الرهن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو حبْس الشيء بحقٍّ لیستوفى منه عند تعذُّر وفائه.
(وأركانه أربعة :)
(الأوّل : في) بيان (الرهن) وشرائطه.
(وهو) لغة : الثبات والدوام، ومنه النعمة الراهنة، أي الثابتة والدائمة. ويطلق على الحبس بأيّ سبب كان، ومنه قوله سبحانه (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)
أي : بما كسبته من خير أو شرّ محبوسة.وشرعاً : (وثيقة لدين المرتهن) إذا تعذّر
استيفاؤه ممّن هو عليه استوفى منه أو من ثمنه.
والوثيقة : فعيلة بمعنى المفعول، أي : موثوق به لأجل الدين، والتاء فيها لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية كتاء الحقيقة، لا للتأنيث، فلا يرد عدم
المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث. مع أن الضمير الواقع مبتدأ لخبرٍ مؤنث إذا كان مرجعه مذكراً يجوز فيه الأمران، نظراً إلى الاعتبارين.وليس في
إضافة الدين إلى
المرتهن دور من حيث أخذ الرهن في تعريف المرتهن، إن عرّفناه في التعريف بصاحب الدين أو مَن له الوثيقة من غير أن يؤخذ الرهن في تعريفه.
والتخصيص بالدين مبنيّ إما على عدم جواز الرهن على غيره وإن كان مضموناً كالغصب، أو على أن الرهن عليه إنّما هو لاستيفاء الدين على تقدير ظهور الخلل
الاستحقاق أو تعذّر العين، وفيه تكلّف، مع أنه قد يبقى بحاله فلا يكون ديناً.
وكيف كان، هو ثابت بإجماع المسلمين كافّة، كما في
المهذب وظاهر الغنية،
وبه نصّت الآية الشريفة (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ)
والسنة الخاصيّة والعاميّة به مستفيضة، بل متواترة يأتي إلى ذكرها
الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.
وشرط السفر في
الآية مبني على الأغلب، وليس شرطاً في الصحة بإجماعنا المحكي في كلام جماعة،
والنصوص المعتبرة التي منها رواية الدرع المشهورة.
(و) ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه عقد (لا بدّ فيه من الإيجاب والقبول) الدالّين عليه، وذكر جماعة
منهم أن
الإيجاب : رهنتك، أو : وثّقتك بالتضعيف أو : أرهنتك بالهمزة أو : هذا رهن عندك أو على مالك، أو : وثيقة عندك، أو : خذه على مالك أو بمالك، أو : أمسكه حتى أُعطيك مالك بقصد الرهن وشبهه مما أدّى المعنى. قيل : وإنما لم ينحصر هذا العقد في لفظٍ كالعقود اللازمة ولا في الماضي لأنه جائز من طرف المرتهن الذي هو المقصود الذاتي منه، فغلب فيه جانب الجائز مطلقاً.
وفيه نظر، فإن
اعتبار ما لم يعتبر هنا في العقود اللازمة إنما هو
للاقتصار فيما خالف
الأصل الدالّ على عدم اللزوم على المتيقّن، وهو جارٍ في المقام، لتضمّنه اللزوم ولو من طرف الراهن، وعدم اللزوم من جانب المرتهن غير قادح بعد كون المنشأ للاعتبار هو نفس اللزوم المخالف للأصل من حيث هو من دون اعتباره من الطرفين، فتدبّر.
والأجود
الاستدلال عليه بعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقد، وهو صادق بإحدى العبارات المزبورة، فاشتراط زائد عليها يحتاج إلى دلالة، وهي في المقام مفقودة.وهذا وإن جرى في العقود اللازمة إلاّ أنّ الدلالة على اشتراطه فيها في الجملة حاصلة لولاها لكان حملها حكم المسألة فتكون متّبعة، وقياس المقام عليها فاسد بالضرورة.
وتكفي الإشارة في
الأخرس وإن كان عارضاً، أو الكتابة معها بما يدلّ على قصد الرهن لا بمجرّد الكتابة؛
لإمكان العبث، أو
إرادة أمر آخر. والقبول : قبلت، وشبهه من الألفاظ الدالّة على الرضاء بالإيجاب.
•
اشتراط الإقباض في الرهن ،
الإقباض شرط في الرهن إجماعا.
(ومن شرطه) أيضاً (أن يكون عيناً). فلا يصحّ رهن المنافع، اتفاقاً، كما في المسالك وغيره،
لكن صريح المختلف وقوع الخلاف فيه.
وهو على المختار واضح؛ لعدم صحة
إقباضها إلاّ بإتلافها. وكذا على غيره؛ لأنها تستوفى شيئاً فشيئاً وكلّ ما حصل منها شيء عدم ما قبله، والمطلوب من الرهن أنه متى تعذّر استيفاء الدين استوفى من الرهن.
قيل : وفيه نظر وقال به
الشهيد الثاني في حاشية الروضة،
فإن استيفاء الدين من عين الرهن ليس بشرط، بل منه أو من بدله، ولو ببيعه قبل الاستيفاء، كما لو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبله، والمنفعة يمكن فيها جواز ذلك بأن يوجر العين ويجعل الأُجرة رهناً.
وقريب منه القول في القبض؛ لإمكانه بتسليم العين ليستوفي منها المنفعة ويكون عوضها رهناً. وفيه : أنه خروج عن المتنازع؛ إذ لا كلام في جواز رهن الأُجرة، إنما الكلام في المنفعة نفسها.ولا الدين أي : لا يصحّ رهن الدين. بناءً على المختار من اشتراط القبض؛ لأنه أمر كلّي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه، وما يقبض بتعيين المديون ليس نفسه وإن وجد في ضمنه.
واحتمال جوازه على هذا القول
والاكتفاء في القبض بما يعيّنه المديون بناءً على صدق قبض الدين عليه عرفاً كهبة ما في الذمّة فرع عموم في الأدلّة يشمل مفروض المسألة، وليس؛ فإن المتبادر منها قبض المرهون نفسه لا ما هو فرد من أفراده، وصدق القبض عرفاً لا يستلزم تحقق القبض المتبادر من الأدلّة جدّاً.
وربما يضعّف
الاحتمال أيضاً بأن أخذ الرهن ليس إلاّ من حيث عدم الوثوق باستيفاء ما في الذمة، فكيف يستوثق في استيفائه بمثله؟!. وفيه نظر؛
لاختلاف الديون ومَن عليه الحق في سهولة القضاء وعسره، فكم من ديون متيقّنة
الأداء يصلح
الاستيثاق بها على غيرها مما ربما يئس منه أربابها.
مضافاً إلى عدم جريانه فيما لو كان الدين المرهون على المرتهن نفسه، فيحصل منه الاستيثاق وأيّ استيثاق، والقول بالجواز في مثله غير بعيد بناءً على مقبوضية ما في الذمة، إلاّ أن في الاكتفاء بمثل هذا القبض سيّما مع الشك في صحة البناء مع عدم
انصراف الأدلة الدالّة على اشتراطه إليه نوع نظر مع عدم القول بالفرق.
ومن الوجه الأوّل ينقدح الوجه في ضعف التمسّك للجواز على
الإطلاق ولو كان الدين المرهون على غير المرتهن واشترط القبض بالإطلاقات. وعلى القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحّة رهنه.
وقد صرّح في التذكرة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض وعدمه، فقال : لا يصحّ رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض؛ لأنه لا يمكن قبضه.
لكنه في القواعد
جمع بين الحكم بعدم اشتراط القبض وعدم جواز رهن الدين، فتعجّب عنه الشهيدان،
وهو في محله.
والاعتذار له عن ذلك : بعدم المنافاة بين عدم اشتراطه واعتبار كونه مما يقبض مثله مع تصريحه بالبناء المذكور، غير مسموع إلاّ أن يقال باختلاف نظره في البناء في الكتابين، فكم مثل ذلك قد صدر عن مثله وغيره.
والتحقيق : صحّة ما في الثاني من عدم صحّة البناء،
وإمكان الجمع بين القولين؛ لعدم المنافاة، مضافاً إلى عدم البُعد في المصير إليه بناءً على الوقوف على ظاهر الأُصول، وعدم الاكتفاء في الخروج عنها بمجرّد الإطلاقات الغير المنصرفة إلى المفروض لعدم تبادره منها.
ويذبّ عن عمومات لزوم الوفاء بالعقود بصرفها إلى ما يتبادر من إطلاقات النصوص في الرهون، فإنه بملاحظتها والنظر فيما ورد في بعضها مما هو كالتعليل لشرعيّة الرهن بأنه للوثوق الغير الحاصل في أغلب أفراد المفروض يحصل
الظن القوي بل المتاخم للعلم بأن عقد الرهن لا يصحّ إلاّ فيما يمكن قبضه وإن لم يشترط إقباضه، فمضمون العقد الذي يجب الوفاء به هو الصحيح الشرعي الذي يكون المرهون فيه بنفسه مما يمكن قبضه لا غيره، كما سيأتي في نظائره من عدم لزوم الوفاء فيما لا يمكن قبضه وبيعه، كالحرّ وشبهه، المشار إلى حكمه بقوله :
(مملوكاً) فلا يصحّ رهن الحرّ، إجماعاً مطلقاً، من مسلم أو كافر، عند مسلم أو كافر؛ إذ لا شبهة في عدم ملكه. ولا الخمر
والخنزير ، بلا خلاف إذا كان الراهن مسلماً، وكذا إذا كان المرتهن كذلك ولم يضعهما عند ذمّي، ومع الوضع عنده فكذلك عند الأكثر. خلافاً للشيخ،
فأجازه حينئذ إذا كان
الراهن ذمّيا؛ محتجاً بأنّ حق الوفاء إلى الذمي، فيصحّ كما لو باعهما وأوفاه ثمنهما.
ويضعّف بوضوح الفرق؛ فإن فائدة الرهن تسليط المرتهن على المرهون
بالبيع ونحوه مما يتضمّن الاستيفاء، وهو هنا ممتنع، والوضع عند
الذمّي غير مُجدٍ بعد ظهور أن يد الودعي يد المستودع، ولا يأتي هذا المحذور فيما فرضه، لعدم تسليط له عليهما بما يوجب الاستيفاء، بل هو المتسلّط عليه والمتكفّل للإيفاء بنحو من البيع جدّاً.
ومن هنا ينقدح الوجه في المنع عن رهن العبد المسلم والمصحف عند كافر ولو وضع عند مسلم؛ فإنّ رهنهما عنده نوع تسليط له عليهما منفي آيةً
واتفاقاً. وقيل : بالجواز فيهما بعد الوضع في يد المسلم؛
لانتفاء السبيل بذلك، وإن لم يشترط بيعه للمسلم، لأنه حينئذ لا يستحق الاستيفاء من قيمته إلاّ ببيع المالك أو من يأمره أو الحاكم مع تعذّره، ومثله لا يعدّ سبيلاً؛ لتحققه وإن لم يكن هناك رهن.
وفيه نظر، مع غموض الفرق بينه وبين
الخمر التي قد منع عن رهنها القائل المزبور، فتدبّر.
وأن يكون مما (يمكن قبضه ويصحّ بيعه). فلا يصحّ رهن الطير في الهواء؛ لعدم إمكان قبضه.قيل : ولو لم نشترطه أمكن الجواز؛ لإمكان
الاستيفاء منه ولو بالصلح عليه.
وفيه نظر؛ فإن مجرّد الإمكان مع الندرة غايتها غير محصِّل للمقصود الذاتي بالرهن وهو الاستيثاق، ومعه لا يحصل عموم يدلّ على لزوم الوفاء بمثله؛ لما مرّ، ولعلّه لذا اشترط الشرطين من لم يشترط القبض أيضاً.
وبما هنا وما يأتي وما مضى يتأيّد ما أيّدنا به الفاضل في القواعد فيما تقدّم.ولا
السمك في الماء، إلاّ إذا اعتيد عود الأوّل، وشوهد الثاني وانحصر في محلّ، بحيث لا يتعذّر قبضهما عادةً، فيصحّ رهنهما حينئذ مع
الإقباض على القول باشتراطه، ومطلقاً على غيره.
وحيث اجتمع الشرائط المزبورة جاز الرهن مطلقاً (منفرداً كان) المرهون بملك الراهن (أو مشاعاً) بينه وبين غيره، إجماعاً، كما في الخلاف والغنية والتذكرة.
ويتوقّف الإقباض في الثاني على إذن الشريك إما مطلقاً كما قيل،
أو إذا كان مما لا يكتفى في قبضه بتخليته، على الأصح؛ لحرمة التصرف في ملك الغير فيما يستلزمه وهو المشروط خاصة، دون ما يكتفى في قبضه بالتخلية، فإنها لا تستدعي تصرّفاً، بل رفع يد الراهن عنه خاصّة وتمكينه منه.
وعلى تقدير اعتباره فلو قبضه بدون
إذن الشريك وفعل المحرّم تمّ القبض على الأصح، فإن النهي الذي توهّم منه القول بعدم التمامية إنما هو لحقّ الشريك خاصة؛ للإذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعاً.
(ولو رهن ما لا يملكه) فإن كان بإذن المالك صحّ، إجماعاً، كما حكاه بعض الأصحاب،
وإلاّ (وقف على إجازة المالك) في المشهور بين الأصحاب، وهو ظاهر على القول
بالفضولي ، كما هو أصحّ القولين.
(ولو كان يملك بعضه مضى) الرهن وصحّ (في ملكه) خاصة،وتوقّف الباقي على
الإجازة .ويشكل الصحة فيما يملك مع جهل المرتهن بالحال وعدم إجازة المالك، أمّا على القول باشتراط تعيّن المرهون وعدم صحة ما فيه جهالة كما هو ظاهر الدروس حاكياً له عن صريح الشيخ مع دعواه
الإجماع فظاهر.
وأمّا على القول بعدم
الاشتراط والاكتفاء بالتميّز في الجملة كما عن الفاضل
فكذلك؛ لعدم التميّز في مفروض المسألة ويمكن أن يقيّد ما في العبارة بصورة علم المرتهن بالحال.وفي هذا
الإشكال نظر واضح، بل لعلّه فاسد.
وحيث جاز قيل : يضمن الراهن، وإن تلف بغير تفريط؛
لأنه عرضه
للإتلاف بالرهن.وفيه نظر، إلاّ أن يكون إجماعاً، كما هو ظاهر المسالك.
وللمالك
إجباره على افتكاكه مع قدرته منه والحلول؛ لأنه عارية والعارية غير لازمة، أما قبل الحلول فليس له ذلك إذا أذن فيه، كما قالوه.
وللمرتهن مع الحلول وإعسار الراهن أن يبيعه ويستوفي دينه منه إن كان وكيلاً في البيع، وإلاّ باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن، سواء رضي المالك بذلك أو لا؛ لأن الإذن في الرهن إذن في توابعه التي من جملتها بيعه عند
الإعسار .
(وهو لازم من جهة الراهن) وإلاّ لانتفت فائدته؛ مضافاً إلى عموم لزوم الوفاء بالعقود. وجائز من طرف المرتهن، بلا خلاف، بل عليه وعلى الأول الإجماع في ظاهر الغنية، وعن صريح التذكرة؛
وهو الحجة، مضافاً إلى أنه لمصلحة فله
إسقاطه . والفرق بينهما أن الأوّل يسقط حق غيره والثاني يسقط حق نفسه. ولا يشبهه شيء من العقود إلاّ عقد الكتابة على قول، ويمكن تمشيته في سائرها على القول بالفضولي مع كونه في أحد جانبيها خاصة.
ويستعقب اللزوم عدم جواز
الانتزاع إلاّ بإسقاط المرتهن الحقّ من
الارتهان بفسخ عقد الرهانة، أو حصول براءة ذمّة الراهن من جميع ما عليه من حق المرتهن بأحد موجباتها. وفي
إلحاق حصول
البراءة من بعض الحق بها من الجميع في جواز انتزاع مجموع الرهن قولان :
للأوّل كما عن القواعد
وقوع الرهن في مقابلة مجموع الدين من حيث هو مجموع، وقد ارتفع بعضه فيرتفع المجموع، ضرورة ارتفاعه
بارتفاع بعض أجزائه. وللثاني كما عن الدروس والمبسوط مدّعياً الإجماع عليه
النظر إلى الغالب من تعلّق الأغراض باستيفاء الدين عن آخره من الرهن، ويعضده
الأصل والاستصحاب . ولا ريب فيه لو شرط كونه رهناً على كلّ جزء، كما لا ريب في الأوّل لو شرط كونه رهناً على المجموع، لا على كلّ جزء منه.
وهنا مع عدم الشرطين احتمال ثالث قوّاه في المسالك،
وهو مقابلة أجزاء الرهن بأجزاء الدين وتقسيطه عليها، كما هو مقتضى كلّ معاوضة، فإذا بريء من بعض الدين ينفكّ من الرهن بحسابه، فمن النصف النصف ومن الثلث الثلث، وهكذا.
ويستشكل فيه بما لو تلف جزء من المرهون فإنه يقتضي أن لا يبقى الباقي رهناً على مجموع الدين، بل على جزء يقتضيه الحساب. ودفعه بما ذكر في توجيه
الاحتمال الثاني من تعلّق الغرض باستيفاء الدين كلّه من الرهن، حسن لو لم يأب هذا الاحتمال العرف الذي هو الأصل في التوجيه المزبور، ولا بُدّ من التأمّل.
(ولو) رهنه الراهن على الدين المؤجّل و (شرطه) أن يكون (مبيعاً) للمرتهن بذلك الدين، أو بقدر مخصوص إن لم يؤدّه (عند) حلول (الأجل لم يصحّ) كلّ من
البيع والرهن، بلا خلاف، كما يظهر من المسالك،
وفي السرائر الإجماع عليه؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى
انتفاء موجب الصحة من الصيغة، وعدم جواز التعليق في الأوّل ويستعقبه فساد الثاني؛ لفساد المشروط بفساد الشرط، مضافاً إلى أنّه لا يوقّت إلاّ بالوفاء. وفي تعليل فساد المشروط بفساد شرطه نظر، يظهر وجهه مما في بحث الشروط من كتاب البيع قد مر . فالعمدة في فساده هو الإجماع المنقول.
ولو قبضه كذلك ضمنه بعد الأجل لا قبله، بناءً على القاعدة المشهورة المبرهن عليها المنفي عنها الخلاف في المسالك
في خصوص المسألة : من أن كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، وحيث إن البيع يضمن بصحيحه حكم بالضمان بعد الأجل، لفساده في المقام، وإن الرهن لا يضمن بصحيحه حكم بعدمه قبله.
والسرّ فيهما أنهما تراضيا في لوازم العقد، فحيث كان مضموناً فقد دخل القابض على الضمان ودفع المالك عليه؛ مضافاً إلى عموم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».
وحيث يكون غير مضمون يكون التسليم واقعاً على
اعتقاد صحّة العقد، فلم يقصد المسلّم ضماناً، بل سلّم على قصد العدم، ولم يلتزم للتسليم ضماناً أيضاً، فينتفي المقتضي له.ويعضده
الأصل ، وانتفاء المخرج عنه من العموم المتقدّم؛ لعدم
انصرافه إلى نحو الفرض مما قصد فيه المسلّم نفي الضمان.
ولكن هذا إنما يتمّ لو كانا جاهلين بالفساد أو عالمين به، فإن الدفع والقبض حينئذ يكون بمنزلة
الأمانة ، وكذا لو كان الدافع عالماً دون الآخر، ويشكل في العكس، من حيث إن القابض لعلمه بالحال أخذ بغير حقّ والدافع توهّم الصحة، وإلاّ لما رضي بدفع ماله، فينبغي أن يكون مضموناً؛للعموم السابق. إلاّ أن يدفع بما مرّ من الأصل، وعدم انصراف العموم إلى محل الفرض.
وهذا هو العمدة في توجيه الحكم في الصور السابقة؛ إذ لولاه لأمكن
انسحاب هذا الإشكال في الصورة الأُولى منها، من حيث إنّ رضاء المسلّم بدفع العين فيها إنما هو لتوهّم صحّة العقد، بحيث لولاه لما رضي بالدفع.
(ولا يدخل حمل الدابة ولا ثمرة النخل والشجر) ونحوهما من
النماء الموجود حال العقد (في الرهن) إلاّ بالاشتراط، أو
الاتصال الغير القابل للانفصال، عند الأكثر، بل في الانتصار الإجماع،
لكن على الحمل خاصّة. خلافاً للإسكافي، حيث قال بالدخول على
الإطلاق ؛
تبعاً للأصل.
ولا ريب في ضعفه، وعدم إمكان المصير إليه، لمخالفته الإجماع، والأصل الدالّ على عدم الدخول، مع عدم المخرج عنه بعد ظهور أنه لا يتناوله لفظ المرهون. وقيل بدخول نحو الصوف
والوبر مما هو بحكم الجزء.
وهو حسن إن حكم العرف بالدخول، وإلاّ فالأظهر ما هو المشهور، ولعلّه المفروض.
(نعم لو تجدّد) النماء (بعد
الارتهان دخل) إن كان متّصلاً لا يقبل
الانفصال ، كالسمن والطول، بالإجماع المستفيض النقل في كلام غير واحد من الأصحاب.
وكذا إن كان منفصلاً كأمثلة العبارة، أو ما يقبله كالشعر والصوف على المشهور، كما عن الإسكافي وأحد قولي الطوسي، والمفيد والقاضي والحلبي والحلّي والمرتضى وابني حمزة وزهرة،
وتبعهم من المتأخرين جماعة، كالماتن هنا وفي الشرائع والشهيد في كتبه الثلاثة.
ولا يخلو عن قوة. لا لتبعيّة الأصل كما قيل؛
لمنعها في مطلق الحكم، بل إنما هي في الملك ولا كلام فيها. ولا لتبعيّة ولد المدبّرة لها في التدبير؛ لخروجها بالدليل، مع حرمة القياس، ووجود الفارق وهو تغليب جانب العتق. بل للإجماع المنقول في صريح الانتصار والسرائر وظاهر الغنية؛
وهو حجّة، سيّما مع اعتضاده بالتعدّد والشهرة.
ولولاه لكان المصير إلى القول بعدم الدخول كما عن الخلاف والمبسوط
وتبعه من المتأخّرين جماعة
لا يخلو عن قوّة. لا للمعتبرة الآتية القاضية بأن النماء المتجدّد للراهن؛ لأن غايته الدلالة على التبعيّة في الملك، ولا ينافيها الدخول في المرهون كما هو فرض المسألة. بل لأصالتي عدم الدخول، وجواز تصرّف المالك في ماله ونمائه كيف يشاء، خرج منهما الأصل بوقوع الرهن عليه، فبقي الباقي.
ولو اشترط المرتهن الدخول أو الراهن الخروج ارتفع
الإشكال ، وحكي عليه
الإجماع في الدروس،
ويعضده عموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط؛ مضافاً إلى ما دلّ على لزوم الوفاء بالعقود. ولا ينافي اشتراط الدخول عدم جواز رهن المعدوم؛ لمنعه على العموم، بل يخصّ بما ليس تابعاً لموجود، وأما فيه فيجوز، كما هو المفروض.
(وفائدة الرهن) مطلقاً (للراهن) عندنا، وعليه الإجماع في كشف الحق وغيره،
والإجماعات السابقة جارية هنا؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى كثير من المعتبرة التي هي مع تعدّدها موثقات كالصحيحة، فإن في سندها جملة ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهم
العصابة ، في اثنتين منها : أن غلّة الرهن تحتسب لصاحب الرهن مما عليه.
وفي الثالث : إن رهن داراً لها غلّة لمن الغلّة؟ قال : «لصاحب الدار»
هذا. مضافاً إلى المعتبرة الآتية الدالّة على أن هلاك الرهن منه فكذا نماؤه له؛ للتلازم بينهما الثابت ببعضها وببعض المعتبرة الواردة في
خيار الشرط ، وفيه بعد الحكم بأن النماء للمشتري : «أرأيت لو أن الدار احترقت مِن مال مَن كانت تكون الدار دار المشتري».
ولم يخالف في المقام عدا العامة فيحتجّ عليهم بما رووه من النبوي : «لا يُغلق الرهن، الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه».
ويستفاد منه التلازم المتقدم، مضافاً إلى موافقته للحكمة الربّانية.
(ولو رهن رهنين بدينين ثم أدّى عن أحدهما) وفكّ ما بإزائه من الرهن (لم يجز
إمساكه بـ) الدين (الآخر) للأصل، وعدم ارتباط أحد الدينين بالآخر، فلا يجوز أخذ رهن أحدهما بالآخر.(و) منه يظهر الوجه في أنه (لو كان) له (دينان و) أخذ (بأحدهما رهن) دون الآخر (لم يجز إمساكه بهما) ولا بدين ثالث.(ولا يدخل زرع الأرض) المرهونة (في الرهن) مطلقاً (سابقاً كان) على الرهانة (أو متجدّداً) بعدها، بلا خلاف أجده؛ للأصل، وعدم المخرج عنه في المقام.
•
الحق المرهون به،يشترط ثبوته في الذمة) بمعنى
استحقاقه فيها مطلقاً.
•
الراهن،هو الذي رهن مالا أو شيئا كي تصرف المرتهن فيها.
•
المرتهن، هو الذي يقبض و يأخذ مال الذي رهن الراهن .
رياض المسائل، ج۹، ص۱۸۷-۲۳۵.