الوكالة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي عبارة عن
الإيجاب والقبول الدالّين على
الاستنابة في التصرّف.
(وهي) ثابتة بالكتاب والسنّة وإجماع
المسلمين كافّة، كما في المهذّب وعن
السرائر والتذكرة،
قال سبحانه : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ).
وقال : أيضاً (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي).
والآيات آت بمعناهما متظافرة، كما أنّ السنّة الخاصيّة والعاميّة به مستفيضة، بل متواترة سيأتي إلى جملة منها
الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية. والكلام فيه (يستدعي فصولاً :
(الأوّل : الوكالة) بفتح الواو وكسرها (عبارة عن
الإيجاب والقبول الدالّين على
الاستنابة في التصرّف). وعرّفها بعضهم بأنّها عقد يفيد نيابة الغير في شيء، للموجب أن يتولاّه بنفسه وبغيره؛ ليدخل في متعلّقه الأفعال والأقوال. بخلاف الأوّل؛ لاختصاصه بالأفعال، لأنّها المتبادر من متعلّق التصرّف فيه. وبتقييد الشيء العام للأمرين بما له أن يتولاّه يخرج الفاسد منهما، وبتقييده بغيره ما لا يجوز أن يتولاّه به، كالواجبات العينية والنذور والأيمان ونحوهما.
ولكن ينتقض طرداً بالقراض و
المزارعة والمساقاة، ولذا قيّده بعضهم بقوله : بالذات.
وكيف كان، يكفي في كل من الإيجاب والقبول هنا ما يدل عليهما ولو بالإشارة المفهمة في الأوّل، والفعل الدالّ على الرضا في الثاني، بلا خلاف أجده، وبه صرّح في المفاتيح وحكي عن
التذكرة .
ولا يشترط في القبول الفورية، بل يجوز تراخيه عن الإيجاب ولو طالت المدّة، إجماعاً منا، كما عن التذكرة،
وحكاه في
المسالك والروضة
على جواز توكيل الغائب والقبول فيه متأخّر، ونحوه السرائر،
بل جعله إجماع
المسلمين .
ويدلّ عليه بالخصوص أخبار معتبرة، كالصحيح : عن رجل أمر رجلاً أن يزوّجه
امرأة بالمدينة وسمّاها له، والذي أمره بالعراق، فخرج المأمور فزوّجها إيّاه،
الحديث، فتأمّل.
والموثق : عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول : ابتع لي ثوباً، فيطلب له في السوق،
الخبر.
والخبر : في رجل بعث إليه
أبو الحسن الرضا عليه السلام بثلاثمائة دينار إلى رحيم امرأة كانت له وأمَره أن يطلّقها عنه ويمتّعها بهذا المال.
مضافاً إلى الأصل، والعمومات، ومنهما يظهر عدم
اشتراط عدم الردّ، وفاقاً لجماعة.
خلافاً للقواعد والتذكرة،
فاشترطه. ولا وجه له، إلاّ أن يقال : بأن المقصود من الوكالة هو
إباحة التصرّف بإذن المالك، وهو مشكوك فيه بعد الردّ، فلعلّ المالك لم يرض بتصرّفه بعده، و
أصالة بقاء الإذن معارض بأصالة بقاء حرمة التصرّف.
وهو لا يتم إلاّ مع علم الآذن بالردّ وحصول الشك في بقاء
الإذن بعده، والوجه فيه ما ذكره، دون ما إذا لم يعلم به، أو قطع ببقاء إذنه.
(ولا حكم لوكالة المتبرّع) بقبولها بعدم اشتراطه جعلاً أو اجرة على عمله الذي ليس له اجرة في العرف والعادة، كبرئه القلم، فلا يستحق
أجرة مطلقا ولو نواها، لتبرّعه بالعمل لفظاً، مع أن
الأصل عدمها.
ويحتمل العبارة معنى آخر، مبني على
إرادة التوكيل من الوكالة، أي : لا حكم لتوكيل المتبرّع بتوكيله بأن وكّل أحداً في التصرّف في مال غيره فضولياً.
وهو مع توقّفه على البناء المتقدّم المخالف للظاهر، لكون الوكالة وصفاً قائماً بالوكيل دون الموكّل لا ينطبق على القول بصحة الفضولي في الوكالة كما قال بها الماتن إلاّ بتأويل الحكم في العبارة باللزوم دون الصحّة، وهو أيضاً خلاف الظاهر، لكن هذا المعنى أنسب بالمقام ممّا قلناه.
•
منجزية الوكالة، ومن شرطها أن تقع منجّزة فلا تصحّ معلّقة على شرط ولا صفة ويجوز تنجيزها وتأخير التصرّف إلى أمد.
(وليست) الوكالة (لازمة لأحدهما) بلا خلاف، كما عن التذكرة،
وعليه
الإجماع في ظاهر الغنية.
فلكل منهما
إبطالها في حضور الآخر وغيبته، لكن إن عزل الوكيل نفسه بطلت مطلقا. ويأتي في صحة التصرّف بالإذن الضمني ما مضى من احتمالها مطلقا، وعدمها كذلك. وربّما فرّق هنا بين
إعلام الموكّل بالعزل فالثاني، وإلاّ فالأوّل.
والثاني أشهر، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه،
والأوّل أوجه لولاه، ومال إليه في المسالك مع تردّده فيه ثمة، قال : لأنّ الإذن صحيح جامع للشرائط، بخلاف السابق، فإنّه معلّق. وفي صحته ما قد عرفت، ومن ثمّ جزم في القواعد
ببقاء صحته هنا، وجعل الصحة هناك احتمالاً .
(ولا ينعزل) الوكيل بعزل الموكّل (ما لم يعلم العزل وإن أشهد بالعزل على الأصح) الأشهر بين عامة من تأخّر، وفاقاً للخلاف و
الإسكافي ؛
للمعتبرة الواردة عن
أهل العصمة صلوات الله عليهم أجمعين، منها الصحيح في
الفقيه : رجل وكّل آخر على وكالة في
إمضاء أمر من الأُمور وأشهد له بذلك، فقام الوكيل فخرج لإمضاء
الأمر ، فقال : اشهدوا أني قد عزلت فلاناً عن الوكالة، فقال : «إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على إمضاء الوكيل، كره الموكّل أم رضي» قلت : فإنّ
الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنّه قد عزله عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه؟ قال : «نعم» قلت : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر، ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشيء؟ قال : «نعم، إن الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافه العزل عن الوكالة».
والصحيح فيه : «من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها».
والخبر القريب من الصحّة بتضمّن سنده جملة ممّن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنهم
العصابة : رجل وكّل رجلاً بطلاق امرأته إذا حاضت وطهرت، وخرج الرجل فبدا له، فأشهد أنّه قد أبطل ما كان أمره به وأنّه قد بدا له في ذلك، قال : «فليُعلِم أهله وليُعلِم الوكيل».
ونحوه آخر،
وهو طويل تضمّن حكم
الأمير عليه السلام بذلك مع
الإشهاد وعدم الإعلام.
وقصور سندهما منجبر بالشهرة العظيمة المتأخّرة؛ مضافاً إلى
الاعتضاد بالأخبار الأوّلة الصحيحة، فلا شبهة في المسألة.
خلافاً للفاضل في القواعد خاصة، فحكم بالعزل مطلقا.
وللنهاية والحلّي والقاضي والحلبي وابني زهرة وحمزة،
فالتفصيل بين الإشهاد فالثاني، وإلاّ فالأوّل، وعليه ادّعى في الغنية إجماع
الإماميّة .
وغايته أنّه رواية صحيحة واحدة لا تقابل ما قدّمناه من النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة ، فليس فيها حجّة ، كسائر ما علّل به الأوّل من أنّ العزل رفع عقد لا يفتقر إلى رضاء صاحبه فلا يفتقر إلى علمه ، كالطلاق والعتق.
وأن الوكالة من العقود الجائزة فللموكّل الفسخ وإن لم يعلم الوكيل ، وإلاّ كانت حينئذٍ لازمة.
فقد يضعّف الأوّل : بمنع المساواة بين العتق والمقام ، فإنّ العتق فكّ ملك وليس متعلّقاً بغير العاقد ، وليس كذلك العزل في الوكالة ؛ لتعلّقه بثالثٍ.
والثاني :
بتسليم جواز الفسخ ، لكن يحتمل أن يكون ترتّب
أثره عليه مشروطاً بالإعلام المفقود في المقام.
قوله : وإلاّ كانت لازمة.
قلنا : نعم في هذه الصورة ، وهو لا ينافي جوازها من أصلها ، فكم من عقود جائزة تصير لازمة بالعوارض الخارجية ، كشروع العامل في العمل في
الجعالة ، فإنّها تكون لازمة للجاعل إلاّ مع
بذل مقابل ما عمل مع إعلامه ، ونظائره في الشرع كثيرة ، كحضور المسافر مسجد
الجمعة ، وشروع
الإنسان في الحج المندوب. هذا.
مع كونه
اجتهاداً في مقابلة النص الصحيح ، فلا يعتبر.
وأمّا ما ربما يستدل بعده للمختار : من
استلزام الانعزال بالعزل قبل الإعلام الضرر على الوكيل ، فقد يتصرّف تصرّفات يتطرّق الضرر إليه ببطلانها ، كما لو باع الجارية فيطؤها المشتري ، والطعام فيأكله ، وأن النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلاّ بعد علمه كنواهي الشرع.
فضعيف غايته ، فالأوّل : بانتقاضه بتصرّفاته بعد موت الموكّل مثلاً ولم يعلم، ولا خلاف في
بطلانها ، كما في شرح الإرشاد وغيره،
مع
اندفاع الضرر بالرجوع إلى العوض.
والثاني : بذلك، وبأنّ غاية الجهل إنّما هو رفع حكم النهي الذي هو
الإثم والمؤاخذة، لا
إثبات الصحّة في معاملة لم تصادف إذن المالك بالكليّة، وإن هي حينئذٍ إلاّ كصلاة واقعة في حالة النسيان من غير طهارة، ومعاملة على مال الغير بمظنّة أنّه ماله.
(و) يتفرّع على المختار أنّ (تصرّفه قبل العلم) بالعزل (ماضٍ على الموكّل) ليس له ردّه ولو أشهد عليه، فالأنسب تفريعه عليه بالفاء.
ثم المستفاد من هذه العبارة كسابقتها وغيرها ممّا اعتبر فيه العلم بالعزل عدم
اعتبار الظن به، وهو كذلك إلاّ في الظن المستفاد من
إخبار الثقة؛ للصحيحة الاولى من الأخبار المتقدّمة، وبه صرّح جماعة،
ويمكن أن ينزّل عليه العبارة بحمل العلم فيها على ما يعمّ الظن القائم مقامه شرعاً.
•
بطلان الوكالة، وتبطل الوكالة بالموت والجنون و
الإغماء وكذا تبطل بـتلف ما يتعلّق به ولو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكّل الإذن بذلك القدر، فالقول قول الموكّل مع يمينه ثم تستعاد العين إن كانت موجودة، ومثلها إن كانت مفقودة، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل وكذا لو تعذّر
استعادتها .
•
ماتصح فيه الوكالة، وهو كلّ فعل لا يتعلّق غرض الشارع فيه بـمباشر معيّن كالبيع والنكاح وتصحّ الوكالة في
الطلاق للغائب والحاضر على الأصحّ.
(و) يجب أن (يقتصر الوكيل) في تصرّفاته (على ما عيّنه الموكّل) أو ما يشهد العادة بالإذن مع اطّرادها، أو دلالة القرائن، كما لو أذن بالبيع بقدرٍ نسيئة فباع نقداً به أو بأزيد، إلاّ أن يكون له غرض في التعيين ولو على
الاحتمال ، ولا يجوز التعدّي حينئذٍ إلاّ أن يكون احتمالاً نادراً.
بلا خلاف في شيء من ذلك ولا إشكال، إلاّ فيما حكموا به من صحّة المعاملة مع المخالفة حيث جازت له بدلالة القرائن أو
اطّراد العادة مع ضمان العين لو عيّن لها محلاًّ تباع فيه فعدل إلى آخر فباعها فيه؛ فإنّ صحّة المعاملة حينئذٍ مع الضمان ممّا لا يجتمعان؛ فإنّ المخالفة لو أثّرت في الضمان من حيث عدم الإذن لأثّرت في فساد المعاملة أيضاً،
لاتحاد الحيثيّة، والإذن المفهوم من العادة لو صحّحت المعاملة من حيث الإذن لأثّرت في نفي الضمان البتة، لاتّحاد الحيثيّة، كذا قيل.
ويمكن الذبّ عنه بأنّ الإذن المفهوم غايته الدلالة على صحّة المعاملة خاصّة دون نقل العين عن مواردها المعيّنة، ولا تلازم بينهما بالبديهة؛ فإنّ الإذن المفهوم ليس إلاّ من حيث الأولويّة، ولا تحصل إلاّ حين جريان المعاملة لا قبله؛ إذ منشأ
الأولويّة ليس إلاّ زيادة الثمن عمّا عيّنه، وهي قبل المعاملة غير حاصلة وحينئذٍ فتكون اليد عادية، عليها ضمان ما أخذته بمقتضى الرواية.
وبما ذكرنا يظهر عدم الفرق في الحكمين بين كون محل المعين سوقاً فعدل إلى سوق آخر، أو بلدة معيّنة عدل عنها إلى أُخرى، فالحكم بالضمان في الثاني دون الأوّل كما عن التذكرة
حجّته غير واضحة؛ لاشتراكهما في مقتضي
الضمان وإن زاد سببه في الثاني دون الأوّل؛ لما فيه من تعريض المال للتلف بالسفر الذي هو مظنة
الآفة غالباً وهذا الفرق لا يؤثّر في نفي الضمان عن الأوّل، بل فائدته تأكيد وجه الضمان في الثاني.
وممّا ذكرنا يظهر وجه الدفع عمّا أُورد على التذكرة : من عدم الفرق بين المقامين اللذين فرّق بينهما بالكليّة،
فإنّ طريق الفرق كما عرفت واضحة، فلا وجه للإيراد بما ذكره، بل الذي ينبغي
إيراده عليه هو ما قدّمنا إليه الإشارة.
•
تعميم الوكالة، ولو عمّم الوكالة صحّ إذا خصّها من وجهٍ، مالٍ أو غيره، إلاّ ما يقتضيه
الإقرار .
•
شرائط الموكل، ويشترط كونه مكلّفاً جائز
التصرّف ولا يؤكّل العبد إلاّ بإذن مولاه ولا
الوكيل إلاّ أن يؤذن له وللحاكم أن يوكِّل عن السفهاء والبُله ويكره لذوي المروّات أن يتولّوا المنازعة بنفوسهم.
•
شرائط الوكيل، ويشترط فيه كمال العقل ويجوز أن تلي المرأة عقد النكاح لنفسها ولغيرها والمسلم يتوكّل للمسلم على
المسلم و الذمّي، وللذمّي على الذمّي وفي وكالته له على المسلم تردّد والذمّي يتوكّل على الذمّي للمسلم والذمّي ولا يتوكّل على مسلم.
(والوكيل
أمين لا يضمن إلاّ مع تعدٍّ أو تفريط) بلا خلاف، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية وصريح الروضة والمسالك والمحكي عن التذكرة،
وعن شرح القواعد أنّه يلوح من عباراتهم كونه ممّا عليه علماء
الإسلام كافّة؛
وهو الحجّة، مضافاً إلى عمومات النصوص المتقدّمة في الوديعة.
مع أنّه لو كلّف الضمان مطلقا لامتنع الناس من الدخول في الوكالة مع الحاجة إليها فيلحقهم الضرر بذلك، فناسب زوال الضمان عنهم بمقتضى الحكمة. و
إطلاق الأدلّة يقتضي عدم الفرق في الوكيل بين كونه بجُعل أو غيره، وبه صرّح في التذكرة.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۵۳- ۸۰.