الولاية على أرض الفتح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا إشكال ولا خلاف بل النص و
الفتوى على أنّ النظر في هذه
الأرض إلى
الإمام عليه السلام في حال الحضور و
بسط اليد، وهو المسئول عن
استثمارها وتقبيلها ممّن يشاء بما يشاء ويراه صالحاً من النصف أو الثلث أو الربع أو أكثر من ذلك أو أقل، ثمّ صرف ذلك في مصالح المسلمين العامة كبناء القناطر و
عمارة المساجد و
إعانة الغزاة وأرزاق القضاة ونحو ذلك، وبتعبير اليوم: بناء الجسور وتعبيد الطرق و
تسليح الجيش الإسلامي ودفع رواتب موظفي
الدولة الإسلامية والقضاة وغير ذلك.
كما أنّ له أخذها من متقبّل ودفعها إلى متقبّل آخر إذا انقضت مدّة قبالة الأوّل أو امتنع عن استثمارها أو اقتضت المصلحة ذلك؛
كلّ ذلك لولايته العامة لُامور المسلمين، وللنصوص الخاصة في المقام،
التي منها: قول
الإمام الرضا عليه السلام في صحيح
البزنطي : «وما اخذ بالسيف فذلك إلى الإمام عليه السلام يقبّله بالذي يرى، كما صنع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر، قبّل أرضها ونخلها...».
وإليك بعض العبائر في المقام المشتملة على هذه الأحكام أو أكثرها مع دليلها أو بعضها:
قال العلّامة في
التذكرة : «والنظر فيها عندنا إلى الإمام يقبّلها من شاء مهما شاء من نصف أو ثلث أو ربع أو أقلّ أو أكثر، على حسب ما يقتضيه نظره، وعلى المتقبّل
أداء مال
القبالة إلى الإمام ليصرفه في جميع المصالح، كبناء القناطر وعمارة المساجد والربط وسدّ الثغور وإعانة الغزاة في سبيل اللَّه، وأرزاق القضاة وغيرهم...وللإمام أن ينقلها من متقبّل إلى غيره بعد خروج مدّة القبالة، أو امتناعه عن أداء مال القبالة، وبدونهما لا يجوز
إزعاجه عملًا بالشرط، ويدلّ على ذلك كلّه ما وجد في
كتاب علي عليه السلام ،
وهذه الأرض لا يصح لأحد التصرف فيها إلّا بإذن الإمام، فإن تصرّف أحد فيها بدون إذنه انتزعها الإمام منه، وإن أذن الإمام له في التصرف لم يملكها على الخصوص».
وقال
الفاضل النراقي : «المعروف من مذهب الأصحاب والمدلول عليه بالأخبار.
.. والثابت من سيرة
أمير المؤمنين عليه السلام فيما فتحت بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أنّ تولية هذه الأراضي والنظر فيها إلى الإمام يصنع فيها ما يراه من تقبيلها ممّن يريد كيف يريد».
وقال
المحقق النجفي : «لا خلاف ولا إشكال في أنّ النظر فيها إلى الإمام عليه السلام حال بسط اليد؛ لأنّه هو المتولّي لُامور المسلمين، قال الرضا عليه السلام في صحيح
ابن أبي نصر (المتقدّم): «وما اخذ بالسيف فذلك للإمام عليه السلام يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر قبّل أرضها ونخلها، والناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد، وقد قبّل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم خيبر عليهم في حصصهم العشر ونصف العشر»، ونحوه مضمره
».
ثمّ قال بعد ذلك: «وكذا لا إشكال ولا خلاف في أنّه يصرف الإمام عليه السلام حال بسط اليد حاصلها في المصالح العامّة مثل سدّ الثغور ومعونة الغزاة وبناء القناطر ونحو ذلك ممّا يرجع نفعه إلى عامّة المسلمين، بل
الإجماع بقسميه عليه».
وقال
الشيخ الأنصاري : «أمّا في زمان الحضور والتمكّن من
الاستئذان فلا ينبغي الإشكال في توقف التصرف على
إذن الإمام عليه السلام؛ لأنّه وليّ المسلمين فله نقلها عيناً ومنفعة...».
وقال
المحقق الإصفهاني : «أمّا الإمام عليه السلام فلا ريب في ولايته عموماً وخصوصاً، أمّا عموماً فبأدلّة الولاية، ولو بالمعنى الأخص المختص بالامور العامّة، وما هو شأن الرئاسة على المسلمين دون الولاية على التصرف في الأموال والأنفس بما يشاء، وأمّا خصوصاً فمثل قوله عليه السلام (المتقدّم): «وما اخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر قبّل سوادها وبياضها...».
وقال
السيد الشهيد الصدر - بعد ذكر الروايات التي تدلّ على أنّ هذه الأرض ملك لعامّة المسلمين-: «وعلى أيّ حال فإنّ أكثر النصوص التي قدّمناها تقرر: أنّ رقبة الأرض- أي نفس الأرض- ملك لمجموع الامّة، ويتولّى الإمام رعايتها بوصفه وليّ
الأمر ، ويتقاضى من المنتفعين بها خراجاً خاصاً، يقدمه المزارعون
أجرة على انتفاعهم بالأرض، والامّة هي التي تملك الخراج؛ لأنّها ما دامت تملك رقبة الأرض فمن الطبيعي أن تملك منافعها وخراجها أيضاً».
وعلى كلّ حال هذا المقدار لا كلام فيه كما عرفت، إنّما الكلام في حكم هذه الأرض حال عدم بسط اليد أو حال الغيبة، فهل يجوز التصرف فيها مطلقاً، بدعوى أنّ حكمها المتقدم خاص في زمن الحضور، أو لحصول الإذن العام، أم لا يجوز ذلك بل هي باقية على ملك المسلمين لا يجوز
الانفراد بالتصرف فيها ويجب دفع حاصلها في مصالح المسلمين، وعليه هل أمر ذلك إلى السلطان المتسلط أم إلى الحاكم الشرعي أم غير ذلك؟
احتمالات بل أقوال، ذكرها
إجمالًا الشيخ الأنصاري،
وعدّها
السيد اليزدي حتى أوصلها إلى ثمان،
أهمّها أو مردّها إلى ما يلي:
إنّ أمرها إلى السلطان الجائر، بدعوى أنّه هو
وليّ الأمر بعد غصبه الخلافة، فلا يجوز التصرف في هذه الأرض ولا في
الخراج إلّا بإذنه.
وهذا القول يستفاد من
المحقق الكركي في
فوائد الشرائع حيث قال- معلّقاً على عبارة
الشرائع (النظر فيها إلى الإمام) -: «هذا مع ظهوره عليه السلام، وفي حال
الغيبة يختص بها من كانت بيده بسبب شرعي كالشراء و
الإرث ونحوهما؛ لأنّها وإن لم تملك رقبتها لكونها للمسلمين، إلّا أنّها تملك تبعاً لآثار التصرّف، ويجب عليه الخراج و
المقاسمة ، ويتولّاهما الجائر، ولا يجوز جحدهما ولا منعهما ولا التصرف فيهما إلّا بإذنه باتّفاق الأصحاب، ولو لم يكن عليها يد لأحد فقضيّة كلام الأصحاب توقّف جواز التصرف فيها على إذنه، حيث حكموا بأنّ المقاسمة أو الخراج منوطة برأيه، وهما كالعوض عن التصرف، وإن كان العوض منوطاً برأيه كان المعوّض كذلك...».
وقال في رسالته الخراجية: «ما زلنا نسمع من كثير ممّن عاصرناهم لا سيّما شيخنا الأعظم
علي بن هلال قدّس اللَّه روحه... أنّه لا يجوز لمن عليه الخراج والمقاسمة سرقته ولا جحوده ولا منعه ولا شيء منه؛ لأنّ ذلك حقّ عليه».
وممّن يتراءى منه القول بذلك الشهيد في
الدروس حيث قال: «يجوز شراء ما يأخذ الجائر باسم الخراج والزكاة والمقاسمة وإن لم يكن مستحقّاً له»، ثمّ قال: «ولا يجب ردّ المقاسمة وشبهها على المالك، ولا يعتبر رضاه، ولا يمنع تظلّمه من الشراء، وكذا لو علم أنّ العامل يظلم إلّا أن يعلم الظلم بعينه. نعم، يكره معاملة الظلمة فلا تحرم؛ لقول الصادق عليه السلام: «كلّ شيء فيه حرام وحلال فهو حلال حتى يعرف الحرام بعينه»،
ولا فرق بين قبض الجائر إيّاها أو وكيله وبين عدم القبض، فلو أحاله بها وقبل الثلاثة، أو وكّله في قبضها، أو باعها وهي في يد المالك أو في ذمّته، جاز التناول، ويحرم على المالك المنع، وكما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات والهبة، والصدقة، والوقف، ولا يحلّ تناولها بغير ذلك».
وفي
المسالك نقل
الاتّفاق على عدم جواز منع الخراج عن الجائر ولا التصرف فيه إلّا بإذنه، حيث قال: «وقد ذكر الأصحاب أنّه لا يجوز لأحد جحدهما (الخراج والمقاسمة) ولا منعهما ولا التصرف فيهما إلّا بإذنه، بل ادّعى بعضهم الاتّفاق عليه».
لكن احتمل الشيخ الأنصاري قدس سره أن يكون المراد من حرمة منع الخراج وسرقته وجحوده في مثل هذه العبائر، حرمة منعه وجحوده رأساً حتى عن نائب العادل وليس منعه عن خصوص الجائر مع دفعه إلى نائب العدل أو صرفه حسبةً في وجوه بيت المال، واستشهد على ذلك بشواهد من عباراتهم
يطول المقام بذكرها.
نعم، هذا المحمل لا يصح في عبارة
المحقق الثاني في فوائد الشرائع المتقدمة.
هذا مضافاً إلى أنّ هذا القول نقله المحقق النجفي عن بعض مشايخه المعاصرين حيث قال: «ومن الغريب دعوى بعض مشايخنا المعاصرين
اختصاص جواز الدفع في الخراج ونحوه بالجائر، ملاحظةً للتقية الزمانية، وأنّ
الأصل عدم الإذن منهم عليهم السلام في الدفع إلى غيره، و لاقتصار النص في المقام ونظائره على بيان حكمه في يد الجائر».
ونقل في موضع آخر عن بعضهم تعليل الحلّية بأنّه كالجعل له على حماية بيضة
الإسلام .
وفي حاشية الاصفهاني على
المكاسب : «منهم من أفرط في القول بولايته حتى جعله بمنزلة الإمام العادل».
وفي
مصباح الفقاهة : كأنّ دليله «توهم أنّه وليّ الأمر في ذلك بعد غصبه الخلافة؛ لأنّ موضوع التصرف فيها هو السلطنة وإن كانت باطلة، فإذا تحققت يترتب عليها حكمها».
لكن اجيب عن كلّ ذلك بأنّه لا دليل على أكثر من نفوذ تصرفات الجائر فيما استولى عليه وأخذه، وجواز أخذه منه، وبراءة ذمة الدافع إليه للتقية والتسهيل، بل لم يرد في كلمات الفقهاء أكثر من ذلك.
قال المحقق النجفي- بعد نقل عبارة المحقق الثاني في فوائد الشرائع المتقدمة ودعواه الاتّفاق على توقّف حلّ الخراج والمقاسمة على إذن الجائر-: «فيه: أنّه لم نعرف للأصحاب كلاماً في توقف حلّهما على إذن الجائر مع عدم كون
الأرض في يده، وإنّما ذكروا حكم ما يأخذه الجائر
باسم الخراج والمقاسمة والزكاة، وهو كالصريح في كون ذلك لما في يده من الأراضي لا غيرها، ممّا يمكن دعوى الضرورة على عدم ولاية له عليه، وعدم قابليته لذلك، وإنّما أجرينا الحكم المزبور على ما في يده للتقية، وتسهيلًا للشيعة في زمن الغيبة، ودعوى أنّ الزمان زمان تقية فالأمر إليه فيها حتى على ما لم يكن في يده منها واضحة الفساد؛ لعدم شاهد عليها، بل ظاهر الأدلّة خلافها».
وفي آخر كلامه جواب عمّا نقله عن بعض مشايخه، كما أنّه قال في جوابه في موضع آخر أيضاً: «فيه: أوّلًا: أنّه كغيره من الأحكام التي شرّعت للتقية، المعلوم كونها دائرة مدارها، فمع فرض عدمها في حال أو في زمان أو مكان لا ينبغي التأمّل في عدم جواز مراعاتها، أو كون الزمان زمانها لا يقتضي ذلك وإن فرض عدمها في بعض الأحوال كما هو واضح، بل هو من الضروريات علماً وعملًا، وثانياً: أنّ أقصاها جواز الدفع، أمّا وجوبه على وجه بحيث لا يجزي لو دفعه إلى حاكم الشرع المنصوب من قبلهم فغير معلوم، بل معلوم خلافه...».
وكذا أجاب المحقق الإصفهاني و
السيد الخوئي عن هذا القول بما محصّله: أنّ غاية ما ثبت في الدليل ووردت فيه الأخبار هو نفوذ تصرفات الجائر فيما أخذه من الناس باسم الخراج والمقاسمة والصدقة، بمعنى جواز أخذها منه و
براءة ذمة الدافع إليه تسهيلًا على الشيعة لكي لا يقعوا في العسر والحرج، وهذا لا يدلّ على ولايته ولا كاشف عنها، بل هو من باب
الإجازة ممّن له الإجازة.
وقال السيد اليزدي: «و
بطلان (هذا) القول من الوضوح بمكان، كيف؟! وهذا من شئون الخلافة، ففي الحقيقة يرجع إلى
إيكال الأمر إليهم وعدم إثمهم في غصب الخلافة، ومثل هذا لا ينبغي أن يسطر».
وقريب من هذا القول ما يظهر ممّا نقله الشيخ الأنصاري عن بعض الأساطين،
وهو أنّ الأمر أوّلًا إلى الجائر لكن مع فقده أو ضعفه عن التسلّط أو عدم
إمكان مراجعته فالأمر إلى الحاكم الشرعي، حيث نقل عنه الشيخ أنّه بعد بيان أنّ الحكم مع حضور الإمام عليه السلام مراجعته، أو مراجعة الجائر مع التمكن، قال: «وأمّا مع فقد سلطان الجور أو ضعفه عن التسلط أو عدم التمكن من مراجعته، فالواجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي؛ إذ ولاية الجائر إنّما ثبتت على من دخل في قسم رعيّته حتى يكون في سلطانه ويكون مشمولًا لحفظه من الأعداء وحمايته...».
وكذا هو ظاهر
الشيخ جعفر كاشف الغطاء في مسألة حكم الخراج الذي يأخذه الجائر حيث إنّه- بعد أن ذكر جواز تناوله منه بشراء وغيره، وقوّى حرمة سرقته و
الامتناع عن تسليمه إلى الجائر، واحتمل أن تكون الحكمة في ذلك دفع الفساد وحفظ النظام والتسهيل على
أهل الإسلام حيث قال: «ولعلّ الحكمة- واللَّه أعلم- في ترتّب هذه الأحكام لزوم فساد النظام، والضيق على أهل الإسلام، والتجرّي على ما يخالف التقية، وأنّ قوّة الجائر فيها دفع الفساد عن العباد بحفظ بيضة الإسلام، ومنع قطّاع الطريق والسرّاق، وحقن الدماء، وحفظ الأعراض، إلى غير ذلك، فيكون ذلك صرفاً في مصالح المسلمين، وإن كان على يد من لم يكن أهلًا لإمرة المؤمنين».
- قال: «ومع عدم السلطان الجائر فالمرجع إلى
الفقيه المأمون فيما يتعلّق بامور المسلمين، والقول بجواز أخذ الجميع للمؤمنين فيما يكتسبونه بزراعتهم عند عدم تسلط الجائر هو الأقوى...».
وقال المحقّق النجفي بعد نقل هذه العبارة: «وظاهره ترتّب
ولاية الفقيه على عدم السلطان الجائر، كما أنّ ظاهره سقوط الخراج عن المؤمنين حينئذٍ».
ثمّ قال في مقام الجواب عنه: «وفيهما معاً منع واضح، وإن كان ربما يشهد للثاني منهما في الجملة نصوص التحليل.
.. إلّا أنّ ذلك مطّرح عند الأصحاب، بالنسبة إلى ذلك، وربما كان المراد منها خصوص الموات الذي هو لهم من
الأنفال أو غير ذلك، دون الأراضي الخراجية التي للمسلمين، فإنّ خراجها غير ساقط عمّن انتفع بها، ولذا جاز تناوله من يد الجائر، فإن قضت التقية بتسليمه للجائر دفعه إليه وبرئت ذمته، وإلّا دفعه إلى حاكم الشرع صرفه في مصارفه، ودعوى عدم الولاية لحاكم الشرع مع السلطان الجائر- وإن لم تقض
التقية بالدفع إليه- واضحة المنع...مضافاً إلى أنّه لا شكّ في أنّ للإمام حال قصور يده ذلك كما صرح به في بعض النصوص، وكلّما كان له صار لنائبه المنصوب من قبله».
وعلى كلّ حال لا يختلف هذا القول عن الذي قبله، ولذا اكتفى السيد اليزدي قدس سره بالقول: «وهو قريب من سابقه».
أنّ أمر هذه الأرض إلى الحاكم الشرعي؛ لأنّه نائب الإمام فيجب استئذانه في التصرف ودفع الحاصل إليه ليصرفه في جهاته، لكن مع عدم إمكان ذلك لعدمه أو لتسلط الجائر أو غير ذلك يكون الأمر إلى المتسلط.
وهذا هو المعروف بين الفقهاء لكن على خلاف بينهم في أنّه هل معنى ذلك حصول الولاية حينئذٍ بمعنى أنّه لا يجوز التصرف إلّا عن إذنه ولا يجوز منع الخراج والمقاسمة عنه وإن أمكن التصرف من دون إذنه أو دفع الحصة إلى الحاكم الشرعي، أم أنّ ذلك كلّه من باب التقية وهي تقدر بقدرها، أو من باب الإجازة في الفضولي من غير أن تكون ولاية للجائر أصلًا.
ظاهر
الشهيد الثاني و
السيد العاملي الأوّل.
قال الشهيد الثاني: «وهل يتوقف التصرف في هذا القسم منها (ما لا يد عليه لأحد يملكه من الأراضي الخراجية) على إذن الحاكم الشرعي، إن كان متمكناً من صرفها في وجهها، بناءً على كونه نائباً عن المستحق عليه السلام ومفوّضاً إليه ما هو أعظم من ذلك؟ الظاهر ذلك، وحينئذٍ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين... ومع عدم التمكن أمرها إلى الجائر، وأمّا جواز التصرف فيها كيف اتّفق لكلّ أحد من المسلمين فبعيد جدّاً...».
وقال السيد العاملي: «... فقد تحصّل أنّ النظر في أرض الخراج للإمام عليه السلام مع ظهوره، ومع غيبته إلى الحاكم الشرعي إن كان متمكناً، وإلّا فقضيّة كلام الأصحاب توقّف جواز التصرف على إذن الجائر؛ لأنّهم حكموا... بأنّ الخراج والمقاسمة منوطة برأيه، وهما كالعوض من التصرف وإذا كان العوض منوطاً برأيه فالمعوّض كذلك».
وهذا أيضاً هو المستفاد من كلام
السيد الحكيم والسيد الخوئي في
الرسالة العملية حيث أفتيا بعدم جواز التصرف في الأرض الخراجية إلّا بإذن الحاكم الشرعي، إلّا أن تكون تحت سلطة السلطان المدّعي للخلافة العامة فيكفي الاستئذان منه، مستشكلين في كفاية الاستئذان من الحاكم الشرعي حينئذٍ.
بينما ظاهر بل صريح المحقق النجفي والمحقق الاصفهاني والسيد الخوئي في المصباح الثاني، وأنّه من باب التقية ومن باب الإجازة في الفضولي.
قال المحقق النجفي في كتاب الجهاد: «وأمّا حال الغيبة ونحوها فلا خلاف معتدّ به، بل ولا إشكال في جريان حكم يده (الجائر) بالنسبة إلى براءة ذمّة من عليه الخراج وحلّ المال بالمقاسمة، وإلى جواز الأخذ بشراء ونحوه على ما كان منها في يد الجائر المتسلط للتقيّة، وأمّا غيره فالمرجع فيه إلى نائب الغيبة كما صرح بذلك جماعة منهم الكركي وثاني الشهيدين وغيرهما، وهو الذي تقتضيه قواعد الشرع».
وذهب في كتاب التجارة إلى حرمة منع الخراج؛ لأنّه اجرة الأرض المستحقة للمسلمين، فإن كانت يد الشرع مبسوطة دفعه إلى وليّ المسلمين، وإلّا دفعه إلى الجائر مع قضاء التقية به، فلو فرض عدمها في بعض الأحوال والأمكنة والأزمنة ولو بالنسبة إلى بعض الخراج دفعه إلى الحاكم المنصوب من قبلهم عليهم السلام في زمن الغيبة على كلّ ما كان لهم توليته في حال قصور اليد وبسطها؛ لإطلاق ما دلّ على ولايته من النص والفتوى.
بل ذهب إلى أنّ الظاهر من
اقتصار الأصحاب على بيان حكمه في يد الجائر؛ لمعلومية حاله في يد الفقيه الذي يده كيد الإمام، وقد اتّكلوا في بيان ذلك على ما ذكروه في غير المقام من أنّ منصبه منصب الإمام، وإنّما المراد لهم بيان حكمه في الجائر التي هي مظنة المنع باعتبار كونها غاصبة وظالمة.
وقال السيد اليزدي قدس سره: «وهو قريب من الصواب؛ لأنّ مقتضى القاعدة كون الأمر إلى الحاكم، إلّا أنّ المستفاد من الأدلّة... نفوذ تصرف الجائر أيضاً من باب إذن الإمام عليه السلام عموماً للشيعة المعاملين معه».
وقال المحقق الاصفهاني ما مجمله: مقتضى القاعدة عدم نفوذ تصرف غير الإمام عليه السلام لكن دلّ الدليل من الأخبار على جواز التقبل من الجائر، و
اشتراء ما يأخذه بعنوان الخراج وقبول جوائزه وغير ذلك، إلّا أنّ هذه ليست أحكام تصرفات الجائر لتكون كاشفة عن ولايته شرعاً بعد تغلبه، بل هي من باب الإجازة ممّن له الإجازة، كما في إجازة بيع الغاصب- مثلًا- لتواتر الأخبار
والآثار بحرمة التولّي من قبلهم والدخول تحت رايتهم للجهاد ومعونتهم بأيّ وجه كان، مع أنّ الترخيص في كلّ ذلك لازم
اعتبار ولايتهم وموجب لتقوية شوكتهم.
ويترتّب على ذلك ما يلي:
أوّلًا: أنّ مجرد
الإنفاذ بالإذن والإجازة لا يلازم الجواز التكليفي، بل ولا الخروج عن الضمان بالنسبة للجائر.
وثانياً: لا يجوز التصرّف بلا استئذان لا من الحاكم الشرعي ولا من السلطان؛ لأنّه ملك الغير، وأدلّة
الإحياء والتحليل غير مجدية في المقام.
وثالثاً: إذن الجائر وتصرفه ليس ممّا لا بدّ منه، إلّا إذا كان التصرف غير مقدور عليه خارجاً إلّا بإذنه، فإذا لم يمكن
الاستيلاء على أرض الخراج و
الانتفاع بها إلّا بتقبّلها من الجائر جاز التقبّل منه ونفذ بمقتضى الأخبار، ولا يجب الاستئذان خصوصاً من الإمام عليه السلام ولا من نائبه العام؛ لكفاية الإذن العمومي في المقام، كما أنّه إذا أمكنه بعد التقبّل منه أن لا يؤدّي إليه الخراج وجب عليه أداؤه إلى الإمام عليه السلام ونائبه العام؛ لعدم
استحقاق الجائر لقبضه منه، وعدم اللابدّية في إقباضه، فتسليطه على مال المسلمين يوجب الضمان، والضرورة تتقدّر بقدرها، فضلًا عمّا إذا تمكن من الاستيلاء على الأرض بالتقبّل من الإمام عليه السلام أو من نائبه العام، فإنّه لا مسوّغ لمراجعة الجائر لا تكليفاً ولا وضعاً.
وقال السيد الخوئي في المصباح- ما ملخصه-: إنّه لا دليل على سلطنة الجائر، بل غاية ما ثبت من الأخبار نفوذ تصرفاته فيما يأخذه من الناس باسم الخراج والمقاسمة بمعنى جواز أخذها منه وبراءة ذمة الدافع إليه، وإن بقي الجائر مشغول الذمة بها ما لم يؤدّها إلى أهلها، كلّ ذلك لتسهيل الأمر على الشيعة لكي لا يقعوا في العسر والحرج في معاملاتهم وامور معاشهم، ولم يدل دليل على أكثر من ذلك، حتى أنّه لو أمكن
إنقاذ الحقوق المذكورة من الجائر- ولو بالسرقة والخيانة- وإيصالها إلى أهلها وجب ذلك فضلًا عن أن ترد إليه.
وهذا هو ظاهر السيد الشهيد الصدر قدس سره في حاشيته على
المنهاج حيث علق على قول السيد الحكيم: (بل الظاهر عدم جواز التصرف فيها إلّا بإذن الحاكم الشرعي، إلّا أن تكون تحت سلطة السلطان المدّعي للخلافة العامة فيكفي الاستئذان منه، بل في كفاية الاستئذان من الحاكم الشرعي حينئذٍ إشكال) بالقول: «ضعيف، فالظاهر كفاية الاستئذان. نعم، مع تعذّر الاستئذان من الحاكم الشرعي لا يجوز التصرف بدون استئذان من السلطان المذكور».
أنّ الأمر إلى الحاكم الشرعي، لكن مع عدم تمكّنه من القيام بالأحكام الشرعية يجوز للشيعة التصرف فيها مطلقاً، من دون حاجة إلى مراجعة الجائر.
ذهب إليه
المحدث البحراني مستدلّاً عليه- مضافاً إلى عدم الدليل على وجوب الرجوع إلى الجائر، وغاية ما دلّت عليه الأخبار هو أنّه إذا استولى الجائر على تلك الأراضي جاز الأخذ منه والشراء ونحو ذلك، ولا دلالة في شيء منها على المنع من التصرف إلّا بإذنه، فمع تمكّن الإمام أو الحاكم الشرعي ليس الرجوع إلى الحاكم الجائر بأولى من الرجوع إلى المسلمين يتصرفون كيف شاءوا، لا سيّما مع
استلزام الرجوع إلى الجائر المعاونة على
الإثم والعدوان وتقوية
الباطل وتشييد معالمه؛ للنهي عنه كتاباً وسنة- بروايات التحليل
الدالة على أنّ الأرض كلّها لهم عليهم السلام وقد جعلوا شيعتهم في سعة ورخصة من التصرف فيها في زمن عدم تمكّنهم، وكذا الأخبار التي ظاهرها جواز البيع والشراء في تلك الأراضي مع قيام المشتري ممّا عليه الخراج وإن لم يكن البيع بإذنهم.
أنّه يجوز لآحاد الشيعة التصرف فيها من غير توقّف على إذن من الحاكم الشرعي ولا من الجائر.
احتمله المحقق الكركي في فوائد الشرائع حيث إنّه- بعد أن ذكر أنّ قضيّة كلام الأصحاب توقف جواز التصرف فيها على إذن الجائر- قال: «ويحتمل جواز التصرف مطلقاً».
واختاره المولى النراقي ونسبه إلى ظاهر الشيخ في
التهذيب ،
بل وإلى إشعار كلمات بعض به، واستدل عليه بأخبار التحليل، مجيباً على ما في المسالك- من أنّ هذا ليس من الأنفال التي أذنوا عليهم السلام لشيعتهم في التصرف فيها حال الغيبة، بل هي للمسلمين ولم ينقل عنهم الإذن في هذا النوع- بأنّ ما للمسلمين هو منافع هذه الأرض أو مع رقبتها، وأمّا التصرف والتقبيل فحقٌّ للإمام عليه السلام فيكون له الإذن فيه للشيعة، والإذن وإن لم ينقل في خصوص تلك الأراضي، ولكن يثبت بالعمومات ما ثبت بالخصوص ما لم يكن له معارض كما في المسألة.
وهذا القول الظاهر من صاحب الجواهر في كتاب التجارة اختياره حيث قال: «... بل قد يقوى في النظر عدم اعتبار الإذن في إحيائها زمن الغيبة من حاكم الشرع أو حاكم الجور، قال أبو الحسن عليه السلام: «والأرضون التي اخذت عنوة بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها ويحييها، ويقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من النصف والثلث والثلثين، وعلى قدر ما يكون لهم خلاصاً ولا يضرّهم»،
ولعلّ ذلك وغيره من النصوص المذكورة هنا وفي باب الخمس وإحياء الموات وغيرها دالّة على الإذن منهم عليهم السلام في ذلك، فلا حاجة إلى تحصيلها الآن من الحاكم وإن كان هو الأحوط».
وفي المكاسب: «ربما يؤيده جواز قبول الخراج الذي هو كأُجرة الأرض، فيجوز التصرف في عينها مجّاناً».
إلّا أنّ القول بالتحليل مرفوض من قبل الكثير من الفقهاء؛ لأنّه يبتني ويستند على شمول روايات التحليل لهذه الأرض في حين أنّه يتنافى مع كون هذه الأرض ملكاً للمسلمين كما صرح بذلك الشهيد الثاني قدس سره ومرّت عبارته.
وفي حاشية المكاسب للفقيه الهمداني: «وأمّا في حال الغيبة فالظاهر أيضاً بقاؤها على ملك المسلمين، وعدم جواز
استقلال أحد بالتصرف فيها، وغير ذلك من الأحكام الثابتة في حال الحضور؛ لاستصحاب الحالة السابقة في جميعها، بعد الغضّ عن
اقتضاء أدلّتها لذلك مطلقاً من غير تقييد بزمان الحضور».
ثمّ ناقش بعد ذلك في
الاستدلال بروايات التحليل بأنّها تنافي كون هذه الأرض ملكاً للمسلمين، فلا بدّ من حملها على الموات الأصلي وغيرها من الأنفال، وكذا أجاب عن الاستدلال بما دلّ من الروايات على أنّه ما كان لهم فهو لشيعتهم- كرواية يونس أو المعلى قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام : ما لكم من هذه الأرض؟
فتبسّم ثمّ قال: «... فما سقت أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا...»،
بتقريب أنّها تدلّ على أنّ ما كان لهم فهو لشيعتهم، والتصرف في تلك الأرض كان لهم- بأنّه ما أضعفه؛ لاستلزامه
إثبات الولاية المطلقة التي كانت للإمام عليه السلام، بل المناصب كلّها ممّا كان وظيفة الإمام عليه السلام لآحاد الشيعة عدولًا وفسّاقاً، علماء وجهلاء.
وفي حاشية المكاسب للمحقّق الاصفهاني قدس سره: «إن اريد تحليل نفس الأرض بحيث تكون ملكاً لمن بيده فهو منافٍ لكونها ملك المسلمين، ولا معنى لتحليل ملك الغير، وإن اريد
إباحة التصرف فقط، فإن كان مجّاناً وبلا خراج فهو أيضاً منافٍ لكون الأرض خراجية، وإن كان بالخراج لا مجّاناً فأخبار التحليل قاصرة عن إثبات جواز التصرف بالخراج.
وبالجملة: فما يلائم أخبار التحليل من
التمليك أو الإباحة المالكية مجّاناً فهو لا يلائم كون الأرض بمنافعها للمسلمين، وما يلائم ما نحن فيه من جواز التصرف بالخراج من وليّ الأمر الذي بيده الترخيص على هذا الوجه فأخبار التحليل قاصرة عنه،
فالاستناد إلى أدلّة الإحياء والتحليل لجواز التصرف- فضلًا عن التملّك عيناً ومنفعة- بعيد عن السداد».
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۲۲۹-۲۴۳.