، فيرجع كلّ من العوضين إلى صاحبه الذي كان قبل العقد.
والفرق بينه وبين الإقالة: أنّ الإقالة أخصّ منه؛ لأنّ الفسخ قد يكون بالإقالة وقد يكون بالخيار، فإنّه في الأخير تكفي في
صحّته إرادة الفاسخ وإن لم يرضَ الطرف الآخر.
حقيقة الإقالة هي فسخ العقد بتراضي الطرفين ونقضه من حين الإقالة بعد وقوعه، وليست بيعاً ولا
معاوضة جديدة، وقد ادّعي
الإجماع على ذلك،
سواء في حقّ المتعاقدين أو غيرهما
كالشفيع ، وسواء كان قبل
القبض أو بعده،
وسواء وقعت بلفظ الفسخ أو الإقالة.
ويمكن
الاستدلال على ذلك
بالسيرة العقلائية في باب الإقالة، فإنّها تراها
فسخاً للعقد وحلّاً له وليست تأسيس عقد جديد كما هو المتبادر من لفظها،
والشارع قد أمضى هذه السيرة العقلائية ولم يردع عنها جزماً، بل في جملة من
الروايات ما يدلّ صراحةً على قبول الشارع بالإقالة وآثارها بنفس المضمون والمعنى العقلائي لها.
وحيث تردّد أمر الإقالة في
الفقه السني والشيعي في الغالب بين كونها فسخاً للعقد أو عقداً جديداً- أي بيعاً- لهذا حاول
الفقهاء النقض على افتراض كونها بيعاً كما ذهب إليه بعض فقهاء الجمهور، وجعلوا ذلك دليلًا على كونها فسخاً، من هنا استدلوا بأنّها لو كانت بيعاً لجاز أن يكون للمتبايعين تغيير
الثمن بنقصه وزيادته أو
تأجيله وتعجيله ، وذلك على خلاف
الإجماع .
وبأنّها لو كانت بيعاً لما صحّت في السلم؛ لأنّ البيع لا يجوز في
السلم قبل القبض.
وبأنّها لو كانت بيعاً لما صحّت فيما إذا اشترى رجل عبدين فمات أحدهما؛ لأنّه لا يصحّ بيع
الميّت مع الحيّ.
وكذلك تصحّ الإقالة بعد تلف العينين؛ فلو كانت بيعاً جديداً لما كانت صحيحة.
ولهذا لا يشترط فيها شرائط عقد البيع من الإيجاب والقبول والمقارنة وغيرها.
بل قال بعضهم: قد يمنع كون الإقالة من العقود المصطلحة، فضلًا عن أن تكون بيعاً؛ ولذا لم يصرّح الأكثر- إن لم يكن الجميع- بكونها عقداً، بل اقتصروا على أنّها فسخ. ثمّ استشهد لذلك بإطلاق بعضهم وقوعها بقول: (تقايلنا) و (تفاسخنا) الشامل لصورة التقارن، بل صرّح آخر بوقوعها بذلك مع التقارن، فلو كانت عقداً لوجب تقديم
الإيجاب على القبول.
وتشترك الإقالة مع العقود في وقوعها بتراضي الطرفين، إلّا أنّ المنشأ فيها ليس هو الالتزام بشيء، بل على العكس هي فكّ الالتزام الحاصل بالعقد،
من هنا لم يعتبروها
عقداً ، بل رفعٌ للعقد.
كما قرّب بيان كونها فكّاً للالتزام لا إيجاداً له بأنّ العقود المعاوضية تجعل كل واحد من المتعاملين
مالكاً لالتزام الآخر بالعقد، والإقالة ليست سوى رفع المقيل يده عمّا يملكه من الالتزام عند الآخر؛ ولهذا لا تكون تأسيساً لالتزام بل إسقاط له وتخلٍّ عنه.
وفي مقابل ما ذكرناه كلّه، ذهب بعض فقهاء الجمهور إلى أنّ الإقالة بيع في الجملة، ولا يظهر من فقهائنا ذلك إلّا في بعض الكلمات القليلة التي يمكن أن تكون سهواً،
فالسيّد العاملي عدّها من العقود مع أنّه نقل الإجماع على كونها فسخاً.
نعم، ذكر
السيد الحكيم أنّ الإقالة من العقود؛ معلّلًا بذلك لزوم تراضي الطرفين فيها.
والسيد الخوئي له عبارة شبيهة،
اللهمّ إلّا أن يكون مرادهما الحاجة لطرفين متراضيين في صحّة الإقالة، ولا يصحّ من طرف واحد، أي ليست
إيقاعاً .
لا ريب في مشروعيّة الإقالة، بل رجحانها في حقّ
النادم المسلم ،
وأنّه يستحبّ أن يقيل من استقاله.
ويمكن
الاستناد إلى عدّة أدلّة
لإثبات مشروعية الإقالة، وهي:
۱-
الاعتماد على
البناء العقلائي والسيرة المتشرعية ، والإجماع
أو الضرورة الفقهية. ولعلّه لهذا عدّها بعض الفقهاء من الامور المركوزة عقلًا
ونقلًا .
۲- ما حاوله
الميرزا النائيني من تخريج المشروعية هنا على مقتضى القاعدة، حيث اعتبر أنّ اللزوم الموجود في العقود ليس حكماً تعبدياً صرفاً، بل هو- بمناسبة الحكم والموضوع- حقٌّ مالكي، وهذا معناه أنّه إذا استقال شخص شخصاً فله الإقالة بلا حاجة إلى إطلاقات أدلّة الإقالة نفسها؛ لأنّ
وجوب الوفاء بالعقد عندما يكون حقّاً مالكياً يقتضي- على مستوى القاعدة- جريان الإقالة ومشروعيتها في كل عقد لازم، ويشهد لذلك
المعاهدات بين الدول، وما ذكره
الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام لأنصارهما من جعلهم في حلّ من البيعة، فإنّ هذه البيعة وإن لم تكن بالتي يمكن الخروج من عهدتها إلّا أنّ فعلهما عليهما السلام يشير إلى النكتة المركوزة في الأذهان والتي تعطي الحق المالكي المساوق لإمكان الإقالة.
لكن يظهر من
المحقق الأصفهاني وغيره كون الإقالة ومشروعيتها على خلاف القاعدة،
وكأنّهم لم يرضوا بالتقريب الذي أشار إليه
الميرزا النائيني .
۳- ما يفهم من كلمات
الشيخ الأنصاري ، وهو أنّ دليل سلطنة الناس على أموالهم يعطي المشروعية للإقالة؛
لأنّ الإقالة شكل من أشكال السلطنة التي تعطى للمقيل ليردّ ما بيده وليعيد ما كان بيده إليها.
لكنّ
المحقق الأصفهاني رفض شمول دليل السلطنة لما نحن فيه؛ لعدم صدق ردّ ماله في الإقالة؛ لأنّ هذا المال صار متعلّقاً بالغير، فإنّ
الملكية نحو إضافة تتشخص بتشخص أطرافها، فلا ينسب المال لزيد بعد ملكية عمرو له.
واجيب عنه بأنّ الإقالة إن لم تكن فسخاً- كما هو المفروض- فهي ترادّ اعتباري برضا الطرفين، فالبائع يردّ ما هو ملكه فعلًا إلى ملك
المشتري ، والمشتري كذلك، فلكلّ منهما سلطنة على ردّ ملكه اعتباراً، فالإقالة
كالبيع في ذلك ولا معنى لتعلّق السلطنة على الرد الاعتباري بملك الغير، بل حتى لو كان كذلك فهو من شؤون سلطنة الراضي على ماله.
۴- وقد استدلّ
للمشروعية
والاستحباب أيضاً
بخبر هارون بن حمزة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «أيُّما عبدٍ أقال مسلماً في بيع، أقاله اللَّه (تعالى) عثرتَه يوم
القيامة »،
وغيره من الأخبار،
وفي بعضها استحبابها في حقّ كلّ نادم.
۵- دعوى أنّ الإقالة تستلزم
قضاء الحاجة ،
وإدخال السرور في القلب، فيحوز فاعلها
الثواب .
وهذا ما يثبت استحبابها فضلًا عن مشروعيتها.
وقد يكون هذا الدليل مثبتاً للاستحباب بعد الفراغ عن أصل المشروعية والصحّة والنفوذ، وإلّا فمجرّد ذلك لا ينفع في مجال
الحكم الوضعي إلّا مع
قرائن حافّة.
ولأدلّة المشروعية والاستحباب المتقدّمة أطلق بعضهم استحباب الإقالة من دون فرق بين النادم وغيره، بل استظهر استحباب إقالة النادم بمجرّد فهم ندمه وإن لم يطلب الإقالة.
ولا فرق في المستقيل بين البائع والمشتري.
وقد ظهر بما تقدّم أن الإقالة- سواء كان دليلها البناء العقلائي أو النصوص أو القواعد- مقدّمة على
استصحاب بقاء المال على ملك مالكه، كما ذكر
السيد الحكيم .
تنعقد الإقالة بكلّ ما دلّ على المعنى المقصود عند أهل المحاورة، ولو كان بقول كلّ من المتعاقدين: (تقايلنا) أو (تفاسخنا) معاً، أو متلاحقين من غير فصل معتدّ به، أو يقول أحدهما: (أقلتك) فيقبل الآخر، أو كان بلفظ الفسخ.
ولا يشترط فيها العربية، بل يقع بغيرها أيضاً من سائر اللغات.
وأمّا إيقاعها بلفظ البيع فقد استشكل في ذلك بعضهم.
ولو التمسها أحد المتعاقدين، فقال الآخر: (أقلتك)، فقد ذكر بعض أنّه لا يكفي ذلك عن قبوله أو عن إيجابه.
واحتمل آخر
قيامه مقام القبول.
هذا كلّه على مستوى
الانعقاد بالصيغة اللفظية، أمّا الأفعال التي يقصد بها الفسخ والتي تكون دالّة عليه فقد احتمل بعضهم
الاجتزاء بها؛
نظراً إلى كون المدار فيها على ما يدلّ على
طيب النفس بالفسخ،
كما يشعر به خبر
هذيل بن صدقة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام حيث سأله عن جواز
ردّ المتاع الذي اشتراه الرجل؟ فأجاب عليه السلام بقوله: «لا، إلّا أن تطيب نفس صاحبه».
قال بعض الفقهاء المعاصرين: «تقع (الإقالة) بالفعل كما تقع بالقول، فإذا طلب أحدهما الفسخ من صاحبه فدفعه إليه كان فسخاً وإقالة، ووجب على الطالب
إرجاع ما في يده إلى صاحبه».
وقال بعضهم: «الظاهر وقوعها
بالمعاطاة ، بأن يردّ كلّ منهما ما انتقل إليه إلى صاحبه بعنوان الفسخ».
وكلّ ذلك على القاعدة في باب العقود ما لم يثبت خلافه، وجريان
السيرة بذلك كما ذكره بعض الفقهاء.
•
ما تصح فيه الإقالة .
•
ما لا تصح فيه الإقالة .
تتصوّر الإقالة من ثلاثة أشخاص هم:
المالك والوكيل والوارث .
والقدر المتيقّن من أدلّة مشروعية الإقالة هو إقالة كلّ من المالك والوكيل المفوّض إليه ذلك، كعامل
المضاربة مثلًا، فإنّه يجوز له ذلك.
وقد صرّح بعضهم بأنّه كما يصحّ التوكيل في العقود كذا يصحّ في فسخها، والتوكيل في الإقالة.
وقسّم بعضهم الوكلاء إلى أقسام، وجعل قسماً منهم أن يكون وكيلًا مفوّضاً حتى بعد تمامية البيع كعامل المضاربة، وهذا يثبت له حقّ الفسخ من جهة كونه وكيلًا مفوّضاً.
من هنا ذكر
الميرزا النائيني أنّ الوكيل الذي تنتهي وكالته لا يكون مالكاً لالتزام الطرف الآخر حتى يرفع اليد عن هذه الملكية فتحصل الإقالة، فإنّه بعد العقد يصبح أجنبياً صرفاً.
ومراده غير الوكيل المفوّض الذي أشرنا إليه.
وذكر
المحقق النجفي الإقالة مثالًا لما تصحّ فيه
النيابة .
وهذا معناه إمكان إقالة الوكيل أيضاً.
وجعل بعضهم ضابطاً لما تدخله النيابة لأجل تصحيح الوكالة فيه، وهو: كلّ ما جُعل ذريعةً إلى غرض لا يختصّ بالمباشرة، وجعل منها العقود والفسوخ.
أمّا إقالة الوارث فقد صرّح
العلّامة الحلّي بأنّه «يجوز للورثة الإقالة بعد
موت المتبايعين».
وهذا تماماً كقيام الورثة مقام المورّثين في الفسخ عندما يرثون
الخيار فيكون مثله.
وقال المحقّق النجفي: «وهي (الإقالة) عندنا فسخ في حقّ المتعاقدين أو ورثتهما بناءً على قيامهم مقامهما في ذلك».
واستقربه
السيد الحكيم .
وهو ما يظهر من
الشهيد الصدر حيث لم يعلّق على كلام السيّد الحكيم.
واستدلّ لإرث الإقالة بامور:
۱- ما ذكره الميرزا النائيني من أنّ الإقالة عبارة عن ملك
التزام الطرف الآخر، فمع الموت يرث الوارث هذا الحقّ المملوك، وليس من الحكم المحض الذي لا يترك معه الوارث أيّ شيء قابل لأن يورث.
۲- إنّ الخيار الذي هو فسخ للعقد من طرف واحد قابل للإرث اتفاقاً، فتكون الإقالة قابلةً له بالأولوية؛ لأنّها تراضٍ من الطرفين.
۳- ما ذكره بعض الفقهاء من أنّ الإقالة لمّا كانت تجري مع تلف العوضين كان لابد من جريانها مع موت أحد المتعاملين؛ لأنّ المعاملات قائمة في ماهيّاتها على العوضين لا على المتعاملين.
وفي مقابل القول بجواز إقالة الوارث استشكل بعضهم في صحّة قيامه مطلقاً مقام المتعاقدين فيها،
وقرّب آخرون العدم.
ولعلّه للاستشكال في شرعية إقالة الوارث وعدمها، قال
السيد السبزواري :
«حقّ الإقالة كحقّ الفسخ موروث، ولكن
الأحوط التراضي من الورثة مستقلّاً
بصلح أو
هبة ونحوهما، من دون أن يكون ذلك بعنوان حقّ الورثة للإقالة».
هذا، وخصّ
السيد الخوئي الجواز هنا باستقالة الوارث والإقالة من الآخر، حيث قال: «في قيام ورّاث المتعاقدين مقام المورِّث في صحّة الإقالة إشكال، والظاهر العدم. نعم، تجوز الاستقالة من الوارث والإقالة من الطرف الآخر».
فالوارث هنا لا يقيل بل يستقيل.
واستدلّ له بأنّ الإقالة
فسخ ،
وجواز الفسخ للوارث بحاجة إلى دليل، وهو مفقود. نعم، خبر الحلبي المتقدم يدلّ على صورة استقالة الوارث.
وهذا الاستدلال مبني على كون الإقالة على خلاف القاعدة، وأنّ دليلها النصوص
والإجماع غير الشاملين للوارث بنحو مطلق.
إذا سأل
البائع من
الشفيع الإقالة في بيع حصّته من
المشتري فأقاله، لم تصحّ؛ لأنّها إنّما تصحّ من المتعاقدين؛
لأنّها فسخ للبيع، ولا يفسخ بالإقالة إلّا من ملك
العوض ، والشفيع قبل الأخذ بالشفعة ليس بمالك، وبعده ليس بمشترٍ، فلا تصحّ الإقالة بينه وبين البائع، ولا بينه وبين المشتري.
يشترط في الإقالة امور، وهي:
فلو اشترى
الولي للصبي شيئاً فاستقال الصبي البائع، لا تصحّ إقالته. وكذا لو جنّ المشتري أو صار سفيهاً فاستقال البائع لا تصحّ إقالته.
وهذا كلّه على مقتضى القاعدة في عدم نفوذ تصرّفات الصبي
والمجنون والسفيه في الامور المالية وأمثالها.
فلو اكرها أو أحدهما على الإقالة لم تصحّ.
وهذا الشرط أيضاً على مقتضى القواعد، ويدلّ عليه- إلى جانب الأدلّة العامة القاضية بعدم نفوذ المعاملات
المكره عليها-
خبر هذيل بن صدقة الطحان ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب فينطلق به إلى منزله ولم ينفذ شيئاً، فيبدو له فيردّه، هل ينبغي ذلك له؟ قال: «لا، إلّا أن تطيب نفس صاحبه».
وذلك كالبيع
والإجارة ، فلا تصحّ الإقالة فيما لا يعقل فيه الإقالة من العقود؛ كما لو كانت الإقالة فيها مخالفة لمقتضى العقد
كالوقف ، وقد تقدّم ذلك كلّه.
وكذا لا تصحّ فيما دلّ الدليل على عدم جريانها فيه،
كالنكاح الذي دلّ الدليل على لزومه وعدم إمكان فسخه إلّا
بالطلاق أو أحد موجبات الفسخ. سواء كان عدم جريان الإقالة فيما دلّ الدليل عليه ممّا يمكن تخريجه على القاعدة أو لا. وقد تقدّم ذلك كلّه.
لو اشترط أحد المتبايعين على الآخر أن يقيله بعد مدّة فقد ذهب بعض
الفقهاء إلى
جواز ذلك وصحّته؛ لأنّه شرط سائغ،
فيشمله قوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم».
لكن قال
الشيخ المفيد : «من باع شيئاً وقبض ثمنه واشترط على المبتاع أن يقايله بعد شهر أو سنة إذا حضر المال، كان الشرط
باطلًا ، والمبتاع بالخيار، إن شاء أقاله وإن شاء لم يقله».
ولعلّ المدرك في ذلك أنّ الإقالة لابد أن تكون بتراضي الطرفين وقد لا يكون المقيل حين الإقالة راضياً بل مجبراً على ذلك بحكم الشرط الذي أخذه على نفسه قبل ذلك، أو لأنّ مقتضي العقد إطلاق الملكية، الأمر المفقود في المقام بلحاظ الزمان الآتي.
وفصّل العلّامة الحلّي حيث قال: «التحقيق أن نقول: إن كان الشرط في متن العقد كان لازماً ووجب على المبتاع ردّه مع الشرط... وإن كان الشرط خارجاً عن العقد، بل حصل بعد
انعقاد البيع وتمامه، لم يكن لازماً وكان الحقّ ما ذكره شيخنا المفيد».
ولعلّ المستند لنفوذ هذا الشرط إذا كان ضمن العقد أنّه لا ينافي العقد نفسه ولم يدلّ دليل على المنع عنه،
والبناء العقلائي يقبل التملّك الموقت بهذا النحو.
ويراد به البيع بشرط
الخيار ، وذلك بأن يبيع ويشترط في ضمن العقد أن يكون له الفسخ بعد مدّة إذا جاء بالثمن.
ولم يتعرّض الفقهاء لهذه المسألة، وإنّما ذكرها
ابن حمزة قائلًا: «بيع الإقالة إنّما يصحّ بأربعة شروط: أحدها: أن يبيع بما يكون من ذوات الأمثال. والثاني: أن يعيّن المدّة التي يقيل فيها. والثالث: أن يشرط أن يردّ عليه مثل الثمن الذي باعه به من غير زيادة ولا نقصان. والرابع: أن يكون المبيع ممّا يبقى إلى تلك المدّة من غير أن يفسد ويتغيّر عن حاله».
وناقشه
العلّامة الحلّي في الشرط الأوّل قائلًا: «المعتمد أنّه لا يشترط ذلك لا في المبيع ولا في ثمنه»، ثمّ استدلّ له بقوله: «إنّه عقد تضمّن شرطاً سائغاً فكان صحيحاً، ولا فرق بين المثلي وغيره».
•
آثار الإقالة .
وقوع الاختلاف
والنزاع بين المتعاقدين بعد الإقالة تارة يكون في مقدار الثمن، واخرى في قيمة التالف، فيقع البحث في أمرين:
وقوع الاختلاف بين المتعاقدين في مقدار الثمن بعد الإقالة:
لو ادّعى
المشتري أنّه دفع إلى البائع المقدار الزائد من الثمن وأنكر البائع، وادّعى أنّ الثمن هو الأقلّ، فالمشهور
أنّه يقدّم قول البائع مع يمينه، بل ادّعي
الإجماع عليه؛
لكونه منكراً للزيادة.
ولكن
العلّامة الحلّي ذكر في التحرير أنّه يقدّم قول المشتري حيث قال: «ولو اختلفا في قدر الثمن بعد الإقالة، فالوجه قبول قول المشتري مع
اليمين وعدم
البيّنة ».
وقوع
الاختلاف بينهما في قيمة التالف:
لو تقايلا بعد تلف المبيع فالإقالة صحيحة، ولابدّ للمشتري من دفع
قيمة المبيع إلى البائع بعد الإقالة، ولو اختلفا في القيمة فحينئذٍ يقدّم قول منكر الزيادة- أي المشتري- مع اليمين
وهو
المشهور ،
بل ادّعي عليه الإجماع.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۳۵۷-۳۸۷.